فوائد من درس دلائل الإعجاز 26


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف يوم الأحد: 15 من جمادى الأولى 1446ه الموافق لـ 17 من نوفمبر 2024م.

• طُولُ كلام عبد القاهر في مسألةِ أن بلاغةَ الكلام ومزاياه لا مَرجِعَ لها إلَّا المعاني، وأنه ليس لها مَرجِعٌ إلى الألفاظ البتَّةَ = يُعلِّمنا كيف نَستقصي الأفكار. مسألةٌ في غاية الأهميَّة.

• وأنت تقرأ لا بُدَّ أن تُدرِكَ أن مَزِيَّةَ ما تقرأ؛ في شِعْرٍ أو نَثرٍ أو في قرآن، إنَّما هي راجعةٌ إلى المعاني، وأن الألفاظ ليس لها حَظٌّ في ذلك.

• لن تكون باحثًا، ولن تكون مِن أهل العِلْم، ما لم تَكنْ لك قدرةٌ على تَقصِّي دقائق الأفكار، وعَرْضِ خَفَايا الشُّبَه، والردِّ على ما يُمكِنُ أن يُعترَضَ به على الصَّواب.

• طُولُ كلام عبد القاهر في قضية رُجوع بلاغة الكلام إلى المعاني لا إلى الألفاظ أجَّلَ ما نُريد أن نقولَه؛ لأن الذي قاله صَوابٌ بالقَطْع، ولكنه مُحتاجٌ إلى أن يُضافَ إليه، وهذه مَزِيَّةٌ في العلم في غاية الأهميَّة: تَجِدُ الكلامَ سديدًا وصوابًا ودقيقًا، ولكنَّه لا يَكفِي في القضية، وحَسْبُ الذي قالَه أنه قالَه، ولا تَقُلْ له: «لماذا لم تَقُلْ ما يجب أن يُضاف إليه؟»؛ لأنه قال الذي عنده، وعليك أنت أن تُضِيف.

• في كلِّ درسٍ أُريدُ أن أتكلَّم فيما يجب أن يُضافَ إلى كلام عبد القاهر، وهو أنني أُطبِّق ما قاله عبد القاهر في شِعْرِ شاعرٍ فأجِدُه موجودًا، وأُطبِّقه في شِعْرِ شاعرٍ آخر فأجِدُه موجودًا، لكنْ مع وجوده هنا وهنا يَحدث تَفاوتٌ؛ فمِن أين كان هذا التَّفاوت؟ وهذا هو الذي تَركَه لنا عبد القاهر .

• ليس هناك عالِمٌ يَستطيع أن يقول لك كلَّ شيء، إنَّما يقولُ كلَّ ما عنده ويأتي الثاني ليُضيف لَبِنَةً إلى كلام الأوَّل، وسيِّدُنا رسولُ الله الذي هو خاتَمُ الأنبياء والمرسلين قال: "وأنا اللَّبِنَة"؛ فقُلْ أنت أيضًا: وأنا اللَّبِنَة.

• الأمرُ الآخرُ الذي شَغَلَنا عنه طُولُ كلامِ عبد القاهر أن تجرِبةَ عبد القاهر - التي هي طريقةُ البحث عن الذي تَجدَّد في القرآن وبالقرآن فبَانَ القرآنُ وبَهَر وقَهَر - هي نفسُها وجدتُها عند علماء كبارٍ معاصرين، وطالما اعترضوا على عبد القاهر، ووجدتُ أنهم وَصَلُوا إلى نتائجَ غيرِ النتائج التي انتهى إليها عبد القاهر، وهي صحيحة مائة بالمائة، ودقيقة جدًّا.

• تعليقًا على قول عبد القاهر: «واعلمْ أنه قد يَجرِي في العبارةِ منَّا شيءٌ هو يُعِيدُ الشُّبْهةَ جَذَعَةً عليهم»، قال شيخُنا: قد يتكلَّم العالِمُ كلامًا هو صوابٌ مائةً بالمائة فيَستعِينُ به صاحبُ الشُّبهة، وقد يَعتمدُ الجاهلُ على كلام العالِم، وقد يَعتمدُ الباطلُ على الحقِّ.. وعقلُك هو الذي يُميِّز.

• مُهمٌّ جدًّا أن نَعرِفَ كيف نُحلِّل كلامَ الكرام.

• أدهشني وَصْفُ بعضِ علمائنا لأبي عُبيد القاسم بن سَلَام؛ وَصَفَه بأنه كان أَشْبَهَ علمائنا بالأنبياء. عَجَبٌ! يا سيِّدي الأنبياء كرامٌ لأنَّ كلامَهم وَحيٌ مِن الله! نَعَمْ، وقد يَصِلُ العالِمُ بعُمْقِه وصِدقِه وإخلاصِه إلى كلامٍ هو أَشْبَهُ الكلام بوَحْي الله، فصار هو به أَشْبَهَ العلماء بالأنبياء، وحين أجِدُ هذا في العلم أَضِنُّ بلحظةٍ من حياتي تَضيع بعيدًا عن العلم.

• يمكنك أن تكون أَشْبَهَ بالأنبياء بدِقَّة قراءتِك كلامَ العلماء الذين هم ورثةُ الأنبياء.

• العلماءُ ورثةُ الأنبياء، والوارثُ إذا اجتهدَ في حفظ الإرث الذي وَرَّثَه له مَنْ وَرَّثَه أصبح أَشْبَهَ بالمُورِّث.

• العلماءُ الأَشْبَهُ بالأنبياء كلُّ واحدٍ منهم أدَّى رسالتَه ولَقِيَ ربَّه وترك الأمَّةَ كما بدأها، مِن غير أن يُكوِّن له جماعة، ومِن غير أن يكون زعيمًا لجماعة، الأَشْبَهُ بالأنبياء أدَّوْا الرِّسالةَ في صمتٍ مِن غير أن يُعلنِوا عن أنفسِهم.

• تاريخُ الأمَّة مِن أوَّلِها إلى آخرِها ليس فيه عالِمٌ كوَّن له جماعةً ونصَّب نفسَه زعيمًا عليها ومرشدًا لها، وحين وُجِدَ كان ذلك شاذًّا.

• حقيقةُ رُجوع بلاغة الكلام وفصاحتِه إلى المعاني إذا قلتُ إن عبد القاهر أنفق مِن عُمُرِه ما أنفق في بيانها أخاف أن أكون قد ظلمتُه؛ لأنه أنفق في استخراجها أضعافَ أضعافَ ما أنفقَه في بيانها.

• حين تقرأ للعالِم تَجِدُ عِلمًا جليلًا وتَنْسَى ما بذلَه هذا العالِمُ مِن جُهدٍ في استخراج هذا العلم الجليل، نحن نقرأ ما حَدَّثُوا به وننسى المجهودَ الذي بذلوه في استخراج ما حَدَّثُوا به، وهذا المجهودُ هو الأساس.

• تعليقًا على لفظ «الحَنِين» في قول الشاعر: «حَنَنْتَ إلَى رَيَّا ونَفْسُكَ بَاعَدَتْ... »، قال شيخُنا: سيِّدُنا رسولُ الله كان ذا فِقْهٍ عالٍ جدًّا حين قال: "لن تَدَعَ العربُ الشِّعرَ حتى تَدَعَ الإبلُ الحنينَ"، وكأن الحَنينَ شِعرُ الإبل، وكأن شِعْر الشَّاعر حَنِينُ الإبل، كأن الشَّاعر إذا أَنشدَ بَعيرٌ يَحِنُّ، وكأن البعيرَ إذا حنَّ شاعرٌ يُنشِد.

• حين تتأمَّل في القرآن لكي تَستخرجَ منه كيف يَصنعُ القرآنُ خير أمَّةٍ أُخرجتْ للناس، وقبل ذلك كيف يَصنعُ القرآنُ الإنسانَ الرَّائعَ، ستجد نفسَك مع عالَمٍ آخرَ، ليس مجرَّد الجنَّة والنَّار، ستجد القرآنَ يَعرِضُ نموذجين للحياة الإنسانية: نموذج الإنسان الأكرم، ونموذج الإنسان الأَلْأَم.

• كلُّ مَيدانٍ من ميادين الحياة فيه عصابةٌ غوغائيَّة دخلتْ فيه بغوغائيتها وأفسدته؛ في العلوم عصابةٌ غوغائيَّة، وفي السِّياسةِ عصابةُ غوغائيَّة.. إلخ.

• أخطرُ ما في حياة البَشَر هو الغوغائيَّة التي تُشوِّه في أسماعنا أصواتَ أهلِ الحقِّ في كلِّ مَيدانٍ من ميادين المعرفة.

• هناك أُناسٌ وظَّفوا عقلياتِهم وإمكاناتِهم للغوغائيَّة، جعلوا حياتَهم وفِكرَهم وعَملَهم في هذه الغوغائيَّة، وأثمرت الغوغائيَّةُ عندَهم وأعطتْهم مناصبَ وأموالًا فاستمروا فيها، وتَبِعَهم غيرُهم.. وصحَّةُ الحياة ليست في هذا.

• أحفظ القرآنَ منذ بداية حياتي، ولم أَفْطِنْ إلَّا في زمنٍ قريبٍ إلى طريقة القرآن في تكوين الإنسان وبناء الإنسان. لمَّا شُغِلْتُ في حياتي بطريقة بناء الإنسان وراجعتُ القرآنَ وجدتُ طريقةً مختلفةً تمامًا: بناء الإنسان الذي يُفضِي إلى بناء خير أمَّة أُخرجتْ للناس.

• ما الذي جعلَنا نَضِيعُ وخالقُنا يقول لنا: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وكلمة {كُنتُمْ} تُحقِّق، كأنها توكيد.. وحين يقول لنا ربُّنا هذا كأنه يقول لنا: اجتهدوا في أن تكونوا خير أمَّة لأنكم لو اجتهدتم كنتم خير أمَّة.

• الدَّاعيةُ الرائعُ المُخلِصُ هو الذي يتعامل مع دين الله كما هو، وكما أنزلَه الله، ثم يَدخُلُ قبرَه ويَدَعُ دينَ الله كما هو مِن غير أن يُغيِّر فيه شيئًا أو يَزيدَ فيه شيئًا أو يَنقُصَ منه شيئًا.

• عملُ المتكلِّم في اللُّغة هو في المعنى، في التأليف، في طريقة التَّركيب، ولا شأنَ له مُطلقًا بأن يُغيِّر في اللُّغة شيئًا، وكأن اللُّغةَ دِين، فكما أن الدِّينَ كلَّه لله كذلك اللُّغةُ كلُّها لأصحابها، وثبَّتَها القرآنُ على الوجه الذي كانت عليه فلم يُغيِّر فيها حرفًا، ولم يُضِفْ إليها شيئًا، وهذا وجهٌ من وجوه الإعجاز.

• براعتُك يا سيِّدنا في أن يبحثَ عقلُك عن فكرةٍ جليلة، عن فكرةٍ هي أكثرُ سدادًا، ولذلك أهلُ الله يقولون إن سرَّ الإعجاز هو أن القائل - جلَّ وتقدَّس - أعلمُ مَن عَلِمَ بألفاظ اللُّغة، وأعلمُ مَن عَلِمَ بالمعاني، وأعلمُ مَن عَلِمَ بترتيب الألفاظ للإبانة عن المعاني، فكان الإعجازُ بالغًا درجةَ الكمال المطلَق؛ في ألفاظه، وفي معانيه، وفي صِيَغِه.

• ابنُ عطية الرَّائعُ يقول: لو حَذفْتَ الكلمةَ من القرآن وجئتَ بكلِّ ألفاظِ اللُّغة ووضعتَها مكانَها لا تُفيد المعنى الذي جاءت به الكلمةُ التي حذفتَها.

• هناك أفكارٌ محدودة حين تُوسِّع معناها ودلالاتها تَصنعُ رجالًا آخرين؛ رجالًا ليسوا مُغفَّلين.

• إنْ كنتَ مُحبًّا لوطنك فلا تَعملْ شيئًا أكثرَ من أن تَصنعَ جيلًا لا يَستطيعُ الدجَّالون أن يُغفِّلُوه.

• تَعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «فينبغي لنا أن ننظرَ إلى المتكلِّم، هل يَستطيع أن يَزيد مِن عند نفسِه في اللفظ شيئًا ليس هو له في اللُّغة، حتى يُجعَلَ ذلك مِن صنيعِه مَزيَّةً يُعبَّر عنها بالفصاحة؟»، قال شيخُنا: جاء امرؤ القيس ومات ولم يَصنعْ في اللُّغة شيئًا، وجاء مَن جاءوا بعده ولم يَصنعوا في اللُّغة شيئًا، حتى كلامُ الله لم يُغيِّر في اللُّغة شيئًا.

• قراءتُك أنت للكتاب هي التي تَجعلُه تافهًا وإنْ كان غيرَ تافه، وقراءتُك أنت هي التي تَجعلُه رائعًا وإن كان غيرَ رائع.

• أنت أيُّها القارئ هو الذي يَصنعُ قيمةَ الكتاب الذي يقرؤه؛ فالعقلُ الحيُّ يستخرج الشيءَ النَّافعَ من الكلام غيرِ النَّافع، والعقلُ الميِّت هو الذي يُمِيتُ النَّافعَ في الكلام النَّافع.

• أذكر مرةً أنه زارني صديقٌ عزيزٌ فوجد على مكتبي كتابًا فقال لي: «لقد قرأتُ هذا الكتابَ وهو غيرُ ذي قيمة»، فكتبتُ بحثًا عن هذا الكتاب هو أكثرُ بُحوثي ذِكرًا على ألسنةِ العلماء؛ لأني مؤمنٌ بأنك تَستخرج المفيدَ مِن غير المفيد، أنت لن تَستخرجَ ممَّا في الكتاب لأنه ليس فيه فائدة، إنَّما قِراءتُه وأفكارُه ستُثير في نفسك شيئًا مفيدًا، ولولا غيرُ المفيد هذا ما صار في عقلك شيءٌ يُفيد.

• أنت رائعٌ جدًّا إذا استخرجتَ الرَّائعَ مِن غير الرَّائع.

• قلتُ لكم قبل ذلك كلمةً لتوفيق الحكيم أعجبتني هي: إن الذي يُحْيِي فكرةً قديمةً أَدْخَلُ في العبقرية من الذي يُوجِدُ فكرةً جديدة.

• العلماءُ رفضوا أن يُقال إن بعض الألفاظ في القرآن أفصحُ مِن بعض، وإن بعضَ المعاني أعلى رُتبةً مِن بعض، والبعضُ أجاز ذلك، والذين أجازوا قالوا: هل تُسوُّون بين {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ... } وبين {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ... }؟ الأولى تتحدَّث عن أبي لَهَبٍ وامرأتِه حمَّالة الحطب وهذه تتحدَّث عن الواحد الأحد، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَد ولم يكنْ له كُفوًا أحد؟ فرُدَّ عليهم وقيل: ما دام الكلامُ كلامَ الله فهو كلُّه سواءٌ في مرتبة الفصاحة، ولكم أن تقولوا - وهذا هو المهمُّ - إن الفصاحةَ في بعضِه أَبْيَنُ.

• تعقيبًا على قوله تعالى مخاطبًا نوحًا عليه السَّلام: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، قال شيخُنا: إنْ كُنتَ عملًا غيرَ صالِحٍ فلستَ ابن أبيك؛ لأن أباك من الأنبياء.

• الذي يقولُه العلماءُ في العلمِ حاضرٌ يُنادِي على عِلمٍ غائبٍ، وهذا الغائبُ لا بُدَّ من البحث عنه.

• قيمةُ المعرفة في تحريك العقل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply