بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أشكر الله سبحانه وتعالى أن جمعني مع إخواني في هذا المكان والمجلس الطيب لنتذاكر ونتناصح ونتذكر بعض تاريخ أمتنا الإسلامية وآبائنا المسلمين وما كان من تضحياتهم وأعمالهم وآثارهم وبصماتهم في هذا التاريخ العريق، تاريخ الأمة الإسلامية.
السيرة النبوية والخلفاء الراشدين:
حتى نبني على ما سبق، تكلمنا عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن السيرة النبوية هي منطلق التاريخ الإسلامي وهي بداية التاريخ الإسلامي. ثم تكلمنا عن دولة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، والحسن بن علي رضي الله عن الجميع. واليوم نتحدث عن دولة عظيمة ودولة عريقة قام عليها رجال وصحابة كرام، على رأسهم الصحابي الجليل كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم.
معاوية بن أبي سفيان:
هذا الرجل، وهذا الصحابي، ناله وطاله من التزوير والتشويه الكثير. ومع الأسف الشديد، فإن أكثر شخصية إسلامية قد نالها التزوير والتشويه هي شخصية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وارضاه. السبب في ذلك أنه ليس هناك من يغلو فيه ويرفعه إلى مقام العبودية كما فعلوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ولم يكن من آل البيت الذين لهم قدسية عند المسلمين فيكون هناك من يدافع عنه كما يذب عن آل البيت.
تأسيس الدولة الأموية:
هذا الصحابي الجليل وهذه الشخصية العظيمة هي شخصية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وارضاه. هذا الصحابي الجليل هو المؤسس الحقيقي لهذه الدولة التي سنتكلم عنها، وهي الدولة الأموية. الدولة الأموية، هي دولة أُسست سنة 41 من الهجرة وانتهت وزالت في المشرق في دمشق سنة 132 من الهجرة. في التاريخ الميلادي أسست سنة 660 ميلادي وانتهت سنة 750 ميلادي. هذه الدولة هي أعظم دولة إسلامية بعد دولة الخلفاء الراشدين. انتشر الإسلام والتوحيد والسنة فيها حتى عمت أغلب الأرض.
توسع الدولة الأموية:
ما توسعت إمبراطورية أو دولة إسلامية كما توسعت الدولة الأموية في تاريخها وفي أفعالها وجهادها في تلك الحقبة من الزمن. يقول الإمام المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية: *دولة بني أمية دولة الجهاد التي نشرت الإسلام في كل مكان، وامتلأت قلوب الكفار والمشركين رعبًا من هذه الدولة، وعز الله بها الإسلام والمسلمين*. وكان في الجيوش الإسلامية الأئمة والعلماء الصالحون الذين ينشرون الدين الإسلامي. وقامت بعهدهم ما يسمى بالصوائف والشواتي، أي الجيش الذي يتحرك في الصيف والجيش الذي يتحرك في الشتاء، كل ذلك لنشر دين الله سبحانه وتعالى.
العام الذي توحدت فيه الأمة:
أُسست الدولة الأموية كما ذكرنا سنة 41 من الهجرة. السبب في ذلك أن الحسن بن علي، آخر الخلفاء الراشدين في هذه الحقبة الذي تولى الخلافة بعد أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه. وقد صدق فيه نبوءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله على يديه فئتين عظيمتين من أمتي". فتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه لمعاوية بن أبي سفيان بالخلافة، فسمي ذلك العام *عام الجماعة*. وفي هذا العام اجتمعت الأمة من جديد تحت حاكم واحد وخليفة واحد، وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه.
ولاية الشام وتوحيد الأمة:
ذكرنا فيما سبق في دولة الخلفاء الراشدين أن أول من ولاه ولاية الشام، أي دمشق هو عمر بن الخطاب وأقره عليها عثمان بن عفان. وجمع له الشام كله، فصار هو أمير الشام. استمر في إمارة الشام عشرين سنة، وتنازل له الحسن بالخلافة، فأصبح هو خليفة المسلمين كذلك عشرين سنة.
في هذه العشرين سنة، توحدت الأمة ورجع الجهاد من جديد، وأعز الله عز وجل الإسلام والمسلمين في هذه الحقبة التاريخية التي حكم فيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه. فأقام الجهاد وانتشر في عهده الإسلام، وأقام في عهده أول أسطول إسلامي بحري حتى أن بحر الروم، الذي كان يسمى بحر الروم وهو البحر الأبيض المتوسط اليوم، سمي بحر العرب بعد أن أقام معاوية ذلك الأسطول العظيم الذي غزا به قبرص وحاصر به القسطنطينية.
فتوحات معاوية بن أبي سفيان:
توسع المسلمون والإسلام في ربوع الأرض من جهة المشرق حتى وصلوا إلى مشارف السند، وكذلك بخارى وخرسان. ومن جهة الروم وصلوا إلى أسوار القسطنطينية. ومن جهة أفريقيا وصلوا إلى الجزائر وفتحت الجزائر بأكملها في عهده رضي الله عنه وأرضاه تحت قيادة القائد العظيم عقبة بن نافع الفهري، وكذلك القائد العظيم أبو المهاجر دينار. كل ذلك حصل في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، فلذلك عز الإسلام والمسلمون في عهده، وانتشر الخير في عهده، وعزّت السنة والدين في عهده رضي الله عنه وأرضاه.
شهادة العلماء عن معاوية:
حتى أن مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس، الذي يقول: *عرضت المصحف على ابن عباس مرتين، أوقفه عند كل آية أسأله ما سبب نزول هذه الآية وما معناها*. هذا العالم المفسر يقول: *والله لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي المنتظر*. قالوا: *من حلمه؟* قال: *بل من عدله*.
فهذا هو معاوية الذي يجب على أهل السنة اليوم أن يدافعوا عن هذه الشخصية، وأن يبرزوا معالمها وآثارها وفضائلها. لا نقول إنه معصوم كما يزعم ويدعي غيرنا فيمن يتبعون، فنحن نعلم أنه لا معصوم إلا الأنبياء والمرسلين. ولكن نقول إن هذا صحابي جليل نفع الله به الإسلام والمسلمين. قال أئمة السنة حول هذه الشخصية: *إن معاوية بوابة الصحابة، فمن طعن في معاوية فهو لغيره أطعن.*
دفاع أهل السنة عن معاوية:
فلذلك من طعن في معاوية فاتهموه على الدين. ونحن ندافع عنه ونترضى عنه ونسأل الله عز وجل أن يجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى. هذا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه الذي وقف على قبره أبو الملوك عبدالملك بن مروان، والذي سوف تأتي سيرته بعد قليل. وقف على قبره في باب الصغير في دمشق وبكى بكاء مرًا وطويلًا، فقال له أولاده الوليد وسليمان وهشام ويزيد وعمر بن عبدالعزيز: *يا أمير المؤمنين، نراك تطيل الوقوف والبكاء على هذا القبر، فمن صاحب هذا القبر؟* قال: *هذا الذي إذا تكلم تكلم بعلم، وإذا سكت سكت بحلم. هذا الذي إذا حارب أفنى، وإذا أعطى أغنى. هذا معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه*.
معاوية وتولي يزيد:
إذن هذا هو معاوية رضي الله عنه وأرضاه. ونحن نقول ذلك شهادة للتاريخ وللحق حول هذه الشخصية التي نالها ما نالها من التزوير. هذا المؤسس الحقيقي للدولة الأموية التي نفع الله بها الإسلام والمسلمين. مضى معاوية رضي الله عنه وأرضاه في عهده وفي حياته أميرًا للمؤمنين عشرين سنة. فلما جاءت سنة ستين من الهجرة، وعلم أن الأجل قد اقترب، شاور من حوله، لأنه عاصر ويلات الفتن والقتال التي دبت بين المسلمين، فهو لا يريد أن يرجع هذا القتال من جديد وهذه الفرقة من جديد. شاور فقالوا: *لا بد من تعيين من يخلفك حتى لا يختلف المسلمون من بعدك*. شاور فوقع الاختيار منه ومن أهل الشام، الذين يسمونهم أهل الشوكة وأهل الجهاد، على يزيد بن معاوية. وقد اختبره معاوية رضي الله عنه وأرضاه، اختبر ابنه يزيد في توليه لهذا المنصب، وشاور من حوله وأوصى ولده بأن يرفق بالمسلمين ويسير بهم سيرة حسنة. طلب البيعة لابنه في حياته، فامتنع من الأمصار والصحابة أربعة فقط. الباقي كلهم وافقوا معاوية على هذا القرار. الأربعة هم عبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، والحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير رضي الله عن الجميع.
موافقة الصحابة:
فلما علم معاوية، سار إليهم في المدينة. فلما جاء للمدينة سافر الحسين وعبدالله بن الزبير إلى مكة، كانوا لا يريدون النقاش والمجادلة مع أمير المؤمنين معاوية في هذا الأمر. بقي عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس، فجلس معهم معاوية، فأخبرهم وذكر لهم ماذا أراد من تعيين ابنه، وطلب البيعة له من حفظ دماء المسلمين وعدم إثارة الفتن من جديد. فوافق عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس معاوية رضي الله عنهم وأرضاهم حول هذه البيعة.
وتذكروا، أن عبدالله بن عمر سيستمر بهذه البيعة إلى أن يتوفى يزيد بن معاوية وهو ملتزم ببيعته له. فلذلك، عندما رجع معاوية بن أبي سفيان إلى دمشق، ودنى الأجل، مات رضي الله عنه وأرضاه، فتولى ابنه يزيد بن معاوية شأن الأمة وإمارة المؤمنين.
موقف أهل السنة من يزيد:
نحن نقول كما قال أهل السنة في هذه الشخصية، إن هذه الشخصية يوجد حولها الكثير من الأقوال والإشاعات. أنه فاسق يشرب الخمر ويفعل الزنا وما إلى ذلك. هذا كله لم يثبت بالروايات الصحيحة، وإنما هي أقوال مما تنسب أو تذكر عنه ولم تصح. لكن أهل السنة والجماعة اتخذوا من هذه الشخصية موقفًا هو أنهم لا يحبونه ولكنهم لا يلعنونه ولا يسبونه، لا يتولونه ولا يدعون له ولا يترضون عليه، ولكنهم لا يكفرونه ويخرجونه من الإسلام. إنهم لم يحفلوا بإمارته للمؤمنين، ومع ذلك لم يزيلوا هذا المنصب له، لأنه ثبت بإجماع وبمبايعة كثير من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، بل أغلبهم وأكثرهم.
الفواقر الثلاث في عهد يزيد:
هذه الشخصية عند أهل السنة والجماعة لا تُحب ولا تولى، وكذلك لا تُسب ولا تُلعن ولا تُكفر.
سبب هذا الموقف من أهل السنة حول هذه الشخصية هي وقوع ثلاث فواقر في عهده، ثلاث مصائب وقعت في عهده. أولها مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه. أهل العراق جروه وبايعوه وأرسلوا له الكتب من العراق إلى مكة، فلما سار إليهم، خرجوا مع أميرهم عبيدالله بن زياد، الذي ولاه يزيد على العراق، فقاتلوا الحسين حتى قتلوه. لذلك وقع في قلوب أهل السنة والجماعة جرح من خلال قتله أو مقتل الحسين في عهده. الروايات كلها تشير إلى أنه لم يأمر بقتله، وإنما أمر بصده عن دخول العراق. ولكن الذي أمر بقتله هو عبيدالله بن زياد. يقولون أهل السنة: لماذا لم يعاقب يزيد عبيدالله بن زياد حول مقتل الحسين؟ هذه أول فاقرة ومصيبة.
موقعة الحرة:
المصيبة الثانية هي وقوع موقعة الحرة لأهل المدينة عندما خرجوا عليه، فأرسل إليهم جيشًا من الشام قوامه 12 ألف مقاتل. كان قائدهم وأميرهم مسلم بن عقبة، الذي سماه أهل السنة مسرفًا، لأنه استحل واستحر في المدينة في موقعة الحرة حتى أنه قتل بعضًا من الصحابة والتابعين ودخل المدينة فعاث فيها فسادًا. لكن ليس بالصورة التي يقال إنها وصلت حتى اغتصاب الأبكار وفعل ما لا يُحتمل. وإنما استباحوا المدينة، أي أنهم أعملوا القتل لمن قاتلهم وخرج على يزيد. مع أن ابن عمر كان في المدينة فلم يقربه أحد من الجيش، لأنه ملتزم ببيعته ليزيد التي بايعها على حياة أبيه معاوية رضي الله عنه وأرضاه.
حصار مكة:
الفاقرة الثالثة هي حصار مكة، التي كان فيها عبدالله بن الزبير. جاءه النائب الثاني لقائد الجيش، وهو الحصين بن نمير، بعد موت مسلم بن عقبة بالطريق من المدينة إلى مكة. تولى الجيش الحصين بن نمير، فلما حاصر الكعبة ورماها بالمنجنيق حتى خرب بعضها، جاءهم الخبر بموت يزيد. تولى يزيد بن معاوية سنة 60 من الهجرة ومات سنة 64 من الهجرة، يعني حكم أربع سنوات فقط. مات وعمره ست وثلاثين سنة. كان عنده شاب ولده عمره 19 سنة، وهو معاوية بن يزيد بن معاوية، وكان عنده ابن آخر يقال له خالد بن يزيد، مبتكر وعالم بالكيمياء. أسند لمعاوية بن يزيد أمر الخلافة من بعد أبيه يزيد.
تنازل معاوية بن يزيد:
عندما خرج معاوية بن يزيد كان متوعكًا وكان مريضًا، فخطب في الناس في دمشق وقال لهم: *أيها الناس، لقد وليت عليكم وأنا لست بأهل لذلك. إني لا أرى فيكم مثل أبي بكر وعمر حتى أولي هذا الأمر، ولا أرى فيكم أهل الشورى الستة الذين ولاهم عمر، طلحة والزبير وسعد وعبدالرحمن وعلي وعثمان. الأمر راجع إليكم، انظروا من تولون منكم*. عند ذلك دخلت الفوضى. قام عبدالله بن الزبير في مكة وأعلن نفسه خليفة. قام مروان بن الحكم ابن أبي العاص ابن أمية، وهو الفرع الثاني للدولة الأموية، وتولى شأن الخلافة تبعًا للدولة الأموية.
فعلًا كانت الشوكة مع أهل الشام، أهل الجهاد والمعرفة في الإدارة والسياسة لشأن المسلمين تبعًا لمعاوية بن أبي سفيان.
خلافة مروان بن الحكم:
عندما تولى مروان بن الحكم الخلافة، بايعه أغلب الأمصار. لذلك يعده بعض المؤرخين الخليفة الشرعي، لأن مصر وما ورائها، والعراق وشرقها، وأهل الحجاز والجزيرة، وغالب أهل الشام بايعوا عبدالله بن الزبير، إلا دمشق.
في دمشق، التي فيها مركز الخلافة، أعلن مروان بن الحكم نفسه خليفة باجتماع بني أمية. بدأ القتال من جديد بين دولة عبدالله بن الزبير، التي تسمى الدولة الزبيرية، والدولة الأموية بقيادة مروان بن الحكم.
توحيد الدولة الأموية من جديد:
دان الشام لمروان بن الحكم ودانت مصر تبعًا للشام، وبقي العراق والحجاز والجزيرة. عند ذلك توفي مروان بن الحكم رحمه الله. يعده بعض الناس من صغار الصحابة، وبعض أهل العلم يعده من كبار التابعين. هو عالم بالشريعة الإسلامية، وقد روى له البخاري ومسلم.
تولى الأمر من بعده الملك الفذ المؤسس الحقيقي للدولة الأموية المروانية، عبدالملك بن مروان. يعده أهل العلم من الفقهاء الأربعة في المدينة النبوية. كان عالمًا في المدينة، وبعض الصحابة كانوا يشيرون إليه بالعلم، *اسألوه بالعلم*. هذا الملك عبدالملك بن مروان، استطاع في فترة وجيزة أن يقوي هذه الدولة.
التحديات الداخلية والخارجية:
رأى عبدالملك بن مروان أن هناك منازعات في العراق يريدها أن تهدأ وتسفر عن من يسيطر عليها. أول هذه المنازعات كانت ما قام به المختار الثقفي، الذي طالب بدم الحسين وقال: *يا لِثارات الحسين*. سار يقاتل ويريد أن يقتل من قتل الحسين.
فعلًا هذا الرجل، المختار الثقفي، بدأ بالمطالبة بدماء آل البيت والانتقام لهم، ثم قتل عبيدالله بن زياد ومن شارك في مقتل الحسين. لكنه ساء منهجه وساءت طريقته حتى أنه أراد الحكم والسلطة له، وثبت في بعض الروايات أنه يقول إنه يوحى إليه، مما جعل أهل السنة والجماعة يصفونه بالكذاب.
نهاية المختار الثقفي:
المختار الثقفي جاء في الصحيح وفي السنة أن بني ثقيف سيخرج منهم كذاب ومبيح. قيل إن المبيح هو الحجاج بن يوسف الثقفي، والكذاب هو المختار الثقفي. قاتله مصعب بن الزبير، والي العراق لأخيه عبدالله بن الزبير، فقتله.
لما اتضحت الرؤيا لعبدالملك بن مروان، سار بالجيش الشامي إلى العراق، فانسحب أهل العراق من مصعب بن الزبير، وحدثت معركة غير متكافئة. عبدالملك وأخوه محمد بن مروان لم يريدوا قتل مصعب في هذا المكان، لأنهم أبناء عمومة وكلهم من قريش.
كتب له عبدالملك كتابًا يقول له: *يا مصعب، إني أعطيك الأمان. إن شئت أن ترجع إلى أخيك في مكة، فإن أهل العراق قد سلموا لنا رقابهم. فإني لا يحزنني أن تقتل في هذا المكان. إن لم ترض بهذا، فاجعل ابنك عيسى يرجع إلى عمه ولا يقتل في هذا المكان*.
قال مصعب بن الزبير: *لقد علمتم يا آل مروان أن بني الزبير إذا حضروا معركة، فإنهم لا ينسحبون منها إلا منتصرين أو شهداء قتلى في هذه المعركة*.
أخذته الرقة والرحمة على ابنه فقال: "يا عيسى، هذا عمك عبدالملك بن مروان يعطيك الأمان أن ترجع إلى عمك وتخبره ما فعل بنا أهل العراق، فإنه قد حصل لنا ما حصل للحسين*. قال عيسى: *والله يا أبتي، لا تتحدث نساء قريش أني تركتك في مثل هذا المكان. إما أن ننجو سويًا أو نقتل سويًا*. قاتلوا فقتلوا رحمهم الله في هذه المعركة.
تولى عبدالملك على العراق كاملًا، ومن يتولى العراق يتولى المشرق من بعده، ومن يتولى مصر يتولى مع غرب من مصر، أي أفريقيا.
مقتل عبدالله بن الزبير وتوحيد الأمة:
لم يبق في هذه الأرض من يعارض إلا عبدالله بن الزبير في مكة. أرسل له جيشًا على رأسه الحجاج بن يوسف الثقفي، وحاصره في مكة مدة من الشهور، ثم اقتحم مكة وتقاتل مع عبدالله بن الزبير، فقتل عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه، وحمل رأسه إلى عبدالملك بن مروان في دمشق. بعد ذلك، توحدت الأمة والدولة الإسلامية من جديد. بعد أن توحدت وأصبحت واحدة، بدأ عبدالملك يرسل الجيوش الإسلامية من جديد.
الفتوحات الإسلامية في عهد عبدالملك بن مروان:
كان عبدالملك بن مروان يدفع المصالحة بينه وبين حاكم القسطنطينية وملكها حتى تهدأ الأمور عنده. بعد توحيد الأمة، بدأ يراسل ملك القسطنطينية قائلًا له: *الآن أستطيع أن أعرض عليك الثلاث التي كان يعرضها الخلفاء من قبلي: إما الإسلام، أو الجزية، أو القتال في سبيل الله*. بدأت الجيوش تسير في كل اتجاه، من جهة الروم، ومن جهة أفريقيا، ومن جهة المشرق.
توسيع الفتوحات الإسلامية:
كان الحجاج يبني مدينة كاملة تسمى واسط ويشكل منها الجيوش. وقد شكل جيشًا كبيرًا بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي، وشكل جيشًا آخر يسير إلى السند، التي هي باكستان اليوم وأطراف الهند، وجعل عليه أميرًا شابًا صغيرًا يقال له محمد بن القاسم الثقفي، وكان عمره لا يتجاوز 21 سنة. بدأت الجيوش تفتح هذه الأمصار. مضت الخلافة في عهد عبدالملك بن مروان بالتوسعات والبناء. هو أول من سك العملة العربية الإسلامية، فجعل دينارًا مكتوبًا عليه *لا إله إلا الله محمد رسول الله*. وهو أول من عرب الدواوين، وجعلها تكتب باللغة العربية بدلًا من العبرية أو الفارسية أو السريانية. وبنى مسجد قبة الصخرة في القدس، وجعل لهذا المسجد ما يقارب سبع مصليات. في عهده كان هناك تطور في الفتوحات والبناء.
وفاة عبدالملك بن مروان:
توفي عبدالملك بن مروان الملقب بأبي الملوك، وتولى الخلافة من بعده ابنه الوليد بن عبدالملك. هؤلاء الرجال تربوا في بيت الخلافة والإمارة وتربوا على العادات الأصيلة والمروءة العربية والشيمة، وكذلك العادات الإسلامية.
حكم الوليد بن عبدالملك:
أول ما تولى الوليد بن عبدالملك شأن الأمة لم تكن هناك منازعات ولا فتن، فلذلك كان يعطي العطاء ويجعل لكل مريض عاجز كبير في السن خادم يخدمه، ولكل ضرير قائد يقوده مع الرواتب التي تكون راتبًا لهم يدفع من الدولة. بنى أول مسجد في الإسلام في دمشق، وهو الذي بنى الجامع الأموي في دمشق. بدأ أولًا بتوسعة مسجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة، لكنه بنى من الجهة الشرقية، وهي التي أدخلت قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد. هناك من العلماء من أنكر ذلك، ولكن أراد أن يتوسع المسلمون في الصلاة في هذا المسجد.
فتوحات الوليد بن عبدالملك:
هذا الرجل، الوليد بن عبدالملك، توسعت الرقعة الإسلامية في عهده حتى فتحت الأندلس بأكملها، أي إسبانيا والبرتغال، حتى وصلت إلى جنوب فرنسا، قربت من باريس. لم يكن بينهم وبين باريس إلا 30 كيلو مترًا. في تلك المعركة التي كان على رأسها عبدالرحمن الغافقي، وهي معركة مشهودة تسمى بلاط الشهداء، قامت هذه الفتوحات في عصر وعهد هذا الخليفة الفذ، الوليد بن عبدالملك.
نهاية حكم الوليد وتولي سليمان بن عبدالملك:
الوليد بن عبدالملك كان مشهورًا بحبه للخير وقراءته للقرآن. لا يعني ذلك أنه ليس عنده أخطاء أو بعض الأشياء التي تكون على الناس. نذكر ما كان من عهده من خير على الأمة الإسلامية. مات الوليد بن عبدالملك سنة 96، وتولى من بعده أخوه الشقيق سليمان بن عبدالملك.
حكم سليمان بن عبدالملك أربع سنوات. توفي الحجاج قبل وفاة الوليد بن عبدالملك. كان سليمان بن عبدالملك يتوعد الحجاج لما كثر الظلم في عهده، لكن الحجاج مات قبل وفاة الوليد. وسليمان عاقب كل من ولاهم الحجاج.
توسعات عمر بن عبدالعزيز:
سليمان بن عبدالملك ختم عهده بأعظم خدمة للمسلمين، وهو تولية عمر بن عبدالعزيز. وعمر بن عبدالعزيز نشر الخير والعدل في كل مكان ورفع الظلم عن كل مظلوم. لم يبق سجين واحد في عهده في سجون دولة بني أمية.
حكم سنة 99 من الهجرة، وكان عمره 39 سنة. وجه سليمان بن عبدالملك الجيش بقيادة أخيه مسلمة بن عبدالملك، الملقب بالجرادة الصفراء لشجاعته وإقدامه. كان مسلمة بن عبدالملك قائدًا شجاعًا وأولى بالخلافة لولا العادة الأموية أن الخلافة لا يتولاها إلا من كانت أمه عربية.
وفاة عمر بن عبدالعزيز وتولي يزيد بن عبدالملك:
مات سليمان بن عبدالملك وهو يحاصر القسطنطينية ستة أشهر، وأمر عمر بن عبدالعزيز الجيش بالرجوع خوفًا على الجيش. كان حريصًا على حياة المسلمين. أمر مسلمة بن عبدالملك ببناء مسجد في القسطنطينية للمسلمين، وهو اليوم يسمى مسجد العرب. توفي عمر بن عبدالعزيز، وتولى يزيد بن عبدالملك. حكم يزيد ما يقارب أربع أو خمس سنوات من سنة 101 إلى سنة 106. تولى هشام بن عبدالملك بعد وفاة يزيد.
توسعات الدولة الأموية في عهد هشام بن عبدالملك:
كان هشام بن عبدالملك من أكثر أبناء عبدالملك معرفة في الإدارة والسياسة، وخصوصًا الإدارة المالية. وتوسعت الدولة الأموية في عهده إلى 16 مليون كيلومتر مربع، وحكمت ثلاث قارات: أفريقيا، آسيا، وأوروبا. كان هشام بن عبدالملك حريصًا على عدم صرف المال إلا في حقه.
تولي الوليد بن يزيد ووفاته:
عندما تولى هشام بن عبدالملك الخلافة، أمر أخوه يزيد أن يكون وليًا للعهد. تولى الوليد بن يزيد بن عبدالملك بعد وفاة هشام. كان الوليد بن يزيد يُتهم بشرب الخمر وأفعال أخرى قبيحة، لكن بعض المؤرخين يقولون إنها إشاعات.
تولى الوليد بن يزيد سنة واحدة حتى خرج عليه يزيد بن الوليد بن عبدالملك، وحاصره في قصره وقتله. تولى يزيد بن الوليد بن عبدالملك الخلافة بعد قتل الوليد بن يزيد.
نهاية الدولة الأموية في المشرق:
تولى إبراهيم بن الوليد بعد يزيد، ولكنه لم يحكم إلا أربعين يومًا. جاء مروان بن محمد ابن مروان إلى الشام لإنقاذ العائلة الأموية. الدولة العباسية كانت قد ظهرت بقيادة أبي مسلم الخراساني وعبدالله بن علي بن عبدالله بن عباس. قاد مروان بن محمد الجيش الأموي ضد العباسيين في معركة الزاب، ولكن العباسيين انتصروا. هرب مروان بن محمد إلى الفيوم في مصر، وحوصر وقتل. بهذا انتهت الدولة الأموية في المشرق.
استمرار الدولة الأموية في الأندلس:
هرب عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك إلى الأندلس، وأسس دولة استمرت 300 سنة. انتهت الدولة الأموية في المشرق، ولكنها استمرت في الأندلس تحت حكم عبدالرحمن الداخل وأحفاده.
بعد هذه الحقبة الطويلة، نتذكر حكام وملوك بني أمية وما قدموه للأمة الإسلامية.
نسأل الله أن يثيب محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وأن يُفقهنا في دينه ويرزقنا العدل والإنصاف والدفاع عن المسلمين في كل مكان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد