بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 28 ربيع الآخر 1445هـ = 12 نوفمبر 2023م:
• كان سيدُنا عيسى صلواتُ الله وسلامُه عليه يقول: «إذا أردتَ الصلاةَ فادخلْ بيتَك وأغلقْ بابَك»، وفسَّر العلماءُ قولَه: «ادخلْ بيتَك» بـ«ادخلْ قلبَك»، وقولَه: «أغلقْ بابَك» بـ«أغلقْ بابَ قلبِك؛ حتَّى لا تتسلَّلَ خاطرةٌ من الخواطر إلى قلبِك فتشغلَك وتُفسِدَ عليك صلاتَك»، وهذا ينطبق على الذِّكْر كما ينطبق على الصَّلاة - لأن كلامَ الأنبياء كلامٌ مُتَّسعٌ يُقاسُ عليه - وكذلك ينطبق على القراءة وسماع العلم، يعني إذا أردت القراءة والكتابُ بين يدَيْك فادخلْ بيتَك، أي: اجمعْ قلبَك ووعيَك ويقظتَك وعقلَك في الكتاب، وأغلقْ بابَك حتَّى لا تتسلَّلَ خاطرةٌ من الخواطر فتُفسِدَ عليك ما أنت فيه.. وهذا في غاية الأهمية.
• لن ننتفع بالقراءة ولا بالسَّمَاع إلا إذا دخلنا قلوبَنا وأغلقنا أبوابَ قلوبنا على ما نقرأ وما نَسْمع.
• أسأل الله أن يُعينني على أنْ أُفْهِمَ وأن يُعينَك على أنْ تَفْهَمَ.
• انتهينا في اللقاء الماضي من الحديث في مسألةٍ (معانِي إنَّ)، واليوم سنبدأ الحديث في مسألةٍ جديدة (إنَّما)، والفُروقُ بين المسائل في كلام أهلِ العلم فروقٌ دقيقةٌ جدًّا تُحْفَظُ بسهولة ولكنها لا تُفْهَمُ بسهولة.
• الدُّروسُ التي مَضَتْ (مواقع إنَّ ومعانيها ودِلالاتها) كانت استقراءً من عبد القاهر لمواقع (إنَّ) في كلام العرب واستخراجًا لعِلْمٍ من كلام أهل البيان، أمَّا الدَّرسُ الذي سأبدؤه اليوم فليس استخراجًا لعِلْمٍ من تَتَبُّعِ كلام العرب، وإنما هو استخراجُ عِلْمٍ من تَتَبُّعِ كلام العلماء.
• المادةُ العلميةُ التي يُستخرَجُ منها العِلمُ إمَّا أن تكون ما نَطقَ به العرب، وإمَّا أن تكون ما كتبه علماءُ العربيَّة عمَّا تكلَّم به العرب.
• عبد القاهر يَدُلُّني على اكتشاف طريق المعرفة.
• البحثُ يُعلِّمُك العِلمَ ويُعلِّمُك صناعةَ العلم؛ أنت باحثٌ فأنت صانعُ معرفة.
• أدهشني أن سؤال «الكِنْدِيِّ الفيلسوف» الذي كان من سطر واحد، والذي كان جوابُه سطرين اثنين من كلام أبي العبَّاس ثعلب؛ فكُلُّها ثلاثةُ أسطر = أدهشني أنَّ عبد القاهر لمَّا دخل بهذه السطور الثلاثة من الباب الصحيح، وهو استقراءُ كلام العرب، كتب لنا ما يزيد على خمسَ عشرةَ صفحةً في معاني (إنَّ)، ثم ترك (إنَّ) ولم يَسْتَوْفِ مَعانِيَها.
• الوصولُ إلى نهاية معاني (إنَّ) بابٌ آخر، وعبدُ القاهر نبَّه على ذلك حين قال في نهاية الباب: «وليس الذي يَعْرِضُ بسبب هذا الحرف من الدَّقائق والأمور الخفيَّة بالشَّيءِ يُدرَك بالهُوَيْنَى، ونحن نَقتصِرُ على ما ذكرنا».
• «سؤالٌ وجوابٌ من ثلاثة أسطر استخرج منها العقلُ الواعي خمسَ عشرةَ صفحةً».. أليس هذا هو البحث؟!، أليس هذا هو العلم؟!، أليست هذه هي الدراسات العليا؟!، أليس هذا هو استخراج ما لا نَعْلَمُ ممَّا نَعْلَمُ؟!
• بعد أن تلا قارئ الدرس نَصَّ عبارةٍ للإمام عبد القاهر كان الشيخُ قد شرحها قبلُ، قال شيخُنا: كلامي أنا كلامُ عامِّيٍّ، كلامي «بَعْبَعَة»، أمَّا كلام عبد القاهر فكلامُ عالِمٍ يَتدسَّسُ على الدَّقائق والخفايا.
• الفرقُ بين التخلُّف والتقدُّم أنَّ التخلُّف «بَعْبَعَة»، والتقدُّمَ معرفةُ الخفايا، وإعمالُ الذِّهن، وحَصْرُ العقل، وحَصْرُ الفَهْم، وحَصْرُ البَصَرِ والبصيرةِ في معرفة العلم.
• التقدُّم طريقُه ليس غامضًا ولا يَحتاجُ إلى فلسفة ولا اتِّباعٍ للآخَرِين، إنَّما يَحتاجُ إلى أنْ تَتَّبِعَ عقلَك، وتستخدمَ عقلَك، وتبحثَ عن الدَّقائق والخفايا.
• قلتُ لكم كلمةً من زمنٍ؛ قلتُ إن «الآمِدِيَّ» قال كلمةً جليلةً؛ هي أنك لن تكون من أهلِ بابٍ من أبواب العلم إلا إذا انقطعتَ له، وأَكْبَبْتَ عليه بحُبٍّ، وبحثتَ عن خفاياه.. هذا هو الطريق، من سلك ذلك اكتشف العلوم، وتطوَّرت صناعاتُه، وتطوَّرت حضاراتُه، وتطوَّر وجودُه.
• كلمةٌ جليلةٌ قرأتُها في الكَذِب؛ هي: إن المَلَكَ لَيُغادِرُ الكذَّاب اتِّقاءً لنَتْنِ كَذِبِه؛ فكأنَّ الكذَّابَ حين يَكْذِبُ يكون لكَذِبِه نَتْنٌ، والمَلَكَ المُصاحِبَ له لا يُطِيقُ بقاءَ هذا النَّتْنِ فيَبتعِدُ عن الكذَّاب حتى يَبتعِدَ عن نَتْنِ الكَذِب.
• المسألة ظاهرة: إمَّا أن تَبقى متشبثًا بالتخلُّف والهوان والذُّل والانكسار والقهر والاستبداد، وإمَّا أن تتعلَّمَ؛ يَسْتَحْي المستبدُّ أن يستبدَّ بالعلماء، ويَسْتَحِي الظالمُ أن يَظلِمَ أهلَ البصيرة.
• المستبدُّ والظالمُ وَجَدا رعاعًا من النَّاس فاستبدَّ من أراد أن يستبدَّ، وظلمَ من أراد أن يَظْلِم، وبدلًا مِن أن تَدخُلَ مع المستبدِّ والظالمِ في حوارٍ اصْنَعِ الإنسانَ الحيَّ؛ فوجودُ الإنسانِ الحيِّ هو الذي يَمنعُ الاستبدادَ عن الأوطان؛ لأن الإنسانَ الحيَّ اليقظَ الرَّائعَ يَسْتَحِي الظالمُ أن يَظلِمَه ويَسْتَحِي المستبدُّ أن يَستبدَّ به.
• دائمًا أحبُّ أن أتعلَّمَ اللُّغةَ في الشِّعر، حتى إذا أخطأتُ كان الخطأ ميسورًا، ثم بعد أن أتعلَّمَ اللُّغةَ في الشِّعر أقرأُ القرآن وأُراجِعُ وأنا معي بصيرةٌ من الشِّعر؛ لأن الشِّعرَ الجاهليَّ هذا كأنه مِصباحٌ يُضيء لي طريق فَهْمِ القرآن.
• طريق العلم هو البحث في الزوايا عن الخبايا، لا أن يحفظ كلُّ واحدٍ منكم بعض المعلومات ويُدجِّلَ بها، ويَعيشَ بها في حياةِ الجَهالَةِ وحياةِ التخلُّفِ وحياةِ الذُّل.
• حين أقرأ التاريخَ لا أجد مستبدًّا عُنِيَ بالتعليم، لماذا؟؛ لأن التعليم ضدُّ اتجاهه؛ هو يُريد أن يَقهرَ الناسَ والعقلُ الحيُّ يأبى أن يُقهر.
• وجدتُ أن علماءنا عاشوا في زمنٍ فيه فِتنٌ، ولكنهم لم يدخلوا في هذه الفِتَن، وعكفوا على العلم؛ لأنهم عَلِموا أنهم لو دخلوا في هذه الفِتَنِ فلن يُصْلِحوا فيها شيئًا؛ لأن المستبدَّ مستبدٌّ، ولأن الظالمَ ظالمٌ؛ فاتَّجهوا إلى الكتابة في المعرفة التي تُحْيِي الشعوب، وإذا حيَّتِ الشعوبُ انتهى كل شيء.
• الشيء الذي نَجْهلُه هو أنك بمقدار اتِّساعك في المعرفة تشعر باتِّساعك في مجالات المعرفة التي تحتاج إلى جُهودٍ تُبذَلُ فيها، وتشعرَ برَحابةِ المجهول أمامك.
• بمقدار اتِّساع المعلوم تَتَّسِعُ رحابةُ المجهول، وإذا ضاق المعلومُ ضاقتْ رَحابةُ المجهول.
• كان يدهشني جدًّا جدًّا أن أجدَ طالبَ علمٍ يشكو من عدم وجود موضوعاتٍ للدراسة!!! اُدْخُلِ الْعِلمَ تجدِ الموضوعاتِ تتكاثرُ عليك كما تكاثرت الظِّباُء على خِراشٍ فما يَدرِي خِراشٌ ما يَصِيد.
• عبد القاهر كان في زمانِه استبدادٌ وظلمٌ، ولكنه وجد أنه إذا ترك العلمَ وواجَه الجهلةَ والكَذَبةَ الذين تَبتعدُ عنهم الملائكةُ لنَتْنِ كَذِبهم = فلن يُفِيد؛ فتفرَّغ للعلم.
• يا خلقَ الله، سطرٌ واحدٌ – مع يقظة العقل - يَفتح بابًا من العلم؛ فاتَّقُوا الله في أنفسكم.
• جلالُ العلم في كتب العلماء، وحين أشاء أن أنقلَه إلى طلاب العلم أشعرُ بتقصيرٍ شديدٍ، وبعَجْزٍ عن نقل هذا الإلهام؛ لأنهم ورثةُ الأنبياء؛ فهُم أنبياءُ لم يُوحَ إليهم.
• كلامُ العلماء أريدُ أن أَطبَعَه في قلوب الأجيال لتتخلَّصَ من المَهانَةِ التي هي فيها.
• لا يُهِينُ أبناءَ وطنِه إلا كارهٌ لهذا الوطن، لا يمكن أن أقبلَ منك أنك مُحِبٌّ للأرض وأنت قَاهِرٌ للذي يَمْشِي على هذه الأرض، لا يمكن أن أقبلَ منك أنك مُحِبٌّ للوطن وأنت مُطارِدٌ لأبناء الوطن؛ لأنَّ جَدِّي وجَدَّك قالا لنا منذ زمن:
ومَا حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلْبِي ولكِنْ حُبُّ مَن سَكَنَ الدِّيَارَا
فكان هو صريحًا وكان واضحًا، وكنتَ أنت كذَّابًا؛ لأنه قال إنني أُحِبُّ الديارَ لحُبِّ من يمشي عليها، أمَّا أنْ تُحِبَ الدِّيارَ وتَقهرَ من يمشي عليها فأنت كذَّاب.
• أَعَدْتُ الكلامَ عن الباب السَّابق (معاني إنَّ) قبل البدء في هذا الباب (باب إنَّما) حتَّى أرى عقليةَ العالِم الرَّائعِ وهي تَنتقلُ إلى بابٍ جديدٍ فتَسْتَصْحِبُ معها البابَ الذي تُغادِرُه.
• أدعو الله أن يُعينني على أنْ أُفْهِمَ، فإذا لم أُفْهِمْ فلا حول ولا قوة إلا بالله، ومُبْلِغُ نَفسٍ عُذرَها مِثلُ مُنْجِح.
• أبو علي الفارسي لم يكن عالِمًا فحسب، بل كان كذلك وَلُودًا للعلماء، مُنتجًا للعلماء؛ حَسْبُه أبو الفتح بن جني، حَسْبُه فُلانٌ وفُلان.
• أبو عليٍّ الفارسي كان قيمة، وقبل أبي عَليٍّ كانت هناك قِيمٌ مِثلُه فصارَ هو قيمةً مثلهم.
• أبو عليٍّ الفارسي كان يعتمد على سيبويه اعتمادًا عجيبًا، ثم أَنتجَ مَن يعتمدون عليه هو اعتمادًا عجيبًا.
• يقولون إن أبا عليٍّ الفارسي هو شيخُ عبد القاهر، والحقيقة أن أبا عليٍّ مات قبل مولد عبد القاهر، وعبدُ القاهر تتلمذ على أحد تلاميذه.
• إذا أردتَ أن تَحكُمَ على السِّياسيِّ فانظر كم ربَّى وأعدَّ لقومه ولوطنه من السَّاسة، إذا أردت أن تَحكُمَ على الطبيب فانظر كم ربَّى وأعدَّ لقومه ولوطنه من الأطباء، إذا أردت أن تَحكُمَ على العالِم فانظر كم ربَّى وأعدَّ لقومه ولوطنه من العلماء.
• الذي يقول: «هأنذا» لا قِيمةَ له، إنَّما المُحبُّ للديار هو الذي يُعِدُّ لأجيالها.
• الذي أريد أن أقولَه وأتردَّد؛ لأنه دقيقٌ ورائعٌ وأُحِسُّ بضعفي عن إظهاره، أنَّ عبد القاهر دخل إلى باب (إنَّما) من خلال نَصٍّ لأبي علي الفارسي كان فيه ينظر في كلام العلماء ليُحدِّد دلالة (إنَّما)، وهذا أمرٌ عجيبٌ جدًّا؛ فكان لا بُدَّ لعبد القاهر أن يتعرَّف على ما انتهى إليه أبو علي، ويبحث في اجتهادات أبي عليٍّ في تحديد دلالة (إنَّما)، ثم لمَّا انتهى أبو عليٍّ من تحديد دلالة (إنَّما) بدأ عبد القاهر خطواتِه من حيث انتهى أبو علي.. وهذا هو الطريق القويم: أن تبدأ من حيث انتهى من سبقوك.
• تَحديدُ دِلالة الكلمة ضرورةٌ لفهم الشعر، وضرورةٌ لفهم الحديث، وضرورةٌ لفهم القرآن.
• لا حياةَ إلا للأقوياء، ولا قُوَّةَ إلا بالعلم.
• تعقيبًا على قول أبي عليِّ الفارسي في «الشِّيرازيَّات»: «يقول نَاسٌ من النَّحْوِيين...»، قال شيخُنا: أبو عليٍّ نَحْوِيٌّ، ولم يَقُلْ: «يقول النُّحاةُ»، وإنما قال: «يقول نَاسٌ من النَّحْويين»؛ لأنه لا يستطيع أن يقتنع بكلامهم، ولا يستطيع أن يستغنِيَ بكلامهم عن كلام غيرهم، ولا يستطيع أن يَطْرحَ كلامَهم؛ فهو يقول لك: هذا كلامٌ ضَعْهُ على أنه مَحلُّ نَظَر، ولا تتقبَّلْهُ على أنه حقيقة علمية.
• عبارةُ أبي عليٍّ الفارسي: «يقول نَاسٌ من النَّحْويين...» تُعلِّمُك أنَّ الأقوالَ المُتناقَلَةَ من المشتغلين بالعلم، وهم نَاسٌ مجهولون وليسوا أعلامًا معروفين، لا يجوز لك أن تُهْمِلَها، ولا يجوز لك أن تجعلَها الفَيصلَ، وإنما خُذْها ثم ضَعْها محلَّ نظر.
• لستُ أنا الذي يُعلِّمُك كيف تكون باحثًا، وإنما كلام هؤلاء – العلماء – هو الذي يُعلِّمُك كيف تكون باحثًا.
• حين أقول إن العلماءَ هم أنبياء لم يُوحَ إليهم لا أُبالِغُ في وصف هؤلاء الناس، ولمَّا قال الشافعيُّ إنه لو لم يكن العلماءُ أولياءَ الله فليس لله وَلِيٌّ لم يُبالِغ في هذا.
• تعقيبًا على قول الفرزدق:
أنا الذَّائِدُ الحَامِي الذِّمَارَ وإنَّما يُدافِعُ عَنْ أحْسَابِهِم أنَا أوْ مِثْلِي
لم يَعُدْ أحدٌ فينا يستطيع أن يقول: «أنا الذَّائِدُ الحَامِي الذِّمَارَ»؛ لأن الذَّائدِينَ الحُمَاةَ الذِّمارَ ماتوا ومات زمانهم.. الفَرزدقُ يُذكِّرنا بأصواتِ آبائنا وهُم أهلُ عِزَّةٍ، وأهلُ اقتدارٍ، وأهلُ مَنَعةٍ، وأهلُ احترام.
• يمكن أن يُقال إن قولَ الفرزدق:
أنا الذَّائِدُ الحَامِي الذِّمَارَ وإنَّما يُدافِعُ عَنْ أحْسَابِهِم أنَا أوْ مِثْلِي
فيه استعلاءٌ وفيه غرورٌ. لا يا سيدنا، لا تَقُلْ هذا الكلامَ، لماذا لا تقولُ إنَّ فيه أَنَفَةً وفيه عِزَّة؟ يا ليت الأرضَ تنشقُّ عمَّن يقول لنا: «أنا الذَّائِدُ الحَامِي الذِّمَارَ»، يا ليت أرضَنا تنشقُّ عن أوائلنا الذَّائدِينَ الحُمَاةِ الذِّمَارَ، ويا ليتهم يَتقلَّدُون فينا سُيوفَهم، ويَركَبُون فينا خَيْلَهم؛ حتَّى نُفِيقَ ونرفضَ الذُّلَّ، ونرفضَ الضَّعفَ، ونرفضَ الإهانة.
• العلمُ مع الغفلةِ لا قيمةَ له، إنَّما العلمُ مع العقل المستنير الواعي.
• مِن آيات الله البيِّناتِ ومن دلائل إعجازِ القرآن إلحاحُ القرآن على التدبُّر؛ لأن التدبُّر ليس للقرآن فحسب، وإنما لكلِّ شيء في حياتك، والأمَّةُ التي تُحسِنُ التدبُّر هي خيرُ أُمَّةٍ أُخرجت للناس؛ لأنها إذا أحسنت التدبُّر تقدَّمت: تقدَّمت في علومها، وتقدَّمت في صناعتها، وتقدَّمت في سياستها.
• حين تعرف سِرَّ ضَعْفِ الناس لا تُشْفِقُ عليهم حين يُهانون؛ لأنهم هم الذين اختاروا الضَّعف؛ لأن طريق القوَّة بَيِّنٌ؛ القَويُّ يبدأ من حيث انتهى مَن سَبقَه، و«الهَلْفُوت» يبدأ من حيث بدأ مَن سَبقَه، و«ابن الهَلْفُوت» يبدأ من حيث بدأ مَن سَبقَه، و«حفيد الهَلْفُوت» يبدأ من حيث بدأ مَن سَبقَه، ويظلُّ الشعبُ يبدأ من حيث بدأ مَن سَبقُوه إلى أن تقومَ السَّاعة.
• بعد أن ساق عبدُ القاهر كلامَ أبي عليٍّ الفارسيِّ حول إفادة (إنَّما) معنى (ما وإلا)، بدأ فقال إنهما وإن كانا بمعنًى واحد فإنهما ليسا سواء، وساق الأدلة على ذلك، وبهذه الأدلة القاطعة يَفتحُ عبد القاهر بابَ القصر الذي لم يُفتَحْ في العربية قبله، ويُضيف عشرات الصَّفحات، ويُنهي باب القصر ولم يُضِف البلاغيون بعدَه فيه شيئًا.
• بابُ القصر في كتب البلاغة المتأخِّرة مؤسَّسٌ على شيء واحد؛ هو الفرق بين (إنما) و(ما وإلا)، الذي استخرجه عبدُ القاهر من كلام أبي عليٍّ الفارسي، وهذا الفرق هو أن القولَ بأن الشيء بمعنى الشيء لا يعني أن يكون الشيءُ الشيءَ.
• علماؤنا الكرام أرادوا العلمَ فدخلوا بيوتَهم وأغلقوا أبوابَهم ففتحَ الله عليهم.
• خَتَم الشيخُ الدرسَ مُعتذرًا للحضور بقوله: «خُذُوا العَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمُوا مَودَّتِي» ثم قال: لماذا أعتذر إليكم؟!! إن عبد القاهر من كَلمةٍ واحدةٍ كتب عشرين صفحةً في باب القَصْر؛ فحين أقولُ أنا لكم عشرَ كلمات فلا أريد منكم أن تكتبوا عشرين صفحة، وإنما أريدكم فقط أن تفهموها.
• العلمُ يَقظةُ مُتعلِّمٍ وليس غزارةَ عِلمٍ يُقال له؛ فإذا كان عقلُه يَقظًا رأيتَ القليلَ من العلم يَكثُر عنده.
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 5 جمادى الأولى 1445هـ = 19 نوفمبر 2023م:
• مِن أهمِّ ما يَنتفع به القارئُ - وإن شئتَ قلتَ: أهمُّ ما يَنتفع به القارئ – هو أنْ يُتابعَ حركةَ فِكْرِ مَن كتبَ لك الكتاب؛ لأن هذا يَدلُّك على خَطِّ سَيْره، وطريقة تفكيره، ومنهجه، وطريقة بحثه.
• كُنَّا أولًا مع الشيخ عبد القاهر وهو يَستخرِجُ من كلام العرب معانِيَ (إنَّ)، ثم انتقلنا معه وهو يستقرئ كلامَ العلماء ليستخرج علمًا؛ فبدأ الحديثَ في (إنَّما) مع نَصٍّ لأبي عليٍّ الفارسيِّ أورده في «الشِّيرازِيَّات» كان فيه أبو عليٍّ يبحث عن معنى (إنَّما).
• بَحثُ أبي عليٍّ الفارسيِّ عن معنى (إنَّما) صادفَ هوًى عند عبد القاهر؛ لأنه بَحثٌ عن المجهول.
• طبيعةُ كتابةِ الكبارِ الأفذاذ ليستْ تَحصِيلَ المعلوم، وإنما هي البحثُ عن غيرِ المعلوم.
• أبو عليٍّ الفارسيُّ كان يبحث عن معنى (إنَّما)، وهو بحثٌ عن غير المعلوم، وهناك حاجة إلى تَحديدِ دِلالة (إنَّما)؛ لأنها تقع في كلامِنا، وفي كلامِ الله، وفي الشِّعر.
• في البحث عن معنى (إنَّما) بدأ أبو عليٍّ الفارسيُّ يَتصيَّد كلامَ غير المشاهير من العلماء، ويُضيف إليه كلامَ بعض المشاهير من العلماء، ويُضيف إليه شواهدَ الشِّعر، إلى أن انتهى إلى أن (إنَّما) بمعنى (ما وإلا).
• عبدُ القاهر أَعْملَ عقلَه فيما انتهى إليه أبو عليٍّ، وبدأ يُسائل عقلَه: لماذا انتهى أبو عليٍّ إلى أن (إنَّما) بمعنى (ما وإلا)؟، ولماذا لم يَقُلْ إن (إنَّما) هي (ما وإلا)؟، فأجابه عقلُه الذكيُّ بالكلمةِ الرَّائعة التي استَخرَج منها باب القَصْر، وهي أنَّه فَرقٌ بين أن يكون الشيءُ بمعنى الشيءِ وأن يكون الشيءُ الشيءَ على الإطلاق؛ فبدأ يبحث عن الفرق بين (إنَّما) و(ما وإلا).
• ثِقَةُ عبد القاهر بأبي عليٍّ الفارسيِّ، وبأنه لا يَنطِقُ بالكلمة إلا بعدَ تَدقيق = شديدةٌ.
• مِن أَجْلِ أن يَهتدِيَ عبدُ القاهر إلى الصَّوابِ في هذا الضَّباب، وهو بيانُ الفرق بين (إنَّما) و(ما وإلا) – ولم يكن للعلماء كلامٌ في هذا الفرق – رجعَ لاستقصاء كلام العرب؛ فوجد أن هناك أساليبَ تَصلُحُ فيها (إنَّما) ولا تَصلُحُ فيها (ما وإلا)، وأساليبَ تَصلُحُ فيها (ما وإلا) ولا تَصلُحُ فيها (إنَّما).
• معنى أن (إنَّما) بمعنى (ما وإلا) أنَّ (إنَّما) فيها نفيٌ واستثناء.
• يا ناس، العلمُ استُخرِجَ بالعقل، وبالتفكير، وبالتدبُّر.
• النُّبواتُ وَحيٌ من الله ليس للأنبياء فيه إلا البلاغ، إنَّما العلماءُ يَبحثون في دقائقَ وخفايا، ثم يُلهَمُون، ومن هنا كان هؤلاءِ ورثةَ هؤلاء.
• لا أَقْدِرُ أن أزرعَ العلم في قلبك، إنما عليَّ فقط أن أقول، أمَّا تسكينُ العلمِ في قلبك فهذه هي مُهمَّتُك أنت، والله - عزَّ وجلَّ - قال لأشرف الخلق: «فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ».
• حين أُدرِّسُ لطالب الثانوي أُدرِّسُ له القاعدة؛ لأنه لا يزال خالِيَ الذِّهنِ، وأنا أَضَعُ اللَّبِناتِ الأولى في عقله، أما حين أُدرِّس لطلابٍ يُحبُّون العلم، في الجامع الأزهر الشريف، فأتكلم في التفاصيل.
• العلماءُ أهلُ الله وأولياؤه، وهُم الذين يأتون بعد الأنبياء، وندعو ربَّنا – سبحانه وتعالى – أن يُكْرمَنا بأن نكون مِن خُدَّام عِلمِهم في الدُّنيا، وأن نكون مِن خُدَّامِهم في الآخرة.
• العلماءُ ليسوا أولياءَ الله لأنهم استخرجوا قواعد، وإنَّما هم أولياءُ الله لأنهم فكَّروا واستخرجوا القواعد، وأنت لن تكون من أهل العلم إذا حَفِظتَ القواعد، ولكنْ تكونُ مِن أهلِ العلم لا أقولُ إذا استخرجتَ القواعد - لأنني انتهى عُمْرِي ولم أستخرج قاعدة - إنَّما أقول: إذا عرفتَ كيف استخرج العلماءُ القواعدَ، وعُنِيتَ بذلك، وعِشتَ حياتَك وأنت تُتابع هذا.
• عِشتُ حياتي وأنا أُعْنَى بكيفية استخراج العلماءِ القواعدَ، لكني لم أَصِلْ إلى شيء، ولم أستخرج ما استخرجَه عبد القاهر، ولستُ نادمًا ولا آسِفًا؛ لأنِّي بَذلتُ أقصى ما عندي.. وليس عليك إلا أن تَبذُلَ أقصى ما عندك.
• ألقى اللهَ وقد بذلتُ أقصى ما عندي لأستخرجَ علمًا يَنفعُ الأمَّةَ، لكنِّي لم أستخرجْ شيئًا، وما دُمتَ قد بذلتَ أقصى ما عندك ستكون يوم القيامة – إن شاء الله – مع الذين استخرجوا علمًا لهذه الأمة.
• أرى ضياءً في كلامِ عبد القاهر جليلًا جدًّا جدًّا هو أهمُّ من العلم، ومُرادِي أن أَضعَ عيونَكم على هذا الضِّياء.
• حين قرأتُ كلمةَ عبد القاهر: «وفَرقٌ بين أن يكون في الشيءِ معنى الشيء وبين أن يكون الشيءُ الشيءَ على الإطلاق» كأنَّني وَقعتُ على كَنْز؛ لأن هذا الفرقَ هو الذي أخرج لنا بابَ القَصْر الذي لم يُكتبْ في ثقافة العرب ولا في علوم العرب كما كُتِبَ عند عبد القاهر.
• مُهمٌّ جدًّا جدًّا أن تعرفَ الكلمةَ التي أخرج منها العلماءُ علمًا: بابُ التقديم كلُّه مُستخرَجٌ مِن سَطْرٍ لسيبويه، وكلُّ باب التقديم شرحٌ لهذا السَّطر، مُهمٌّ أن أعرفَ باب التقديم عند عبد القاهر والأهمُّ من المُهمِّ أن أعرفَ الجُملةَ الجَذْرَ التي كان التقديمُ مُستكِنًّا فيها ومُتسربِلًا ومُختفيًا في زواياها.
• فلسفةُ المعرفة، ونُورُ المعرفة، وضياءُ المعرفة = تَدبُّرٌ، وأنا أَنُوبُ عنك في بيان القاعدة، ولن يَنوبَ عنك أحدٌ في التدبُّر؛ لأنه شيءٌ خاصٌّ بك أنت.
• تَتدبَّرْ تَصِلْ، لا تَتدبَّرْ لا تَصِلْ وإنْ تَدَبَّرَ لك النَّاسُ جميعًا.
• كلمةُ (لا) لا تَجتمعُ مع النفي والاستثناء؛ فلا يُقال: «ما جاء إلا زيدٌ لا عمرو»؛ لأن (لا) تأبى أن تَنفِيَ ما نُفِيَ قبلَها بغيرها؛ فـ(لا) فيها بَأْوٌ، ولا يقول: (لا) إلا الرِّجالُ الأفرادُ ذَوو البَأْو، و«الهَلافِيت» كلهم يقولون: (نعم)، و«الطبَّالة» كلهم يقولون: (نعم)؛ فكلمة (لا) نفسُها فيها بَأْوُ الذي يقول (لا)، وبذلك تَشعرُ أن اللُّغةَ معك وقريبةٌ من قلبك، وأن بينك وبينها عواطفَ وإلفًا.
• (لا) هي حرفُ البَأْو، وحرفُ الرَّفْض، وحرفُ الرُّجُولة.
• إذا تأمَّلتَ وجدتَ بينك وبين اللغة نَسبًا؛ فالبَأْوُ والرَّفْضُ الذي في فِطرتِك هو البَأْوُ والرَّفْضُ الذي في (لا).
• أَسْلَمُ شيءٍ أن تقولَ (نعم)، حتى لو قيل لك: السماءُ تحتنا والأرضُ فوقنا!!!!
• لو أنَّ كلَّ الناس مِن أهلِ (نعم) لفسدت السماواتُ والأرضُ ومن فيهن، والذي يُصلِحُ الكونَ هم الذين يقولون: (لا)، ولكنْ بشرط أن يقولوها بصدقٍ واقتناعٍ وإيمانٍ بأنَّ (لا) هي التي تُوفِّر الخيرَ لهم ولقومهم ولأمتهم، أما إذا قيلت (لا) محبةً في «زيد» أو عنادًا في «عمرو» فلا قيمةَ لك ولا لـ(لا).
• اللُّغةُ حين تكون مع أهل الصِّدق تَجِدُ بينها وبين أهل الصِّدقِ نَسبًا.
• الذين يَحفظون القواعدَ كلَّها ولا يَحفظون ما نَطقَ به لسانُ العرب عِلمُهم ضعيفٌ لا قيمة له؛ البلاغةُ الحقَّةُ ما نَطق به العربُ والأعراب مع ضرورةِ معرفةِ كلام البلاغيين، النَّحوُ الحَقُّ ما نطق به العربُ والأعراب مع ضرورةِ معرفةِ كلام النحويين.
• شارحًا قول المتنبِّي مخاطبًا كافورًا:
إنَّمَا أنتَ وَالِدٌ والأَبُ القَا طِعُ أَحْنَى مِن وَاصِلِ الأولادِ
قال شيخُنا: الشأن في مَنْ وَلِيَ أمرَ جماعةٍ أن يكون منها بمنزلة الوالد، وأن يَرْفُقَ بها، وأن يعملَ في خدمتها، وأن يعملَ في رعايتها، وتعبيرُ المتنبِّي بـ(إنَّما) يُخبرنا بأن هذه حقيقةٌ مُسلَّمةٌ لا يدفعها دافعٌ ولا يُنكرها منكر، فإذا رأيتَ من يَلِي أمرَ الناس ويَظلِمُ ويُخرِّب ويُدمِّر ويَجعلُ الحياةَ في قِمَّةِ البلاء = فهذه قضيةٌ أخرى مخالفة للطبيعة.
• إذا رأيتَ من الوَالِي حبًّا وعطفًا وحُنوًّا ورعايةً كما يرى الولدُ من والده فذلك هو النَّسَقُ الفِطري، وإذا رأيت منه غُشْمًا وغِلظةً وفَظاظةً وتَهديدًا وتخويفًا ورُعبًا وفَزَعًا فتأكدْ أنه ليس على النَّسَقِ الفطري.
• لا بد أن يَحْنوَ الوالي على الرَّعية، وأن يَرْفُقَ بها، وأن يَجعلَ حياتَها أفضلَ وأرغد، فإن كان على خلاف ذلك، وملأ حياتَها رُعبًا واضطهادًا وظلمًا وقهرًا، فليس هو الذي تولَّى أمرها بالطريق الطبيعي.
• اللُّغةُ تُظهِرُ شيئًا وتُبطِنُ أشياء، وهذا الذي تُبطِنُه لا يَهدِيك إليه إلا المزيدُ من التدبُّر.
• العلمُ يَتَّسِعُ بالتدبُّر، والشِّعر يَتَّسِعُ بالتأمُّل، والذين لا يتدبَّرون ولا يتأمَّلون لا أُخفيك سرًّا أنهم في سعادةٍ عظيمةٍ جدًّا؛ لأنه ليس أفضل مِن سعادة المغفَّل؛ لأن «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله».
• خاطب الشيخُ حضور درسِه: هل تفهمون ما أقول؟!، أرى منكم اهتزازًا وطُرْبةً، وأنا لا يُهمُّنِي ذلك ولا يَخْدَعُنِي، أنا أريد عقلًا يعمل، لا أريد أجسادًا تهتزُّ وإنما أريد عقولًا تهتزُّ.
• الدِّلالة على جُذور المعاني مِن أفضلِ كرائمِ العلم.
• لاحظتُ أن الله – عزَّ وجلَّ - أوصى الولدَ بالوالد ولم يُوصِ الوالدَ بالولد؛ اعتمادًا على ما غَرسَه في قلبِه مِن فطرةِ حُبِّ الولد.
• بيتُ المتنبي:
إنَّمَا أنتَ وَالِدٌ والأَبُ القَا طِعُ أَحْنَى مِن وَاصِلِ الأولادِ
وشرحُ عبد القاهر له، فيهما إشارةٌ إلى أنَّ كَوْنَ مَن يتولَّى أمرَ الناس هو بمنزلة الوالد لهم يكادُ يكون حقيقةً مُسلَّمةً في المجتمعات الإنسانية منذ زمنِ المتنبِّي وأقدم من زمن المتنبِّي، وأنك إذا رأيتَ خلاف ذلك فأنتَ مع شُذوذ، أمَّا كيف يُحلُّ هذ الشُّذوذُ فهذا قضيةٌ أخرى.
• يَعنِيني أن نَفهمَ اللُّغةَ مِن ذَاتِ اللُّغة؛ لأن علماءَ اللُّغة استخرجوا عِلمَهم من ذاتِ اللُّغة، وهؤلاء العلماءُ ليسوا خَلْقًا آخرَ، بل نحن مِثلُهم، ولكنَّهم اجتهدوا ونحن لم نجتهد.
• استخراجُ العِلمِ من الشِّعرِ شيءٌ صعبٌ جدًّا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد