إشراق الصيام وانطلاق القيام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الحمد لله فرض الصيام طُهْرًا للأنام، وصلةً للأرحام، وبرًّا للأيتام، ونَشْرًا للمحبَّة والسلام، وبرًّا بالفقراء والمساكين، وقربًا من الله ربِّ العالمين.

الحمد لله جعل النصر بيده ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[آل عمران: ١٢٦]، واختص به المؤمنين ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الروم: ٤٧] لكنه علق هذا النصر وشرطه بعمل المؤمنين أنفسهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد: ٧].

الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكوما بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فما من شيء الا هو خالقه ولا من رزق الا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبره يُدَبِّرُ ﴿الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾(الرعد:٢).

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونشهد ان سيدنا محمد عبد الله ورسوله اعتز بالله فاعزه، وانتصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ويسر له امره، ورفع له ذكره، وذلل له رقاب عدوه.. اللهم صلي وسلم وبارك عليك يا رسول الله وعلى أهلك وصحبك ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين!

أيها المسلمون عباد الله:

أشرق رمضان ومعه دوحات الإيمان، القرآن، والغفران، والعتق من النيران، وقرب الرحمن، انطلقت صلاة القيام (التراويح)، إنها منافذ الإيمان التي تنقي شوائب النفس بجمال القناعة، وتحيي عزيمة القلب بنور الطاعة، وتطهر الضمير بصدق اليقين، وتجمل الوجه بضياء الفرح وسماحة الدين، توقظ الضمائر من سباتها لتستقبل هذا الشهر بالصوم، والإقبال على كتاب الله مُشمرة على ساعد الجد، تلاوةً وفهمًا وعملًا!

فعلى المؤمن الصادق أن يجعل من هذا الشهر العظيم فرصةً كبيرة للوقوف مع النفس، ومحاسبتها، لتصحيح ما فات، واستدراك ما هو آت، قبل أن تهاجمه الزفرات، وتبدأ الآهات، وتشتد عليه الكربات.

عباد الله:

 أشرق رمضان شهر القرآن: إن أول كلمة نزلت في القرآن (إقرأ)، وآخر ما نزل من القرآن ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون﴾[البقرة[ وبينهما ثلاثة وعشرون سنة.

إذن القرآن الكريم قراءة وفهما وتدبرا يؤدي إلى التقوى، كما أن التقوى تقود إلى العلم النافع، المرتكز على كتاب الله، كيف؟!

﴿واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم﴾[البقرة: ٢٨٢].

وشهر رمضان يتزين بالقرآن ويتجمل بالصيام وكلاهما يثمر تقوى الله تعالى.

كان بعضهم إذا فاته ورده يبكي، وقد دخلوا على أحدهم ذات مرة فوجوده يبكي بشدة، فسألوه: أتشتكي وجعًا؟ قال: أشد.. أشد، قالوا: وما ذاك؟ قال: نمتُ بالأمس ولم أقرأ وردي، وما ذلك إلا بذنب أذنبته!!

أيها المسلمون:

أشرق رمضان شهر(التقوى): القرآن والصيام كل منهما سبيلًا إلى تقوي الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾[البقرة: ١٨٢].

وتقوى الله تؤثر في العبد، تجعله شفاف وقاف، هين لين، كريم رحيم، محب ودود بشوش، هارون الرشيد الذي بلغ ملكُه أقصى البلاد شرقًا وغربًا، يخرج يومًا في موكبه وأُبَّهته، فيقول له يهودي كانت له حاجة: يا أمير المؤمنين، اتَّقِ الله، فينزل هارون من موكبه، ويسجد على الأرض لله رب العالمين، في تواضع وخشوع، ثم يأمر باليهودي ويقضي له حاجته، فلما قيل له في ذلك قال: لَمَّا سمعتُ مقولته تذكَّرت قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: 206]، فخشيت أن أكون ذلك الرجل،  (تفسير القرطبي).

كم من الناس اليوم إذا قيل له: اتَّق الله، احمرَّت عيناه، وانتفخت أوداجه، غضبًا لنفسه وغرورًا بشأنه وعجبًا برأيه! قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: *كفى بالمرء إثمًا أن يقال له: اتق الله، فيقول: عليك نفسك*، (الدر المنثور في قول المأثور).

عباد الله: أشرق رمضان بأبواب الخير و (تفرد الشهر):

شهر رمضان شهر كريم وموسم عظيم، يعظم الله فيه الأجر، ويجزل فيه العطاء، يفتح أبواب الخير لكل راغب، ويمنح فيه الثواب لكل تائب، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهدايا والهبات، ورمضان هو الشهر الوحيد الذي ذكره الله تعالى صراحة في كتابه الكريم، وليس هناك شهر يدانيه منزلة وقدرا عند الله سبحانه وتعالى! إنه من أعظم مواسم الخير، ومن أفضل مواسم الرحمة، ومن احلي مواسم الطاعة ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ (البقرة).

روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله فرض صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامَه وقامه إيمانًا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"(رواه النسائي)، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"(رواه الشيخان).

كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله فيقول: "اللهم بلغنا رمضان.. اللهم بلغنا رمضان وتقبل منا رجب وشعبان".

أيها المسلمون: أشرق رمضان شهر الرحمات: فرض الله عز وجل الصيام على أمة الإسلام، تزكية لنفوسهم، وتقوية لقلوبهم، وإعلاء لشأنهم، ومغفرة لذنوبهم، كي يشعروا بالفقير الجائع، والمسكين الضائع، واليتيم المكسور، والمعيل المقهور، فتقوى عزائمهم، وتعلو هممهم، ويزداد إيمانهم، ويقتربون من ربهم!

والله عز وجل رحيم بعباده، ومن رحمته بهم، أن جعل لهم مواسم رحمة، مواسم طاعة، مواسم قرب منه جل وعلا، جعل الله لكم في أيام دهركم نفحات، نفحة بعد نفحة، ومنحة بعد منحه، ونعمة بعد نعمة، وفرصة بعد فرصة، لماذا؟ تذكرنا بالله إذا نسينا، وتنبهنا بالحق إذا غفلنا، وتدفعنا للخير إذا فترنا!

هذه رحمات من ربكم فتعرضوا لها، عيشوها، لعل أحدكم تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم"(حسن).

عباد الله: (أشرق رمضان بالعتق من النيران وفتح أبواب الجنان، وتصفيد الشيطان): إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة. (حسن) في صحيح الجامع.

 أيها المسلمون: أشرق رمضان (يزاد فيه رزق المؤمن): عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. صحيح بن خزيمة.

عباد الله: أشرق رمضان فيه بـ (خمسًا لأمة القرآن): عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا لم يعطهن نبي قبلي، أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدًا".

وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك.

وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة.

وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي.

وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعًا.

فقال رجل من القوم أهي ليلة القدر فقال لا ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم.

في رمضان (الفرحة الحقيقية): للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه... سنن بن ماجه.

وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة ثم يقول: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"سنن أبي داود.

 أشرق رمضان فيه (الشفاعة الحقيقية):: عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان". صحيح رواه البيهقي في شعب الإيمان.

 أشرق رمضان فيه (ليلة القدر خير من ألف شهر): أخبرنا بشر بن هلال قال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين وفيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"‌(صحيح الجامع).

وبعد انقضاء رمضان نكبر ونحمد الله لا لأن رمضان قد أدبر عنا، بل لأن الله قد أعاننا على أداء الفريضة المكتوبة علينا، قال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[البقرة من الآية:١٨٥].

أيها المسلمون: أشرق رمضان ب(صلاة القيام):

تألق القيام في رمضان، حيث تتزين المساجد بأنوار القرآن، وتتألق بصلاة القيام (التراويح) فضلا على صلاة التهجد.

لقد أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[الإسراء: ٧٩]،

وهذا الامر وإن كان خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن عامة المسلمين يدخلون فيه بحكم أنهم مطالبون بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم.

وبين الله أن المحافظين على قيامه هم المحسنون المستحقون لخيره ورحمته فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: ١٥ – ١٨].

ومدحهم وأثنى عليهم ونظمهم في جملة عباده الأبرار فقال: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾(الفرقان:٦٣).

وقال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[الزمر: ٩].

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ"(الطبراني والبيهقي والحاكم وصححه).

وكان يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم بالطاعة والعبادة والقيام وخاصة في العشر الأواخر: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ؛ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ؛ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ"(متفق عليه).

قال الإمام ابن حجر: صلاة التراويح في ليالي رمضان سنة مؤكدة حتى يشعر الصائم بعد فطوره أنه لا يزال متصلًا بالله وحتى يشعر الصائم أيضًا بتلك الراحة، إن الصائم يؤديها بعد صلاة العشاء فيصليها ركعتين ركعتين حتى يصل إلى تمامها ثم تختم بصلاة الوتر.، إن صلاة التراويح هي جزء من قيام الليل ويفضل صلاتها في جماعة المسجد لإمكان قراءة القرآن كله أو معظمه على مدار ليال رمضان.

أشرق رمضان فيه (الاعتكاف): الانقطاع لله، بمكوث الصائم في المسجد للذكر والصلاة والتسبيح والتهجد والدعاء وقراءة القرآن والاستغفار دون أن ينشغل بأمور الدنيا حتى النساء قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ﴾ [البقرة:١٨٧]، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"(رواه البخاري ومسلم، والإمام أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي).

وما الاعتكاف إلا تهيئة للنفس والجسد، ليقبل المؤمن بعد ذلك على ربه راضيًا مرضيًّا، وحتى يطمئن في عبادته حتى يتوفر الإخلاص الكامل فيها، والتسليم لله رب العالمين.

 عباد الله: رمضان فيه (زكاة الفطر): أو زكاة الأبدان، هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، تدفع قبل صلاة عيد الفطر، أو قبل انقضاء صوم شهر رمضان. وهي واجبة على كل مسلم، قادر عليها، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها. وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال. بمعنى أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين وتطهير الأموال كما في زكاة المال مثلًا، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ". (رواه أبو داود).

 أشرق رمضان (حالة خاصة للصائمين): هذه العبادة هي سر بين الله وعبده لا يستطيع أن يحس بها أو يقدرها أي إنسان آخر غيره ذلك لأنها فريضة لا يتحرك فيها أي عضو من الجسم أمام أحد من الخلق مثل باقي الفرائض الأخرى التي قد تظهر للناس ويرون فاعلها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"(رواه البخاري).

عباد الله: أشرق رمضان (باب الريان خاص للصائمين):

عَنْ سَهْلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند البخاريّ: "فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّان، لا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائمُون".

رمضان شهر حبس الشياطين و(العتق من النيران):

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة". (رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني).

أيها المسلمون: أشرق رمضان (شهر التطهير):

صامه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، وصيام رمضان سببٌ لتكفير الذنوب التي سبقته من رمضان الذي قبله إذا اجتنبت الكبائر، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" (صحيح مسلم). فاستقبلوه بالفرح والسرور.

أشرق رمضان شهر (التغيير): جدير بنا في هذه الفرصة أن نغيِّر من أحوالنا، ونُحسِّن من أوضاعنا، ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾[الرعد:١١١].

فنفكِّر في مآلنا ومصيرنا قبل فراق حياتنا، فكم من أناسٍ شهدوا معنا رمضان الماضي، فإذا بهم في رمضان هذا قد واراهم التراب، وصاروا إلى تراب، وفارقوا الأهل والأصحاب والأحباب!

ولا يجوز أن يصوم المسلم ويفطر على الحرام، وهذا درس من أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ كان له خادمٌ يأتيه بالطعام، وكان من عادةِ الصديق أن يسأله كل مرة عن مصدر الطعام تحرزًا من الحرام، فجاءه خادمُه يومًا بطعام، فنسي أن يسأله كعادته فلما أكل منه لقمةً قال له خادمه: لِمَ لَمْ تسألني سؤالك كل مرة؟ فقال: من أين الطعام يا غلام؟ قال: دفعه إليَّ أناسٌ كنت قد تكهَّنت لهم كهانة في الجاهلية، فارتعدَت فرائص الصديق، وأدخل يده في فمه، وقاءَ كلَّ ما في بطنه وقال: والله لو لم تَخرج تلك اللقمة إلا مع نفْسي لأخرجتها، رواه أبو نعيم في الحلية، وأصله في صحيح البخاري.

أشرق رمضان (العمرة فيه تعدل حجة): عن بن عباس جاءت أم سُلَيمٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت حجَّ أبو طلحةَ وابنُه وترَكاني فقال يا أم سُلَيمٍ (عُمرةٌ في رمضانَ تعدِلُ حجَّةً معي) (الترغيب والترهيب).

أشرق رمضان بصيام الدهر كله: أن صيامه مع صيام ستة من شوال كصيام الدهر فعن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر"(رواه مسلم).

عباد الله: أشرق رمضان بالنصر والعزة: رمضان شهر الانتصارات في بدر، وفتح مكة، والقادسية، وحطين وعين جالوت والعاشر من رمضان وغيرها!! وها هي طوفان الأقصى تلاحق كل الانتصارات!!

أشرق رمضان هذا العام ومعه النصر والعزة، هناك في غزة العزة، رغم الجرح الغائر في قلب الأمة، والتخاذل السائر في منافقي العِمٓة،  بل منافقي الإسلام والمسلمين، إلا أن فلسطين بعد ما يقرب من نصف عام من طوفان الأقصى صابرة صامدة، وشعبها يعلمنا الشجاعة والبسالة والإقدام، يضحون بكل ما يملكون بأرضهم متمسكين (أولادهم، بيوتهم، أموالهم، رجالهم، شبابهم، كل حياتهم) فداء لمقدسات الإسلام وشرف المسلمين، وكأن الصبر تجمع وتلألأ في فلسطين، أما المجاهدون فهم مع آيات الله، صائمين مناضلين ثابتين، يتمثلون قول رب العالمين: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾[الأنفال:٤٥]، أرادوا العزة من ربهم، ﴿من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا﴾[فاطر: ١٠].

مقتدين بأجدادهم في بدر ﴿ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة﴾ [آل عمران: ١٢٣].

إنهم هم البدريون الجدد، نصرهم الله تعالى نصرًا مؤيدًا مؤزرًا، هكذا أشرق شهر رمضان لأمة القرآن!! فمن يحسن استقباله ويتعرض لنفحاته يسعد بالقرآن ويشعر بالإيمان؟!! ومن يسئ استقباله فيشقى بالخسران ويشعر بالحرمان؟!

اللهم فرحنا بالإسلام وفرحنا بالقرآن، وفرحنا برمضان، وفرحنا في رمضان، وشفّع فينا الصيام والقرآن، واجعلنا من المخلصين لك، العاملين لدينك، الفرحين بلقائك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply