بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 4 من ذي القعدة 1445هـ = 12 مايو 2024 م.
• من الأشياء العجيبة جدًّا أن التدبُّر كان شائعًا في كلام العلماء، وكلُّ الذي أقرؤه اليوم وما بعد اليوم هو تحقيقٌ وتأكيدٌ لوجوب تدبُّر قارئ العلم.
• القراءةُ مِن غير تدبُّرٍ عدمٌ، والعلمُ لا يَسْكنُ في نفسك إلا إذا تدبَّرتَه ووعيتَه وعرَفتَه معرفةً دقيقةً وواعية.
• ما مِن خطأٍ يَحْدثُ إلا في غَيْبةِ التدبُّر.
• وجدتُ كُتبَ علمائنا مشحونةً بالنصيحة والأمر بالتدبُّر، وأن التدبُّرَ والتفكيرَ في الذي تقرؤه – في أي علم من العلوم – يجب أن يكون مصاحبًا لك، وأن اللحظة التي لا يصاحبك فيها التدبُّر هي اللحظة التي لا تصاحبك فيها المعرفة.. وجدتُ هذا كثيرًا جدًّا في الكتب.
• أدركتُ أن العلماء إنَّما أكثروا من ذِكْر التدبُّر لأن الله - جلَّ وتقدَّس - حثَّنا على التدبُّر في كتابه العزيز، وكرَّر ذلك؛ كرَّر الأمر بالتدبُّر، وقال لنا إن الذين لا يتدبَّرون كأنه }على قُلوبٍ أقفالُها.{
• لم يَقُلِ الكتابُ العزيز: «على القلوبِ أقفالٌ»، وقال: }عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ لِيُشيرَ بهذه الإضافة الجليلة إلى أنَّ للقلوب أقفالًا ليست هي الأقفالُ التي تعرفونها، وإنَّما هي أقفالٌ غامضة؛ منها الغفلة، ومنها تَرْكُ التدبُّر؛ فكأنك حين تقرأ أو تسمع من غير أن تتدبَّر وضعتَ قُفلًا على قلبك، والتدبُّر هو الذي يُزيلُ عن قلبك هذا القُفل.
• كأن التدبُّر هو الذي هيَّأ الله به آدمَ وبَنِيه مِن بعده لعمارة الأرض.
• التدبُّر ليس فَهْمَ مسألةٍ علمية، التدبُّر مسألةُ وجود.
• الخلافة في الأرض لا تصلح إلا بالتدبُّر؛ فعلى الزارع أن يتدبَّر، وعلى الصانع أن يتدبَّر، وعلى المُعلَّم أن يتدبَّر، وعلى الطبيب أن يتدبَّر، وعلى السياسي أن يتدبَّر؛ فإذا لم يتدبَّروا صنعوا صناعة فاشلة، والصناعة الفاشلة تعني خراب الأرض، والصناعة التي هي نتيجة تدبُّر ووعي تعني عمارة الأرض.
• الفرق بين التقدُّم والتخلُّف هو التدبُّر أو عدم التدبُّر؛ فالذين يتدبَّرون ويَعقلون ما يفعلون ويُحْكِمون ما يفعلون هم المتقدِّمون، والذين لا يتدبَّرون هم المتخلِّفون، قل هذا في الطب، قل هذا في التاريخ، قل هذا في الأدب، قل هذا في الفقه، قل هذا في الزراعة، قل هذا في السياسة.
• اعلمْ أنَّ أفضلَ عطاءٍ تُعْطَاه هو ما كان منك أنت بالتدبُّر، وأنه لا يَسُدُّ أحدٌ في تدبُّرك مَسدَّك.
• لا يسقيك العلمَ إلا أنت، ولا ينوب عنك أحدٌ في سُقياك للعلم.
• لن تكون عالِمًا إذا أردتُ لك أن تكون عالِمًا، ولن تكون عالِمًا إذا كان أستاذُك مِن أَعْلَم علماء الأرض، إنَّما تكون عالِمًا في حالة واحدة: إذا أردتَ أنت أن تكون عالِمًا، تكون نافعًا في حالة واحدة: إذا أردتَ أنت أن تكون نافعًا.
• في القرآن أشياء جليلة جدًّا جدًّا، ولكنَّ الغفلة أضاعتها.
• على أهل العلم أن يُقرِّبوا العلم لأجيالهم، ويضعوه في طريقهم، فإن لم يطلبوه طلبهم.
• ضَعُوا العلمَ في طريق أجيالكم؛ لأنَّ أجيالَكم إذا لم تطلب العلم ووضعتموه لهم في طريقهم طلبهم العلمُ.. هذا هو الواجب، وإلا عشنا في التخلُّف الذي نحن فيه، وعشنا في الضَّعف الذي نحن فيه، وعشنا في العُسْر الذي نحن فيه، وعشنا في التفاهة التي نحن فيها.
• اكرهوا التفاهة، واكرهوا التخلُّف، واكرهوا العُسْر، واكرهوا كل ما يَكرهُه الإنسان حتى تُحقِّقوا كل ما يتمنَّاه الإنسان.
• كان حافظ إبراهيم يقول:
عَزَّتِ السِّلْعَةُ الذَّلِيلَةُ حَتَّى *** بَاتَ مَسْحُ الحِذَاءِ خَطْبًا جُسَامَا
ونحن يا سيِّدي حافظ لم نَعُد نفكِّر في مَسْح الحذاء، أصبحنا نُفكِّر في رغيف الخبز، أنت تستطيع أن تستغني عن مَسْح الحذاء، ولكنك لا تستطيع أن تستغني عن رغيف الخبز.
• ذكر الشيخ قول النابغة:
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ *** وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِب
ثم قال: هذا كلامٌ يظلُّ حيًّا في الأرض ما بقيت الأرضُ حيَّةً إذا تدبَّرتَه. هذا كلامٌ حين تسمعُه لا تَسْمَعْ النابغة الذبياني، ولكن عليك أن تعيش اللحظةَ التي عاشها النابغة الذبياني وهو يقول: كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ.. اسمعْه وكأنك أنت الذي عشتَ هذا، وكأنك أنت الذي تقول هذا.
• كان أبو محمد إقبال يوصيه قائلًا: «اقرأ القرآن وكأنما عليك أُنزِل»، وأنا أقول لك: أَنْشِد الشِّعرَ وكأنك أنت الذي صنعتَه وعشتَ تجربتَه.
• الله وضع في فطرتك حُبَّ البيان، ومعنى «حُبِّ البيان» أنك إذا كرَّرت البيانَ بتدبُّر وبوعي وجدتَ مذاقَه.
• تربيتُك لنفسك هي أشقُّ ما في حياتِك؛ لأنها أجلُّ ما في حياتك، وإذا انتظرتَ فلانًا أو فلانًا يُربِّيك فلن تكون شيئًا.
• المُنشئُ للكلام مُنشِئٌ له من معانيه ولا شأن له بألفاظه، والمتلقِّي للكلام مُتلقٍّ له من ألفاظه؛ فالمسألةُ بالعكس.
• عليَّ أن أبدأ معك في بيان المعرفة، وعليك أنت أن تُتِمَّها، أما إذا كنتَ معتقدًا أنني سأقدِّم لك المعرفة من أوَّلها إلى آخرها فأنت مخطئٌ خطًا شديدًا جدًّا، وإذا كنتَ عازمًا وصادقًا مع نفسك فستكفيك هذه البداية.
• أجد كثيرًا في كلام علمائنا أنهم لا يَردُّون على الضَّعَفة والجَهَلة، وكانوا يقولون: «نَردُّ على من له علمٌ أُخِذَ عنه ثم أخطأ؛ فنردُّ خطأه حتى لا يأخذَ الناسُ خطأه كما أخذوا علمَه»، ومن هنا شاع أنه لا يُردُّ على خطأ مَن لا صواب له، وهذا اقتنعنا به وقضينا به الأمر، ثم وجدتُ فريقًا آخر يقف عند خطأ مَن لا صواب له ويَردُّه؛ فرأيت في الفريق الأول علماء ضَنِينِينَ بمجهودهم ووقتهم على رد خطأ مَن لا قيمة له، أما الفريق الآخر فرأيت أن لهم هدفًا أعلى؛ فكأنهم حُرَّاسٌ على الحياة العقلية، فإذا دخلها خللٌ من أي جهة كانت - ولو كانت ممَّن لا قيمة له ولا علم عنده - وقفوا لتنقيتها.
• كنت أسمع كلامًا سخيفًا من سُخفاء ربما تكون الأيَّام قد أخطأت ووضعتهم على الرَّبَوات، فلم أكن ألتفتُ إليهم.
• تنقية الحياة العقلية والعلمية والفكرية مِن هَلْفَتة الهلافيت، أمر مهمٌّ جدًّا جدًّا.
• صاحب القلم حارسٌ يحرس الحياة العقلية، وهذا معنى قولهم: مِدادُ العلماء يُوزَنُ بدماء الشُّهداء.
• الأمَّة لها حارسان: حارسٌ بسيفه يحمي ترابَها، وحارسٌ بقلمه يحمي عقلَها.
• الواقف لحراسة الحياة الفكرية للأمَّة لن يكون حارسًا إلا إذا وعى كل ما يجري فيها، وإلا إذا وعى كل ما يقوله المُخرِّفون من شمالها إلى جنوبها، وإلا إذا كانت له إذن تسمع كل همسة تجري في الحياة العقلية للأمَّة.
• كنتُ إذا وضعت رأسي في الشعر وفي البلاغة لا أُشْغَلُ بما يجري في الأمَّة؛ لأني لو شُغِلتُ بما يجري في الأمَّة سأُشغَل عن المقصد الأساس من عملي، وهو تسهيلُ العلم لطلاب العلم، ولو شُغِلتُ بـ«هَلْفَتة الهلافيت» فلن أستطيع تأدية عملي، ولكني رأيتُ كبارَ علمائنا يجمعون بين الأمرين: يُحسنون في العلم كلَّ الإحسان وكأنهم متفرِّغون له، ويَعلمون كل ما يجري في الأمَّة وكأنهم حُرَّاسٌ متفرِّغون لهذه الحراسة.
• الإنسان حين ينطق له عملٌ واحدٌ: يَجِدُ معنًى ويتخيَّر له اللفظَ المناسب له، ويرتِّب الألفاظ على وَفْق ترتيب المعاني في نفسه، يستوي في ذلك الشاعر وبائع الخُضار، ولكن بمقدار قيمة المعنى ويمقدار تجويد اللفظ تكون بلاغة الكلام ومرتبة الكلام.
• النابغة في كل شعره اختار المعنى المناسب ورتَّب الألفاظ الترتيب المناسب، امرؤ القيس في كل شعره اختار المعنى المناسب ورتَّب الألفاظ الترتيب المناسب، وكذلك فعل الأعشى، ولكن -وهذا من أعجب ما يمكن- مع أن كُلًا منهم تخيَّر من الألفاظ ما يناسب معناه؛ بحيث لا تستطيع أن تقول إن النابغة مثلًا في هذا البيت لم يُحْسِن اختيار اللفظ = مع توافر هذا تفاوتت مراتب الكلام، وصار شِعرُ فُلان أعلى من شِعر فُلان، مع أن فُلانًا وفُلانًا وُفِّق كلٌّ منهما في اختيار اللفظ المناسب لمعناه.
• مطابقةُ الكلام لمقتضى الحال؛ في الشِّعر، وفي الحديث الشريف، وفي القرآن الكريم- قائمةٌ؛ فمن أين كان التفاوت؟
• من العجيب أنَّ الذي كان القرآن آيةَ نُبوَّته هو أفصحُ مَن نطق بالكلام من العرب وغير العرب؛ فما دلالة ذلك؟ دلالتُه أنه إذا كان أفصحَ الناس وأعلاهم بيانًا ثم يأتيه كلامٌ لا يستطيع هو أن يأتِيَ بمثلِه فهذه هي الآية التي لا ينكرها إلا جاحد.
• هناك «هلافيت»، وهناك «هلافيت الهلافيت»، ويا ليت المسألة في «الهلافيت»، ولكن المسألة أن «الهلافيت» صنعت «هلافيت»؛ فكنا مع «الهلافيت» والآن نحن مع «هلافيت الهلافيت».
• طلاب العلم في حاجة إلى أن يتعلَّموا العقل، وتعليمُهم العقلَ أبرُّ بهم من تعليمهم العلم؛ لأنهم بالعقل يَعْلمون وبدون العقل لا يَعلمون.
• النَّومُ حُلوٌ جدًّا، والخَيْبة جليلةٌ وممتعة، وعِشْ في الدنيا في عُسْر وكأنك في يُسْر، وعِشْ في ضَعفٍ وكأنك في قوَّة، وما دمتَ رضيتَ بالدناءة فأنت في نعيم؛ لأنك ستظل مُحتضنًا للدناءة حتى تدخل قبرك، عِشْ غيرَ قَلِق وغيرَ متذمِّر وغيرَ رافضٍ.. ولكنْ هذه ليست حياة الإنسان الذي جعله الله خليفة في الأرض.
• لا بد أن تعتقد أن الله لم يجعل أباك خليفة، وإنما جعلك أنت وأباك من الخلفاء، فلا بد أن تَخْلُف اللهَ في الأرض خلافةَ الصِّدق والحقِّ، وبهذا تكون إنسانًا، وبهذا تتغيَّر، وبهذا لا تقبل أن تعيش متخلفًا.
• توهَّمْتُ توهُّماتٍ، ومن حقكم عليَّ أن أقول لكم خطئي وصوابي: قام في ذهني شيءٌ ولكنِّي أنكرتُه؛ هو أن عبد القاهر يعيش في بيئة أعجمية لم تعرف العربيَّةَ ولم تعرف الشِّعر، ويمكن لهذه البيئة الغريبة عن العربيَّة أن تَظهر فيها مثل هذه الخلافات [يقصد الشيخُ الشُّبهة التي عرضها الإمام عبد القاهر في الفقرة رقم 426 وما بعدها]، ثم استبعدتُ ذلك لأنني وجدت عبد القاهر من هذه البيئة، عبدُ القاهر الذي يُعلِّم علماء العربيَّةِ العربيَّةَ، عبدُ القاهر الذي يستدرك على شعرائنا وعلى كِبارِنا ما يستدرك - هو ابنُ هذه البيئة.
• تبيينًا لسبيل تلقِّي الشعر، قال شيخُنا تعليقًا على قول امرئ القيس:
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ *** وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ
لا بدَّ أن تَرجِعَ إلى قول امرئ القيس، وأنْ تُحاوِلَ ليس أنْ تَفهمَ بيتَ امرئ القيس - فَهْمِي لبيت امرئ القيس جيَّد، ولكنه ليس كلَّ المطلوب - ولكن لا بد أن أتلمَّسَ المعنى الذي قام في نفس امرئ القيس، وأحاولَ أن يقومَ هذا المعنى في نفسي.. ماذا وجد امرؤ القيس حتى قال في الليل: «تَمَطَّى بصُلْبِه وأردفَ أعجازًا ونَاءَ بكَلْكَل»؟ أنت ظالمٌ للشِّعر إذا اكتفيتَ بهذا المعنى الظاهر، إنَّما الشِّعر يتطلَّب منك أنْ تُحاولَ أن تجدَ في نفسك الليلَ الذي حدَّث عنه امرؤ القيس؛ لأنه ليس كالليالي التي نعرفها، وإنما هو ليلٌ تمطَّى بصُلْبِه، وأردفَ أعجازًا، ونَاءَ بكَلْكَل.. وبهذا تَذُوق وتُذِيق.
• أعجبني امرؤ القيس لمَّا رأى الليلَ تمطَّى بصُلبِه، وأردفَ أعجازًا، ونَاءَ بكَلْكَل، وأهانَه، وأرهقَه، وأجهدَه؛ قال له: «أَلَا انْجَلِي»، وهذا أمرٌ مِن مَلِكٍ وابنِ مَلِك.
• البَعْبَعَةُ تنزيلٌ مِن شيطانٍ رجيم.
• إذا تدبَّرْنا كلَّ ما نقول وكلَّ ما نفعل انتقلنا من الظلمات إلى النور.
• وَسِّع المعاني، ولذلك قال علماؤنا، وسيقولها عبد القاهر بعد ذلك، إنَّ الجملةَ الواحدةَ تَحتمِلُ معانِيَ كثيرةً؛ فحَدِّثْ بما تحتمله من المعاني، أرادها المتكلمُ أو لم يُرِدْها، دخلتْ في مراد القائل أو لم تَدخل.
• أبو العلاء المَعرِّي عِلمُه وحدَه وفِكرُه وحدَه يُحْيي جِيلًا.
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 11 من ذي القعدة 1445هـ = 19 مايو 2024 م.
• شرحًا للفقرة رقم (426) وما بعدها، قال شيخنا: بعضُ الناس توهَّم أن راوِيَ الشِّعر حاكِيه، وهذا خطأ؛ لأن الحاكِيَ هو الذي يُحْدِث صنعةً تُساوي الصنعة التي يحكيها، وراوي الشِّعر لم يُحْدِث شيئًا، وإنما يحكي الألفاظ بأصواتها وأجراسها وترتيبها، وليس له فيها أي شيء.
• شرحًا للفقرة رقم (428)، قال شيخنا: لو كان الراوي حاكيًا ما صحَّ له أن يَروِيَ إلا بعد أن يتدبَّر وبعد أن يتروَّى وبعد أن يُفكِّر؛ لأن الحاكِيَ لا يحكي إلا إذا تدبَّر وتروَّى وأحدثَ في الذي يحكيه شيئًا، أما راوي الشِّعر فليس له من ذلك شيء.
• أهل العلم حينما يردُّون على الأمور الصغيرة جدًّا، التي لا تحتاج لأن يَتكلَّم فيها أحد، تجد لهم كلامًا نفيسًا جدًّا.
• العلماء حين يردُّون على التفاهات يصيبون إصاباتٍ جليلةً جدًّا، وبمقدار تفاهة التفاهة التي يدفعونها تكون أصالة الفكر الذي يهتدون إليه، وهذا شيء عجيبٌ جدًّا.
• ستسمع كلامًا لا قيمة له؛ في دين الله، وفي العلم، وفي الشِّعر؛ فاصرف كل هذا عن نفسك، ولا تُشغَلْ به، وإنما انشغل بالعلم.
• لا تُشغَلْ بالذين يتكلمون في العلم خطًا، وإنما انشغل بالعلم نفسِه ووضِّح وبيِّن.
• حين أجد من يتكلَّم في دين الله كلامًا لا أصل له، وهو خطأ، لا أُشغَلُ بالرد عليه؛ لأني أرى أن شغلي ببيان جوهر الدِّين للأمة أفضل من وقوفي لحظةً أناقش هؤلاء؛ لأنك حين تبيِّن جوهر الدِّين لأهل الدِّين سيُحصِّنهم جوهر الدين من قبول السَّفَه الذي يُقال.
• في الكتب إشارات جيدة جدًّا جدًّا؛ منها أن السفاهات مرجعها إلى أن صاحبها طالب شُهرة، أو من فصيلة «خالِفْ تُعْرَف»، أو مرجعها إلى الجهل، أو إلى حب الذات، وليس مرجعها إلى معرفة الحقيقة؛ لأن معرفة الحقيقة تقتضي منك أن تطلب الحقيقة، وأن تجتهد في طلب الحقيقة.
• وَصفَ الله عز وجل هؤلاء الذين يجحدون الحقَّ الظاهرَ البيِّن بقوله: }أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ.{
• لا يَحيد عن الحقِّ البيِّن إلا من أضلَّ نفسَه، لم يُضلَّه أحدٌ وإنما هو الذي أضلَّ نفسَه.
• الأمة تُؤتَى من أرضها وتُؤتَى من فِكْرها وثقافتها؛ لا فرق بين من يحاول أن يغتصب جزءًا من أرضها ومن يحاول أن يهدم فكرةً من دينها.
• في سورة التوبة اللهُ سمَّى طلب العِلم «نَفْرًا» وسمَّى الجهاد «نَفْرًا»؛ فأحسست أن المسألة واحدة، وأن الجهاد جهادٌ بالسيف وجهاد بالقلم، وهذا هو الذي قرَّب إليَّ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِدادُ العلماء يُوزَن بدماء الشهداء».
• كنت أرجو أن أكتب في الأبواب التي سكت عنها البلاغيون المتأخرون من علم عبد القاهر، وعزمتُ على ذلك قديمًا، لكني تحوَّلتُ عنه إلى كتابة كتاب «مدخل إلى كتابَيْ عبد القاهر»، فهل أنا قادر على ذلك الآن مع هذا الهَرَم الذي هو ضَعْفُ جسمٍ وضَعْفُ عقلٍ وضَعْفُ فكرٍ وضَعْفُ أشياء لا حدود لها؟!، ولذلك أرجو أن يُتاح لهذا الباب طالبُ علم جيد «مش نصَّاب ودجَّال»، منقطعٌ للعلم، فينقطع لهذا الباب ويكتبه.
• فكرة توخِّي معاني النحو على وَفْق الأغراض التي هي المعاني التي اختلجت في النفس- فكرة عبقرية جدًّا جدًّا؛ لأنك لو رجعتَ إلى نفسك فلن تجدك تتكلَّم إلا بهذا، ولو تكلم الطلياني أو التركي فلن يكون إلا بهذا، ولو كان من شأن «الجَحْش» أن يتكلَّم ما تكلَّم إلا بهذا، وهو أن يختار «الجَحْشُ» الكلمات التي تدل على المعنى القائم في نفسه.
• فكرة توخِّي معاني النحو على وَفْق الأغراض فكرةٌ عبقريةٌ لم يقل بها أحدٌ قبل عبد القاهر، ولم يستطع أحدٌ بعده أن يَنقُضَها.
• هناك شيء أُحبُّ لكم أن تعرفوه؛ هو أن تبحثوا في كلام العالِم عن الفكرة الرائعة المتميزة التي لم يَقُلْها أحدٌ قبله.
• عبد القاهر عاش للنحو، وكلمة «معاني النحو» موجودة من أول ما وُجِدَ النحو، ولكنها كانت تائهةً ومَسْهُوًّا عنها ومسكوتًا عنها ومنطويةً في علم النحو؛ فجاء هذا العبقري وأيقظها وحرَّكها وأدخلها في الإبانة عن المعاني.
• إنَّما سُمِّي «علم المعاني» بذلك اقتباسًا من كلمة عبد القاهر: «معاني النحو».
• عبد القاهر فَطَن إلى أن المعاني النحويَّة التي أغفلناها في علم النحو هي التي عليها المُعوَّلُ في فضل كلام على كلام، وأن التنكير له دلالة، والتعريف له دلالة، والتقديم له دلالة، والتأخير له دلالة.. إلخ.
• ليس هناك مَعانٍ للتنكير في أي لغة، ولا معانٍ للذكر، ولا معانٍ للحذف، ولمَّا أُعدَّت «العربيَّة» لينزل بها الكتاب العزيز وُجِدتْ فيها هذه الطاقات الكثيرة المُعبِّرة عن المعاني.
• عبد القاهر العبقري الرائع أخرج طاقات «العربيَّة» وأيقظها من سُباتِها العميق الذي أَلِفَتْ أن تنام فيه في أحضان كتب النُّحاة.
• الخليل أعلم بـ«معاني النحو» من عبد القاهر، سيبويه أعلم بـ«معاني النحو» من عبد القاهر، ولكنهما لم يُنطقاها، وإنما الذي أنطقها هو عبد القاهر، ومعنى «أنطقها» هو أن الكلام المُبِين هو الذي تجد فيه التنكير له دلالة والتعريف له دلالة والحذف له دلالة والذكر له دلالة.. إلخ.
• ليس هناك أحدٌ يخلق أفكارًا جديدة، الأفكار موجودة، لكنْ هناك عقولٌ أيقظتها وتنبَّهت إلى وظيفتها.
• قدَّر الله لي أن أعيش طول حياتي أكتب في شِمال وفي يمين وأَسْكُتَ عن علم عبد القاهر الذي سكت عنه المتأخرون، وحين شرعت في كتابته سخَّر الله قلمي لأكتب كتاب «مدخل إلى كتابَيْ عبد القاهر»؛ لأنني وجدت أشياءَ حاجةُ طلاب العلم إليها أمسُّ.
• لا تَحْمِلِ القلمَ ليُقال: «كاتب»، يا سيدي كل «زعرور» ليس له قيمة يُقال عنه: «كاتب».
• الله سبحانه وتعالى أكرمنا بأن جعل للهلافيت أقدارًا في الدنيا؛ فإذا انصرف أهل العلم للبحث عن أقدارٍ في الدنيا فليعلموا أنهم لن يبلغوا قدر أي هلفوت.
• ابحث عن الشيء الذي لا يسعى إليه الهلافيت، ابحث عن الشيء الذي يبحث عنه العلماء الذين قال فيهم الشافعي: «لو لم يكن العلماءُ أولياءَ الله فليس لله وليٌّ».
• أنا على يقين أنه يمكن أن يَخرُجَ منَّا عبدُ القاهر، أنا على يقين أنه يمكن أن يَخرُجَ منَّا عمر بن الخطَّاب؛ لأن سيدنا رسول الله قال: "الخير في أمتي إلى يوم القيامة"؛ فابحثوا عن الخير فيها وتابعوه ونَمُّوه، ولا تبحثوا عن الخير فيها لتَهْدِمُوه، ابحثوا عن الأخيار وأفسحوا لهم في كل مجال وأكرموهم ليتكاثر الأخيار.
• ابحثوا عن طريق الكرام ذوي المروءات، ذوي الهِمَم العالية، الذين غيَّروا شعوبهم بأفكارهم وغيَّروا العلوم بأفكارهم.
• لا بد أنه كان في زمن عبد القاهر «هلافيت وطبَّالين وزمَّارين»، ولكنَّ أهلَ الهِمَم لا يلتفتون إلى هؤلاء.
• هناك حقيقة غائبة في تاريخ البلاغة عند أولِ كتابٍ كُتِبَ فيها وعند آخر كتابٍ كُتِبَ فيها، وهي أن السامع لا يعقل ما في الشِّعر إلا إذا سمع الألفاظ، ولن يستطيع أن يفهم ترتيبًا ولا تحسينًا ولا تهجينًا إلا من خلال الألفاظ؛ فظنَّ أن الألفاظ هي التي عليها المعوَّل، في حين أن مُنشئ الكلام لا ينشئه من خلال الألفاظ، وإنما هو وجد معاني في صدره، والمعاني لا تقوم في النفوس إلا ملتبسةً بألفاظها، ويستحيل أن يَرِدَ معنى في خاطر من غير أن يكون له لفظٌ دالٌّ عليه؛ فهناك خلاف شديد بين جهة إنشاء البيان وجهة تذوُّق البيان، فالقول الذي شاع هو القول الذي قاله السامعون وليس القول الذي قاله المنشئون، وعبد القاهر يُلحُّ على بيان ما قاله المنشئون وتغليبه على ما قاله السامعون.
• أنا لا أقول الدرس لكم وإنما أقوله لحقٍّ واجبٍ عليَّ لهذه الأمة.
• الذي لا يقرأ القرآن كأنه ليس مسلمًا، ولا أقول إنه ليس مسلمًا؛ لأن الرسول قال: }وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا القرآن مَهْجُورًا{؛ فاحذروا أن تكونوا منهم.
• لم أجد في القرآن شيئًا يُغضب اللهَ كإنكار الحق بعدما تبيَّن؛ لأنه لو أنكر الحق قبل أن يتبيَّنه فربما اهتدى إليه إذا أراد أن يتبيَّنه.
• الذي يُعلِّمني العلمَ له عليَّ جميلٌ كبير، لكنَّ الذي يُعلِّمني سِرَّ خطئي له عليَّ جميلٌ أكبر.
• لا تستهن بالهفوة؛ لأن الهفوة قد تقود إلى ما هو أوسع منها.
• كل ما قاله الناس في الكتب أراه في المجتمع: أرى ناسًا يتكلمون في دين الله بجهل شديد، وإذا تكلموا في السياسة أصغيتُ إليهم ووجدتُهم يصيبون، فأعلم أن خطأهم في الدين مرجعه عدم القراءة، ولذلك كانوا يقولون: لو سكت من لا يعلم لاستراح الناس.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد