فوائد من درس دلائل الإعجاز 1


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس أمس من شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف: الأحد: 22 من ذي القعدة 1444هـ = 11 يونيو 2023م.

• لا بد أن تَعْقِلوا ما يُقال، وإن لم تَعْقِلوا أنتم لتعرفوا قيمة ما يُقال فليس هناك فرقٌ بين ما هو جيِّد وما هو ليس بجيِّد.

• قد تُدرِك أنت بسهولة ما أُدرِكُه أنا بصعوبة؛ لأن العلم ليس فيه كبيرٌ وصغير، العلمُ فيه مجتهدٌ وغيرُ مجتهد.

• إذا وجدتَ العالِم يقول لك: «ههنا أَصْلٌ» فاسمعْ بكل ما تستطيعه، وتدبَّرْ بكل ما تستطيعه، وتَعقَّلْ بكل ما تستطيعه؛ لأن أهم ما في المعرفة هو أصول المعرفة.

• إذا أكرمك الله بعالٍم جليل أَدْرَكَ أصلًا من أصول المعرفة، ونبَّهك إليه، فحاول أن تكون كما قال أبو تمام:

يَوَدُّ وِدَادًا أَنَّ أَعْضَاءَ جِسْمِهِ…     إِذَا أُنْشِدَتْ شَوْقًا إِلَيْهَا مَسَامِعُ

فأبو تمام يقول: من يعرف قيمة شعري ويسمعه فإنه لا يسمعه بآذانه فقط، وإنما يسمعه بكل أعضاء جسمه.

• أكثر عملي في تحليل البيان، لماذا؟ لأني وجدت كل علوم اللغة ليس لها غاية إلا أنها تهديك إلى الصواب في فهم البيان وتحليل البيان.

• تحليل الشعر وتحليل النثر وتحليل الكلام هو القِبْلة الأساسية لكل علوم العربية، وهو القِبْلة الأساسية لكل علماء العربية.

• تحليل البيان معناه مُساءلة كلِّ كلمةٍ عن الذي وراءها، ومُساءلة كلِّ حركةٍ عن الذي وراءها.

• ليس هناك غموضٌ في النحو، وليس هناك غموضٌ في البلاغة، وإنما الغموضُ في معرفة الجملة التي يُعْرِبُها النحويُّ والتي يُحلِّلُها البلاغي.

• أنا لا أُعلِّمُك العلم يا بُني، وإنما أُعلِّمُك صعوبةَ تعلُّم العلم؛ فإن قَبِلتَ ووقفتَ في الميدان واجتهدتَ فنِعْمَ أنت، وإلا فـ«مع السلامة».

• كلُّ مهنة في الدنيا قد تَقْبل الدُّخلاء الكذَّابين، إلا العلم؛ فإنه يُنقِّي رِجالَه ولا يَقبل منهم دجالًا ولا كذابًا ولا منافقًا ولا مُواريًا.. إلخ، فهذا هو الباب الذي يُنقِّي الإنسان ويختارُ المختارَ من بني البشر.

• أنتم تعلمون أن كتاب «دلائل الإعجاز» هو آخر ما كتب عبد القاهر، وناهيك عن كتابٍ هو آخر ما كتبه العالِم؛ لأن فيه اجتهادات، وفيه بصيرة، وفيه حصيلة العُمْر.

• حتى تعلم حاجتَك المُلِحَّةَ إلى النحو فاعلم أن الذي يُعلِّمُك تحليلَ البيان نَحْويٌّ من رأسه إلى قدمه، وأنه كتب البلاغة في آخر عمره، وكم كتب في النحو قبل أن يكتب في البلاغة!!

• لا تقل لي: «أنا متخصص في البلاغة فما لي والنحو؟!»، إذن فما لك والبلاغة؟!!

• علوم العربية مُمسكٌ بعضُها ببعض، ويَهْدِي بعضُها إلى بعض، ويُعِين بعضُها على فَهْم بعض؛ فلا بد من وَعْيها جميعًا.

• حين يُكرر لك عبد القاهر المثال الواحد فإنه يقول لك: ازرع المعرفة في قلب تلميذك؛ لأن المعرفة لا تنتقل إلى الجيل إلا إذا زُرِعتْ في قلب الجيل، ولذلك جاء في حديث قدسي أن الله اصطفى عبادًا «جَعل العلمَ وديعةً عندهم» - وناهيك عن وديعةِ الله عندك!! – «ثم يزرعونه في قلوب مَن هُم على أشباههم»، فكأنك تختار مَنْ تُعلِّمُه العلم، وأنت لا تُعلِّمه العلم وإنما تزرع العلم في قلبه، حينئذ يُغيِّر العلمُ الناسَ. [لم أقف على الحديث القدسي الذي أورده شيخنا، ونَصُّه منسوبٌ إلى الإمام عليٍّ رضي الله عنه في «لسان العرب: (زرع) و(ودع)»؛ قال يذكر العلماء الأتقياء: بهم يَحفظ اللهُ حُجَجَه حتى يُودِعُوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم»].

• أساسُ التعليم أن يتغيَّر الإنسان إلى الأفضل، إن كان حَسنًا يصير أحسن، إن كان أحسن يصير أحسن من الأحسن.. وهكذا، وبذلك تتقدَّم الشعوب.

• من المدهش جدًّا جدًّا أن الله حين خلق آدم وقبل أن يكلفه بشيء علَّمه الأسماء، وهذا إشارة إلى أن وجود هذا الإنسان لا بد أن يكون مقترنًا بالعلم والمعرفة، فإذا افتقد العلمَ والمعرفةَ افتقد إنسانيته.

• صُحْبةُ أهل العلم صُحبةٌ مختلفةٌ تمامًا: إذا أصابوا أفادوا وإذا أخطأوا أفادوا.

• قال الشيخ تعليقًا على قول النَّبْهاني: «.. ولا لامرئٍ عمَّا قضى اللهُ مَزْحَلُ»: هذا شطرٌ يَبني إنسانًا؛ فأنت مهما اجتهدت ومهما احتطت فلن تبتعد عمَّا قدَّره الله عليك، إذا انزرعتْ هذه الجملةُ في القلب رأيت فيها صبرًا، ومروءةً، وسخاءً، وشجاعةً، وكرمًا، وبُعدًا عن النفاق والكذب.. إلخ.

• دِعْبلٌ الخُزاعِيُّ آخُذ عليه كثرة ذمِّه لأبي تمام، وأبو تمام شاعرٌ لا كلام في ذلك، له ما له وعليه ما عليه لا كلام في ذلك، وإنما أنا أُحِبُّ دِعْبلًا لأنه خُزاعِي، وخُزاعة هم أهل نُصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، في الجاهلية وليس في الإسلام؛ لأن أهل النُّصرة في الإسلام كلُّ مَن دخل في دين الله، وإنما أهلُ النُّصرة في الجاهلية لهم عندي مقام.

• من عجائب الزمن أن الشِّعرَ جعل للأطلال قيمة، ليس هذا فحسب، بل جعل لبَعْر الأرآم في العَرَصَات قيمة، يا سيدنا نحن لا نزال نتغنَّى ببَعْر الأرآم الذي في عَرَصَات صاحبة امرئ القيس، وهذا ليس عبثًا وإنما يَدلُّك على قوة الشعر الخارقة للعادة، التي جعلت البعر يُتغنَّى به.

• لا تَستهِنْ بالشعر وتنظر إليه على أنه مُجرَّد وصف للفيافي والإبل، يا سيدنا شيء جليل جدًّا جدًّا أن تُجعلَ الأطلال والثُّمَام وموقد النار غِناءً تتغنَّى به الأجيال والأحقاب.

• قوةُ الفطرة الإنسانية، وإِلْفُها للبيان العالي، وإِلْفُها للنَّغم الذي يستخرج من البعير أقصى نشاطه وأقصى طاقاته، أرغمت الإنسان على أن يتغنَّى بالأطلال وموقد النار وبَعْر الأرآم طوال الأحقاب وفي كل الأجيال.

• الشعر ليس له قيمة عندك لأنك ليس لك قيمة، وإنما لو فتحتَ فطرتَك الإنسانية ورأيت أن وراء بعر الأرآم حُبًّا وولعًا وشوقًا ورهبةً ومعنًى إنسانيًّا ليس فوقه شيءٌ تكون قد بدأت تفهم الشعر.

• القضية ليست قضية بَعْر أرآم عَرَصَات صاحبة امرئ القيس، هذا اختزالٌ سَفِيه، إنما المسألة أن امرأ القيس أسكنَ في عَرَصَات صاحبته حُبَّه وفِطرتَه ووفاءه ووَلعَه؛ فأنت مُحبٌّ لهذا الوَلَع، مُحبٌّ لهذه الفطرة؛ فالخلاصة: أنك لو فكَّرتَ في البَعْرِ وجدت في البَعْرِ شيئًا جليلًا.

• تعقيبًا على بيتي دِعْبلٍ الخُزاعِي:

فَوالله ما أدري بأيِّ سِهَامِها      ..    رَمَتْني، وكلٌّ عندنا ليس بالمُكْدِي

أبِالجِيدِ، أم مجرى الوِشَاح، وإنَّني   ..    لأُتْهِمُ عينَيْها مع الفاحِمِ الجَعْدِ

قال الشيخ: أفهم من هذين البيتين شيئًا آخر، أفهم أن القول إن المرأة في الجاهلية كانت مغبونة قولٌ خطأ؛ لأنه ما علا قلبَ الرجل في جاهلية ولا في إسلام كما عَلَتْه المرأة.

• الذي أنطق دِعْبلًا ليس هو الصاحبة، وإنما ما وجده في فطرته مِن حُبٍّ ووَلَع.

• العِلمُ جنة الله في الأرض؛ لأنك كلما نظرتَ من أي جهة وجدتَ خيرًا.

• عبد القاهر يُعلِّمني تحليلَ الشعر وتحليلَ النثر أكثرَ مما يُعلِّمني مُتونَ البلاغة.

• أهلُ الله من أهل العلم الذين يكتبون العلم بيد الله أي: بعون من الله سبحانه وتعالى تجدهم يبدأون المسألة على عمومها واتساعها، ثم يأخذون في شرحها وتضييقها مرة بعد مرة، حتى يُلخِّصُوها لك في نصف سطر.

• «نَفْيُ الشُّمول وشُمولُ النَّفْي» ليست من قواعد البلاغة، وإنما من قواعد تحليل البيان.

• نحن عَزَلْنا العلومَ فغادرَتْنا العلوم، ولذلك أنا أقول إن هناك رَحِمًا بين العلوم، هذه الرَّحِم هي التي قالت: «مَنْ وصلني وصله الله، ومَنْ قطعني قطعه الله»؛ فمَن وصل الرَّحِمَ بين العلوم وصلَه الله بالعلوم، ومَن قطع الرَّحِمَ بين العلوم قطعَه الله عن العلوم.

• الرَّحِم التي بين العلوم رَحِمٌ يَصِل الله واصِلَها ويَقطع الله قاطِعَها، الرَّحِم التي بين الفقه والنَّحو يَصِلُ الله واصِلَها ويَقطع قاطِعَها؛ فمن كان من الفقهاء موصولًا بالنَّحو أعانه الله على الفقه، ومن قطع الرَّحِم التي بين النَّحو والفقه قطعه الله عن النَّحو وعن الفقه معًا، فإذا ظَنَّ أنه مشغولٌ بالفقه وليس عنده وقت للنَّحو فاعلم أنه ليس مشغولًا إلا بالوَهْم.

• «دلائل الإعجاز» الذي أقرؤه عليكم ليس كتابًا في البلاغة، وإنما هو كتابٌ في تحليل البلاغة، والبلاغة هنا بمعنى: ما نطق به العرب من أهل البلاغة.

• البلاغة لها معنيان يَلتبسان علينا: البلاغة التي هي علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع، والبلاغة التي هي البيان الذي ينطق به اللسان.

• كلام الكبار لا قيمة له عندك ما لم تتدبَّرْه، وإذا تدبَّرتَه وجدته يُداخِلُ قلبَك.

• اقبلْ أو ارفض، ولكنْ افهم، وإنما تَقْبَل أو تَرْفض بدون أن تَعْلم فأنت شَرٌّ من الجاهل.

• مما لاحظتُه أن علماءنا رضوان الله عليهم كانوا يختارون لنا من الشعر الجاهلي، مثل المفضليات والأصمعيات وحماسة أبي تمام، ثم لا يُحدِّثوننا كلمةً واحدةً عن سِرِّ جودة ما اختاروه، فأقول في نفسي: لا تطالبهم بهذا؛ لأن حسبهم أنهم اختاروا لك، وعليك أنت أن تبحث عن سر ما اختاروه لك، وإذا تساءلتَ عن إغفالهم سِرَّ الجودة فإنهم – يا سيدي – لم يكونوا يعلمون أنك ستكون مخلوقًا «دُهُلّ» لا قيمة لك، لو كانوا يعلمون أنه سيَخرج مِنْ زَرْعِهم «دُهُلَّات» لا قيمة لها كانوا تكلموا. هم عملوا أشياء وكَلَّفوا زَرْعَهم وأحفادَهم بأن يفعلوا شيئًا آخر.

• كل جيل من أجيالنا لا بد أن يضع لَبِنَةً في بناء المعرفة، ويصنعَ في المعرفة صُنعًا؛ يُصيب ويخطئ، ومن أصاب له أجران، ومن أخطأ له أجر.

• الخطأ في طلب العلم له ثوابٌ عند الله؛ لماذا؟ لكي تجتهد وتضع بصمتك على المعرفة التي تتركها للجيل من بعدك.

• القضية ليست في غموض العلم، القضيةُ في عقلك المُغلِقِ بابَه، ولو فتح عقلُك بابَه سيجد العلمَ سهلًا.

• لو سألتَني: أيُّ فرقٍ بين زهير والنابغة؟ لقلتُ لك: أَقْطعُ، وإن أردتَ القَسَمَ أقسمتُ لك بالله، أني أجد فرقًا بين شعر زهير وشعر النابغة، فلو قلتَ لي: ما هو؟ قلتُ لك: لا أدري، ولو قلتَ لي: هل يمكن أن تُحاضِرَنا محاضرة واحدة أو تكتبَ لنا «مَلْزَمةً» واحدة في الفرق بينهما؟ قلتُ لك: لا أستطيع؛ لأن هذا من أسرار النفس الإنسانية.

• لا تَمَلَّ حين تجدُ في كلِّ بيتٍ من الشعر خَفِيَّةً من الخفايا؛ لأن الخفايا في البيان لا حدَّ لها ولا نهاية.

• يجب أن تقرأ كلام العلماء بمحاولة الكشف عن الذي وراءه.

مما قال شيخ البلاغيين فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف: (الأحد: 29 من ذي القعدة 1444هـ = 18 يونيو 2023م:

• أخرجَ الشيخُ ورقةً مكتوبًا فيها الفقرة رقم (334)، ثم قال: نقلتُ هذا النصَّ في هذه الورقة لأنه نَصٌّ كأنه –في حسابي أنا– علمٌ كامل، ولأنه نَصٌّ ليس في علوم البلاغة؛ لأن علوم البلاغة نَفْهَمها ونُمتحَن فيها ونحصل على «امتياز»، وإنما هذا نَصٌّ في فَهْم الكلام الذي نَطق به العرب والأعراب، وهذا الكلامُ هو أصلُ البلاغة.

• البلاغة ليست هي العلم بالتشبيه، والتنكير والتعريف، والتقديم والتأخير... إلخ؛ لأن كلَّ هذه أدواتٌ لفَهْم ما نَطق به العربُ والأعراب؛ فإذا أحكمتَ الأدواتِ وأنت بعيدٌ عن الذي نَطق به العربُ والأعراب فكأنك ليس في يدك شيء، وكأنك لم تنتفع بشيء.

• الخَفِيُّ والأخفى هو فَهْمُ دِلالة كلام العرب.. أيها النَّاس، أنتم بعيدون عن العلم الحقيقي، ومشتغلون بفروع؛ الخَفِيُّ والأخفى الذي يَكْتُمُ نفسَه حتى لا يُعْرفَ المرادُ منه هو ما نَطق به العربُ والأعراب؛ في الشعر وفي النثر، وهو ما في كلام الله وفي كلام رسول الله.. هذه هي البلاغة، وهذا هو النحو، وهذه هي كلُّ علوم اللُّغة.

• حين تعيش في هذا الحَقْل الذي أَدَرْتَ ظهرَك له [وهو معرفة الخَفِيِّ والأخفى في كلام العرب] تجد أشياء عجيبة جدًّا؛ تجد الشِّعر فيه ما يَرُوقُ وما يَرُوعُ وما يأخذ منك نفسك، فإذا قرأتَ كلامَ سيدِنا رسول الله وجدتَ شيئًا آخر، وحقلًا آخر، ومجالًا آخر، وشيئًا مختلفًا تمامًا.

• يَرُوقُني قولُ امرئ القيس: «وبَيْضَةِ خِدْرٍ لا يُرَامُ خِباؤها»، وهذا كلام حَسَنٌ جدًّا، ولكنني إذا انتقلتُ منه إلى مثل قولِه عليه السلام: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نَوى" وجدتُ شيئًا آخر.. أنا مُعْجَبٌ ببَيضَةِ الخِدْر التي لا يُرَاُم خِباؤها، وهذا كلامُ خيالاتٍ وأوهام، إنَّما أنا مع مَنْطِقِ سيِّد الناس صلى الله عليه وسلم أجدُ حقائق الوجود.

• مع الشِّعر أجدُ حقائق الشعر، وخيالاتِ الشعراء، وأكاذيب الشعر، وأكاذيب الشعراء، ويَرُوقُني ذلك ويَرُوعُني؛ لأن النَّفْسَ تَسْتَحْسِنُ إذا كذَبْتَها (وأَكْذِبِ النَّفْسَ إِذَا حَدَّثْتَها  ..  إنَّ صِدْقَ النَّفْسِ يُزْرِي بالأَمَل)، ولكنك إذا وضعتَها أمام الحقائق العليا، مثل «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات» تجدُ شيئًا آخر، ولذلك أرجو من الله - سبحانه وتعالى - أن تقرأوا في الشعر وفي النثر كثيرًا، وفي كلام رسول الله كثيرًا؛ لتُدركوا هذا المَنْزَعَ المختلفَ تمامًا؛ لأن حديث النُّبوَّةِ شيءٌ آخر: تَجلِّيَاتٌ في حقائق الوجود وفي حقائق النَّفْس الإنسانية.

• أَدَرْتُم ظهورَكم لكلام العرب، وما دمتُم قد أَدَرْتُم ظهورَكم للحقيقة فاسَعَوْا وراء الوَهْم واركضُوا وراء السَّراب.. هناك علمٌ وهناك سراب؛ فالعلمُ هو ما نَطق به العربُ والأعراب، والسَّرابُ هو ما عدا ذلك.

• عملي هو تحليل الكلام وبيان معانيه، وقضيت عمري كلَّه مع الكِتَاب ومع العلم ومع طلاب العلم، والآن في هذه السِّن التي انتهى فيها العمرُ أشتغلُ بتحليل البيان، ثم أجد صعوبةً شديدة جدًّا جدًّا في خفايا هذا البيان، ولكنني أستعذِبُ هذه الصعوبة، وأستعذِبُ هذا الجُهْد؛ لأن الله سبحانه وتعالى أكرمنا بهذا، والمهمُّ أنني لمَّا عانيتُ هذه الصعوبة في تحليل البيان وجدتُ عبد القاهر يعانيها، وقرأت له عبارةً عن دقائق البيان وخفاياه التي تَكْتُمُ أنفسَها جَهْدَها حتى لا يُتنبَّه لأكثرها؛ فأحسست أن تَكتُّمَ أسرارِ البيان عن عبد القاهر هو الذي أنطقه بهذه العبارة؛ لأن هذا كلامُ مَنْ عَانَى البحثَ عن خفايا البيان ثم لم يَصِل.

• نشأتُ وعُيِّنْتُ في الكلية وعَمِلْتُ وأنا مثلُكم في تِيهٍ وفي ضلال، وكنتُ أُولِّي وجهي شطرَ كلامِ العلماء وأُولِّي ظهري شطرَ كلامِ البُلغاء إلى أن كَشَفَت الكُتبُ وكلامُ العلمِ لي القِناعَ عن حُرِّ وجهِ المعرفة.

• يقول أبو تمام: «كَشفْتُ قِناعَ الشِّعْرِ عن حُرِّ وَجهِه»، وكُتُبُ العلماء تقول كما قال أبو تمام: «كَشفْتُ قِناعَ العِلْمِ عن حُرِّ وَجهِه».

• جاء رجلٌ إلى سيِّد السَّادات صلى الله عليه وسلم  وقال له: «أوصِني»؛ فقال له: "صَلِّ صَلاةَ مُودِّع"، وقياسًا على كلام سيِّدنا أقول: علينا أن نَسمعَ درسَ العلمِ سَماعَ مُودِّع، وعلينا أن نقرأَ في الكِتاب قراءةَ مُودِّع؛ لأنك حين تفعلُ ذلك ستجد نفسَك وقلبَك وعقلَك ووَعْيَك مُجتمعةً لِمَا تَسمعُه من العلم ولِمَا تقرؤه في كتب العلم.

• «بَيْضَةُ الخِدْر» شيءٌ لطيفٌ جدًّا يا سيدَنا امرأَ القيس، وأنت مَلِكٌ وابنُ مَلِك، وأنا أُحَيِّيك وأُحَيِّي آباءك؛ لأن مُلوكنا في زمانك كانوا أذكياء، وكانوا شعراء، وكانوا علماء، وليتَ لنا مُلوكًا في حَجْمِك يا ابن حُجْر، وفي حَجْم أبيك!!

• ارجعْ إلى الجاهلية «الملعونة» تَجِدِ المَلِكَ قُدوةَ شعرائنا، ارجعْ إلى العصر العباسيِّ تَجِدْ أشعرَ شُعرائنا خليفةً: عبدَ الله بن المعتز، امْشِ في التاريخ تَجِدْ وصايا عبد الملك بن مَرْوانَ مثلَ وصايا أرسطو وأفلاطون وسقراط.. وتَجِد، وتَجِد، وتَجِد، حتى تصل إلى نهاية القرن الخامس الهجري فيلقاك أسامةُ بنُ مُنْقِذ، الأميرُ ابنُ الأمير ابنِ الأمير، وهو يَكتبُ ويُعانِي وسِنُّه إحدى وتسعون سنة؛ يكتب لك كتابًا اسمُه «لُبَابُ الآداب».. هَاتِ مُلوكًا كامرئ القيس أو كعبد الله بن المعتز، هَاتِ أُمراءَ كابن مُنقذ، يَتغيَّرْ كلُّ شيء؛ فلا بد من قراءة التاريخ ومعرفة ما كُنَّا عليه ومعرفة ما آل أمرُنا إليه.

• لله أنتَ أيَّها الأميرُ أسامةُ بن مُنقذ.. سِنُّك إحدى وتسعون سنة ولا تزال تجمع من كلام العرب ومن كلام اليونان ومن كلام الفُرس، وتكتب لأمة «لا إله إلا الله» قبل أن تموت!!!!

• حين تَفهمُ وظيفةَ العلم الذي تتعلَّمُه تكونُ قد بدأتَ تستفيد، وإنْ لم تفعلْ فتأكَّدْ أن التخلُّف الذي أنتَ فيه سَببُه هو هذا.

• التخلُّف لم يَكتُبْه اللهُ علينا، إنَّما قال: }اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ{، وقضى قضاؤه العادلُ أنَّ مَنْ عَمِلَ أفلحَ ولو كان كافرًا بالله، ومَنْ خَابَ خَسِرَ ولو كان في المحراب.

• العلمُ إذا استنطقتَه نَطَق، وإذا دخلتَ في خباياه وجدتَ أسرارَه وخفاياه.

• يُعجِبني كلامُ سيدنا المصطفى حين يقول: "اطلبوا الرِّزقَ في خَبايا الأرض"؛ فيا مَنْ خلقتَ الرزقَ في خبايا الأرض لماذا لم تُرِحْنا وتَخْلُقْه على ظهرها.. لا، اللهُ خلقَك لتَعْمُرَ بك الأرض، ولن تَعْمُرَ بك الأرضُ إلا إذا أَودعْتُ رزقَك في خباياها وطالبتُك بأن تستخرج رزقَك من خباياها.

• أبوابُ العلم يَفتحُ بعضُها بعضًا، ولكنَّها تُفتَحُ لأهله.

• التنبيهُ إلى ما في العلم من خفايا هو الذي يفتح أبوابَ العلم، وبه تَتَّسِعُ العلومُ، وتنمو، وتزدهر.

• لا أشتغلُ في العلم لآكُلَ به الخُبز، يقيني أن لُقمَةَ الخبز على الله، وأن الله تعالى قال: }وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا{، فعُدَّني دَابَّةً فيكونَ رِزقي على الله.

• إذا وجدتُ فسادًا اجتهدتُ في العمل حتى لا يَفْقِدَ الجيلُ الجديدُ صورة الجِدِّ في مجتمعه، وحتى يَذْكُرَ أن الجِدَّ باقٍ في هذه الأمَّة، وهذا حَسْبي.

• كان الشافعيُّ يقول: «إذا وجدتُ الحُجَّةَ على قَارعةِ الطريق وقفتُ عندَها ولو لم يَقِفْ عندها إلا أنا»، بمعنى أن الحقيقةَ ليس بلازمٍ أن يكون لها رجال، وإنما مَنْ عَرَف الحقيقة لَزِمَها ووقف عندها ولو لم يكن في الناس إلا هو، وهؤلاء هم الرِّجال الذين بَنَوْا أُممًا.

• نُريد صوتَ «حَيِّ على الفلاح» يظلُّ باقيًا في الأمة.

• عِشِتُ مُغيَّبًا إلى أن كَشَفتِ الكُتبُ ليَ القِناعَ عن حُرِّ وَجْهِ العلم.

• أُحِبُّ أنْ يَهديَني الله وإيَّاكم إلى معرفة الكلمةِ الأعلى في كلام العالِم.

• تحليل البيان مؤسَّسٌ على أمرٍ إنْ وُجِدَ فُتِحَ بابُ التحليل، وإن لم يوجد أُغْلِقَ بابُ التحليل، هذا الأمر هو أن تكون العبارة التي بين يديك تحتمل في بنائها وجهًا غيرَ الوجه الذي هي عليه؛ أي يكون فيها تعريفٌ يحتمل التنكير، يكون فيها تقديمٌ يحتمل التأخير.. وهكذا؛ فإذا لم يوجد هذا فلن تستطيعَ الوُلوجَ إلى باب التحليل.

• التحليلُ أن تنظرَ إلى العبارة التي بناها الشاعر، ثم تُحْدِثُ فيها تغييرًا، وتَنظرُ كيف يكون الكلامُ لو جاء به على هذا الوجه، وتُقارِنُ بين ما جاء على لسان الشاعر وما كان يمكن أن يجيء على لسانه؛ فإذا كانت العبارةُ لا تَحتمل هذا فاطْوِ الصَّفحةَ ولا تحاول.

• الجملُ التي ليس لها إلا بناءٌ واحدٌ ولا تَحتملُ إحداثَ تغيير في بِنْيَتِها مع الإبقاء على أصل المعنى = لا تُحلَّل.

• المَزِيَّةُ لا تكون إلا في الكلام الذي يَحْتَمِلُ وجهًا غيرَ الوجه الذي جاء عليه، أمَّا الكلامُ الذي لا يَحْتَمِلُ إلا الوجهَ الذي جاء عليه فلا تَشْغَلْ نفسَك في تحليلِه لأنَّه كلامٌ خالٍ من المَزِيَّة؛ إذ لا مجال لأن يُقال فيه: لو قال الشاعر كذا لكان كذا.

• لن تستطيعَ أن تُبيِّنَ سدادَ أو عيبَ ما قاله الشاعر إلا إذا قارنْتَ ما قِيلَ بما كان يمكن أن يُقال، وهذه المقارنة هي صُلْبُ التحليل.

• بحثتُ في الكلام عن الصِّيغِ التي لا تحتمل إلا وجهًا واحدًا فلم أجد كلامًا لا يَحتملُ إلا صيغةً واحدة، وقلتُ: «لم أجد» ولم أقل: «لا يوجد» لأن ذلك قد يكون موجودًا ولكنني لم أجده.

• عَافِيَتِي لا تُعينُنِي على أكثرَ ممَّا أقولُه، ويبدو أن بينكم طلابًا طيبين يُحبُّون العلم يَرزقُني اللهُ العافيةَ لأجلهم.

• كنتُ مشغولًا بالبحث عن سبب طُولِ الجملةِ في كلام العلماء، كنتُ أقرأ لحازم القُرطاجَنِّي فأجدُ جُملَه تطول جدًّا، أقرأ في عبد القاهر فأجدُ جَملَه تطول جدًّا، أقرأ في الجاحظ فأجدُ المبتدأ أو فعل الشرط في بداية الصفحة ثم يأتي خبرُ المبتدأ أو جوابُ الشرط في نهايتها، فوجدتُ أن الجملة تطول حينما تكون نَفْسُ المتكلم عامرةً بمحترزاتٍ ومعانٍ وخواطرَ مِنْ سَخاءِ العالِم وعِلْمِه.

• حين تتلقَّى العلم بمبدأ }سَمِعْنا وأَطَعْنا{ فلن تنتفع بشيء، إنَّما عليك أن تتلقَّاه بمبدأ «سَمِعْنا ونَظَرْنَا وفَكَّرْنا».. لا يُقال: }سَمِعْنا وأَطَعْنا{ إلا لكلامِ الله وكلامِ رسول الله.

• أوصانا شيوخُ العلم الكبار القُدامى بألا نقف عند ما تَنْبُو عنه النَّفْس؛ لأن سُرعةَ عدوى الجَهْل إلى النَّفْس أقوى من سُرعةِ عدوى العِلْم إلى النَّفْس، ولذلك أوصانا عليُّ بن عبد العزيز بألا نقف طويلًا عند المستهجَن، ولذلك كنت أقف قليلًا عند ما استهجنوه وأقف طويلًا عند ما استحسنوه.

• كلامُ العلماء في ظاهرِه ظاهرٌ وفي باطنه أغزرُ وأوسعُ وأرقى وأعلى من الظاهر، وباطنُه ليس مدفونًا في العبارة بل أحيانًا يكون ظاهرًا جدًّا جدًّا.

• في تحليل البيان فِطرَتُك هي التي ستفتح لك باب الفَهْم، وإذا غابت فطرتُك سيظلُّ الباب مغلقًا.. ابدأ تحليل البيان إذا وجدتَ نفسَك تَقْبَلُ هذا وتَنْبُو عن هذا؛ فإذا وَجَدَتْ نفسُك هذا فاسألها: لماذا قَبِلَتْ ما قَبِلَتْ؟ ولماذا نَبَتْ عمَّا نَبَتْ عنه؟

• وأنت تُحلِّلُ الشعرَ أنتَ تُحلِّلُه لنفسك، وتجيب فيه سؤالاتِ نفسك؛ استحسنتْ أو استهجنتْ.. لا كلام، لا كلام، لا كلام إلا بعد أن تُعْطِي النَّفْسُ هذه الإشارة؛ فإذا استحسنتْ لا تُعْلِمْنِي لماذا استحسنتْ، وإنَّما بَيِّنْ لها هي أولًا أنها استحسنتْ كذا لكذا واستهجنتْ كذا لكذا؛ فكأن تحليلي للشعر هو إذن من نفسي، وهو خِطابٌ لنفسي، ولا بد أن أكون متجردًا لأني لا أكذب على نفسي.

• أقرأ كلام الكبار الكرام بما يليق وباحترامٍ لكلامهم.

• فرقٌ شَاسِعٌ بين الخبيث والطيِّب، بين الدَّنيء والشريف، بين الكريم واللئيم، وستجد في الكلام ما هو أشبهُ بالخسيس وما هو أشبهُ بالكريم، وستجد سُؤدُدًا في الرِّياسة مقترنًا بسُؤدُدٍ في العلم والشعر، وستجد سُؤدُدًا في الرِّياسة ليس له إلا السيف ولا يحميه إلا السيف.

• لو قرأتَ ما كتبه الكرامُ العلماءُ في آثار ابن منقذ؛ سواء في السياسة، أو البطولة - لأنه كان بطلًا مغوارًا في الحروب – أو الشعر، أو العلم - وجدتَ شيئًا عجيبًا جدًّا؛ أُمَّةٌ يقودها مِثلُ هذا لابد أن تكون أمةً قويةً رائعة، فإذا وجدتَ سيَّدَنا يَتَهَجَّى فهذا شأن آخر: هذا في النُّور، وهذا في الظلام.

• الخطوة الأولى في التحليل هي قضاء النَّفْس؛ تنبو أو تَستحسن، إذا نَبَتْ أو استحسنتْ ابدأ الكلامَ في السبب الذي له نَبَتْ وله استحسنتْ، أما إذا لم تَنْبُ أو تَستحسِنْ، وكانت نفسًا رفيعةً رائعةً في غفلتِها وخَيبتِها وأيَّامها السُّود - فتلك قضية أخرى.

• لا يكفي نفسِي ما يُقدِّمُه لي عبد القاهر، وإنما الكافي أن أنظرَ فيما استخرجه لي، وكيف استخرجه لي، وكيف فتح لي بابَه، وكيف اهتدى إلى سِرِّه، وكم مرةً أدار الفكر ونظر وتدبَّر حتى استخرج ما استخرجه.

• تعلمتُ عِلمَك يا مولانا عبدَ القاهر، ولكنِّي لم أتعلَّم ولم أحاول أن أتعلَّم كيف استخرجتَ عِلمَك، ولو تعلَّمتُ كيف استخرجتَ عِلمَك لكان علمي بكيفية استخراج عِلمِك أجلَّ عندي من عِلمِك؛ لأنك علَّمتني كيفية استخراج العلم ولم تُعلِّمْني العلمَ فحسب.

• الحديثُ في تحليل البيان ليس إلا معرفةَ ما وجدتْه النَّفْسُ أولًا قبل التحليل وما تجده ثانيًا وأنت تزاول التحليل.

• بالتدبُّر تَصِلُ إلى ما وصل إليه عبد القاهر من تحليل الفروق والوجوه في البيان؛ فالمسألة ليست صعبةً إذا دخلناها من بابها، ولا وجودَ لها إذا دخلناها من غير بابها.

• كلُّ ما أرجوه هو أن أَعْرِفَ بابَ العلم، وأن أُعرِّفَ طلابَ العلم على بابِ العلم.

}خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{ هي أختُ }وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا.{

• مِنْ فُضولِ القولِ أن أقولَ لك إن كلام عبد القاهر عمَّا في تقديم «الشركاء» على «الجِنِّ» في قوله تعالى: }وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ{؛ من الصُّورة المُبهجِة والمنظر الرَّائق والحُسْن الباهر، ليس وصفًا للجملة القرآنية، وإنما حديثٌ عما وجدتْه نَفسُه من الجملة القرآنية، ويا بُعْدَ ما بينهما؛ لأن الحديثَ عن الجملة القرآنية لا يمكن أن يكون ويستحيل أن يكون إلا بالحديث عن فِعْلِ الجملة القرآنية في النَّفْس.

• أنت لستَ مُطالَبًا بأن تُحدِّثَ عن الذي بين الدَّفتَيْن، وإنما أنت مُطالَبٌ بأن تُحدِّثَ عن أثرِ الذي بين الدَّفتَيْن في نفسِك؛ لأنك لن تَدخُلَ الجنَّة بحِفْظِ ما بين الدَّفتَيْن، وإنما تَدخُلُ الجنَّة بفِعْل ما بين الدَّفتَيْن في نفسك: القرآن نَزلَ ليُغيِّرَ وليُخْرِجَ الناسَ من الظلمات إلى النور، وحِفْظُه فقط لا يُغيِّر ولا يُخْرِجُ من الظلمات إلى النُّور، وإنما الذي يَصنَعُ ذلك هو فِعلُه في القلوب.

• فرقٌ بين أن تتعلَّمَ العلم وأن تزرعَ العلم في قلبك، فرقٌ بين أن تُعلِّمَ طلابَك العلمَ وأن تزرع العلمَ في قلوبهم.. إن أردتَ علمًا يُغيِّر النَّفْسَ وحياةَ النَّاس فهو العلمُ الذي يُغْرَسُ في النَّفْس وفي قلوب الناس.

• إن أردتم تغييرًا، وإن أردتم نهضة، وإن أردتم خيرًا، فلا تُعلِّمُوا الجيلَ العلمَ، وإنما ازرعوا في قلوبهم العلم.

• نحن نفهم العلم فَهْمًا سريعًا وسطحيًّا وتافهًا.

• الفرقُ بين الجيِّد والأجود ليس كبيرًا، وإنما هو إشارة ولَمْحَةٌ دالَّة.

• النحو يتداخل مع البلاغة في تحليل الكلام، وإنه لا غِنى لك عن معرفة النحو ولا عن معرفة البلاغة، وكلُّ هذه أدواتٌ هي ضَرورةٌ لك وأنت تُحلِّل البيان.

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف يوم الأحد: 18 صفر 1445هـ = 3 سبتمبر 2023م:

• قلتُ، وأُكرِّر: إنَّ القراءةَ في الكُتُب التي ابتدأت العلومَ غيرُ القراءةِ في الكُتُب التي لَخَّصتِ العلومَ، أو التي كَتَبتْ عِلمَ غيرها؛ لأنَّ الكُتبَ التي أسَّستِ العلومَ فيها إشاراتٌ جيِّدةٌ جدًّا وكانت تَتُوهُ عنا.

• عبد القاهر نَبَّه إلى أنَّ الكلامَ الذي قَبل جُملةِ المجاز العقليِّ يُمهِّد لجُملة المجاز ويُهيِّئ لها، وأنَّه لولا هذا التمهيدُ وهذه التهيئةُ لغَمَضَ علينا المجاز، وعبدُ القاهر قَاسَ حُكمَه هنا على المجاز اللُّغوي الذي وجد أنَّ هناك كلامًا يُمهِّد له ويُهيِّئ له.

• العَالِمُ الذي يؤسِّسُ معرفةً لا بد أن تكون المعرفةُ المعروفةُ حاضرةً في عقلِه وهو يتكلَّم عن المعرفةِ غيرِ المعروفة، وأجدُ في هذا رائحةَ إجابةِ سيِّدنا رسولِ الله للصَّحابِيَّة التي سألتْه عن حَجِّها عن أُمِّها التي نَذرَتْ أن تَحُجَّ ثم ماتت ولم تَحُجَّ؛ فعَلَّمها أنْ تَقِيسَ ما لا تعرف على ما تعرف.

• القياسُ ليس في المسائل الفقهيَّة فقط، وإنَّما في المعرفة كلها: قِسْ ما لا تعلم على ما تعلم.

• الذي يُحلِّل البيان يَجِدُ التهيئةَ والتمهيدَ أمرًا ظاهرًا فيه، حتى كأنَّ الجملةَ الأولى في الشِّعْر أو في النَّثْر أو في القرآن الكريم تُمهِّد وتُهيِّئ للجملة التي بعدها، حتى إنني أحيانًا أقول – لقوَّة الصِّلة بين الجملتين - إنَّ الجملةَ الأولى هي التي نَطقَتْ بالجملة الثانية.

• أسرارُ البيان كأسرار خَلْق الإنسان، وأسرارُ البيان الخفيَّةُ فيها أسرارُ خَلْقِ الإنسانِ الخفيَّة، وأسرارُ خَلْقِ الإنسان مُذهلةٌ وفيها ما لا يمكن الوصول إليه؛ كالرُّوح: }وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا{.

• الرُّوحُ لا سبيل لنا إلى معرفتها. مثلاً: يمكننا أن نحاول علميًّا معرفةَ كيف تَسمَعُ الأذن، لكننا في نهاية المطاف لا نزيد على ذلك، أمَّا أن نَصنعَ في الأذن سَماعًا فذلك ممَّا لا يكون.

• يُمْتِعُك جدًّا أن تعيشَ في البيان العالي وترى الكلامَ كيف يَتولَّد بعضُه مِن بعض، وتَجِدُ أن العربَ والأعرابَ دائمًا ما يَمدحون الكلامَ الذي يَدلُّ بعضُه على بعض.

• لو حَفِظْتُ أنَّ مِنْ فَضْلِ الكلام أن يَدلَّ بعضُه على بعض، وقُلتُها لطلابي، فإنني لا أكون قد فعلتُ شيئًا، أمَّا إذا دخلتُ في تحليلِ البيان ورأيتُ هذه الحقيقةَ في الشِّعر وكلَّمْتُ بها طلابي فسيكون لها مذاقٌ آخر عندهم.

• فَرْقٌ بين أن تَسْمعَ كلامًا وتُحدِّثَ به وبين أن تَخْبُرَ حقائقَ علميَّةً تراها أمام عينِك كالشمس الظاهرة ثم تُحدِّثَ بها، ولا تُربَّى الأجيالُ إلا بالطَّريق الثَّاني.

• احفظْ و«بَعْبَعْ» واصنعْ جِيلاً يَشِيبُ ويَشِيخُ ويُكَعْكِعُ ويَحفظُ و«يُبَعْبِع»، وهذا هو التخلُّف.

• كلامُ العلماء يُعلِّمُك العلمَ ويُعلِّمُك كيف تتعلَّم العلم.

• تعقيبًا على قول الإمام عبد القاهر في الفقرة رقم (355): «فهذه التهيئة...»، قال شيخنا: «الفاءات» في كُتُب العلماء كأنَّها شارحٌ جيدٌ يُعلِّمك كيف تتعلَّم العلم؛ فـ«الفاء» هنا تُعلِّمُك أنَّ ما بعدها مُرتَّبٌ على ما قبلها، وأنَّ التهيئة كما هي موجودةٌ في المجاز العقليِّ موجودةٌ كذلك في المجاز اللُّغويِّ.

• مُشكلتنا أننا لا نتدبَّر، مع أنَّ الله جعلَ أصلَ الدِّين أنْ نتدبَّر: }أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{؛ فإذا تعلَّمْنا العلمَ بغيرِ تدبُّرٍ فكأنَّنا على قُلُوبٍ أقفالُها.

• كلمةُ «التهيئة» في قول عبد القاهر: «فهذه التهيئة...» كلمةٌ جيدةٌ جدًّا؛ فالتهيئةُ كلمةٌ مَضَتْ ومعنًى مضى ولكنَّه بطريقة خفيَّة يُهيِّئ نفسَ السَّامعِ إلى شيءٍ آخرَ مِنْ جِنسِ الذي مضى، تمامًا كما تُهيئ نفسَك للسَّماع، أو للصَّلاة، أو لقراءة القرآن، أو لِلِقاءِ أَحِبَّة.. معظم السُّلوك الإنسانيِّ الرَّاقي فيه معنى هذه التهيئة.

• إذا وجدتَ في الكلمة عطاءً فلا تُغْمِضْ عينَك عنه، وفي الكلمة عطاءٌ إذا تدبَّرتَ الكلمةَ، وليس فيها شيءٌ إذا لم تتدبَّرْها.

• الغَفلةُ مِن مَصائبِ الدِّين والدُّنيا.

• عبد القاهر يَنظرُ فيما يَضَعُ إلى الذي وَضَعَه غيرُه، ويَجِدُ في الذي يَضَعُ مَعانِيَ في الذي وَضَعَه غيرُه.

• مِنْ فَضْلِ الله على العِلمِ أنَّه مهما شَرحَ لك الشَّارِحون – إذا أحسنوا الشَّرحَ وأحسنتَ أنتَ الفَهْمَ – تَجِدُ أنَّ ما لم يشرحوه في العِلمِ أجلُّ وأغزرُ وأعلى بكثيرٍ مِنَ الذي شرحوه في العلم.

• كلامُ عبد القاهر عن وجود التمهيد والتهيئة في المجاز العقليِّ والمجاز اللُّغوي يَدلُّنا على أنَّ منهجَ اللُّغةِ في أبوابها المختلفةِ إن لم يكن واحدًا فهو مُتشابِه؛ فكأنَّ اللُّغةَ لها نِظامٌ عامٌّ يَدخلُ في أبوابها كُلِّها، ومعرفةُ هذا النِّظام هي معرفةٌ لخصائص العربيَّة.

• حين كانت تستهويني كثرةُ كلامِ العلماء في التَّشَابُه، وأنَّ الأشياءَ وإن تَباعدتْ فهي مُتشابهة، أشعرُ بأنَّ ذلك رَاجِعٌ إلى حقيقة التَّوحيدِ السَّاكنةِ في النَّفْسِ الإنسانيَّة، وأن الأشياءَ التي في الكون تَكادُ - لِتقارُبِها وتَشابُهِها - تَنْطِقُ بالوحدانية.

• التَّشابُهُ الذي بين المخلوقاتِ بُرهانٌ على وَحْدةِ الخالق.

• مسائلُ العلمِ الجَيِّدةُ الخارجةُ من قُلوبِ العلماءِ؛ أهلِ الله، وأهلِ الحقِّ، وأهلِ البصيرة - تَجِدُها تَتَّسِعُ عندك وتنتهي بك إلى الشاطئ الأعلى.

• كِرامُ علمائنا مِنْ نِعَمِ الله علينا؛ كالشَّمس والقَمَر، واللَّيل والنَّهار، والطَّعام والشَّراب.

• تعقيبًا على تحليل عبد القاهر للمُهيِّئاتِ التي هيَّأت للمجاز في قول البحتري:

وَصَاعِقَةٍ مِنْ نَصْلِهِ يَنْكَفِي بِهَا   ..   عَلَى أَرْؤُسِ الأَقْرَانِ خَمْسُ سَحَائِبِ

قال شيخُنا: أقولُ كلامَ عبد القاهر وأَحفظُه، وأنتَ تقولُ كلامَ عبد القاهر وتَحفظُه، ولكنْ لا أنا ولا أنت فكَّرنا في كَيفَ وصل هو إلى هذا الشيء.. هو لم يصل إليه إلا بشيءٍ واحد؛ هو العُمْقُ الدَّقيقُ في فَهْم الشِّعر، ولولا التغلغلُ الرَّائعُ لعبد القاهر في هذا البيت ما وَصَلَ إلى هذه الحقيقة الجليلة جدًّا.

• كلُّ عِلمِ عبد القاهر نابعٌ مِن دِقَّة فَهْمِه لكلام العرب، ولن تسمعوا مني أفضلَ من هذه الجملة.

• إذا قلنا إن علمَ عبد القاهر نابعٌ من قراءته لكلام العرب فإننا نُدمِّر الحقيقة، إنما الحقيقة هي أن عِلمَه نابعٌ من التغلغل والتدبُّر والدِّقَّة في فَهْمِ كلام العرب.

• عبد القاهر يقول لنا وهو في قبره: «إنَّ علمي الذي تركتُه فيكم ليس له مُعِلِّمٌ تَعلَّمتُه منه إلا عِلمَ كلام العرب؛ فكأنَّ الذي عَلَّمني البلاغةَ هو كلام العرب، وكلُّ ما قُلتُه لكم هو مُستخرَجٌ من كلام العرب؛ فإن أردتم العلمَ فعليكم بكلام العرب، وإذا ابتعدتم عن كلام العرب فقد ابتعدتم عن العلم، إذا حَفِظْتم بَلاغتي ولم تَرجِعوا بها إلى كلام العرب فكأنَّكم لم تعرفوا بلاغتي».

• كان الزمخشريُّ عبقريًّا مُلْهَمًا حين وجدَ أن كلامَ عبد القاهر لا بد أن يَدخُلَ في ميدان التحليل، وأقام تفسيرَه على كلام عبد القاهر، ولو بَقِيَ كلامُ عبد القاهر في كتابَيْه دون أن يأتيَ هذا العالِمُ الجليلُ ويُدخِلَه في باب التحليل لبَقِيَ كلامُه عاطلاً.

• لولا عبدُ القاهر لما وُجِدَ تفسيرُ «الكشَّاف» على الصُّورة التي هو عليها.

• حين تقرأُ وتتأمَّلُ تَجِدُ أنَّ كلَّ عالِمٍ من علمائنا نظر في ثقافة الأمَّة وفي علوم الأمَّة ووجد فيها منطقة فارغة - ولا يُدرِك المنطقةَ الفارغةَ في علوم الأمَّة إلا العبقريُّ المتميِّز - فوقف حياتَه على سَدِّ هذه الثُّغرة ومَلْءِ هذا الفراغ؛ فعبدُ القاهر وجد كل مَن سبقوه إلى الكلام في الشعر – كقُدامة وعليِّ بن عبد العزيز وغيرهما - يستحسنون مِن غير أن يَذكروا عِلَّةَ الحُسْنِ فاستشعرَ أن الأمَّة مُحتاجةٌ إلى علم تحليل سِرِّ الاستحسان؛ فوَقف نفسَه على هذا وكتب كتابَيْه: أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، وليس فيهما إلا شيءٌ واحدٌ؛ هو كيف تبحث عن سر الحُسْن في الحَسَن، ثم جاء الزمخشريُّ فوجد أن هذا العِلمَ الجليلَ لا بد أن يُنتفعَ به في التحليل فوضع كتابه «الكشَّاف»، ثم جاء الرَّائعُ الرَّائعُ السَّكاكِيُّ الذي ظَلمْنَاه ووجد أن عِلمَ الأصحابِ فاضَ واتَّسعَ وهو في حاجةٍ إلى شيء واحد؛ هو ضَبْطُ المَعَاقِد.. وهكذا تجد أن العلماءَ مِثلُ فُصولِ السَّنة؛ بعضُها يُهيِّئ لبعض: فصلُ الشتاء يُهيِّئ لفصل الربيع، وفصلُ الربيع يُهيِّئ لفصل الصيف.. وهكذا.

• استنباطًا من قول عبد القاهر: «ولكنَّه لم يَأتِ بهذه الاستعارة دَفْعة، ولم يَرْمِها إليك بَغْتة»، قال شيخُنا: كأنَّ عبدَ القاهر يقول للمُعلِّم: «يا أيُّها المُعلِّم الرَّائع، لا تَرْمِ بالعلمِ بَغتةً، ولا تَدخُلْ به على عُقول الطلاب فجأةً، وإنما هَيِّئْ له لكى تتلقَّاه القلوبُ والعقولُ بوَعْيٍ وبَصيرةٍ وغِبْطةٍ ومَحبَّة».. نحن نتعلُّم طُرق التربية من الآخرين، ولو كان فينا من تَدبَّرَ مثلَ هذا لاستخرج منه طُرقَ التربية.

• يُدهِشُك أنْ يَتخرَّجَ أحدٌ من الجامعة وهو من الأُمِّيين، هو معه شهادةٌ فقط، لكن أين النفس الإنسانية التي أُشبِعتْ بالمعرفة، وأُشبِعتْ بالمُروءة، وأُشبِعتْ بشَرَفِ النَّفس، وأُشبِعتْ بمَعاني الخير؟!، كلُّ ذلك لأنه لم يَتَرَبَّ، لأنَّه حَفِظَ علمًا وانتهى الأمر.

• إذا غيَّرتُم النَّاسَ بالعلم فلن تجدوا ظالمًا؛ لأنه لن يَجِدَ مَنْ يَقبلُ الظلم، ولن تجدوا كذَّابًا؛ لأنه لن يَجِدَ مَنْ يَقبلُ الكَذِبَ.. وهكذا.

• اجتهِدوا في معرفةِ كيف يتولَّدُ الكلامُ بعضُه مِن بعض وستجدون أمتعَ ما في الكلام، وهو: كيف يُهيِّئ بعضُه لبعض، وكيف يَفتحُ بعضُه الطريقَ لبعض.

• إنْ أردتَ العلمَ فادْرُسِ الأصولَ التي استقى منها العلماءُ هذا العلم.

• لا تَحفظوا علمَ العلماء فحسب، وهذا واجبٌ لا كلامَ فيه، وإنَّما حَاوِلُوا أنْ تتعلَّموا كيف استخرجَ العلماءُ عِلمَهم.

• تعقيبًا على قول البحتري:

نَاهَضْتُهُمْ وَالبَارِقَاتُ كَأَنَّهَا    …  شُعَلٌ عَلَى أَيْدِيهُمُ تَتَلَهَّبُ

قال شيخُنا: لاحظْ أن الشاعرَ يَذكرُ قُوَّةَ مَنْ يُحاربُهم وشجاعتَهم، وهذه هي الرُّجولة، ليست الرُّجولة أن تُناهِضَ الضعيفَ الذي لا يستطيع أنْ يُدافِعَ عن نفسِه، ولذلك كنتُ أسمعُ مِنَ العامَّة قولَهم: «الجَرْي وَرا الهَزيلة عيب»، هم لا يقرأون ولا يكتبون وإنما قالوها بالفِطْرة، فالذي لا يستطيعُ أنْ يَكْسِرَ ذِراعَك لا تَرْفَعْ عليه سيفَك، كن قويًّا على الأقوياء، ولا يَقْوَى على الضعفاء إلا الضَّعيفُ النَّذْلُ.

• التخلُّفُ خَسِيسةٌ ليستْ مِنَّا ولَسْنَا منها؛ لأن الله قال لنا: }وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ{.

• افتحوا أبوابَ العلمِ أمامَ الأجيال حتى تَنشأَ أجيالاً قويَّةً تَأنَفُ أنْ تَكونَ مُتخلِّفةً، وهذا ليس منك تَطوعًا، وإنما هذا واجبٌ عليك، واجبٌ عليك أن تَقولَ ما عندك، لا تَمُتْ وفي نفسِك كلمةٌ تنفعُ الأمَّةَ قبل أنْ تقولَها لهم.

• فَوْرَ نُطْقِ قارئ الدَّرسِ اسمَ «الخنساء»، قال شيخُنا بصوتٍ خَاشعٍ والدَّمْعُ مِنه يَكادُ يَذْرِف: يا سلام على الخنساء!!!، يا سلام على الخنساء وهي تُنْشِدُ سيدَنا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يقولُ لها: «هِيهِ هِيهِ يا خَناس»!!!.

• تعقيبًا على قول النَّابغةِ الجَعْدِيّ:

وَكَيْفَ تُوَاصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ …     خِلَالَتُهُ كَأَبِيِ مَرْحَبِ

قال شيخُنا: في هذا البيت معنًى جليلٌ جدًّا جدًّا؛ هو: كيف تُواصِلُ وتُصاحِبُ وتُخالِلُ خائنًا غادرًا؟!، هذا النَّابغةُ الذي كان يُنْشِدُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويقولُ له الرَّسول: «لا فَضَّ اللهُ فَاكَ»، يَنهانا منذ الزَّمن البعيد عن مُخالَلَةِ الغادر، ولو عَمِلْنا بنصيحة الجَعْدِيِّ لعُوفِينا مِن بلاءٍ كثير؛ لأنه يقول لك: «احذرْ مِن مُصاحبةِ الغادر: الظَّالِمُ غَادِر، والكذَّابُ غَادِر، والمُنافقُ غَادِر»، وهذه هي التربية، وهذا هو الذي عندي أهمُّ من موطن الشاهد.

• تعليقًا على قول عبد القاهر: «.. وإلى شيءٍ يَعْزِلُ البلاغةَ عن سُلطانِها»، قال شيخنا: البلاغةُ لها سُلطان!!! فاحذرْ أنْ تَعْزِلَها عن سُلطانِها بإفسادِك لبيانِ معانِيها، احذرْ أنْ تُسْقِطَها عن عِزِّها وعن عَرْشِها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply