بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في قيظ أواخر يونيو عام 1989، خرج الطالب صادق من الامتحان النهائي في المادة الأخيرة لامتحانات الفرقة الثانية الجامعية، وصلى العصر في مسجد الكلية حيث إن جميع الطلاب انصرفوا مبتهجين بانتهاء امتحانات العام الدراسي، وخرج من باب الكلية؛ فإذا بكتاب ملقى بجانب السور يبدو أنه وقع من الحائط المرتفع الذي كانت صاحبته قد وضعته فيه بعد مراجعتها السريعة للمادة قبيل دخول الامتحان كعادة بعض الطلاب.
ولما كان هذا اليوم هو اليوم الأخير في الامتحانات: لو تركت الكتاب مكانه لجمعه عامل النظافة وألقى به في سلة المهملات، فقلت لموظف الأمن: هذا الكتاب ملقى على الأرض وبه آيات قرآنية (كان كتابًا حول علم البيان في البلاغة العربية)، فقال لي: خذه، فقررت أن أحتفظ به كأمانة عسى أن أجد صاحبته حيث إن اسمها مكتوب على غلاف الكتاب، وانتابني شعور غريب بأنني سأجد صاحبته مهما طال الزمن، والغريب لا أدري لماذا انتابني هذا الشعور؟!
ومرت السنة تلو الأخرى؛ لكنني لم أجد بعد البحث والسؤال في مديرية التعليم صاحبته ضمن معلمات اللغة العربية كافة، وبعد مرور ثلاثة عقود من الزمان (في صيف 2019م) كنت قد انتهيت من مناسك العمرة، وكان يفترض أن أذهب إلى باب الملك عبد العزيز للخروج حيث محلات الحلاقة بالقرب من برج وقف الملك عبد العزيز (طيب الله ثراه)، ولكنني خرجت من الباب القريب من المروة، وبينما أنا أخرج، إذ بامرأة في بدايات العقد السادس من عمرها كما يبدو من شكلها من دولة عربية شقيقة ومعها أولادها تسألني من أين أذهب إلى الأتوبيسات التي تتجه إلى العزيزية بمكة؟ قلت لهم اتجهوا ناحية كذا وكذا ووصفت لهم كيفية الذهاب، وشكروني، ولكن الغريب أنها قالت لي: أنت مصري من محافظة كذا من قرية كذا. قلت سبحان الله كلامك صحيح، من أين عرفتِ ذلك؟! وأنا في غاية الدهشة، قالت من لهجتك، وقالت لي أنا من دولة كذا بجواركم، ولكن ولدت وعشت في محافظتكم وبها تعلمت، وحصلت على كلية كذا قسم كذا. قلت نفس تعليمي تمامًا بتمام، ونفس الكلية ونفس القسم، وقالت علمني الدكتور كذا وكذا. قلت وأنا كذلك فدفعني فضولي لأن أسألها ما اسمك؟ قالت أنا الدكتورة فلانة. قلت في نفسي إنها هي صاحبة الكتاب!
وقصصت لها قصة الكتاب فقالت حلال عليك، وقالت: سبحان الله إنه صدق النوايا، قصة ولا في الأحلام، والغريب أنها أتمت لي الحديث في كيفية حصولها على الدكتوراه من دولة كذا في قسم كذا، وأنا أيضًا حصلت على نفس الدرجة العلمية ونفس القسم ونفس الدولة! وأولادها يستمعون الكلام وهم في دهشة وتعجب، فليس هناك مستحيل، والله على كل شيء قدير، فسبحان الذي لم يجمع صادق لصدق نيته بالكتاب في الحرم الجامعي وبصاحبته في الحرم المكي وانصرف الجميع واغرورقت دموع صادق في عينيه من عظمة الله وقدرته!
فما أجمل صدق النوايا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد