الإجماع وأقسامه


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هنا سلسلة جامعة لأهم ما يُحتاج إليه في الإجماع نبدأ بسم الله: هو اتفاق مجتهدي أي عصر من العصور بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على حكم، قال في المراقي :وهو الاتفاق من مجتهدي الأمة من بعد وفاة أحمد، وأطلقن في العصر.

يقول ابن قدامة في روضته:(معنى الإجماع في الشرع: اتفاق علماء العصر من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على أمر من أمور الدين).

والإجماع ثلاثة أقسام:

1-  إجماع قولي وينقسم إلى قطعي وظني.

2-  إجماع ضمني.

3-  إجماع سكوتي أو إقراري أو فعلي.

الإجماع القولي: أن يكون قولًا من المجتهدين، والقطعي منه المنقول بطريق التواتر والظني منه ما نقل دون التواتر.
الإجماع الضمني: وهو أن ينحصر حكم المسألة في قولين أو ثلاثة في زمن الصحابة أو المجتهدين فهنا يمنع إحداث قول زائد
.
الإجماع السكوتي: وهو حكم بعض المجتهدين مع انتشاره وسكوت الباقين مع مضي مهلة للنظر مع عدم ظهور أمارات الرضا أو السخط، وفيه أقوال أنه إجماع وحجة وقيل أنه حجة وليس إجماعًا وقيل أنه ليس إجماعًا ولا حجة، وقال الباجي أنه حجة عند أكثر أصحابنا المالكية، والأقرب أنه حجة وإجماع ظني إن كان جليًا لا سيما إذا مر عليه أكثر من عصر، قال ابن عرفة في أصليه: (قلت: الأظهر إن كان الحكم جليًا فهو إجماع وإن كان دقيقًا فليس بحجة وإن كان بينهما فحجة فقط)، ومذهب الجمهور أنه حجة.

أقوال أخرى في الإجماع:

1-  أنه حجة في عصر الصحابة دون غيرهم وهو قول داود ورواية عن أحمد.

2-  عدم حجيته وهو قول النظام والخوارج والشيعة.

شروط خلافية في انعقاد الإجماع:

1-   انقراض عصر المجتهدين وهو قول الحنابلة.

2-   وفاق العوام وفيه خلاف والراجح عدم دخولهم فالعبرة بالمجتهدين، لكنه مرجح عند نقل إجماع ظني يقابله.

3-   اشتراط عدم التواتر في المجمعين وهو قول إمام الحرمين والراجح خلافه.

تحرير مذهب ابن تيمية في الإجماع المعتبر وإمكان وقوعه:

قال في مجموع الفتاوى:

(الإجماع متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والكلام وغيرهم في الجملة، وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة والشيعة، لكن المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالبًا ولهذا اختلف أهل العلم فيما يذكر من الإجماعات الحادثة بعد الصحابة واختلف في مسائل منه كإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة والإجماع الذي لم ينقرض عصر أهله حتى خالفهم بعضهم والإجماع السكوتي وغير ذلك).

فهنا يرى ابن تيمية أن الإجماع المعلوم هو ما كان عليه الصحابة أما بعده فيتعذر العلم به غالبًا.

قال في منهاج السنة: (ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم، معروف، قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعًا عند أهل السنة والجماعة فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة، ومتنازعون في إجماع من بعدهم).

فال في الواسطية:

(والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة).

يستخلص مما سبق أن الإجماع حجة لكن العلم به بعد عصر الصحابة يتعذر غالبًا والسلف في العقيدة الواسطية تُحمل على الصحابة لتخصيصه بهم في كلامه الآخر، وهنا أمران:

1-  أن يكون في العقائد وهذا مسلم لا شك أنه زمن الصحابة.

2-  أن يكون في حكم فقهي وهذا يحتمل أن يكون لحادثة جاءت زمن الصحابة ويحتمل أن تكون بعدهم، وهنا سننقل كلامًا في أنواع الإجماع لابن تيمية، قال في المجموع:
(والإجماع نوعان قطعي فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص، وأما الظني فهو الإجماع الإقرارى والاستقرائي بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافًا أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدًا أنكره، فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي، وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية والظني لا يدفع به النص المعلوم لكن يحتج به).

هنا ينص ابن تيمية على أن الإجماع الاستقرائي حجة لكنه حجة ظنية يرجح عليه النص، وعليه:

1-  ابن تيمية يرى الإجماع الذي يكون به العلم القطعي والظاهر أنه المقصود سابقًا المقصور بعصر الصحابة.

2-  الإجماع الظني: هو الإقراراي وهو حجة ظنية مطلقًا.

مثال لاستدلال ابن تيمية بالإجماع الثاني:

قال في المجموع عن مسألة تكفير القائل بعدم عصمة الأنبياء في الصغائر: (والذين قالوا: إنه يجوز عليهم الصغائر والخطأ ولا يقرون على ذلك، لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين. فإن هؤلاء يقولون: إنهم معصومون من الإقرار على ذلك، ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية، والمالكية ، والحنفية، والحنبلية، والأشعرية، وأهل الحديث، والتفسير، والصوفية: الذين ليسوا كفارًا باتفاق المسلمين).

فهنا ابن تيمية ذكر الاتفاق على عدم تكفير من قال بجواز فعلهم الصغائر، ثم قال: (ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية، والمالكية ، والحنفية، والحنبلية، والأشعرية، وأهل الحديث، والتفسير، والصوفية: الذين ليسوا كفارا باتفاق المسلمين).

ومعناه: أنه لو قلنا أنه كفر فيلزم تكفير فئات ليست كافرة بإجماع المسلمين، ووجهه: أنه إن كان هؤلاء ليسوا كفارًا باتفاق المسلمين وهم يقولون بعدم العصمة من الصغائر فمعناه أن هذا ليس بكفر.

سؤال: من أين لابن تيمية الاتفاق؟ فهل وجد كتاب فيه إجماعات لمن حكم بإسلامهم؟ الجواب: لا، لكن الظاهر في ذلك أنه من باب الإجماع الإقراري الذي نقلنا كلامه عنه في المجموع وذكر صحة الاحتجاج به.

تنبيه: الأشعرية فرقة نشأت بعد قرن تابعي التابعين آخر قرون السلف الصالح، وهذا يدل على أن احتجاج ابن تيمية هنا كان احتاجًا بإجماع بعد عصر السلف.

مسألة: عندما ينتشر صيت عالِم وتكون له كتبٌ تضرب الآفاق ويتناقلها المسلمون ويتدارسونها ويشاد بهذا العالم من علماءٍ من شتى المذاهب ويمر عصر وينقرض وعلى ذلك ثم بعده وينقرض وعلى ذلك ثم بعده وينقرض وعلى ذلك وقد تزيد القرون، والرجل الشأن انتشار صيته وانتشار كتبه، بمعنى مثله لا يخفى عادة، فهل هذا إجماع إقراري يصح الاحتجاج به على تقسيم ابن تيمية؟ الظاهر نعم، وابن تيمية احتج بعدم كفر أقوام أي بإسلامهم كما نقلنا، والاحتجاج بالإجماع على إسلامهم بوجود العلماء المادحين عصورًا وعدم وجود من ينكر عليهم ويكفرهم في عصورهم رغم اشتهار كتبهم ومرور أكثر من عصر على ذلك صحيح ويلزم من إنكاره عدم وجود طائفة ظاهرة بالحق في ذاك الزمن بيّنت كفر هذا العالم وحذرت الناس منه ومن كتبه، فما بالك بقرن بعده ثم بعده ثم بعده؟!

مثال ذلك: النووي رحمه الله، وهنا نقل أرسله لي أحد طلاب العلم نقلًا من قناة الأخ كريم حلمي في التيليغرام مما يخاطب به العلماء النووي:

الشيخ أبو زكريا النووي.
[شيخ الإسلام ابن تيمية، الحافظ ابن عبد الهادي، الحافظ ابن كثير، ...].
كان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة والتقلل وخشونة العيش.
[قطب الدين اليونيني الحنبلي].
الإمام، الفَقِيه، الحافظ الأوحد، القُدْوة، الزَّاهد، محيي الدين، ‌أبو ‌زكريا، يحيى بن شرف....
[الحافظ ابن عبد الهادي].
الشيخ محيي الدين النووي.
[المحقق ابن القيم، الحافظ ابن كثير، الشمس ابن مفلح، ...].
كان إمامًا بارعًا حافظًا متقنًا، أتقن علومًا جمة وصنف التصانيف الجمة، وكان شديد الورع والزهد.
[شمس الدين بن فخر الدين البعلي الحنبلي تلميذ شيخ الإسلام].
الشيخ الإمام العلامة محيي الدين ‌أبو ‌زكريا الحزامي ‌النووي الحافظ الفقيه الشافعي النبيل، محرر المذهب ومهذبه وضابطه ومرتبه، أحد العباد والعلماء الزهاد.
[الحافظ ابن كثير].
الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، العابد الفقيه، المجتهد الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأنام.
[الحافظ الذهبي].
الفقيه الإمام الزاهد القدوة أبا زكريا يحيى ‌النووي رحمة الله عليه.
[الحافظ ابن رجب]. اهـ.

فعندما يطبق هؤلاء على أمر ولا ينكر عليهم أحد ويحكم بكفره فهنا سكوت الباقين إقرار على إسلامه في أقل الأحوال لأن السكوت كان عصورًا مع انتشار اسم العالم وكتبه ومعرفة ذلك من العام والخاص، ومخالفتهم بعد عصور يلزم منها عدم وجود طائفة ظاهرة على الحق تبين أمره قرونًا، والله يهدينا جميعًا للخير والصواب.

تنبيه: مطلق عمل الناس لا يدل على حكم، والعبرة في إجماع العلماء في ذلك من نطق أو إقرار، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply