الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عملًا بقول الله تبارك وتعالى ﴿وَذَكِّرهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُور﴾ [إبراهيم: 5].
نقدِّم هذه التذكرة اليسيرة بين يدي أيام الحج، نذكر فيها مناسك الحجيج وشعائرهم بدءً من يوم التروية حتى منتهى أيام التشريق:
اليوم الأول: يوم التروية: وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، ويوم التروية هو بداية الشعائر والمشاعر.
وقيل في سبب تسميته بـ (يوم التروية) أقوال، منها:
1- قيل: سُمي يوم التروية لأنَّ آدم رأى حواء فيه.
2- وقيل: لأنَّ الله تعالى أرى إبراهيمَ ذبح ولده فيه.
3- وقيل: لأنَّ جبريل عليه السلام أرى إبراهيم عليه السلام مناسك الحج فيه.
والأقرب والله أعلم: أنه سُمي بهذا الاسم؛ لأنَّ الحجاج كانوا يرتوون ويتزودون فيه بالماء لأيام منى؛ لأنها لم يكن فيها ماء، وإنما يُنقل إليها الماء حملًا، فكان الناس يرتوون الماء لمقامهم في منى، في اليوم الثامن من أيام ذي الحجة، وفي أيام التشريق التي تلي يوم في عرفة. فهذا هو أشهر الأسباب وأصحها، والله أعلم.
أعمال )يوم التروية(:
1- إذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فالمستحب للحاج أن يُحرم بالحج في وقت الضحى من مسكنه، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة يستحب لهم الإحرام والاغتسال والتنظُّف والتطيب، وينوي الحاج بقلبه ويلبي بلسانه ويهل قائلًا: )لبيك اللهم حجًا(.
-2 وإن كان خائفًا من عائق يمنعه من إتمام حجه فله أن يشترط، فيقول: )إن حبسني حابس فمحِلي حيث حبستني(، وكذلك إن كان سوف يحج عن غيره يقول: )لبيك حجًا عن فلان أو عن فلانة(، ثم يلبي.
)لبيك اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك(.
وإن زاد فقال: )لبيك إله الحق لبيك، لبيك إله الحق لبيك( فحسن؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3- ويستحب للحاج أن يتوجَّه يوم الثامن )يوم التروية( وقت الضحى إلى مِنى، وذلك قبل زوال الشمس، وأنْ يكثر من التلبية؛ وقد ورد في السنن بسند حسن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، فَأَمَّا الْعَجُّ: فَالتَّلْبِيَةُ، وَأَمَّا الثَّجُّ: فَنَحَرُ الْبُدْنِ.
قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بِالْعَجِّ: الْعَجِيجَ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: نَحْرُ الْبُدْنِ.
4- وإذا وصل الحاج إلى منى صلَّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كلٌ في وقته، وذلك قصرٌ، بلا جمع.
ففي الصحيح من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم في صفة حج النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال جابرٌ رضي الله عنه: "حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْويَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْفِرًا جِدًّا مِنْ مِنًى إلى عَرَفَةَ".
5- حتى إذا دخل وقت فجر يوم عرفة صلَّوا الفجر في مِنى، فإذا طلعت الشمس توجهوا من مِنى إلى عرفات ملبِّين مكبِّرين.
روى الشيخان: عن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنهما وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: "كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ، فَلَا يُنكَرُ عليه".
· أخطاء يقع فيها الحُجّاج يوم التروية: يقع بعض الحُجّاج في عدد من الأخطاء في يوم التروية، ومنها ما يأتي:
1- الاعتقاد أنّ الإحرام يلزم أن يكون من المسجد الحرام؛ في حين أنّ الحاجّ يُمكنه أن يُحرمَ من موضعه في مِنى دون العودة.
2- الاعتقاد أنّ ثياب إحرام الحجّ يجب أن تختلف عن ثياب إحرام العمرة التي أحرم فيها سابقًا، وهو اعتقادٌ خاطئ؛ إذ يمكن الإحرام للحَجّ بثياب إحرام العمرة نفسها.
3- اضطباع الحاجّ من يوم التروية وحتى نهاية الحجّ، وهذا أمرٌ خاطئ؛ فالمشروع في الاضطباع أن يكون فقط عند أداء طواف القدوم، أو طواف العمرة.
اليوم الثاني: (يوم عرفة):
· وهو يوم الميثاق: يوم أن أخذ الله تعالى- الميثاق الغليظ، وذلك حين أخذ من ظهر آدم عليه السلام- كل ذرية ذراها، ثم كلمهم، قال: ألست بربكم قالوا بلى شهدنا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى- أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان- يعني عرفة وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: }وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ{(رواه أحمد وصححه الألباني).
فما أعظمه من يوم، وما أعظمه من ميثاق.
· هو يوم ختام الشريعة الخاتمة: ففي الصحيحين: أنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ إلى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ، لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[المائدة: 3]، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: "وَاللهِ إِنَّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ".
· هو يوم عيد للمسلمين:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِىَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ"(أخرجه الترمذي حديث (773) وقال: حسن صحيح).
· هو يوم المباهاة:️قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ" (رواه مسلم).
· يباهي الله عز وجل بهم ملائكته الملائكة الذين قالوا يومًا: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 30].
· ويوم عرفات تُضمنُ التبِعات:
عن أنس رضي الله عنه قال: وَقَفَ النَّبيُّ صَلَّي اللهُ عليه وسَلَّمَ بعَرَفاتٍ، وكادَتِ الشَّمسُ أنْ تَؤوبَ، فقال: يا بِلالُ أنصِتْ ليَ الناسَ. فقامَ بِلالٌ، فقال: أنصِتوا لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فأنصَتَ الناسُ، فقال: "مَعاشِرَ الناسِ، أتاني جِبرائيلُ آنِفًا، فأقرَأني مِن رَبِّي السَّلامَ، وقال: إنَّ اللهَ غَفَرَ لِأهلِ عَرَفاتٍ، وأهلِ المَشعَرِ، وضَمِنَ عنهمُ التَّبِعاتِ. فقامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، هذا لنا خاصَّةً؟ قال: هذا لكم ولِمَن أتى مِن بَعدِكم إلى يَومِ القيامةِ. فقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: كَثُرَ خَيرُ اللهِ وطابَ"(أخرجه المنذري، وسنده صحيح).
قال ابن مبارك: *جئت إلى سفيان الثوري في يوم عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان، فالتفت إليه فقلت: من أسوء هذا الجمع حالًا؟ فقال الثوري: الذي يظن أنَّ الله تعالى لا يغفر له*.
· وبصيامه تُكفَّر السيئات: قال صلى الله عليه وسلم: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"(رواه مسلم).
· ودعاءه خير الدعاء: أخرج الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ،»، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
n نختم بمسألة مهمة وهي مسألة حكم التعريف في يوم عرفة:
حيث ترى من يجتمع في المساجد في ذكر جماعي يسمَّى التعريف، وهذا من محدثات الأمور.
قال ابن وهب: سمعت مالكًا يسأل عن الاجتماع في يوم عرفة على الدعاء يجتمعون على الدعاء، فقال: *هذا ليس من أمر الناس، هذا من مفاتيح البدع*.
قال شعبة: سألتُ الحكم وحماد عن اجتماع الناس في المساجد في يوم عرفة، قال: *هذا أمر محدث*.
اليوم الثالث: (يوم النحر)
يوم النحر هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر، هكذا سمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
فقد روى الترمذي بسند صحيح: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقَالَ: "أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَال "هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ".
وإنما سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم لأنَّ أعظم وأهم أعمال الحج إنما تتم في هذا اليوم، يوم العاشر من ذي الحجة، مِن رمي جمرة العقبة والنحر والحلق أو التقصير والطواف والسعي.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ"(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
n وأما الأعمال التي يقوم بها الحجيج في اليوم العاشر من ذي الحجة:
1- فبعد أن انتهوا من وقوفهم بعرفات، يوم التاسع، فإنهم يتوجهون للمبيت في مزدلفة، وذلك في ليلة العاشر من ذي الحجة.
· تنبيه: يجوز لمن كان عاجزًا عن إكمال المبيت في مزدلفة أن يمكث بها إلى نصف الليل، ثم يدفع.
2- بعد أن يتم المبيت في مزدلفة، وبعد شروق الشمس في يوم العاشر من ذي الحجة يتوجه الحاج إلى مِنى وهو يلبي، وإنما يتوجه إلى مِنى لرمي الجمرات، فإنَّ تحية منى إنما هي رمي الجمرات.
وللعلم فإنِّ رمي الجمرات ليس كما يعتقد الكثير أنها رميٌ للشيطان، بل إنما شُرِع ذلك لإقامة ذكر الله عز وجل.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الجِمَارِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ"(أخرجه ابن خزيمة، وسنده صَحِيحٌ).
ويرمي الحاج سبع جمرات، هي جمرات العقبة الأولى في المكان المخصص للرمي في الحوض، ويكبر مع كل حصاة. ووقت الرمي يوم النحر يكون بعد شروق الشمس إلى زوال الشمس.
قال ابن رشد الحفيد: أجمع المسلمون على أنِّ من رمى جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها. (بداية المجتهد (1/378)).
فإن لم يتمكن من رمي الجمرات قبل زوال الشمس جاز له أن يرمي في وقت آخر من اليوم نفسه حتى غروب شمس يوم النحر، فإن عجز عن ذلك لشدة الزحام، أو ما غير ذلك رماها في أي يوم من أيام التشريق.
روى أحمد بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ: "هَلُمَّ الْقُطْ لِي، فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: نَعَمْ بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ".
وبعد أن ينتهي الحاج من رمي الجمرات تأتي شعيرة أخرى من شعائر الحج، وهي شعيرة النحر، ثم الحلق أو التقصير.
والأفضل هو الحلق لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة للمحلقين ثلاثًا، ودعا للمقصِّرين مرة واحدة.
روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ". وبالرمي والحلق فقد تحلَّل الحاج التحلل الأول، وجاز له كل شيء إلا النساء، هذا على قول جمهور أهل العلم.
عودٌ إلى أعمال يوم النحر: بعد أن أتم الحاج الرمي والنحر والحلق، تأتي شعيرة أخرى من أعظم شعائر الحج: هي طواف الإفاضة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج: 29] وبعد أن يتم طواف الإفاضة يصلي ركعتين، ويشرب من زمزم، ثم يأتي إلى السعي بين الصفا والمروة، وهذا السعي لمن كان متمتعًا بالحج.
وأما إن كان الحاج مفردًا أو قارنًا فيكون سعيه بعد طواف القدوم عند دخوله إلى الكعبة مباشرة وليس في يوم النحر.
بعد أن أتم الحاج الطواف وبعد أن أتم السعي يبقى في منى في أيام التشريق.
أعمال يوم التشريق وما زال الحجيج يتنقَّلون بين المشاعر والشعائر، يقتفون آثار النبوة، ويمتثلون أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي قال: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ. فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لا أحج بعد حجتي هذه"(أخرجه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: "كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ"(أخرجه أحمد، وصححه الألباني).
وأيام التشريق هي أيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، تبدأ باليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وتنتهي بمغيب شمس يوم الثالث عشر. وسبب هذه التسمية: أنَّ الحجاج كانوا يشرقون فيها لحوم الهدى والأضاحي، حيث يتم وضعه في الشمس لتجفيفه، لمنع تعفنه.
وأيام التشريق هي الأيام المعدودات التي قال عنها تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾[البقرة: 203].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الأيام المعدودات (أيام التشريق)، والأيام المعلومات (أيام العشر)". (أخرجه ابن جرير في “جامع البيان”، وسنده صحيح).
أما عن أعمال أيام التشريق: فإنَّ الحجيج بعد أن أتموا الطواف والسعي، فإنهم يتنقلون بعد ذلك إلى منى للمبيت بها ليالي أيام التشريق، وذلك لرمي الجمرات. ورمي الجمرات منسك من مناسك الحج، وعامة أهل العلم يرون وجوبه وأنَ في تركه دمًا.
ويكون رمي الجمرات أيام التشريق: فيبدأ من زوال الشَّمس أي: دخول وقت صلاة الظُّهر ويمتدُّ إلى آخر الليل؛ ولا يصِحُّ الرَّميُ في أيَّام التَّشْريق قبل زوالِ الشَّمسِ، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة. وعليه؛ فمن رمْى الجمَرات يوم الحاديَ عشر بعد صلاة الفجر وقبل الزَّوال، فغير مجزئ، وعليه أن يرميَ بعد الزوال، فإن لم يُعِدِ الرَّمي حتى خرجت أيام التشريق، فيجب عليه ذبح شاة في الحرم، وتوزيعها على فقرائه.
ففقد أخرج مسلم من حديث جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: "رمى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجمرةَ يومَ النَّحرِ ضُحًى، وأمَّا بعدُ فإذا زالَتِ الشَّمسُ".
وينتهي وقتُ الرَّميِ أداءً وقضاءً بغروبِ شَمسِ آخر يومٍ مِن أيَّام التَّشْريق، وهذا بإجماع أهل العلم.
أسماء أيام التشريق:
اليوم الأول من أيام التشريق معروف بيوم القر، وسُمِّي بذلك لأنَّ الحاج يقرّ ويمكث فيه بمنى، يرمي الجمرات بدءًا من الجمرة الصغرى فالوسطى ثم الكبرى.
اليوم الثاني من أيام التشريق يُعرف بيوم النفر الأول: وذلك لأنَّ الحاج يجوز له أن يتعجَّل وينفر من منى بعد رمي جمرة العقبة الوسطى، والتوجُّه إلى الحرم المكي لأداء طواف الوداع، وهو آخر مناسك الحج، شريطة أن يكون الخروج من منى قبل غروب الشمس.
اليوم الثالث من أيام التشريق يُعرف بيوم النفر الثاني:
ويكون رمي الجمرات فيه لغير المتعجلين قبل الخروج من منى، وسُمِّي بذلك كدلالة على أنَّ من تعجَّل ونفرَ من منى في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخَّر أيضًا لا يكون عليه أي إثم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد