الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 18 من ذي القعدة 1445هـ = 26 مايو 2024 م:
• العالِمُ الذي يُعوِّل على العقل والفِكْر فيما يتعلَّم وفيما يُعلِّم تجد له إشاراتٍ جليلةً جدًّا جدًّا وإنْ كان يتكلَّم في مسائل صغيرة جدًّا؛ لأن العقل إذا نطق أفاد وإنْ كان يتكلَّم في مسائل بسيطة جدًّا.
• رَاوِي الشِّعر قد يَتوهَّم المُتوهِّمون أنه حَاكِيه وليس رَاوِيَه فحسب، ويبدو أن البيئة الفكرية في زمن عبد القاهر كان فيها أصحاب هذه الغَفَلات؛ لأن العامِّيَّ بيننا الآن، الذي لا يقرأ ولا يكتب، لا يقول إن الذي روى «قِفَا نَبْكِ» حكاها؛ لأن الذي روى «قِفَا نَبْكِ» روى ألفاظَها وأجراسَها فحسب، وليس له فيها أيُّ مدخل، وترتيبُ الكلمات ليس له فيه أيُّ شيء.
• كان في بيئة عبد القاهر مَن يتوهَّم أنَّ رَاوِيَ «قِفَا نَبْكِ»، أو أنَّ رَاوِيَ «أَمِنْ أم أَوْفَى»، أو رَاوِيَ أي شعر = هو يَحْكِيه، وما دام يَنطق بألفاظه مُرتَّبةً على الوجه الذي نطق به الشاعر فكأنه يَحْكِيه؛ فوقف عبد القاهر يُبيِّن فسادَ هذا الأمر.
• إذا لم تكن ستتعلَّم من الكتاب الذي تقرؤه كيف تُفكِّر فأنت لم تتعلم منه شيئًا.. لو حَفِظتَ عِلمَه وجَهِلْتَ تفكيرَه وطريقةَ تفكيره ومنهجَ تفكيره فأنت لم تستفد شيئًا.. أنت وَاهِمٌ إذا توهَّمتَ أنك عَلِمْتَ عِلمَه؛ لأن عِلمَه مرتبطٌ بفكره، وإذا لم تَفهم فِكرَه فلن تَفهمَ عِلمَه.
• الحقيقة التي أقولها لكم هي أن الذي أفدتُه من الكتب في طرائق التفكير أفضلُ بكثيرٍ وأوسعُ بكثيرٍ من الذي أفدتُه مِن عِلم الكتب، وإن كان عِلمُ الكتب شيئًا أجلَّ من الجليل، إنما هناك وراء الأجلِّ مِن الجليل ما هو أجلُّ مِن الأجلِّ، وهو طريقة التفكير.
• العقل الحيُّ يدخل في المسائل السَّهلة جدًّا جدًّا ويستخرج منها علمًا جليلًا جدًّا جدًّا، والعقل التَّافِه يدخل في مسائلَ جليلةٍ جدًّا جدًّا، ويُدمِّر كلَّ ما فيها من فائدةٍ وجلال.
• يا خلقَ الله، إذا غفلنا عن تنمية العقول، وإيقاظ العقول، وتنشئة العقول، وتربية العقول = فقد ضيَّعنا كلَّ شيء، وأوَّلُ ما نُضيِّعه هو العلم؛ لأن العلمَ المقصودُ به تنميةُ المَلَكَات الفكرية عند الإنسان.
• نَمُّوا المَلَكَات الفكرية عند الأجيال تَنْتَهِ كلُّ مشكلات الأجيال؛ لأن العقل يُزيل كلَّ الحُجُب ويقضي على كل العَقَبَات والصِّعاب.
• إذا قلتَ إنَّ امرأ القيس هو قائلُ هذه القصيدة؛ فما معنى أنه «قائلُها»؛ «قِفَا نَبْكِ» لا تُضاف إلى امرئ القيس من أجل الكلمات التي هي منها، وإنَّما من أجل ترتيب هذه الكلمات، ولا يُعقَلُ ترتيبُ هذه الكلمات إلا إذا قَصَدَ هو توظيفَ هذه الكلمات في الدلالة على معناه ورتَّبها الترتيبَ الذي تؤدِّي به معناه.
• شرحًا للفقرة رقم (430) وما بعدها قال شيخُنا: دخل عبدُ القاهر من خلال هذه المسألة البسيطة جدًّا ، وهي أن إضافة الشعر أو غيره من ضروب الكلام إلى قائله لا تكون من حيث هو كَلِمٌ وأوضاعُ لغة، وإنما من حيث تُوُخِّي فيه النَّظم، دخل إلى قضية القضايا، وهي قضية النَّظْم.
• عبد القاهر لم يُسْبَقْ بذِكر النَّظْم وتفسيرِه على الوجه الذي ذكره، وكان شديد الاقتناع به وشديد اليقين بصوابه، وكان يقوم ويقعد ويُحدِّث به ولا يَمَلُّ، ولم يَذكر أن واحدًا عارضه فيه، وإنما الذي كان يَشْغَلُه هو أن هذا الذي ذَكرَه لم يُغيِّر عقلَ البيئة التي حوله.
• عبد القاهر لم يَذكر أنَّ واحدًا عارضه، ولم يُواجِه مُعارِضَه، ولم يَشْكُ مِن مُعارضيه، وإنما شكا من شيء مهم جدًّا، نحن منه في غفلة كاملة، وهو أن الصَّواب الذي انتهى إليه والذي لا يَشُكُّ فيه = لم يُغيِّر عقلَ قومه.
• نحن لا نُفكِّر في تغيير عقول قومنا، نحن ندخل قاعة الدرس و«نبعبع» ونخرج منها غيرَ عابئين بأنَّ طُلابنا فَهِمُوا أو لم يفهموا.
• العالِم المُفكِّر كان يَعْنِيه أن يرى ثمرة علمه في قومه، أما نحن فنعيش في أمر آخر؛ نحن نُدْعَى «النُّخبة» ومع ذلك لا نُفكِّر فيما كان يُفكِّر فيه العلماء العقلاء الصَّالحون.
• العالِم كان إذا هُدي إلى فكرٍ شرحه، ثم قام وقعد بالبحث عن أثره في قومه.
• ليس المطلوب أن أتلقَّى درسًا في الجامع الأزهر وأعودَ إلى بيتي، المطلوبُ أن أجد أثر الدرس في عقلي.
• عبد القاهر كان يشكو من أنه لم يجد فِكْرَه غيَّر قومه.
• الغريب أن أهلَّ الضَّلالة يهتمون بأثر ضلالهم في قومهم أكثرَ من اهتمام أهل الحق بذلك.. أهلُ الضَّلالة لا يهتمون بفكرهم، وإنَّما يهتمون بأن يَزرعوه في عقول القوم، ونام أهلُ الحق عن حقِّهم.
• ذكر شيخُنا بيت النابغة الذبياني:
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ *** وَلَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ
ثم قال: هذا كلامٌ رفيعُ المستوى، هذا كلامٌ رائعٌ، مات النابغةُ من أزمان بعيدة وترك فينا هذه الكلمة الباكية، ولا تزال هذه الكلمةُ تبكي مِن يوم أن قالها النابغةُ إلى أن تقوم الساعة.. يا سلام على «كِلِينِي» والكَسَرَات المتتابعة ودلالتها على واقعِ نَفْس النابغة.
• المشكلة أننا نقرأ الشاهد بوصفه شاهدًا فقط. الشاهد تكون فيه مَعانٍ أعلى من الفكرة التي هو شاهدٌ لها.
• يا سيدي، «اعمل معروف»، لا تَقتُل ذائقتك البيانية؛ لأنها فطرةُ البيان التي فَطَرك الله عليها، واسْقِها مِن مِثلِ قول النابغة:
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ *** وَلَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ
• «كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ...» لم يُضَفْ للنابغة من أجل الكلمات؛ لأن «كِلِينِي» و «لِهَمٍّ» و «نَاصِبِ» موجودةٌ من قبل النابغة، ولا تُضاف إلى أحدٍ، وإنما أُضِيفَ البيتُ إلى النابغة لأنه هو الذي أحسَّ بهذا المعنى، وألَّف هذا المعنى، واختار له ألفاظَه وأحوالَها ورتَّبها لتُبِينَ عنه.
• الرَّائعُ رائعٌ ولو كان على ضلالٍ مُبِين. أنا أقرأ لبعض الكفَّار كلامًا جيدًا جدًّا جدًّا.. يا سيِّدنا، ربُّنا ساقَ لنا كلام الكفَّار وقال لنا احفظوه، ومنه: }وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ.{
• ليس هناك «خطٌّ أحمر» للقراءة. الخطُّ الأحمر للقراءة هو عقلُك أنت.
• الله يَختبرُك؛ يقول لك: اقرأ كلام أهل الإيمان واقرأ كلام أهل الكُفْر. وإن لم يكن عقلُك سيُميِّز بين كلام أهل الإيمان وكلام أهل الكفر، ويُقْبِلُ على كلام أهل الإيمان ولا يُقْبِلُ على كلام أهل الكُفْر = فاذهب أنت وعقلُك في الجحيم؛ لها سبعة أبواب.
• ربُّنا لم يقل لنا: اقرأوا هذا ولا تقرأوا هذا، ربُّنا ساق لنا في كتابه العزيز كلامَ أشدِّ الناس عداوةً له، وأحيانًا أقرأ القرآن فأجد ثلاثة أو أربعة أسطر كلُّها من كلام أهل الكُفْر، كما في سورة «المؤمنون»: }هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ{، جعله ربُّنا كلامَه، وجعل إيمانَنا به إيمانًا بهذا الكلام، وقال إنَّ مَن قرأه كثيرًا أدخلتُه الجنة.
• مشكلة الجماعة الذين عاش عبدُ القاهر يُدافِعُهم ويُنافِحُهم أنَّهم كانوا يرون أن فَضْلَ كلامٍ على كلام إنَّما يرجع إلى الألفاظ، وهذا هو سبب أخطائهم وسبب إنكارهم كلَّ ما يُخالف هذا الأمر، ولذلك انتهى عبدُ القاهر إلى أن فَضْلَ كلامٍ على كلامٍ لا يرجع إلا إلى التأليف والتركيب الذي سمَّاه «النَّظْم»، وأنَّ فَضْلَ القرآن على سائر الكلام لا يرجع إلا إلى التأليف والتركيب الذي هو النَّظْم.
• كان علماؤنا مِن أشدِّ الناس وعيًا وذكاءً ودقةً حين عرَّفوا علمَ المعاني بأنه معرفة أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال.
• يا سيِّدنا، حِفْظُك لكلام العلماء يُعلِّمُك عِلْمَهم، وتفكيرُك في كلام العلماء يَسقِيك مِن رَحيقِ علمِهم، وناهيك بعَقلٍ وقلبٍ سُقِيَ من رَحِيقِ عُقولهم وقلوبهم.
• اعملوا، وإلَّا فالدُّنيا ملأى بالمغفَّلين، ولن تَضِيقَ بكم، ستَفتحُ لكم أبوابَها كلَّها ما دمتم مغفَّلين؛ لأنك ما دمت مغفلًا فلا قيمة لك، وهم يريدون مَنْ لا قيمة له؛ لأن مَن له قيمة لا يرضى بمَن لا قيمة له.
• بقاءُ مَن لا قيمة له مرهونٌ بعدم وجود مَن له قيمة. إذا وُجِدَ مَن له قيمة ذهب مَن لا قيمة له.
• عبدُ القاهر حين تكلَّم عن النَّظْم كان يشرح النَّاطقية التي خصَّ الله بها الإنسان؛ لأنه ليس هناك مَن يُفكِّر ويختار من أحوال الكلام ومِن ترتيب هذه الأحوال ما يُبِينُ عن معناه إلا الإنسان، وليس هناك كلامٌ إلا بهذه الطريقة، ولو نطق «الحمار» لتوخَّى معانِيَ النَّحْو على وَفْق الأغراض.
• أنا أعتقد أن الصَّادقين من أهل العلم يُوحِي الله إليهم.
• كان لي شيخٌ جليلٌ جدًّا -كانوا ورثةَ أنبياء- كان يقول لي إن لله عطاءً يُعطِيه للعبد إذا بلغ العبدُ غايةَ جهده وهو صادق، حينئذ تتنزَّل الرحمة، ويتنزَّل العطاء، ويُعلِّمُ الله الإنسانَ ما لم يعلم.
• فكرة النَّظم عند عبد القاهر لم أجد واحدًا عارضه فيها، مع أنَّ كثيرين يتحرَّشون بفكرِ كثيرٍ من العلماء.
• طريقة التفكير الرائعة وطبيعة العقل الحي أنه حين يتناول الأمور السهلة ويُحيط بها يستخرج أفكارًا ودقائقً وأسرارَا.
• يَرُوقني في العلم كلامٌ ليس من العلم.
• العلمُ بلا تدبُّرٍ فيه مُنطفئٌ، والتدبُّر في العلم هو الشمسُ المضيئةُ في العلم.
• تأكَّد أن الذي أقوله لن يخترق أذنَك ويَصِلَ إلى قلبك وأنت نائمٌ. ليس عندي القدرة على أن أجعل قولي يَصِلُ إلى قلبك، إنَّما أنت الذي تفعل.
• أنبياء الله كان عليهم البلاغ، ولم يكن لديهم القدرة على أن يزرعوا الحقَّ في القلوب، ولو كان محمدٌ عليه السلام لديه القدرة على أن يزرع الحق في القلوب لزرعه في قلب أبي جهل.
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 25 من ذي القعدة 1445هـ = 2 يونيو 2024 م.
• قلتُ وأكرِّر: العقل الحَيُّ المُشْبَع بالمعرفة، المُشْبَع بالعلم، والمُدرَّب على التفكير، والمُدرَّب على النَّظر والتدبُّر، إذا عالج مسألة سهلة رأيتَه يُنتج منها كلامًا جليلًا وجيدًا جدًّا، والعقل التَّافِه إذا عالج مسألة عظيمة يُفسِدُها ويُصغِّرها.
• العلمُ حقيقتُه عقلُ باحثٍ؛ الباحثُ الحيُّ يَصنع من القليل كثيرًا، والباحثُ غيرُ الحيِّ يَصنع من الكثير قليلًا؛ لذا لا أهتمُّ كثيرًا جدًّا بموضوع البحث، إنَّما أهتمُّ بعقل الباحث؛ فقد يتناول الباحثُ الجيدُ موضوعًا بسيطًا جدًّا يُخيَّل إليك أنه ليس فيه شيء ويَصنع منه شيئًا، والدَّخِيل على العلم وليس من أهله يدخل على الموضوع الجليل ويجعله لا شيء.
• الذين حصَّلوا العلمَ طبقةٌ، والذين فتحوا أبوابَ العلم طبقةٌ أخرى.
• أبو الأسود الدُّؤلي له في التاريخ مواقفُ جليلةٌ جدًّا جدًّا، ولكنَّ الموقفَ الذي أقف معه فيه بإجلالٍ كبيرٍ هو فَتحُه بابَ النَّحْو، وفَتْحُه بابَ ضَبْط العربيَّة، وانتشالُها من اللَّحْن، أبو الأسود هو العقلية التي فتحت طريقًا أنتج لنا الخليل بن أحمد وأنتج لنا سيبويه.
• «توخِّي معاني النَّحو» ليس بلاغةً وإنَّما هو ناطقيَّة الإنسان.
• كلُّ إنسانٍ من أيِّ جِنسٍ ومِن أيِّ لُغة إذا تكلَّم لا مفرَّ له ولا طريق إلا أن يتوخَّى مِن ألفاظ لُغتِه ما يُبِينُ عن معناه.
• يُدهشني جدًّا نفاذُ العقول ليس في فَهْم طريقة البيان في العربيَّة وإنَّما في فَهْم طريقة البيان في الإنسان.
• يُدهشني جدًّا العقلياتُ العظيمة التي أرادت أن تُبِينَ لنا طريقة البيان في العربيَّة فأبانتْ لنا طريقةَ البيان في الفطرة الإنسانيَّة؛ عربًا وعجمًا وكلَّ أُمَمِ الأرض.
• لو أن الله أعان دابَّةً على أن تَنطِقَ لتوخَّتْ معانِيَ النَّحْو على وَفْق الأغراض، لو أن الله – سبحانه وتعالى – أراد للحمار أن يَنطِقَ فلن يستطيع الحمارُ أن يَنطِقَ إلا إذا توخَّى معانِيَ النَّحْو على وَفْق الأغراض.
• قلتُ لكم قديمًا: إنَّ مِن العَجَبِ أن تَرى العَجَبَ ولا تَعْجَبَ.
• لن تعرف قيمةَ العلم إلا إذا أدهشتْك عقولُ هؤلاء العلماء الأجلَّاء.
• إذا بدأتَ تُتابع عقلًا ثم وجدتَ فيه ما يُدهِشُك فأنتَ في الطريق السَّليم.
• حين تعرفُ أحوالَ أهل النار تُشفِقُ عليهم، لكنْ حين تعرف الجرائمَ التي ارتكبوها لن تُشفِقَ عليهم، وحين ترى المتخلِّفَ الفقيرَ الضَّعيفَ المُستبدَّ به على أرضه تُشفِقُ عليه، لكنْ حين تعرف خَيْبَتَه وتفاهتَه وأنه عاش على الأرض مِن غيرِ أن يُحرِّك فيها شيئًا لن تُشفِقَ عليه.
• المُتخلِّفُ في جَهنَّمِ الدُّنيا.
• لا تُشفِقْ على مصير المتخلِّف الذي لم يحاول أن يجعل مِن نفسِه نفسًا أخرى، ولم يَجعلْ من أرضه أرضًا أخرى، ولم يَجعلْ من قومه قومًا آخرين.
• عبد القاهر لا يُعلِّمني العلم، وإنما يُعلِّمني شيئًا أجلَّ من العلم؛ يُعلِّمني كيف أصنعُ العلمَ من اللاعلم.
• الحياةُ لا تَبغِي شيئًا أفضلَ مِن الذي يَصنعُ العلمَ من اللا علم.
• «فإن قلتَ... قلتُ» تَشِيعُ في كلام العلماء؛ هم يفترضون الاعتراض ويُجيبون عليه ليُعلِّموك كيف تَعترض، وكيف تُجيب على الاعتراض، وكيف تحاور مسائل الفكر، وكيف تتعلم طريقة الحوار الذي يصنع العقول.
• قرأتُ في بعض الكتب أنَّ طالِبَ عِلمٍ سأل أستاذَه أن يَتعلَّم العلمَ فقال له: «اقرأ مسائل الخلاف»؛ لأن الخلاف هو الذي يُربِّي عقلَك، الحوارُ المُصغِي إلى الحقيقة والمُتدبِّر في الحقيقة هو الذي يُربِّي عقلَك.
• «فإن قلتَ... قلتُ» كانت شائعةً في كتاب «الكشَّاف».
• لم أعرف أحدًا كان أشعريًا بلَحْمِه ودَمِه كعبد القاهر، ولم أعرف أحدًا كان معتزليًّا بلَحْمِه ودَمِه كالزمخشري، ومع ذلك لم أعرف أحدًا هَضَمَ عِلمَ عبد القاهر كالزمخشري، و «الكشَّافُ» لو نَطقَتْ حُروفُه لَلَبِسَتْ ثوبَ الاعتزال، ومع ذلك لم أعرف أحدًا استوعبَه كالرَّازي، والرَّازيُّ أشعريٌّ بلَحْمِه ودَمِه.
• إذا رأيتَ من يقول: «لن أقرأ كلامَ الزمخشريِّ لأنه مُعتزليٌّ» فاعلم أنه جاهل.
• الرَّازِي قرأ توجيهَ الزمخشريِّ لوصف الله تعالى حَمَلَةَ العرش بأنهم «يؤمنون به» فقال: «لو لم يكن للزمخشريِّ إلا هذا لكفاه» مع أنَّ بعد هذا الكلام كلامًا للزمخشريِّ يَلعنُ فيه «سَنْسَفِيل» أهل السُّنة.
• كان شيخٌ جليلٌ من أهل السُّنة يقرأ «الكشَّاف» ويقول عن صاحبِه:
لَوْ لَمْ تَدَارَكْهُ مِنَ الله رَحْمَةٌ *** لَسَوْفَ يُرَى فِي النَّارِ قِرْنًا لِكَافِرِ
• العقلياتُ الحيَّةُ تأخذ الصَّواب حيثما كان وتترك الخطأ، ولا تتركُ الصَّواب من أجل الخطأ.
• مجالسُ العِلمِ فَتحُ آفاق.
• من الكلمات الغريبة الرَّائعة قولُ عبد القاهر إنه لا يُوجد معنًى في خاطرِ أيِّ خاطرٍ إلا وهو مُقترنٌ بلفظه، ومع ثقتي بجلال الرَّجُل وبعلمه فإنِّي لا آخُذُ منه وأنا مَعصوبُ العينين، الذي تأخذ منه وأنت مَعصوبُ العينين هو سيدُنا رسولُ الله فيما بلَّغه عن ربه = فلمَّا قال عبد القاهر ذلك حاولتُ أن أُجرِّبَ هذا مع نفسي؛ فلم أجد في نفسي خاطرةً ولا لَمْحةً إلا وهي مقترنةٌ باللَّفْظ الدالِّ عليها.
• «زُهَيرٌ» الحَوْلِي المُحكَّك الذي كان يقول القصيدةَ ويراجعها عامًا، ماذا كان يُراجع؟ هل كان يُراجع ألفاظًا؟! لا، كان يُراجع معاني، وأنت كذلك؛ أنت حين تكتب وتَشْطُب وتُعيد العبارة أنت لا تَشطُبُ من أجل الألفاظ وإنما تَشطُبُ من أجل المعنى؛ لأن المعنى الذي كتبتَه لم يَرُقْ لك ووجدتَ في نفسك معنًى أفضلَ منه.
• نحن شُغِلنا بإعراب «قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ» عن تذوُّق دلالته، ضَعْ نفسَك موضعَ امرئ القيس وهو يقول لصاحبَيْه: «قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ»، تكاد تبكي أنت.
• لا شكَّ أنَّ لك ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزلِ، وكلُّ واحدٍ فينا له ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزلِ، ومِن هنا وُجِدَ مَذاقٌ جديدٌ للشعر.
• ردَّد شيخُنا قول الشاعر:
أقُولُ لِصَاحِبِي والعِيسُ تَهْوِي *** بِنَا بَيْنَ المُنِيفَةِ فَالضِّمَارِ
تَمَتَّعْ مِنْ شَمِيمِ عَرَارِ نَجْدٍ *** فَمَا بَعْدَ العَشِيَّةِ مِنْ عَرَارِ
ثم قال: يقول لنا شيخُنا: «اقرأ الشِّعرَ وكأنك أنت الذي على العِيس، وكأن العِيسَ تَهْوِي بك أنتَ بين المُنِيفَةِ فالضِّمارِ، وكأنك أنت المُرتحِل عن نَجْد».
وكلمة «فَمَا بَعْدَ العَشِيَّةِ مِنْ عَرَارِ» كلمةٌ لها لَذْعٌ شديدٌ جدًّا جدًّا، وكأنَّ المَيِّتَ وهو يُحتضر لسانُ حالِه يقول: «فَمَا بَعْدَ العَشِيَّةِ مِنْ عَرَارِ»، هذا كلامٌ جيد، وصانعٌ للأفئدة، وصانعٌ للأرواح.
• مُحمَّد إقبال كان والدُه يقول له: «اقرأ القرآن وكأنه عليك أُنْزِل»، وأنا أقول لك: قُلِ الشِّعرَ وكأنك أنت الذي أنشأتَ معناه، افهمِ العلمَ وكأنك أنت الذي تعيش قضاياه، مِن هنا تتغيَّرُ ولا تعيشُ متخلفًا، ولا تعيشُ مهزومًا، ولا تعيشُ مقهورًا؛ لأن هذا هو العلمُ الذي يُخرِجُك وقومَك من الظلمات إلى النور.
• لا تَجِدُ ظالمًا ولا مستبدًّا يَهتمُّ بالعلم؛ لأن الحِصنَ الوحيدَ الذي يقضى على هذه الرَّذائل في المجتمع هو العلم.
• الأصلُ في تَغيُّر المجتمعات هو إحياءُ العقول.
• حين تُعامل «النَّحْوَ» على أنه إعرابٌ فإن «النَّحْوَ» الذي تتكلم عنه ليس هو «النَّحْو»؛ لأن «النَّحْو» إبانةٌ عن معانٍ.
• عبد القاهر مُشْبَعٌ بكلمة «معاني النَّحْو» لأنه نَحوِيٌّ من رأسِه إلى قَدمِه، ثم أراد الله به خيرًا - لشدَّة إخلاصه وشدَّة انقطاعه للعلم - فحرَّك معانِيَ النَّحْو حركةً واحدة، وهو أنه نقلها من كُتب النُّحاة وجعلَها في اللِّسانِ المُبِينِ عن المعاني؛ فكان علمُ البلاغة.
• أردتُ أن أقولَ لكم شيئًا صريحًا: هذا كتابٌ يُعلِّم التفكير، ويُعلِّم العلم، ويُعلِّم التدبُّر، ويُعلِّم العقل، يُعلِّمك كيف تقرأ، يُعلِّمك كيف تَفهم، يُعلِّمك كيف تُفكِّر؛ فإن كنتُ استطعتُ أن أُبرِزَ لكم هذه المعانِيَ في هذا الكتاب فهو توفيقُ الله، أما إذا كنتُ عَجزتُ عن أن أدُلَّكم على أن هذا الكِتابَ يُعلِّم العقلَ فاعلموا أن عَجْزِي هو السَّبب وأن هذا الكِتابَ يُعلِّم العقل.
• الأصلُ ألا يَشرَحَ كلامَ العالِم إلا مَنْ هو في طبقة هذا العالِم، ولو انتظرنا مَنْ هو في طبقتِه فلن نَجِدَه؛ فلْنَتقبَّل الموجودَ مع ضَعْفِه.
• لو انتظرنا مَنْ يَشرحُ لنا «المُطوَّل» وهو في طبقةِ «سعد الدِّين» فلن نَجِدَ، ولو انتظرنا مَنْ يَشرحُ لنا «الكشَّاف» وهو في طبقة «الزمخشريِّ» فلن نَجِدَ؛ فلْنَتقبَّل الموجود ونَجتهدْ نحن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد