بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
محل الخلاف:
إذا كانت إجارة النخل ليست حقيقية، بل حيلة لبيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها فهذا لا إشكال في منعه.
إنما محل الخلاف إجارة النخل إجارة حقيقية لمن يخدمها ويقوم عليها حتى تُثمِر.
القول الأول:
جواز إجارة النخل لثمرها وهو مذهب اللَّيث بن سعد، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، واختاره من أصحابنا الحنابلة أبو الوفاء ابن عَقِيل، وابن تيمية، وابن القيم، وصاحب «الفائق».
أدلتهم:
1-أن هذا مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - ولا يُعْلَم له في الصحابة - رضي الله عنهم - مخالِف. قاله ابن القيم.
2-قال ابن القيم: «وسر المسألة: أن الشجر كالأرض، وخدمته والقيام عليه كشقِّ الأرض وخدمتها والقيام عليها، ومُغَلُّ الزرع كمغلّ الثمر، فإن كان في الدنيا قياسٌ صحيح فهذا منه». أحكام أهل الذمة (1/ 157)
القول للثاني:
منع إجارة النخل لثمرها وهو مذهب الأئمة الأربعة وحكاه أبو عبيد إجماعا.
دليلهم: ذكره ابن القيم فقال:«وهذا الذي ذهب إليه أبو عبيد هو المعروف عند الأئمة الأربعة، وجعلوا كراء الشجر بمنزلة بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه».
وأجاب ابن تيمية عن هذا الدليل بقوله:
معلوم أن الأرض يمكن فيها الإجارة ويمكن فيها بيع حبها قبل أن يشتد. ثم النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن بيع الحب حتى يشتد لم يكن ذلك نهيا عن إجارة الأرض وإن كان مقصود المستأجر هو الحب؛ فإن المستأجر هو الذي يعمل في الأرض حتى يحصل له الحب؛ بخلاف المشتري فإنه يشتري حبا مجردا وعلى البائع تمام خدمته حتى يتحصل فكذلك نهيه عن بيع العنب حتى يسود ليس نهيا عمن يأخذ الشجر فيقوم عليها ويسقيها حتى تثمر؛ وإنما النهي لمن اشترى عنبا مجردا وعلى البائع خدمته حتى يكمل صلاحه كما يفعله المشترون للأعناب التي تسمى الكروم؛ ولهذا كان هؤلاء لا يبيعونها حتى يبدو صلاحها.
وأجاب ابن القيم بقوله:
الفرق بين إجارة الشجر لمن يخدمها ويقوم عليها حتى تُثمِر، وبين بيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها من ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أن العقد هنا وقع على بيع عينٍ، وفي الإجارة وقع على منفعةٍ، وإن كان المقصود منها العين فهذا لا يضر، كما أن المقصود من منفعة الأرض المستأجرة للزراعة العين.
الثاني: أن المستأجر يتسلَّم الشجر فيخدمها ويقوم عليها كما يتسلَّم الأرض، وفي البيع البائع هو الذي يقوم على الشجر ويخدمها، وليس للمشتري الانتفاع بظلّها ولا رؤيتها ولا نَشْر الثياب عليها، فأين أحد البابين من الآخر؟
الثالث: أن إجارة الشجر عقدٌ على عينٍ موجودةٍ مدةً معلومةً لينتفع بها في سائر وجوه الانتفاع، وتدخل الثمرة تبعًا وإن كان هو المقصود، كما قلتم في نفع البئر ولبن الظئر أنه يدخل تبعًا وإن كان هو المقصود. وأما البيع فعقدٌ على عينٍ لم تُخلَق بعدُ، فهذا لونٌ وهذا لونٌ.
وأجاب ابن تيمية عن الإجماع المحكي بقوله:
«وليس بشيء؛ بل ادعاء الإجماع على جواز ذلك أقرب؛ فإن عمر فعل ذلك بالمدينة النبوية بمشهد من المهاجرين والأنصار وهذه القضية في مظنة الاشتهار ولم ينقل عن أحد أنه أنكرها وقد كانوا ينكرون ما هو دونها وإن فعله عمر كما أنكر عليه عمران بن حصين وغيره ما فعله من متعة الحج؛ وإنما هذه القضية بمنزلة توريث عثمان بن عفان لامرأة عبد الرحمن بن عوف التي بتها في مرض موته وأمثال هذه القضية. والذي فعله عمر بن الخطاب هو الصواب». مجموع الفتاوى (30/ 225)
الراجح:
قال ابن تيمية :«وإذا تدبر الفقيه أصول الشريعة تبين له أن مثل هذا المال ليس داخلا فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم».
قلت: كلام ابن تيمية وأدلته قوية جدا، ولو أنه خفّف العبارة في الترجيح لكان أفضل؛ لأن القول الآخر مذهب الأئمة الأربعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد