بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
1ــ يتلخص منهج داود الظاهري في: الأخذ بظاهر النص مطلقا، ومنع القياس والاستحسان، و الذرائع، والمصالح المرسلة وما شابه ذلك من الأدلة.
2 ــ هناك ما يشبه الاتفاق على أنّ داودًا الظاهري كان إمامًا ورعًا ناسكًا زاهدًا متقلِّلًا ذكيا بصيرا بالفقه، عالما بالقرآن، حافظا للأثر، رأسا في معرفة الخلاف، من أوعية العلم، له ذكاء خارق وفيه دين متين.
3- تَلقى داود الظاهري العلمَ عن كبار الأئمة فقد كان من خواص تلاميذ إسحاق بن راهويه وتتلمذ على جماعة من تلاميذ الشافعي، بل كان من المتعصبين للشافعي وهو أول من صنف كتابًا في مناقبه.
4- فليس الإشكال في منهج داود الظاهري نابعا من» :قلة العلم» أو «قلة الذكاء» أو «قلة الدين» أو «عدم التلقي عن العلماء الثقات».
5- بل كان نابعا من جانب آخر، والذي يظهر لي أن الإشكال عند داود الظاهري ناتج من «طريقته في التفكير» والتي تميل للمبالغة والتفرد وتجاوز الحد ويظهر ذلك بالعلامات التالية:
(أ) رَغِب – من حيث يشعر أو لا يشعر- أن يكون صاحب مذهب مستقل، فهو يعتبر بإجماع العلماء أول من أظهر القول بظاهرية الشريعة بين أهل السنة. قال أبو زرعة عن داود:« لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والآلة ولكنه تعدى»، فالإشكال جاء من هذه الزيادة، والرغبة في التجاوز التي يسميها أبو زرعة:«تعدي».
(ب) تَوسعَ بتبني الأقوال التي تخطر على باله، من غير مراعاة للحذر من الشذوذ المنهجي الذي يترتب عليه الشذوذ في المسائل. والتساهل في باب تبني الأفكار المنهجية الجديدة أحد أهم أسباب الأخطاء التي تتسم بشذوذ المنهج.
(ت) الخروج عن مناهج كافة العلماء بدعوى الوصول للصواب، وأنا متعجب: ألم يسأل داود الظاهري نفسه يوما من الأيام كيف أتبنى منهجًا يخالف جميع الناس وأتفرد به أليس هذا من الخطأ والمخالفة والشذوذ؟ لو كان سأل نفسه هذا السؤال ربما سلم من شذوذ المنهج، وهذا ما يشير له «ابن أبي حاتم» فقد تقدم أنّ داودًا الظاهري كان من المتعصبين للشافعي قال ابن أبي حاتم عنه:«ثم ترك ذلك ونفى القياس. وألّف كتبًا شذ فيها عن السلف. وابتدع طريقة هجره أكثر أهل العلم عليها. وهو مع ذلك صدوق في روايته ونقله واعتقاده، إلا أن رأيه أضعف الأراء، وأبعدها عن طريق الفقه، وأكثرها شذوذًا».
(ث) وقد يكون من أسباب ذلك – مع ما تقدم- أن والده كان حنفي المذهب فربما أحدثت مبالغة الأحناف في الرأي اتجاها معاكسا عنده.
(ج) الشخصية التي تميل للحماس الزائد (غالبا) يحصل في منهجها إشكال، وداود كان فيما يظهر من هذه الفئة ولهذا وصفوه بأنه كان متعصبا للشافعي.
(ح) في شخصية داود جرأة وهذه الخصلة قد تكون محمودة في مواضع لكنها إذا زادت تولد عنها ما لا ينبغي من الأفكار:
قال أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملى: «رأيت داود بن علي يرد على إسحاق بن راهويه، وما رأيت أحدا قبله ولا بعده يرد عليه هيبة له».
وقال عمر بن محمد بن بجير: سمعت داود بن علي، يقول:«دخلت على إسحاق بن راهويه، وهو يحتجم، فجلست فأخذت كتاب الشافعي، فأخذت أنظر، فصاح: إيش تنظر؟ فقلت: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، فجعل يضحك ويتبسم»، وقد تكون هذه القصة الأخيرة أمرها يسير وليس لها دلالة كبيرة لولا القصص والأوصاف الأخرى التي تدل بمجموعها على صفات الشخصية.
(خ) أشار الحافظ ابن كثير في ترجمته لداود الظاهري إلى مصيدة يقع فيها كل من يضيق على نفسه بطريقة تفكيره حيث قال:«وقد كان من الفقهاء المشهورين ولكن (حصر نفسه) بنفيه للقياس الصحيح فضاق بذلك ذرعه في أماكن كثيرة من الفقه، فلزمه القول بأشياء قطعية صار إليها بسبب اتباعه الظاهر المجرد من غير تفهم لمعنى النص».
أي أن: الطريقة الفقهية التي سلكها داود الظاهري أدت به في نهاية المطاف- إلى أن يقول -ولا بد- بالأقوال الشاذة.
الخلاصة:
(1) ينبغي على طالب العلم أن يحذر من الانزلاق في المناهج الشاذة وهو لا يشعر.
(2) يحسن بطالب العلم أن يراقب صفاته الشخصية التي تؤدي به للأخطاء والانحرفات ويتخلص منها بالتزكية.
(3) يجب على طالب العلم عدم التعويل على علمه أو فهمه، بل دوما يسأل الله التوفيق والسداد.
رحم الله الإمام داودًا الظاهري وجزاه خيرا، ليس الغرض من هذا المقال تنقص هذا العالم الكبير بقدر ما هو نصحٌ وبيانٌ وتحذيرٌ من سلوك مسلكه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد