التوبة ومغفرة الذنوب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الإسلام هو دين رحيم يتفهم طبيعة الإنسان ونقائصه. لم يُرسل الله هذا الدين ليكون عبئًا ثقيلًا على الإنسان، بل كدليل يسيره نحو الخير والصلاح. فالله، الذي خلق الإنسان، هو أعلم بطبيعته وما يحتاجه.

قال الله تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{(الزمر:53-54).

الخطأ أو الذنب الذي يرتكبه الإنسان لا يخرجه من دائرة الإيمان، بل يُقدم له الإسلام فرصة للتوبة والعودة إلى الله. وقد وعد الله بقبول التوبة وتحويل السيئات إلى حسنات لمن تاب وأصلح.

وقال تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{(آل عمران:135-136).

لكي تُقبل التوبة، يجب أن تكون صادقة وأن يترك الإنسان الذنب ويندم عليه. وقد أوضح القرآن الكريم صفات المؤمنين الصادقين في قوله: }وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا{(الفرقان:63-71).

التوبة الصادقة تتطلب الإخلاص في الرجوع إلى الله والندم على الذنب، دون العودة إليه بقصد التوبة مرة أخرى. فالله عليم بما في القلوب ولا يقبل التوبة المزيفة.

وقال الله تعالى:} وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتنَا فَقُلْ سَلَامًا عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{(الأنعام:54).

والتائب لا يكون تائبًا حقًا إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط:

1-  الإخلاص: وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل. والتوبة النصوح كما قال الحسن: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ نَادِمًا عَلَى مَا مَضَى؛ مُجْمِعًا عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِيهِ.

2-  الإقلاع عن الذنب.

3-  الندم على فعله.

4-  العزم على عدم الرجوع إلى المعصية. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّار"ِ.

5-  أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت.

قَالَ الْقُرَظِيُّ:*يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ، وَالْإِقْلَاعُ بِالْأَبْدَانِ، وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجَنَانِ، وَمُهَاجَرَةُ سَيِّئِ الْإِخْوَانِ* انتهى، من *تفسير البغوي*(8/169).

فالله الرحمن الرحيم لا يكلّ من مغفرة ذنوب عباده ما داموا يتوبون إليه بصدق، وأكبر دليل على قبول التوبة هو تغيير الإنسان لسلوكه وتوجهه نحو الخير والاستقامة.

قال تعالى:}إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{(النساء:17-18).

نسأل الله أن يرزقنا التوبة النصوح، وأن يمن علينا بالقبول، إنه سميعٌ مجيب الدعاء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply