بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هناك خمسُ ملحوظات هامة لُوحظت على بعض الناس عند زيارةِ المقابر، والتساهلُ فيها يفضي إلى تلاشي هيبة المقابر في النفوس التي إن خفَّت أو زالت من نفس الإنسان كانت سببًا في حرمان نفسه من تحقق مقصودٍ عظيم من مقاصد زيارة المقابر، وهو تذكر الآخرة والمصير المحتوم الذي يقترب إليه كل يوم - نسأل الله حسن العاقبة في الأمور كلها -، مع ما يحصل من الضرر المتعدي على الآخرين من المشيعين وأهل الميت:
الملحوظة الأولى: كثرة الحركة، والالتفات، والمشي بلا حاجة، والأحاديث الجانبية، والتّنقل من مكان إلى آخر للسلام على الأقارب والأصدقاء وغيرهم، وهذا يؤدّي إلى التبسط والاسترسال في الكلام، مع ما يصاحبه من ضحكٍ ومزحٍ ورفعِ صوت.
فليس من المعقول جعل المقبرة كالمجامع الأخرى!
وهو خطأ مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه والسلف الصالح رضي الله عنهم.
قال قيس بن عباد رحمه الله: وهو من كبار التابعين: *كانوا يسْتحبّون خفض الصوت: عند الذكر، وعند القتال، وعند الجنائز.*
وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا حضروا الدفن *كأن على رؤوسهم الطير* [رواه أحمد وأبو داود وصحّحه ابن القيم والألباني].
قال الطيبي رحمه الله تعالى: *كناية على إطراقهم رؤوسَهم، وسكونهم، وعدم التفاتهم يمينًا وشمالًا*. الكاشف عن حقائق السنن .(4/ 1380)
الملحوظة الثانية: بعض الإخوة الحريصين على التعزية - جزاهم الله خيرًا - يسارعون في الانتظام في المكان الْمُعَدّ لذلك استعدادًا للتعزية، وهذا أمر طيب يحمدون عليه، لكن الأولى أن يكون هذا بعد الفراغ من دفن الميت وتحقيق المقصود من زيارة المقبرة.
فالأولَى بهم أن يشهدوا دفن الجنازة، دون أن يُزاحموا أهل الميت والذين يدفنون الجنازة.
الملحوظة الثالثة: التجمهر حول شفيرِ القبر بلا حاجة، وينتج عنه أضرار منها:
أولًا: مزاحمة أهل الميت وأذيتهم، وهم أولى من غيرهم في الاقتراب من القبر.
ثانيًا: التضييق على الذين يقومون بشؤون الجنازة ودفنها، ويحولون دون مرور الهواء إلى الذين ينزلون في القبر لتلْحيد الميت.
ويتأكد الابتعاد عن شفير القبر إذا كانت المتوفاةُ امرأة.
الملحوظة الرابعة: بعض المعزّين – جزاهم الله خيرًا - يعزّون ذوي المتوفى في مغسلة الأموات، ثم يكرّرون التعزية في المقبرة، وهذا فيه مزاحمة للذين لم يعزّوا من قبل، وفيه إثقالٌ على أهل الميّت.
الملحوظة الخامسة: بعض المعزّين لا يكتفي بالمصافحة عند التعزية - وهي كافية -، بل يُعانق فيرهقُ أهل الميّت ويُعيقُ المعزّين.
وينبغي أن يُعلَم أنّ لشهود الجنائز وتشييعها إلى المقابر أربعةَ مقاصد:
المقصد الأول: تأدية حقّ الميت المسلم على إخوانه المسلمين في شهود جنازته للصلاة عليه وتشييعه، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم خمس"، وذكر منها: "وإذا مات فاتَّبعه" [متفق عليه].
المقصد الثاني: الحصول على الأجر العظيم المترتب على ذلك، وهو قيراط لمن صلى على الجنازة، وقيراطان لمن صلى عليها وشهد دفنها، والقيراط مثل أحد، نسأل الله من فضله.
وهذا الأجر العظيم لا يُنال إلا بالإخلاص لله تعالى في ذلك العمل، وأن يؤدى العمل وفق المنهج الشرعي الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابا، وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين.."[رواه البخاري].
المقصد الثالث: تذكر الآخرة، برؤية القبور وبكثرة التأمل والتفكر بما آل إليه حال الميت من عدم الحركة وإدخاله القبر ورحيله إلى الدار الآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكر الموت". [رواه مسلم]
المقصد الرابع: الدعاء للميت ولأموات المسلمين جميعًا، فقد كان النبي ﷺ إذا دخل المقبرة يدعو للأموات، وإذا فرغ من دفن الميت يقف عليه ويقول: "استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل". [رواه أبو داود وصحّحه ابن تيمية والألباني].
فيا أخي المسلم: عندما تشهد الجنائز وتحضر للمقبرة اجعل ذلك غاية مقصودك، لتنال الأجر العظيم، ويرقّ قلبك، وتستقيم حالك، وينتفع الميّت بصادق دعائك.
وإياك والكلام مع الناس في المقبرة إلا بمقدار الحاجة الملحة، وليشتغل لسانك بالدعاء والاستغفار للميت، وقلبك بالتفكر في الآخرة وفي مصيرك بعد رحيلك؛ فإن هذا التفكر من أعظم أسباب رقة قلبك وصلاحه وسلوك الصراط المستقيم، ومعرفة حقيقة الدنيا وقدرها.
واحرص على جعل هذا الوقت الفاضل في هذا المكان المهاب فرصةً للتفكر ومراجعة النفس ومحاسبتها.
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولوالدينا ولأموات المسلمين، وأن يوفّقنا لاتباع سنة نبيّنا ﷺ، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد