بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الثالثة مِن شَهرِ ربيع الآخر، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:
1- أَهَمِّيَّةُ وَمَنزِلَةُ التَّسبِيحِ.
2- فَضَائِلُ التَّسبِيحِ.
3- كُنُوزُ وَثَمَرَاتُ وَثَوَابُ التَّسبِيحِ.
الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التذكير بأهمية وفضائل التَّسبِيحِ، مع ذكر بعض أنواعه؛ ليحافظ عليها الذاكرُ، ويُكثر منها.
• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن عبادة التسبيح من أيسر العبادات؛ فهي لا تحتاج إلى كثير جهد، فيستطيع المسلمُ التسبيحَ في كل أحواله؛ في العمل، وفي الطريق. فهي عبادة ليس فيها مشقة، فيكفيك أن تُحرِّك شفتيك بهذه العبادة الجليلة، ومع هذا اليسر والسهولة في أداء هذه العبادة الجليلة، فإن الله تعالى قد رتَّب عليها أعظم الأجر والثواب، وهذا من فضله وكرمه سبحانه وتعالى، يُعطي الثواب الجزيل على العمل القليل؛ فهيا بنا نقف هذه الوقفات مع أشرف العبادات، نتعرفُ على أهميتِها وعجائِبِها، ونفتحُ كنوزَها، ونلقي الضوءَ على بعضِ فضائِلِها.
• الوقفة الأولى: أَهَمِّيَّةُ وَمَنزِلَةُ التَّسبِيحِ.
• فإن مما يدل على أهمية ومنزلة التسبيح: هو كثرة ذكره في كتاب الله تعالى، فقد افتتح الله تعالى به عددًا من السور؛ بل هناك من السور ما تُسمَّى ذوات التسبيح؛ فقد ورد ذكر التسبيح في القرآن أكثر من ثمانين مرة، وافتتح به سبع سور من القرآن الكريم: (سورة الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى) وبصيغ متعددة؛ تدل على وقوعه في الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ كما قال تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد: 1] وقال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة: 1] وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1].
• ومما يدل على أهمية ومنزلة التسبيح: فإن الكون كله يسبح لله تعالى؛ قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النُّورِ: 41]، وقال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13].
• فالتسبيح هو صلاة كل شيء؛ كما جاء في الحديث قول نوح عليه السلام في وصيَّته لابنه: ((وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يُرزق الخلق)) تأمل، كل ما في الكون من حيوان ناطق وغير ناطق، ومن أشجار ونبات، وجامد وغير جامد، وحي وميت، يسبح بحمد الله بلسان الحال ولسان المقال على غير لغتنا المعهودة لنا، يحيط بها علام الغيوب.
• والتسبيح: هو أمر الله تعالى لعباده المؤمنين؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 41، 42].
• والتسبيح: هو عبادة جميع الأنبياء والمرسلين.
• لمَّا أرسل الله تعالى موسى عليه السلام إلى فرعون، في أصعب وأشقِّ مهمة دعوية؛ كان مما تسلَّح وتجهَّز به هو كثرة التسبيح؛ كما قال تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه 25: 34].
• وأمر الله تعالى به زكريا عليه السلام؛ فقال تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران: 41] ويخرج على قومه من المحراب فيأمرهم بما أمره الله تعالى به: {فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} {مريم: 11].
• وهذا داود عليه السلام كانت الجبال والطيور تسمع تسبيحه، فتردد معه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10] وقال تعالى: {اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} [ص 17: 19].
• وهذا محمد ﷺ أفضل من صلى وصام، وذكر وقام، وأفضل من تقرب إلى الله تعالى بالتنزيه والتسبيح؛ فلما ضاق صدره من كيد مشركي قريش؛ كان الأمر بالتسبيح: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر 97:99]، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130]، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55].
• فكان ﷺ كثير التسبيح مُمتثِلًا لأمر رَبِّه سبحانه وتعالى؛ ففي صلاته كان يفتتحها بالتسبيح، وإذا ركع أو سجد سبَّح الله، وإذا فرغ سبَّح في دُبُر الصلوات، يعقد التسبيح على أنامله.
• وعندما بلَّغ دين الله تعالى، وأدَّى المهمة على التمام، ختم ذلك؛ بل ختم حياته كلها بالتسبيح: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر 1: 3].
• والتسبيح هو: عبادة الملائكة الأطهار الأبرار؛ قال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 5].
• والتسبيح هو: ذكر أهل الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهلها؛ قال تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10].
• الوقفة الثانية: فَضَائِلُ التَّسبِيحِ.
1- التسبيح أفضل الكلام وأحبه إلى الله تعالى؛ فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ سُئل: أي الكلام أفضل؟ قال: ((ما اصطفى الله لملائكته، أو لعباده: سبحان الله وبحمده))، وفي رواية: ((ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟)) قلت: يا رسول الله، أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: ((إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده)) [رواه مسلم] قال العلماء: "هذا محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل. ويُحتمل أن يكون المعنى: أن هذا من أفضل الذكر، والله أعلم.
2- التسبيح خير من الدنيا وكل متاعها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس)) [رواه مسلم] قال بعض العلماء: "يُحتمل أن يكون المراد أن هذه الكلمات أحب إليَّ من أن يكون لي الدنيا فأتصدق بها، وأن الثواب المترتب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدق بجميع الدنيا".
3- كثرة التسبيح علامةٌ وسيما لأهل الإيمان؛ قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 36، 37].
5- من أعظم أبواب الرزق:
كما مر معنا في الحديث قول نوح عليه السلام: ((وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يُرزق الخلق))، فمن أراد سعة الرزق، فليكثر من التسبيح.
6- من أعظم أسباب النجاة من كربات الدنيا، وإجابة الدعاء؛ فقد قال الله تعالى في يونس عليه السلام: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144]، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها مسلمٌ قط في شيء إلا استجاب له)) [رواه أحمد، والترمذي].
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الذاكرين المسبحين.
الخطبة الثانية: كُنُوزُ وَثَمَرَاتُ وَثَوَابُ التَّسبِيحِ.
• فإن عبادة التسبيح من أجلِّ العبادات عند الله تعالى، وقد خصَّ الله تعالى هذه العبادة بفضل عظيم، وثواب كبير، وثمرات وأجور عظيمة لمن حافظ وواظب عليها، ورغِبَ في الخير العظيم:
1- فإذا أردت أن تُفتحَ لك كنوزٌ من الحسنات؛ فعليك بكثرة التسبيح؛ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا)) قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ، ((فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِئَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ سَبَّحَ وَحَمِدَ وَكَبَّرَ مِئَةَ مَرَّةٍ، فَتِلْكَ مِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ في الْمِيزَانِ؛ فأيُّكم يعملُ في اليومِ ألفَينِ وخَمسَمائةِ سيِّئةٍ؟)) قالوا: وكَيفَ لا يُحصيهِما؟ قالَ: ((يأتي أحدَكُمُ الشَّيطانُ وهوَ في الصَّلاةِ، فيقولُ: اذكُر كذا وكذا حتَّى ينفَكَّ العبدُ لا يعقلُ، ويأتيهِ وهوَ في مضجعِهِ فلا يزالُ ينوِّمُهُ حتَّى ينامَ)) [رَوَاهُ أصحاب السنن، وصححه الألباني في صحيح ابْن مَاجَهْ].
2- وإذا أردت أن تَكسبَ حسناتٍ كثيرةٍ في أوقات يسيرة؛ فعليك بكثرة التسبيح؛ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ((أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟)) فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِن جُلَسَائِهِ: كيفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قالَ: ((يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ؛ فيُكْتَبُ له أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عنْه أَلْفُ خَطِيئَةٍ)) [رواه مسلم]، وفي لفظ: ((وَيُحَطُّ)).
3- وإذا أردت أن تُغفَرَ لك الذنوب والسيئات؛ فعليك بهذه الكلمات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: ((مَن قال: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، في يَومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ)) [متفق عليه].
4- وإذا أردت أن تعوض النقص والعجز والتقصير في غيره من أبواب الخير؛ فعليك بكثرة التسبيح؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: ((أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟! إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ)) [رواه مسلم]، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من هالَه الليلُ أن يكابدَه، أو بخِلَ بالمالِ أن يُنفِقَه، أو جَبُنَ عن العدوِّ أن يقاتلَه، فلْيُكثِر من: سبحان اللهِ وبحمدِه؛ فإنها أحبُّ إلى اللهِ من جبلِ ذهبٍ ينفقُه في سبيل اللهِ عزَّ وجلَّ))؛ [رواه الطبراني، وصححه الألباني].
5- وإذا أردت أن لا يسبقَكَ أحدٌ يوم القيامة بعملٍ أفضل منك؛ فعليك بكثرة التسبيح؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قالَ حِينَ يُصْبِحُ، وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَومَ القِيَامَةِ بأَفْضَلَ ممَّا جَاءَ به، إِلَّا أَحَدٌ قالَ مِثْلَ ما قالَ، أَوْ زَادَ عليه)) [رواه مسلم]
• فبالذكر والتسبيح ينال العبدُ السبقَ يوم القيامة، نعم؛ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبَق المُفرِّدونَ)) قالوا: يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ؟ قال: ((الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ)) [رواه مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه].
6- وإذا أردت أن تُثَقِّلَ ميزان الحسنات يوم القيامة؛ فعليك بكثرة التسبيح؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ علَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ.)) [متفق عليه] قال العلماء: "وصفهما بالخفة والثقل؛ لبيان قلة العمل وكثرة الثواب، ووصفهما بأنهما حبيبتان إلى الرحمن؛ لأن فيهما المدح بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزيه، وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد، وقيل: المراد أن قائلها محبوب الله تعالى".
• بل لِعِظَمِ شأنها فإنها تملأُ ما بين السماء والأرض حسنات؛ ففي حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ...)) [رواه مسلم].
7- وإذا أردت أن يُغرسَ لك نخل في الجنة؛ فردد وأكثر من هذه الكلمات اليسيرة؛ فعنْ جابرٍ رضي الله عنه، عَنِ النبي ﷺ قَالَ: ((منْ قَالَ: سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمدِهِ، غُرِستْ لهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ)) [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
• فإنها غراس الجنة؛ فعن ابن مسْعُودٍ رضي الله عنه، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((لَقِيتُ إبراهيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحمَّدُ أقرِيءْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلام، وأَخبِرْهُمْ أنَّ الجنَّةَ طَيِّبةُ التُّرُبةِ، عذْبةُ الماءِ، وأنَّها قِيعانٌ وأنَّ غِرَاسَها: سُبْحانَ اللَّه، والحمْدُ للَّه، وَلاَ إلهَ إلاَّ اللَّه، واللَّه أكْبَرُ)) [رواه الترمذي].
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، وأن يجعلنا من عباده المسبحين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد