فوائد من درس دلائل الإعجاز 4


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 14 ربيع الآخر 1445هـ = 29 أكتوبر 2023م.

• نحن نَصْحَبُ الشيخَ عبد القاهر وهو يُزاوِل أفضلَ وأشرفَ وأكرمَ عملٍ علميٍّ يُزاوِلُه أهلُ العلم، وهو: اكتشاف حقائق المعرفة.

• عبد القاهر لا يُعلِّمنا العلمَ فقط وإنَّما يُعلِّمنا أيضًا كيف نكتشف المعرفة، وهذا شيءٌ في غاية الأهمية، وهو الشيءُ الضَّائع منَّا.

• عُنِينا بأنْ نتعلَّمَ العلمَ ولم نَتعلَّمْ كيف استخرج العلماءُ العلمَ.

• عِلمُك بكيفية استخراج العلماءِ العلمَ أكادُ أقولُ إنه أفضلُ مِن تَعلُّمِك العِلمَ.

• الذَّائقة البيانية التي فطر الله الناس عليها لم يجعلها الله عند أحدٍ أفضلَ منها عند آخر، لكنها تكون أفضلَ بمقدار مُتابعتِك لها، وصَقْلِك لها، وتَربِيتِك لها، وتَغذِيتِك لها.

• ليست غايتي أنْ أُعلِّمَكم كلامَ عبد القاهر، غايتي أن أُعلِّمَكم أَخْفَى ما فيه.

• الشيخُ عبدُ القاهر وهو يُفسِّر كلامَ أبي العبَّاس ثعلب حول (إنَّ) = كأنه يقول لنا إنَّ أيَّ فكرةٍ يَقولُها العالِمُ لها عِلَّة؛ فابحثوا عن عِلَلِ مسائل العلم لتَثْبُتَ مسائلُ العلم في نفوسكم.

• عبد القاهر يُعلِّمُك كيف تَعْقِلُ ما تقرأ.

• الخَطرُ الذي وقعنا فيه ورُبِّينا عليه هو أننا نقرأ كلام العلماء لكي نستخلصَ منه القاعدة، مِنْ غير أن نحاول أن نتدبَّرَ ما قالوه في استخراج هذه القاعدة.

• مُهمٌّ جدًّا تحليلُ كلام العلماء؛ لأنَّ فِقْهَ كلام العلماء يُعلِّمك كيف تتعلَّم العلم.

• كلامُ العلماء يُعلِّمك العلمَ، وفِقْهُ كلامِ العلماء يُعلِّمك كيف تتعلَّم العلم.

• سَحَرةُ فرعون كانوا كرامًا؛ لمَّا تبيَّن لهم الحقُّ سجدوا، ولم يعبأوا بفرعون، ولم يعبأوا بتهديدات فرعون، ويكفيهم أنهم قالوا: }إِنَّا إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ.{

• الناس يستخدمون تعبير «سَحَرة فرعون» استخدامًا خاطئًا، يا سيدنا نحن نتمنَّى أن نكونَ مِن سحرة فرعون؛ لأنهم كانوا سَحَرةَ فرعون في الضَّلال، فلما تبيَّن لهم الحقُّ قالوا: }إِنَّا إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ.{

• طريقةُ تفكير العالِم تَشْغَلُني عن فِكْره.

• مُهمٌّ جدًّا أنْ تَفهمَ الأفكار، وأفضلُ مِن هذا المُهمِّ جدًّا أن تبحثَ عن جُذور الأفكار.

• لن تكون شيئًا ما لم يكن لكلِّ معرفةٍ تعرفها أصلٌ عندك وجذرٌ.

• يا أيَّها الناس، عبد القاهر رجلٌ لا يُعلِّمني كلامًا آكُلُ به «عِيش»، وإنَّما هو رجلٌ يُعلِّمني كيف أكون باحثًا.

• «التوكيد» هو جذرُ المعاني المتنوعة التي ذكرها عبد القاهر لـ(إنَّ)، وهو هنا يُعلِّمني كيف أَرْجِعُ بالفروع إلى الأصول، وبالأصول إلى جذور الأصول، وأنَّ العلمَ إذا لم يكن كذلك كان علمًا سطحيًّا لا قيمة له.

• وقعنا في التخلُّف لأننا تَعلَّمْنا ما نعيش به ولم نَتعلَّم ما نَتَفَقَّه به؛ فإذا تعلمتَ ما تعيش به كنت كأيِّ صاحبِ حِرفةٍ يأكلُ بحِرْفَته، وإذا تعلمتَ ما تَتَفَقَّهُ به ويَنمو به فكرُك ويَنمو به عقلُك = كنتَ شيئًا آخر.

• علينا أن نُكوِّن عقلياتٍ علميةً تبحث في مسائل العلم؛ تَجِدُ جزئياتٍ كثيرةً ومعانِيَ متناثرةً كثيرةً وشواهدَ كثيرة، ثم بالعقل العلميِّ الكبيرِ أَرْجِعُ بكل هذه المعانِي الجزئية إلى أَصْلٍ، ثم أَرْجِعُ بهذا الأصْلِ إلى جُذوره الأولى.

• عبد القاهر في حديثه عن أصل معنى (إنَّ) كأنَّه يقول لك إنَّ الكلمةَ قد تُفيد معنًى، ثم يَتولَّد من هذا المعنى جملةُ مَعانٍ جزئية؛ فلا تظنَّ أن هذه المعانِيَ الجزئية غيرُ المعنى الأوَّل.

• وأنا أقرأ قوله تعالى: }وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ{، قلت: يا ربِّ، تيسيرُ القرآن للذِّكر معنًى مفهومٌ وواضح، فلماذا أَتْبَعْتَه قولَك: }فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ{؟ ماذا أردت أن تقول لنا؟، فلم أفهم إلا أنَّ أهل العلم يجب أن يُيَسِّروا العلمِ للذِّكر، وأن يُدْنُوا العلمَ من عقول العامَّة، وأنَّ الله يقول لهم: «هل تعلمون أيها المشتغلون بالعلم أنَّ مِن أَوْجَبِ واجباتِكم أن تُقرِّبوا العلمَ العَصِيَّ البعيدَ الغامضَ من قلوب عامَّتكم وتُيسِّروه للذِّكر»، وهذا الذي فَهِمتُه لا أقول إنه هو معنى }فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ{، وإنما هو من معانيه.

• لا تَقُلْ لي إن العلم في أبراجٍ عالية، لو كان الذي في الأبراج العالية لا يُفْهَمُ لكان القرآن لا يُفْهَمُ؛ لأنَّه في الأبراج الأعلى والأعلى والأعلى؛ في الأبراج المعجزة، ومع ذلك أَدْنَيْنَاه من قلوب عبادنا ويسَّرناه للذِّكر.

• قرأتُ في كتابٍ مِنْ أقدمِ كُتبِ البلاغة أنَّ العالِم الجَيِّدَ والبيانيَّ الرَّائعَ هو الذي يُقرِّب المعنى البعيدَ مِن أذهان الناس؛ فأحسستُ بأن تقريبَ الفكر مِن أفهام العامَّة؛ حتَّى تَبْقَى عامَّةُ الأمَّة على شيء من العلم = مِن أهم واجبات أهل العلم.

• البيانيُّ العالِي الرائعُ هو الذي يُقرِّب أفكارَ الخاصَّة من العامَّة.

• مِنْ وُجوهِ إعجاز القرآن الكريم أنَّه قريبٌ من قلوب الناس.

• لا تقولوا إن العلم في الأبراج العالية، ولا نخاطب به إلا أهلَه، ويبقى الفَقِيهُ لا يَكتب إلا للفقهاء، ويبقى البلاغيُّ لا يكتب إلا للبلاغيين، ويبقى المُفسِّرُ لا يكتب إلا للمُفسِّرين، وسَوَادُ الأمَّةِ الأعظمُ لا تَتَّجِهُ إليه أقلامٌ. الله يقول لنا: هذا خطأ؛ لأن سَوادَ الأمَّة الأعظمَ هو الذي يقوم بأعمال الأمَّة الأكثرَ والأوفرَ؛ فلا بد أن تُوجِّهوا إليه أقلامَكم، وأن تُوجِّهوا إليه خطابَكم، وأن تهتموا بتعليمه، وأن تهتموا بأن ترتقوا بعقله.

• تعليقًا على استدراكٍ لطيفٍ خفيفٍ مِن عبد القاهر على أبي العبَّاس ثعلب، قال شيخُنا: أهلُ العلم يَعْنِيهم أنْ يُبيِّنوا العلم، ولا يَعْنيهم أنْ يقولوا إنَّ كلامَ العالِم الفلانيِّ فيه قصورٌ، وإنه كان يجب أن يقول كذا.. يا سيدنا، لا تُضيِّع وقتك في هذا، لا تُضيِّع وقتك في أن فلانًا لم يُحْسِن، وأنه كان عليه أن يقولَ، وأنه أخطأ حين قال، يا سيدنا، هذا ليس من العلم في شيء.

• أبو العباس ثعلب ذكر في معاني (إنَّ) سطرين اثنين، وعبد القاهر ذكر في معانيها صفحات كثيرة، ولكنه لم يُسئ إلى أبي العباس بكلمة؛ لأن إساءةَ العالِم للعالِم خطأٌ وسوءُ أخلاق، وأنا أريد من طالب العلم أن يظلَّ مُتقبلًا لكلام العلماء، ومكتفيًا بما قالوه، وداعيًا الله لهم بالمغفرة بالذي قالوه، والذي لم يقولوه على غيرهم أنْ يقولوه.

• الخلافُ موجودٌ في التاريخ كله، ولكنه في الزمن المتقدِّم؛ زمن التقدُّم، كان خلافًا يستهدف مناقشة الرأي الذي أرفضه وعندي دليلٌ على بطلانه، وهو عنده دليلٌ على بطلان رأيي؛ فيكون الدليل مع الدليل، والفكر أمام الفكر، أمَّا في زمن التخلُّف فنحن نَدَعُ الأفكارَ ونَتَّهِمُ القائلين بالأفكار ونَشْتُمُهم.

• عباراتُ العلماء مختصرةٌ جدًّا ومفيدةٌ جدًّا، وإذا كنتَ غيرَ مُستوعبٍ لأفكارهم فأنت مُحتاجٌ إلى أن تتكلَّم كثيرًا لتُفيدَ قليلًا، وإذا كنتَ مُستوعبًا لكلام العلماء تَكلَّمْتَ قليلًا وأفدتَ كثيرًا.

• تعليقًا على قول عبد القاهر: «.. وإنما تحتاج إليها إذا كان له ظنٌّ في الخلاف، وعَقْدُ قلبٍ على نَفْي ما تُثبت أو إثباتِ ما تَنْفِي»، قال شيخُنا: دراسةُ مُتلقِّي البيان جزءٌ من إنتاج البيان؛ فلا بد أن تراعِيَ مَنْ تُوجِّه إليه الخطاب، لا بد أن تكون على بصيرة بمن تخاطبه وبما انعقد قلبُه عليه؛ فالكلامُ الذي أخاطبكم به لا يصلح لأن أخاطبَ به غيرَكم، والكلامُ الذي أخاطب به زيدًا لا يصلح لأن أخاطبَ به عمرًا.

• الشِّعرُ اختلفَ، واختلافُ الشِّعر ليس راجعًا كلُّه لاختلاف الشَّاعر، وإنما رَاجِعٌ جُزءٌ كَبيرٌ منه لاختلاف المتلقِّين للشِّعر؛ فالاختلافُ مَرجِعُه العلمُ بمقام الخطاب، حتى إنك تعلمُ ما انعقد عليه قلبي وأنت تُحدِّثني.

• إذا وجَّهتَ إليَّ خطابًا وأنت لا تعلمُ ما انعقد قلبي عليه يكون خطابُك في الهواء ولا قيمةَ له، أمَّا إذا وجَّهتَ إليَّ خطابًا وأنت تعلم ما انعقد قلبي عليه فسيتجه خطابُك إلى ما انعقد قلبي عليه.

• ما دُمتَ تُخاطبُ الناسَ فلا بد أن تكون عالمًا بما انعقدت عليه قلوبُهم، إلا إذا كنتَ «بَكَّاش»، وتريد أن «تُبَكِّش» على الناس، وتريد أن تَذهب بهم يمينًا وشمالًا وهم يَتْبَعُونَك؛ فجَهِّلْهُم لتذهبَ بهم حيثُ شئت، ولذلك لا تجد مُستبِّدًا مُهتمًّا بالتعليم؛ لأن التعليمَ وانتشارَ الوعي والعقل ضدُّ وجود المُستبِدِّ نفسِه؛ لأن الاستبدادَ لا يُوجد مع جماعة لهم مستوى من الثقافة ومستوى من اليقظة.

• ما دُمتَ تُخاطب قومَك فلا بد أن تكون عالمًا بما في صُدورهم، وإن كنتَ لا تعلم فاسْكُتْ.

• أنا لم أشرح عبد القاهر، أنا أشرح عبد القاهر شرحًا مختصرًا جدًّا، وضعيفًا جدًّا. كلامُ عبد القاهر أَسْخَى ممَّا أقولُه عشراتِ المرَّات، أنا أحاول أن أُقرِّبَك لكي تَفهمَه أنت، وأعوذ بالله من أن أزعمَ أنني أشرحه لك، وإنما أحاول أن أضعك قريبًا منه لتشرحَه أنت لنفسك.

• تعليقًا على عبارةٍ لعبد القاهر، قال شيخنا: كتبتُ هذا الكلامَ في كتبي، وشرحتُه لأجيالٍ قبلكم، وكلما زِدتُه تأملًا زادني إحساسًا بعُمقِه وبُعْده.

• حين تدرس (إنَّ) ادرس حال المخاطب: «خالي الذِّهن، المتردد، المنكر»، وادرس أيضًا حال الخبر نفسه: «القريب، البعيد»، ثم سيخبرك عبد القاهر بعد ذلك أن تدرس حالك أنت أيها المتكلم.

• شرحًا لبيت أبي نواس:

عَلَيْكَ باليَأْسِ مِنَ النَّاسِ     ***    إنَّ غِنَى نَفْسِكَ في اليَاسِ

قال شيخُنا: ليس معنى قوله: «عَلَيْكَ باليَأْسِ مِنَ النَّاسِ» أن تَلعنَ الناس، وإنما معناه أن الناس يتساندون ويتعاضدون ويتراحمون، ولكنْ كلُّ أحدٍ يعمل ويَجِدّ؛ فأبو نواس يقول لك: جِدَّ أنت، وافعل أنت، وليكن غِناك في عملك، وليكن غِناك في جِدِّك، وليس بالطمع فيما في أيدي الذين يجتهدون.

• احرص على أن تكون نفسُك نفسًا حيةً حسَّاسةً تَعرِفُ الحُسْنَ وتُحِسُّه، لا تُمِتْ حِسَّك؛ لأنه لن يفيدك علمٌ إذا مات حِسُّك، لا تَقتلْ حِسَّك؛ لأنك لن تجد علمًا ينفعك إذا قَتلْتَ حِسَّك.

• يكون المجتمعُ مجتمعًا أفضلَ إذا تعهَّد كلُّ إنسانٍ حِسَّه، وحاولَ أن يُثقِّفَ نفسَه، ويُثقِّفَ حِسَّه، والمجتمعُ الذي ينتظر أن يُعلِّمه أحدٌ لن يتعلم، والمجتمعُ الذي ينتظر أن يَتقدَّم به أحدٌ لن يَتقدَّم، وإنما يَتقدَّم إذا أراد هو أن يَتقدَّم، ويَنتصر إذا أراد هو أن يَنتصر، ويكونُ شيئًا إذا أراد هو أن يكون شيئًا.

• شرحًا لقول الشاعر: «أَجَارَتَنَا إِنَّ التَّعَفُّف باليَاسِ..»، قال شيخُنا: الشاعر لا يقول: «أَجَارَتَنا» إلا إذا أراد أن يتكلَّم في أمر مهم، وأحيانًا يقولها إذا أراد أن يُكلِّمَها في شأنٍ تخالفه هي فيه.. بهذا جرى إِلْفُ البيان.

• اجعلْ أُذنَك تألفُ وتُحبُّ كلمةَ «أَجَارَتَنا»؛ لأن هذه الكلمةَ وراءها ما وراءها، إذا أنت أحببتَ كلمة «أَجَارَتَنا» وتَفتَّحَ قلبُك لِما بعدها = استوعبتَ الشِّعرَ أكثر.

• الشِّعرُ العربيُّ فيه كلماتٌ تتكرَّر وتَحمِل من عَبَق الأزمنة ما تَحمِل، وعُبِّئتْ في طول الزمان وطول الاستعمال وطول الألسنة وطول المعاني = عُبِّئتْ بِمعانٍ جليلةٍ جدًّا جدًّا؛ فلا تَرجِعْ بها إلى المعنى اللغوي وتَنتهِ، وإنَّما اسألها عن الذخيرة والتجربة التي استوعبَتْها في زمن استعمالاتِها في البيان.

• تعليقًا على قول بشَّار: «بَكِّرَا صاحِبَيَّ قَبْلَ الهَجِير»، قال شيخُنا: بَكِّرْ أنتَ يا بشَّار، لماذا تدعو صاحبَيْك لأنْ يُبكِّرا معك؟ أَلِفَ الناسُ أن يَذكروا الصاحبَيْن في المواقف الأهمِّ والمعاني الأجلِّ.

• أُحِبُّ ذِكْرَ الكرام، وذِكْرَ ذوي الشَّرف، وذِكْرَ ذوي السُّؤدد، ولو مَلكْتُ أن أزرعَ هذا الحُبَّ في قلوبِ الجيلِ الجديد لفعلتُ؛ لأنَّ الكرمَ والشَّرف والسُّؤدد وكرمَ النَّفس لو غُرسَ فيها لن تتقبَّل أن تُظلم، ولن تتقبَّل أن تُهان، ولن تتقبَّل أن تُذلَّ، ولن تتقبَّل أن يؤخذَ مِن أرضها حَبَّةُ رَمْل.

• اغرسِ الشَّرفَ في قلوبِ أبناء الوطنِ تَضْمَنْ حمايةَ الوطن ومَنَعَةَ الوطن، وتَضْمَنْ أن لا يُوجدَ على ظهره مُستبدٌّ، وتَضْمَنْ أن لا يُوجدَ على ظهره مَقهورٌ؛ لأن الشَّريفَ لا يَقبل أن يُقهَر، الشَّريفَ لا يَقبل أن يُظلم، الشَّريفَ لا يَقبل أن يَطَأَ عَدوُّه ترابَ أرضِه الذي هو عِظامُ أجداده.

• زَرْعُ المعاني الشَّريفة في النَّفسِ الإنسانية هو الفطرةُ التي فطر الله الناسَ عليها، وكلُّ ما في دِينِ الله زَرعٌ لهذه المَعانِي الشَّريفة.

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 21 ربيع الآخر 1445هـ = 5 نوفمبر 2023م.

• من المفيد جدًّا أن تعرف أنَّ سؤالًا، ولو كان سؤالًا سَبُبه الجهل، يَفتح عند العالِم بابًا من أبواب العلم.. وهذا عجيب.

• سؤالُ «الكِنْدِيِّ» لأبي العباس ثعلب عمَّا وجده في كلام العرب من الحَشْو = سؤالٌ سَببُه الجهل، وما كان ينبغي له أن يَسألَه، وسؤالُه هذا الذي ما كان ينبغي له أن يَسألَه فَتحَ به عبدُ القاهر بابَ الحديث في (إنَّ)، ودلَّنا على طريقٍ الذي لا يسير فيه ينبغي أن يَخرجَ من دائرة أهل العلم؛ هذا الطريق هو أنه إذا التبس عليك شيءٌ في كلام العرب فتَقصَّ وتَتبَّعْ كلامَ العرب في هذا التعبير، وتَقصِّيك لكلام العرب سيَهدِيك إلى مَعانٍ أكثرَ ممَّا كنت تَتصوَّر.

• تَتبُّعُك لكلام العرب يفتح لك بابًا من أبواب اكتشاف معرفةٍ جديدة.

• التتبُّعُ الذي يفتح لك بابَ العلم لا قيمةَ له ما لم يُصاحِبْه التدبُّرُ الذكيُّ الواعي.

• وَصَفَ الشيخُ ما ضمَّنه الإمامُ عبد القاهر الفقرةَ رقم (386) بأنه «شيءٌ مِن أدقِّ ومِن ألطفِ ما في بيان العربية»، وأتبع هذا الوصفَ قولَه: المبالغةُ في العلمِ كريهةٌ وقبيحةٌ؛ فحين أقول: «مِن أدقِّ ومِن ألطفِ» فإن الذي أريده يَزيد على وصفي له بأنه أدقُّ وألطف، ومَوطِنُ الدِّقةِ واللُّطفِ هنا أن المتكلم وهو يخاطب مخاطبًا يَفترِضُ عند هذا المخاطب أشياءَ هي في الحقيقة ليست عنده، ولكنْ كان منه، ومن سياقه، ومن أحواله، ما يُرشِّح ويُرجِّح أنها عنده.

• وأنا في سِنِّكم كنت أقرأ فيدهشني أن المتكلمَ يَصنعُ مخاطَبًا على هواه، ويمحو صورة المخاطَب الحقيقية، وهذا عجيبٌ جدًّا. الذي أمامك وتُخاطبه ليس على الصفة التي تصفه بها، وكأنك لم تصنع بيانًا فحسب وإنَّما صنعتَ مخاطبًا يُخاطَب بهذا البيان، وهذا ما سمَّاه البلاغيون المتأخرون تسميةً جيدةً لذيذةً - ولكننا نحفظ المتون من غير أن نتدبَّر – سَمَّوْه: تنزيلَ غيرِ المُنكِر مَنزلِةَ المُنْكِر.

• حين نقول: «البلاغيون المتأخِّرون» فإنَّما نريد هؤلاء القومَ الذين أتقنوا العلم وضبطوه.

• البُعدُ البيانيُّ لتنزيلِ غير المنكِر منزلةَ المنكِر وتنزيلِ المنكِر منزلةَ غير المنكِر = هو أنَّك تُوجِدُ إنسانًا افتراضيًّا وتُخاطِبه.

• قراءةُ كتب العلماء علمٌ، وقراءةُ لُغةِ العلماء علمٌ آخر؛ فإذا كنتَ قارئًا جيدًا وتحترمُ عقلَك وتحترمُ اللغة التي تقرؤها فيجب أن تَقِفَ عند لُغة أهل العلم.

• لا يُمكِن لطبقة عبد القاهر أنْ يقولَ: «ومن لطيف ذلك... » إلا إذا أراد التنبيهَ إلى شيء جديد يجبُ أن تَتنبَّه إليه وتَعقِلَه وتَقِفَ عنده.. لا يمكن؛ لأن التزيُّد في العلم شيءٌ يرفضُه العلماءُ جميعًا.

• قلتُ كثيرًا: لن تجد أحدًا يُعلِّمك العلم، وإنما كل ما في الأمر أنك تجد مَن يُضيء لك الطريق ويُعلِّمك الطريق، وأحسنُ المحسنين مَن علَّمونا الطريق.

• إذا انتظرتَ مَن يُعلِّمك العلم فلن تتعلَّم العلمَ أبدًا، وإنَّما تتعلَّم العلمَ إذا أردتَ أنتَ أن تتعلَّمَ العلم، واجتزتَ الصُّعوباتِ وواجهتَ المشقَّات بإصرارٍ وعزم.

• ما دمتَ قصدتَ إلى العلم فلا بد أن تتحمَّلَ المشقَّات وتواجِهَ الصُّعوبات، وأن يُنْسِيك العِلمُ كلَّ ما عداه؛ فإذا كانت هناك أشياءُ تُنسِيك العلمَ فاذهب إليها؛ لأنَّ العِلمَ فيه نَزعةٌ إلهيَّة، وهي أنه لا يَقبل الشَّرِكة.

• اللُّغةُ ليست شَقْشَقَةَ لِسان، وإنَّما اللُّغةُ تَمسُّ الوعيَ، ثم إذا مَسَّت الوعيَ استخرج الوعيُ مضمونَها ومعناها.

• العلماء يذكرون لك أشياءَ ويسكتون عن أشياء؛ لأنهم لو تتبَّعوا كلَّ شيء سيتركون ما بين أيديهم من المعرفة؛ هم يَفتحون البابَ وعليك أنت أن تتتبَّع ما سكتوا عنه.

• حين تقرأ كلام المتأخرين تجد أنهم يذكرون مثلًا مَحاسِنَ التشبيه فيقولون: «إن محاسن التشبيه كذا وكذا، وليس لمحاسِنه نهاية»، أنتَ أخذتَ ما ذكروه ووضعتَه في رأسِك وانتهت المسألة؛ لذلك ضاع العلمُ وتخلَّفت الأمة.

• تتقدم الأمة إذا كانت أجيالُها طموحة، وطموحُ الأجيال هو أنه إذا قال لهم العلماء استَقْصُوا استَقْصَوْا، وإذا قال لهم العلماء تتبَّعُوا تتبَّعُوا، أمَّا إذا قال لهم العلماء استَقْصُوا وتتبَّعُوا فلم يَستقصُوا ولم يَتتبَّعوا فلن يكون للأمةِ خطوةٌ جديدةٌ إلى الأمام.

• لا يَحْدُو النفسَ الإنسانيةَ نحو التقدُّم شيءٌ كحُبِّها للمعرفة، هذا إذا كانت صادقةً في حُبِّها للمعرفة.

• كان علماؤنا لا يتكلَّمون في تفسير القرآن إلا في نهاية العمر.

• حين أجد شباب الباحثين يكتبون بحوثًا في القرآن يَضيق صدري بهذا. يجب أن يُدرَّبُوا أولًا على الشِّعر؛ لأن الشِّعر مقدمةٌ ضروريةٌ لصناعة العلماء وصناعة المفسرين.

• أقول لشباب الباحثين: ابتعدوا عن القرآن حتى تؤهَّلُوا للدخول إلى ميدان القرآن.

• أنا لا أُعلِّمُك العلم، وإنما أُعلِّمُك كيف تستخرج العلمَ من كلام العلماء.

• الجِيلُ الذي ليس له خطوةٌ جديدةٌ الموتُ أكرمُ له من الحياة.

• الله ما خلقنا إلا للخلافة في الأرض، ومعنى الخلافة أن يَخْلُفَ بعضُنا بعضًا في إصلاحها، فإذا توقَّفَ الجِيلُ عن أن يَخطُوَ خُطوةً فليس خَليفةً.

• كان يُعجبني الدكتور مصطفى محمود (رحمه الله)؛ كان يقول إن إسرائيل غير خائفة من المسلمين، وإنما هي خائفة من الإسلام؛ لأنه إذا استيقظ الإسلامُ فلن يكون لها وجود.

• لن يُوقِظَ الأمةَ إلا الجِيلُ الجَديدُ وشبابُها الجديد.

• تخلُّفُ الأمَّةِ وخرابُها يَرُوقُ للذين لا يَصْلُحُونَ إلا لحُكْمِ قومٍ نِيام، ولن يظلَّ القومُ نيامًا إلا بالجَهْل، والجَهلُ أكثرُ أثرًا في صناعة الإنسان المُغفَّل التَّافه مِن النَّوم.

• مِن مساوئ التاريخ العربيِّ أنَّ العربَ كان أبناءُ الأبِ الواحدِ يَتقاتَلُون، وأشدُّ الحروب في تاريخ الجاهلية كانت بين أبناءِ الأبِ الواحد، وهذه لا تزال باقيةً إلى الآن؛ السودانيون يتقاتلون والليبيون يتقاتلون. أنا يقيني أنَّ الأرضَ أبٌ لنا وأُمٌّ، وأنَّ ابنَ أرضِي لا يجوز لي مطلقًا أن أحملَ السلاحَ في وجهه، ولا يَحمِلُ السلاحَ في وَجْهِ ابنِ وطنِه إلا إنسانٌ عاقٌّ، ليس عاقًّا للجماعة، وإنما عاقٌّ لوطنه.

• قولُ الشاعر:

جَاءَ شَقِيقٌ عَارِضًا رُمْحَه  ***  إنَّ بَنِي عَمِّك فِيهِم رِمَاح

يُذكِّرني بضَلالةِ العربِ الأولى، وهي أنَّ أبناءَ العَمِّ يَتقاتلون.

• إذا تضاءل تأثيرُ الدِّين عَظُمَ تأثيرُ الجاهلية: إذا قَوِيَ الدِّين في ليبيا فلن تَجِدَ ليبيًّا يَقتل ليبيًّا، إذا قَوِيَ الدِّين في السودان فلن تَجِدَ سودانيًّا يَقتل سودانيًّا؛ لأنَّ الدِّين جعل المؤمنين جسدًا واحدًا إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحُمَّى.

• إذا وَجدتُ النَّزعةَ البربريةَ بدأت تظهر في الأمازيغ أيقنتُ أن النَّزعةَ الإسلاميةَ ضَعُفَتْ في الأمازيغ؛ الذي فتح الأندلسَ طارقُ بن زياد كان بربريًّا، الذي طرد الصليبيين صلاحُ الدِّين كان كُرديًّا، ولم يُحدِّثني التاريخ بأن هذا بربريٌّ وهذا كُرديٌّ، وإنما حدَّثني بأن هذا مسلمٌ وهذا مسلمٌ، ولو دَعا طارقٌ بالبربرية ما تَبِعَه أحد، وصلاحُ الدين لو دعا بالكُرديَّة ما تَبِعَه أحد، إنما هي أمة واحدة، الذي وَحَّدَها وجعلها جسدًا واحدًا هو (لا إله إلا الله).

• كلُّ ما في المبنى يُواجِه شيئًا في المعنى، لو زِدتَ في المبنى غُنَّةً لا يقتضيها المقام أفسدتْ عليك الغُنَّةُ معناك.

• في قول سيدنا نوح عليه السلام: }رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ{، الخبرُ هنا وإن أُكِّد لمجيئه على خلاف ما يَتوقَّع فإنَّك تجد فيه معنى الأسف ومعنى الحسرة، ومثلُه قولُه: }رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي{؛ ففيه قلبٌ مُنفطرٌ، لكنْ لمَّا خاطبه اللهُ بجَلالِ الأُلوهية الأعلى: }يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ{ قال نوح: }رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ{؛ فأصبح نوح يَتوبُ مِن حُزنه على ولدِه ويَستغفرُ الله من قوله: }رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي{.

• الذين يقرؤون القرآن لا يمكن مطلقًا أن يَظنُّوا في أيِّ نبيٍّ شيئًا من صفات الألوهية، مضى ما مضى، والإسلامُ دَخلَه مَنْ يَعلَمُ ومَنْ لا يَعلَمُ، لكنَّك لن تَجِدَ مُسلمًا واحدًا يَظنُّ أن مُحمدًا له من الأمر شيءٌ.

• مَقامُ الأُلوهية ومَقامُ النُّبوَّة بينهما بَوْنٌ بعيدٌ في الكتاب العزيز، وممَّا يُبيِّن ذلك خطابُ الله تعالى لسيدنا نوح بشأن ابنه.

• أنت لستَ واحدًا، أنت اثنان:

- غافِلٌ مُغفلٌ هَمَلٌ مَهْملٌ؛ فلا قِيمةَ لك.

- مُتنبِّهٌ مُتيقِّظٌ؛ فتصنع المعجزاتِ ولا تُهزَم على وجه هذه الأرض.

فإمَّا أن تعيشَ غافلًا وترابُ آبائك يطؤه أعداؤك، وإمَّا أن تعيشَ متنبهًا فتصنع القوَّة والمَنَعَة على تراب آبائك.

• العِلمُ مسألةٌ تدلُّ على مسألة؛ العالِم يقول لك مسألةً وأنت تجعلها دليلًا على غيرها.

• تعقيبًا على الجملة الأخيرة للإمام عبد القاهر في باب (إنَّ)، قال شيخُنا: هكذا العلم؛ كلَّما اتسعتَ فيما تَعْلَمُ زادك اليقينُ إحساسًا بسَعَةِ ما لا تَعْلَم.

• مِن المهازل أن يُقال عن فلان: «مُفكِّرٌ عَرِيق» ثم يُحكَى عنه كلمةُ ضَلال، فهو جُعِلَ مفكرًا لِنَبْلَعَ ضَلالاتِه، ولقد عِشْتُ تَجارِب أحكيها لكم ولكنْ لا أذكر أسماء: فوجئتُ بأن فلانًا «مُفكِّرٌ جديد»، عظيم!! فتتبَّعتُ هذا المِفكَّرَ الجديدَ فوجدتُه كتبَ كِتابًا حَكمتْ بسببه المحكمةُ بكُفْرِه!!! وهكذا تُضلَّلُ الشعوب.

• إذا وجدتَ الحقَّ - جلَّ وتقدَّس - يؤكِّد معنًى فتأكَّدْ أن المُرادَ زَرْعُ هذا المعنى في قلبك وعقلِك وتأكيدُ هذا المعنى في قلبِك وعقلِك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply