من أقوال السلف في الرؤى


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: دين الله وسط بين الغالي فيه، والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر، إما إفراط فيه، وإما تفريط فيه.

والرؤى من المسائل التي انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام، يقول الدكتور سهل بن رفاع بن سهيل العتيبي: تجد الناس في الرؤى ثلاثة مواقف:

 

الموقف الأول: موقف أهل الحق، أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلف هذه الأمة الصالح، الذين هدوا إلى الصراط المستقيم ملتزمين بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم غير مائلين إلى غلو الغالين، ولا إلى تقصير المقصرين.

 

الموقف الثاني: أصحاب الغلو والإفراط من الصوفية، ومن شاكلهم الذين غلوا في الرؤيا فجعلوها مصدرًا للتشريع لا يتطرق إليه شك ولا غلط عندهم، بل يجعلونها مصدرًا يقينيًا، يبنون عليها كثيرًا من عقائدهم، ويستندون إليها في ترويج ضلالتهم، ومعرفة الحلال والحرام عندهم.

 

الموقف الثالث: أصحاب التقصير والتفريط من الماديين الذين ينكرون كل ما هو غيبي، فأنكروا الرؤيا الصالحة إنكارًا كليًا. أ.ه

وأصحاب الموقف الثالث منهم المعتزلة، قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: لا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد، وشرذمة من المعتزلة.

للسلف أقوال عن الرؤى جمعت بفضل الله بعضًا منهًا أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

  • تعريف الرؤيا: 

• قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: الرؤيا: ما يُرى في المنام.

  • الفرق بين الرؤيا والحلم:

• قال ابن الأثير الجزري رحمه الله: الرؤيا والحُلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحُلم على ما يراه من الشرِّ. 

  • أقسام الرؤيا:

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الرؤيا ثلاثة أقسام: رؤيا بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام. 

• قال الإمام البغوي رحمه الله: قوله عليه الصلاة والسلام:"الرؤيا ثلاثة" فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا، ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل.

  • أهمية الرؤيا الصادقة:

• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الرؤيا الصادقة من الله، وأنها من النبوة، وإن التصديق بها حق، وفيها من بديع حكمة الله ولطفه، ما يزيد المؤمن في إيمانه.

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: الرؤيا حالة شريفة، ومنزلة رفيعة. 

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المرتبة العاشرة من مراتب الهداية: الرؤيا الصادقة وهي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الرُّؤيا الصادقة جزء من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة"... والرؤيا مبدأ الوحي.

  • الرؤيا الصادقة: بشرى وإنذار ومعاتبة:

• قال الإمام الخطابي رحمه الله: ذو الرأي فمعناه: ذو العلم بعبارتها، فهو يخبرك بحقيقية تفسيرها... ولعله أن يكون في تفسيرها موعظة لك تردعك عن قبيحٍ أنت عليه، أو تكون فيها بشرى فتشكر الله على النعمة فيها. 

• قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله: ومن أمارات صلاحها أن تكون تبشير بالثواب على الطاعة، أو تحذير من معصية.

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قبل الله تعالى، لا تسرّ رائيها، وإنما يريها الله تعالى المؤمن رفقًا به ورحمة، ليستعد لنزول البلاء قبل وقوعه، فإن أدرك تأولها بنفسه، وإلا سأل عنها من له أهلية ذلك. وقد رأى الشافعي وهو بمصر رؤيا لأحمد بن حنبل، تدل على محنته، فكتب إليه بذلك ليستعد لذلك.

• قال الإمام الشاطبي رحمه الله: الرؤيا من غير الأنبياء... فائدتها في البشارة والنذارة.

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال الحكيم الترمذي: الرؤيا الصادقة أصلها حق، تخبر عن حق، وهو: بشرى، وإنذار، ومعاتبة، لتكون عونًا لما ندب إليه. قال المهلب ما حصله: الرؤيا تكون منذرة، وهي صادقة، يريها الله المؤمن رفقًا به، ليستعد لما يقع قبل وقوعه. 

  • التواطؤ على رؤيا واحدة يدل على صدقها:

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يستفاد من الحديث أن توافق جماعة على رؤيا واحدة دالّ على صدقها، وصحتها. 

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شي كان كتواطؤ روايتهم له.

  • صدق الرائي وإخلاصه من أسباب صدق رؤياه:

• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: من خلصت نيته في عبادة ربه، ويقينه، وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق، وإلى النبوة أقرب.

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الرؤيا... صدقها بحسب صدق الرائي، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثًا. 

• قال العلامة ابن باز رحمه الله: متى كان الرجل من أهل الصدق في يقظته في أحاديثه، فالغالب أن مرائيه تصدق، وإن كان كاذبًا فالغالب أن مرائيه لا تقع.

  • الرؤيا الصالحة بشرى للمؤمن في الدنيا:

• قال ابن جرير الطبري رحمه الله: الله تعالى ذكرُهُ أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلمُ أو تُرى له. 

• قال العلامة السعدي رحمه الله: قوله تعالى:﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة﴾ أما البشارة في الدنيا، فهي الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الحسنة، وما يراه العبد من لطفه به وتيسره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق.

  • من أراد أن تصدق رؤياه: 

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق، وأكل الحلال، والمحافظة على الأمر والنهي، ولينم على طهارة، مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه، فإن رؤيا لا تكاد تكذب البته.

  • الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها:

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها.

  • الرؤيا لا تقصّ إلا على عالم أو ناصح أو حبيب أو لبيب: 

• قال الإمام الخطابي رحمه الله: قال أبو إسحاق الزجاج في قوله: ((لا يقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأي)) الوادُّ لا يُحبُّ أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تُحبُّ وإن لم يكن عالمًا بالعبارة، ولم يعجل عليك بما يغُمُّك. 

• قال الإمام ابن العربي رحمه الله: إذا كنت بشرى أو شككت فيها فلا تحدّث بها إلا عالمُا ناصحًا... العالم يعبرها له على خير إذا أمكنه، والناصح يرشده إلى ما ينفعه ويعنيه عليه... أما الحبيب فإذا عرف قال، وإن جهل سكت، وأما اللبيب وهو العاقل العارف بتأويلها فإنه ينبئك بما تعول عليه فيها وإن ساءته سكت عنك وتركها. 

  • الغالب في الرؤيا الصادقة وقوعها متأخرة:

• قال الإمام ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله: عن سليمان قال: كان بين رؤيا يوسف وعبارتها أربعون عامًا. 

• قال قتادة رحمه الله: قوله تعالى:﴿يا أبتِ هذا تأويل رُؤياي من قبل﴾ فأراهم الله تأويلها بعد زمانٍ ودهر طويل. وقال: بينهما خمسة وثلاثون عامًا.

• قال الحسن رحمه الله: يوسف عليه السلام أُلقي في الجُبِّ وهو ابن سبع عشرة سنةً، وعاش في العبودية والملك ثمانين سنة. 

• قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في رؤيا نبي الله يوسف عليه السلام: وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة، وقيل ثمانين سنة.

  • الرؤيا السيئة من الشيطان:

• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الرؤيا السيئة حلم وتهويل من الشيطان، وتحزين لابن آدم.

  • الحكمة في عدم إخبار الإنسان من لا يحبه بما راه من رؤيا حسنة: 

• قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا المحبوبة الحسنة لا تخبر بها إلا من تحب، فسببه أنه إذا أخبر بها من ما لا يحب ربما حمله البغض أو الحسد على تفسيرها بمكروه فقد يقع على تلك الصفة... فيحصل له... حزن من سوء تفسيرها.

  • أشياء يفعلها من رأى رؤيا مكروهة حتى لا تضره ويطرد عنه الهموم: 

• قال ابن عبدالبر الرؤيا السيئة لا تضر من استعاذ بالله من شرها ونفث عن يساره. 

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم:"الرؤيا الصالحة من الله، والحلمُ من الشيطان، فمن رأى رؤيا يكره منها شيئًا، فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليتعوذ بالله من الشيطان، فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحدًا، وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر، ولا يُخبرُ بها إلا من يُحبُّ"، وأمر من رأى ما يكرهه أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه وأمره أن يصلى، فأمره بخمسة أشياء: أن ينفث عن يساره، وأن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن لا يخبر بها أحد، وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه وأن يقوم فيصلى، ومتى فعل ذلك لم تضره الرؤيا المكروهة، بل هذا يدفع شرها. 

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال علماؤنا: فجعل الاستعاذة منها مما يرفع أذاها.

  • العلة في عدم التحدث بالرؤيا التي يكرهها الإنسان:

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: نهي من رأى رؤيا يكرهها أن يتحدث بها، فإنه ذريعة إلى انتقالها من مرتبة الوجود اللفظي إلى الوجود الخارجي، كما انتقلت من الوجود الذهني إلى اللفظي، وهكذا عامة الأمور تكون في الذهن أولًا، ثم تنتقل إلى الذكر، ثم تنتقل إلى الحس، وهذا من ألطف سدِّ الذرائع وأنفعها، ومن تأمل عامة الشر رآه متنقلًا في درجات الظهور طبقًا بعد طبقٍ من الذهن إلى اللفظ إلى الخارج.

  • تسمية تعبير الرؤيا تأويلًا:

• قال الإمام البغوي رحمه الله: تعبير الرؤيا سمى تأويلًا لأنه يؤول أمره إلى ما رأى في منامه.

  • من يعبر الرؤيا:

• قيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها. فإن رأى خيرًا أخبر عنه، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت.

• قال الإمام الخطابي رحمه الله: حسن الارتياد لموضع الرؤيا واستعبارها العالم بها الموثوق برأيه وأمانته.

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لا يعبر الرؤيا إلا عالم ناصح أمين حبيب.

• قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: تعبير الرؤيا داخل في الفتوى، لقوله للفتيين:﴿قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان﴾ وقال الملك:﴿أفتوني في أمري﴾ وقال الفتى ليوسف:﴿أفتنا في سبع بقرات﴾ الآيات فلا يجوز تعبير الرؤيا من غير علم.

  • من آداب تعبير الرؤيا:

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: صلى الله عليه وسلم.... يُذكر عنه أنه كان يقول للرائي قبل أن يعبرها له:"خيرًا رأيت" ثم يعبرها.

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: للعالم بالتعبير أن يسكت عن تعبير الرؤيا أو بعضها عند رجحان الكتمان على الذكر. قال المهلب: ومحله إذا كان في ذلك عموم، فأما لو كانت مخصوصة بواحدٍ مثلًا فلا بأس أن يخبره ليُعد الصبر، ويكون على أهبة عند نزول الحادثة.

  • العابر قد يصيب وقد يخطئ:

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: العابر قد يخطئ، وقد يصيب.

  • رؤيا الكافر والفاسق:

• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: قد تكون الرؤيا الصادقة من الكافر ومن الفاسق.

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إذا رأى الكافر أو الفاسق الرؤيا الصالحة فإنها تكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان مثلًا، أو التوبة، أو إنذارًا من بقائه على الكفر، أو الفسق.

  • رؤيا الصادق، ورؤيا الكاذب والمخلط:

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقًا، وهذا بخلاف الكاذب والمخلط فإنه يفسد قلبه ويظلم، فلا يرى إلا تخليطًا وأضغاثًا، وقد يندر المنام فيرى الصادق ما لا يصح، ويرى الكاذب ما يصح.

  • رؤيا المرأة في المنام:

• قال الحافظ ابن جحر رحمه الله: قال ابن بطال: رؤيا المرأة في المنام يختلف من وجوه: منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها، ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها أو سعة في الرزق،... وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي.

  • من علامات النوم الرؤيا:

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: من علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت.

  • من اتق الله لم يضره ما يراه في المنام:

• كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا، قال له: اتق الله في اليقظة، لا يضرك ما رأيت في المنام.

  • البكاء من الرؤيا الحسنة:

• قال الإمام الذهبي رحمه الله: وهيب بن الورد، كانوا يرون له الرؤيا أنه من أهل الجنة، فإذا أخبر بها اشتد بكاؤه، وقال: قد خشيت أن يكون هذا الشيطان.

  • الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرّ، ولا تضعف عن عمل:

• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الرؤيا تسرُّ، ولا تغرّ

• قال الإمام ابن مفلح رحمه الله: قال المروذي: أدخلت إبراهيم الحميدي على أبي عبدالله وكان رجلًا صالحًا، فقال: إن أمي رأت لك كذا وكذا، وذكرت الجنة، فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا، وخرج سهل إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسرّ المؤمن، ولا تغره. 

• قال العلامة ابن باز رحمه الله: الإنسان....تسره الرؤيا الصالحة ولكن لا تضعفه عن عمل ولا توكله عن العمل، بل لا يزال مجدًا في العمل الصالح.

وختامًا فيذكر الدكتور طارق بن محمد الخويطر أنه رأى رؤيا للشيخ ابن باز رحمه الله، يقول: فكتبت إليه أُخبره... فكتب لي ردًا قال فيه:ما تضمنه من الرؤيا كان معلومًا وأسأل الله عز وجل أن يعفو عنا وعنكم... وعن كل مسلم، وأن يجمعنا وإياكم في دار كرامته، وهي بشرى خير، تسرُّ المسلم ولا تثبطه عن الخير، بل تدفعه إلى المسارعة والاستقامة على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه.

لم أذكر أقوال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في العين، حيث سبق وأن أفردت كلامه بموضوع مستقل، نُشر بعنوان:*الرّؤى والأحلام*.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply