إرادة الضُرّ والمساس بالضُرّ


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

تأمّلت لفظة (إرادة الضُرّ) و (المساس بالضُرّ) في القرآن في مواضع عدّة، فما ذُكرت في مَوضعٍ أُريد به تقرير تدبير الله للكون وتصريفه للأمور إلّا نسبها الرحمن لنفسه، كي يُخفّف عنك وطأتها وكي يُذكّركَ بأنّه هُو الذي شاء بأن يُصيبك ما أصابك.. فإنّما تُبتلَى على عينه وبمشيئته.

ومتى ما استحضرتَ (الضُرّ) لوحده جزعت وأصابك الذُعر، لكنّك متى ما استحضرت أنّه إنّما يحدث بتقدير الرحمن الرحيم اطمئننت وهدأت، لأنّ الضُرّ إنّما يجري عليك بمشيئة الحكيم اللطيف، إذ لا يكونُ في كونه إلّا ما أراد!

}وَإِن يَمْسَسكَ (ٱللَّهُ) بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ  وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضلِهِ {يونس،107.

}وَإِن يَمْسَسْكَ (ٱللَّهُ) بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ  وَإِن يَمْسَسكَ بِخَيرٍۢ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ {الأنعام، 17.

}إِن أَرَادَنِىَ (ٱللَّهُ) بِضُرٍّ هَل هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَل هُنَّ مُمسِكَٰتُ رَحْمَتِهِۦ {الزمر، 38.

}ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً.. إِن يُرِدنِ (ٱلرَّحمَٰنُ) بِضُرٍّ {يس، 23.

فتذكّرت قولًا من حِكَم سيديّ ابن عطاء وفيها يقول: ليُخَفِّفْ أَلمَ البَلاءِ عَلَيكَ.. عِلمُكَ بِأَنَّهُ سُبحانَهُ هُوَ المُبلي لَك. فَالَّذي واجَهَتكَ مِنهُ الأقدارُ... هُوَ الَّذي عَوَّدَكَ حُسنَ الاختِيارِ.

قال الإمام القُشيريّ في لطائف الإشارات:

هوَّنَ على المؤمِن الضُرَّ بقوله:{وَإِن يَمْسَسْكَ (ٱللَّهُ) بِضُرٍّ} ولم يقل: وإن يُرِدكَ بضرٍ- حيث أضافه إلى نفسه، والحنظلُ يُسْتَلذُّ مِنْ كفِّ مَنْ تحبه!

قُلتُ: وهي نسبة لا تجوزُ تأدّبًا إلّا حيث أقرّها الله في كتابه العظيم، أمّا نهج الرُسُل والأنبياء والعارفين وأهل الذوق، أن لا ينسبوا الضرَّ لله تأدّبًا، مع علمهم ويقينهم بأنّه لا ينفع ولا يضرّ في هذا الوجود إلّا الله عزّ وجلّ، لكنّهم سادةٌ في الأدب والذوق يستخدمون صِيَغًا لا تُبنى للمعلوم أو ينسبونها للشيطان ذوقًا وتحنّنًا، كقول سيدنا أيّوب:}أنّي مسنيَ الشيطان}{أنّي مسنيَ الضُرّ{ أو كقول الرسول في دعائه:"وَالخَيرُ كُلُّهُ في يَدَيكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيكَ!"

والله أعلم!

}إنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَاء{:والمعنى أنّ حصولَ الاجتماع بين يوسف وبين أبيه وإخوته مع الألفة والمحبة وطيب العيش وفراغ البال كان في غاية البعد عن العقول إلّا أنّه تعالى لطيف، فإذا أراد حصولَ شَيءٍ.. سهّل أسبابه فحصل! وإن كان في غاية البعد عن الحصول.

ثم قال:{إِنَّهُ هُوَ ٱلعَلِيمُ ٱلحَكِيمُ}:أعني أنّ كونه لطيفًا في أفعاله إنّما كان لأجل أنّه عليم بجميع الاعتبارات الممكنة التي لا نهاية لها، فيكون عالِمًا بالوجه الذي يُسهِّل تحصيل ذلك الصعب.. وحكيم أي مُحكم في فعله، حاكم في قضائه، حكيم في أفعاله مُبرّأ عن العبث والباطل والله أعلم.

- تفسير مفاتيح الغيب، الرازي

قال جابرُ بن عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما:

سَمِعتُ رَسولَ اللهِ قَبلَ مَوتِهِ بثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ:"لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُم.. إلَّا وَهو يُحسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ".

ومن معاني هذا الحديث:لا يأتي أحدكم الموت وهو يظنّ أنّ الله لَن يخرجه ممّا هو فيه من بُؤسٍ أو فقرٍ أو فاقةٍ أو مَرَض!

ومَن أتاه الموت حين يأتيه وهو يظنّ لوهلة أنّ الله لَن يبدّل أحواله أو أنّ ما به من هَمٍّ وغمّ مما يستحيل على الله أن يُخرجه منه.. فقد استعجزَ القدرة الإلهية}وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا{.

والإيمان في جوهره أمل}إِنَّهُ لَا يَيأَسُ مِن رَّوحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَومُ الْكَافِرُونَ{.

وجوهر الإيمان الصبر، لأنّك تعلم أنّه مَعكَ يسمع ويرى،}وَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعيُنِنَا{.

وهذه الفكرة مركّبة، لكن لحسن الحظّ أنّ الروائي سعود السنعوسي ذات مرّة وصفها ببساطة، حين قال :الّلجوء إلى الإيمان.. بحدّ ذاته: يحتاج إلى إيمان!

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply