وقفات مع ليلة النصف من شعبان

21 ذو القعدة 1446 (19-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

1- مُقدِّمةٌ وتنْبِيهٌ مُهِمٌّ.

2- اطِّلاعُ الله تعالى على خلْقِهِ.

3- سِعةُ رحمةِ الله تعالى، ومغْفِرتِهِ لِعِبادِهِ.

4- خُطُورةُ الشِّركِ.

5- خُطُورةُ الشّحناءِ والقطِيعةِ.

(الهدفُ مِن الخُطبةِ)

التذكير بهذا الحدث العظيم فى ليلة النصف من شعبان، والتحذير من موانع المغفرة والرحمة فى هذه الليلة.

• مُقدِّمةٌ ومدخلٌ للمُوْضُوعِ:

• أيُّها المُسلِمُون عِباد اللهِ، لا يزال الحديث موصولًا مع مواسم الخيرات والبركات، والحديث اليوم بإذن الله تعالى عن حدثٍ عظيمٍ في شهر شعبان؛ إنها: [ليلة النصف من شعبان] والتي اختصها الله تعالى بمزية المغفرة والعفو والإحسان؛ فقد روى ابن ماجه عن أبي مُوسى الْأشْعرِيِّ رضى الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: ((إِنّ اللّه ليطّلِعُ في ليْلةِ النِّصْفِ من شعْبان، فيغْفِرُ لِجمِيعِ خلقه إلا لِمُشْرِكٍ، أوْ مُشاحِنٍ))؛ [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.]، وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويُمهل الكافرين، ‌ويدع ‌أهل ‌الحقد ‌بحقدهم حتى يدعوه))؛ [رواه الطبراني والبيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع]

• ولنا مع هذين الحديثينِ خمْسُ وقفات:-

• الوقفة الأولى:- تنبيه مهم:

• وهو أنّه لم يثبت في تخصيص هذه الليلة بصلاة معينة، أو دعاء معين، ولا صيام معين شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحابه؛ فكل ما ورد في فضل الصلاة والصوم والعبادة في النصف من شعبان ليس من الضعيف فقط بل من الموضوعات.

• مع التنبيه: أنه يُستحبُّ للمسلم أن يُكثر من الصوم عمومًا في سائر أيام السنة، ويُستحبُّ له أيضًا أن يُكثِر من الصوم في شهر شعبان خصوصًا؛ لكن لا يُخصِّص هذه الليلة بذاتها لا بقيام ليلتها ولا بصيام نهارها.

• فإنّ يوم النصف من شعبان يجوزُ صيامه مع سائر أيام الشهر، أو يصومه من له عادة؛ كصيام يوم وإفطار يوم، أو صيام الإثنين والخميس؛ فيوافق ذلك يوم النصف من شعبان، أو صيامه على أنه من الأيام البيض؛ لكن لا يشرع تخصيصه بصيام دون بقية أيام شهر شعبان.

• فما صحّ من أحاديث بشأن هذه الليلة غايةُ ما فيه الحثُّ على الإقلاع عن كبيرتين من كبائر الذنوب هما: الشرك، والشحناء. [كما سيأتي] ؛ فمن كان حريصا على بلوغ أجر هذه الليلة فعليه العمل بموجب ما ثبت من الأثر، وما جاء الحث عليه، أما اختراع عبادة وطاعة لم تثبت، ولم يدل عليها حديث صحيح، فليس إلا بُعدًا عن السنة والعمل الصالح؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌّ.)) [رواه البخاري].

الوقفة الثانية:- مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنّ اللّه ليطّلِعُ في ليْلةِ النِّصْفِ من شعْبان))

• فإن الله تعالى يعلم بأحوال العباد، ومطلع عليهم في شعبان وغير شعبان، وفي كل وقت وزمان؛ وقد جاءت النصوص التى تقرر هذه الحقيقة بأوجه وصيغ متعددة:-

1- فتارة يخبرنا سبحانه وتعالى بعلمه بكل ما في السموات والأرض وبما يفعله العباد؛ كما قال تعالى: ﴿هُو ٱلّذِی خلق ٱلسّمٰو ٰ⁠تِ وٱلأرض فِی سِتّةِ أیّامٍ ثُمّ ٱستوىٰ على ٱلعرشِ یعلمُ ما یلِجُ فِی ٱلأرضِ وما یخرُجُ مِنها وما ینزِلُ مِن ٱلسّماءِ وما یعرُجُ فِیها وهُو معكُم أین ما كُنتُم وٱللّهُ بِما تعملُون بصِیرࣱ﴾، وقال تعالى: ﴿یعلمُ ما یلِجُ فِی ٱلأرضِ وما یخرُجُ مِنها وما ینزِلُ مِن ٱلسّماءِ وما یعرُجُ فِیها وهُو ٱلرّحِیمُ ٱلغفُورُ﴾، وقال تعالى: ﴿وما تكُونُ فِی شأنٍ وما تتلُوا مِنهُ مِن قُرءانٍ ولا تعملُون مِن عملٍ إِلّا كُنّا علیكُم شُهُودًا إِذ تُفِیضُون فِیهِ وما یعزُبُ عن رّبِّك مِن مِّثقالِ ذرّةٍ فِی ٱلأرضِ ولا فِی ٱلسّماءِ ولا أصغر مِن ذ ٰ⁠لِك ولا أكبر إِلّا فِی كِتٰبٍ مُّبِینٍ﴾

2- وتارة بالإخبار أنه يراهم ويسمعهم ويعلم ما في ضمائرهم؛ كما قال تعالى: ﴿ألا إِنّهُم یثنُون صُدُورهُم لِیستخفُوا مِنهُ ألا حِین یستغشُون ثِیابهُم یعلمُ ما یُسِرُّون وما یُعلِنُون إِنّهُۥ علِیمُ بِذاتِ ٱلصُّدُورِ﴾، وقال تعالى: ﴿قُل إِن تُخفُوا ما فِی صُدُورِكُم أو تُبدُوهُ یعلمهُ ٱللّهُ ویعلمُ ما فِی ٱلسّمٰو ٰ⁠تِ وما فِی ٱلأرضِ وٱللّهُ علىٰ كُلِّ شیءٍ قدِیرࣱ﴾، وقال تعالى: ﴿ولقد خلقنا ٱلإِنسٰن ونعلمُ ما تُوسوِسُ بِهِۦ نفسُهُۥ ونحنُ أقربُ إِلیهِ مِن حبلِ ٱلورِیدِ﴾

3- وتارة بالإعلام أنه منهم قريب غير بعيد وأنه معهم أينما كانوا؛ كما قال تعالى: ﴿ألم تر أنّ ٱللّه یعلمُ ما فِی ٱلسّمٰو ٰ⁠تِ وما فِی ٱلأرضِ ما یكُونُ مِن نّجوىٰ ثلٰثةٍ إِلّا هُو رابِعُهُم ولا خمسةٍ إِلّا هُو سادِسُهُم ولا أدنىٰ مِن ذ ٰ⁠لِك ولا أكثر إِلّا هُو معهُم أین ما كانُوا ثُمّ یُنبِّئُهُم بِما عمِلُوا یوم ٱلقِیٰمةِ إِنّ ٱللّه بِكُلِّ شیءٍ علِیمٌ﴾

4- وتارة يخبرهم أنه مطلع عليهم ولا تخفى عليه خافية؛ كما قال تعالى: ﴿إِنّ ٱللّه لا یخفىٰ علیهِ شیءࣱ فِی ٱلأرضِ ولا فِی ٱلسّماءِ﴾، وقال تعالى: ﴿یٰبُنیّ إِنّها إِن تكُ مِثقال حبّةٍ مِّن خردلٍ فتكُن فِی صخرةٍ أو فِی ٱلسّمٰو ٰ⁠تِ أو فِی ٱلأرضِ یأتِ بِها ٱللّهُ إِنّ ٱللّه لطِیفٌ خبِیرࣱ﴾، وقال تعالى: ﴿ٱللّهُ یعلمُ ما تحمِلُ كُلُّ أُنثىٰ وما تغِیضُ ٱلأرحامُ وما تزدادُ وكُلُّ شیءٍ عِندهُۥ بِمِقدارٍ﴾

• ونزول الله تعالى إلى السماء الدنيا ليس خاصًّا بليلة النصف من شعبان؛ فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة في الثلث الآخر من الليل، وليلة النصف من شعبان داخلة في هذا العموم؛ ولكن اطلاعه في هذه المرة في شهر شعبان هو اطلاع مخصوص ببشارة عظيمة تضمنها هذا الحديث تتجلى في شمولية المغفرة والرحمة لجميع خلقه؛ فهي من أعظم الفرص لمسح أدران القلوب، والتخلي عن السيئات والذنوب.

أما وقفتنا الثالثة:- فهي مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((فيغْفِرُ لِجمِيعِ خلقة)) ؛ ففيه بيان سعة مغفرته جل في علاه للعصاة والمذنبين؛ قال الله تعالى: ﴿قُل یٰعِبادِی ٱلّذِین أسرفُوا علىٰ أنفُسِهِم لا تقنطُوا مِن رّحمةِ ٱللّهِ إِنّ ٱللّه یغفِرُ ٱلذُّنُوب جمِیعًا إِنّهُۥ هُو ٱلغفُورُ ٱلرّحِیمُ﴾

• فمهما عظمت الذنوب فإن مغفرة الله تعالى أعظم وأوسع؛ كما قال تعالى: ﴿إِنّ ربّك و ٰ⁠سِعُ ٱلمغفِرةِ﴾

• بل أنه سبحانه وتعالى بكرمه وفضله وجوده أنه يبدل سيئات المذنبين التائبين إلى حسنات؛ كما قال تعالى: ﴿إِلّا من تاب وءامن وعمِل عملًا صٰلِحًا فأُولٰئِك یُبدِّلُ ٱللّهُ سیِّٔاتِهِم حسنٰتٍ وكان ٱللّهُ غفُورًا رّحِیمًا﴾، وقال تعالى: ﴿إِلّا من تاب وءامن وعمِل صٰلِحًا فأُولٰئِك یدخُلُون ٱلجنّة ولا یُظلمُون شیًٔا﴾

• وتأمل: كيف غفر الله تعالى لرجل قتل مائة نفس عندما صدق وأخلص في توبته؛ كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: ((كان في بنِي إسْرائِيل رجُلٌ قتل تِسْعةً وتِسْعِين إنْسانًا ثُمّ خرج يسْألُ، فأتى راهِبًا فسألهُ فقال له: هلْ مِن توْبةٍ؟ قال: لا، فقتلهُ فجعل يسْألُ فقال له رجُلٌ: ائْتِ قرْية كذا وكذا فأدْركهُ الموْتُ فنأى بصدْرِهِ نحْوها فاخْتصمتْ فيه ملائِكةُ الرّحْمةِ وملائِكةُ العذابِ فأوْحى اللّهُ إلى هذِه أنْ تقرّبِي وأوْحى اللّهُ إلى هذِه أنْ تباعدِي وقال: قِيسُوا ما بيْنهُما فوُجِد إلى هذِه أقْرب بشِبْرٍ فغُفِر له.))

• وتأمل أيضًا: إلى سعة مغفرته سبحانه وتعالى عندما يطلع على أهل صعيد عرفات ويباهي بهم الملائكة ويقول: ((أشهدكم أني قد غفرت لهم))

• وفي شهر شعبان تعم مغفرته سبحانه وتعالى جميع خلقه، غربًا وشرقًا، شمالًا وجنوبًا، عربًا وعجمًا ؛ إلا صنفين من الخلق يحرمون من هذه الرحمة والمغفرة، فمن هم هؤلاء المحرومين؟! قال صلى الله عليه وسلم: ((فيغْفِرُ لِجمِيعِ خلقه إلا لِمُشْرِكٍ، أو مُشاحِنٍ)) ؛ إنهم صنفان جعلوا حواجز بينهم وبين رحمة الله ومغفرته

• فأما المشرك: فهو الذي صرف ما لله لغير الله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادة من الدعاء أو النذر أو الذبح أو الحج، وغير ذلك من العبادات التي لا تكون إلا لله تعالى؛ فمن فعل ذلك فقد أشرك واستحق العقوبة وهي عدم المغفرة؛ قال الله تعالى: ﴿إِنّ ٱللّه لا یغفِرُ أن یُشرك بِهِۦ ویغفِرُ ما دُون ذ ٰ⁠لِك لِمن یشاءُ ومن یُشرِك بِٱللّهِ فقدِ ٱفترىٰ إِثمًا عظِیمًا﴾

• فإن أعظم ما نهى عنه الله سبحانه وتعالى هو الشرك؛ كما قال تعالى: ﴿وٱعبُدُوا ٱللّه ولا تُشرِكُوا بِه شیًٔا﴾، وقال تعالى: ﴿قُل تعالوا أتلُ ما حرّم ربُّكُم علیكُم ألّا تُشرِكُوا بِهِۦ شیًٔا﴾

• وترجع خطورة الشرك لأمور كثيرة منها:-

1- أن الأنبياء صفوة الخلق خافوا منه على أنفسهم وعلى أقوامهم.

2- والشرك من كبائر الذنوب، فهو ذنب عظيم وجرم خطير.

3- والشرك إذا خالط الأعمال أفسدها وأحبطها مهما عظمت وكثرت ؛ فلو أن العبد صلى وصام وقام؛ بل لو قضى حياته ساجدا ثم توجه بسجدة واحدة لغير الله جل في علاه لحبطت جميع أعماله؛ كما قال تعالى: ﴿ولقد أُوحِی إِلیك وإِلى ٱلّذِین مِن قبلِك لئن أشركت لیحبطنّ عملُك ولتكُوننّ مِن ٱلخٰسِرِین﴾

4- وتوعّده الله تعالى بالحرمان من دخول الجنة والخلود في النار؛ كما قال الله تعالى: ﴿إِنّهُۥ من یُشرِك بِٱللّهِ فقد حرّم ٱللّهُ علیهِ ٱلجنّة ومأواهُ ٱلنّارُ وما لِلظّٰلِمِین مِن أنصارٍ﴾

• والشرك له صور عديدة فمنها:-

• دعاء غير الله تعالى.

• ‏الذبح والنذر لغير الله تعالى.

• ‏ومنها الحلف بغير الله تعالى تعظيما لهذا المحلوف.

• ‏ومنها تعليق التمائم والخيوط لرفع البلاء أو دفع الضر أو جلب النفع.

• ‏ومنها الطيرة والتشاؤم.

• ‏ومنها الاستسقاء بالنجوم والكواكب.

• ‏ومنها الذهاب إلى السحرة والعرافين والمنجمين وسؤالهم وتصديقهم.

• ‏ومنها الشرك الخفي الذي خافه النبي ﷺ على أمته وهو الرياء.

• ‏ومنها بعض الألفاظ التي تنافي أو تقدح في التوحيد؛ مثل قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، وتوكلت على الله وعليك.

• فحذار حذار من الشرك كبيره وصغيره؛ فإن الوقوع فيه يحرِمُ العبد من المغفرة في شعبان وغيره.

نسأل الله العظيم أن يحفظ لنا توحيدنا وأن يجعلنا من المقبولين.

الخُطبةُ الثّانِيةُ:- خُطُورةُ الشّحناءِ والقطِيعةِ.

• أيُّها المُسلِمُون عِباد اللهِ، ثم بين النبي ﷺ الصنف الثاني المحروم من الرحمة والمغفرة؛ فقال: ((فيغْفِرُ لِجمِيعِ خلقة إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشاحِنٍ)) إنها الشحناء؛ وهي: امتلاء الصدر بالعداوة والبغضاء والخصومة، والغل والحقد؛ فإن خطرها عظيم، وضررها على العبد جسيم، وعواقبها وآثارها وخيمة ؛ وإليك طرفا منها:-

1- عدم رفع أعماله إلى الله تعالى؛ فقد روى ابن ماجه في سننه عنِ ابْنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما، أن رسُولِ اللّهِ ﷺ قال: ((ثلاثةٌ لا ترْتفِعُ صلاتُهُمْ فوْق رُءُوسِهِمْ شِبْرًا رجُلٌ أمّ قوْمًا وهُمْ لهُ كارِهُون، وامْرأةٌ باتتْ وزوْجُها عليْها ساخِطٌ، وأخوانِ مُتصارِمانِ.)) ؛ أي: متخاصمان.

• هل سمِعتُم بِعبْدٍ يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، ويحرص على الطاعات والعبادات، ويجتهد في فعل الخيرات، ثم يُفاجأ في النهاية بأن أعماله متأخِّرةٌ عن القبول والمثوبة، متوقِّفة بأمرٍ مِن اللهِ سبحانه وتعالى؟! كيف ذلك؟! عبد، مُوحِّد، مجتهد، ثم يُؤخّر عن القبول والمغفرة.؟!

• ما هو السبب؟! الجواب: لأنه مصابٌ بِداء خطير، وجرم كبير؛ إنه داء الشحناء والخصومة [نسأل الله السلامة والعافية] ؛ فتراه يحمل في قلبه الشحناء والبغضاء على إخوانه، أو على أحد من أرحامه، أو بعض أصدقائه وجيرانه، ثم إذا فتّشْت عن سبب هذه الخصومة، وجدْتها بسبب عرض زائل من الدنْيا، والتي لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة.!!

2- ومنها: الحرمان من المغفرة؛ فى صحيح مسلم عنْ أبِي هُريْرة رضي الله عنه، أنّ رسُول اللهِ ﷺ قال: ((تُفْتحُ أبْوابُ الْجنّةِ يوْم الْاِثْنيْنِ ويوْم الْخمِيسِ، فيُغْفرُ لِكُلِّ عبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شيْئًا إِلّا رجُلًا كانتْ بيْنهُ وبيْن أخِيهِ شحْناءُ، فيُقالُ: أنْظِرُوا هذيْنِ حتّى يصْطلِحا)) وفي رواية: ((تُعْرضُ الْأعْمالُ فِي كُلِّ يوْمِ خمِيسٍ واثْنيْنِ، فيغْفِرُ اللهُ عزّ وجلّ فِي ذلِك الْيوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شيْئًا، إِلّا امْرا كانتْ بيْنهُ وبيْن أخِيهِ شحْناءُ، فيُقالُ: أُرْكُوا هذيْنِ حتّى يصْطلِحا، أُرْكُوا هذيْنِ حتّى يصْطلِحا))؛ أي: رُدُّوهما وأخِّرُوهما! وفي رواية: ((فيُغْفرُ لِكُلِّ عبْدٍ مُؤْمِنٍ، إِلّا عبْدًا بيْنهُ وبيْن أخِيهِ شحْناءُ، فيُقالُ: اتْرُكُوا، أوِ ارْكُوا، هذيْنِ حتّى يفِيئا))

• ما أعظمها من فاجعة أن يغفر الله لجميع المسلمين ويُنْظر المتشاحنون..!! تخيل نفسك أيها المشاحن أنك في جمع من الناس تنتظر عطاء أو قضاء حاجة في يوم الاثنين؛ فتقضى حوائج الحضور، ويقال لك ارجع يوم الخميس، وهكذا كلما حضرت لحاجتك تؤجل بين اثنين وخميس، وإذا تم عام وجاءت ليلة النصف من شعبان قيل لك راجعنا العام القادم، وهكذا حالك مرتين بالأسبوع، ومرة كل عام تغدو وتروح دون أن تحقق مصلحتك التي تريد..!! كم من المسلمين اليوم مع الأسف هذه حالهم في كل مجتمعاتهم.

• ولقد نهى النبي ﷺ عن الهجران بين المسلم وأخيه المسلم حرصا وحفاظا على هذه الرابطة الإيمانية؛ ففي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسُول الله ﷺ قال: ((لا يحِل لِرجُلٍ أنْ يهْجُر أخاهُ فوْق ثلاثِ ليالٍ، يلْتقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا وخيْرُهُما الذِي يبْدأُ بِالسلامِ))، وفى رواية: ((فمنْ هجر فوْق ثلاثٍ فمات دخل النّار))

• ولقد حرص النبي ﷺ على سد كل باب أو ذريعة تفضي إلى الشحناء والقطيعة؛ ففى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدُوا، ولا تناجشُوا، ولا تباغضُوا، ولا تدابرُوا، ولا يبِعْ بعْضُكُمْ على بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِباد اللّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أخُو الْمُسْلِم: لا يظلِمُه، ولا يحْقِرُهُ، ولا يخْذُلُهُ، التّقْوى هاهُنا ويُشِيرُ إِلى صدْرِهِ ثلاث مرّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِن الشّرِّ أنْ يحْقِر أخاهُ المُسْلِم، كُلّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ))

• وتأمل إلى أحوال كثير من المسلمين عندما تركوا هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ تكاد الشحناء تكون هى داء الأمة اليوم ومرض كثير من المسلمين مع انفتاح الدنيا وشدة التنافس فيها، فكيف نستقبل شهر رمضان بقلوب مثقلة بالأحقاد والبغضاء؟!! وقد سُئِل ابن مسعود رضي الله عنه: كيف كنتم تسقبلون شهر رمضان؟ قال: (ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم.) الله أكبر إنها قلوب سليمة؛ فلم يسبقنا السلف إلى الله تعالى بكثرة الركوع والسجود فقط؛ ولكنهم سبقونا بنقاء القلوب وسلامة الصدور.

• فتذكروا يا عباد الله أنه في ليلة النصف من شعبان سيحرم أناس من المغفرة والرحمة لأنهم ملؤوا قلوبهم حقدًا على إخوانهم، فعليكم دور كبير فى أعناقكم وهو تفقد هؤلاء المتشاحنين والسعي بينهم في الصلح وتقريب القلوب، وتأليفها؛ قال الله تعالى: ﴿لّا خیر فِی كثِیرٍ مِّن نّجواهُم إِلّا من أمر بِصدقةٍ أو معرُوفٍ أو إِصلٰحِ بین ٱلنّاسِ ومن یفعل ذ ٰ⁠لِك ٱبتِغاء مرضاتِ ٱللّهِ فسوف نُؤتِیهِ أجرًا عظِیمًا﴾

نسأل الله العظيم أن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح ذات بيننا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق