بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 3 من ذي الحجة 1445هـ / 9 يونيو 2024 م:
• هناك شيءٌ أُحبُّ أن أُنبِّه إليه، وهو مهمٌّ جدًّا؛ هذا الشيء المهمُّ هو أنَّ الذي أقرؤه عليكم هذه الأيام، خصوصًا في كتاب «دلائل الإعجاز»، الفائدة الكبرى منه ليست أن تتعلَّم العلمَ الذي نشرحه، وإن كان تعلُّم العلم أساسًا، وهو الغايةُ من كل قراءة، إنما الفائدة التي هي أعلى من العلم الذي أشرحه هي أنه يُعلِّمنا كيف نقرأ، وكيف نتدبُّر ما نقرأ، وكيف لا نستهينُ بالمعلومات الشائعة التي بين أيدينا؛ لأننا إذا أعملنا عقلَنا فيها وجدنا فيها شيئًا أنفسَ مِن الظاهر الذي نفهمه.
• الذي أقرؤه يُعلِّمنا كيف نقرأ، ومن الأمانة التي يجب أن تكون بين أهل الله الذين هم أهل العلم = من الأمانة أن أقول لكم إنني أتعلَّم مما أقرؤه عليكم كيف أقرأ، وهذا ليس غريبًا، وإنْ كان في ذهنك غريبًا لأننا تخلَّفْنا في مرحلة بعيدة.
• الخليل بن أحمد الذي عاش حياتَه يُعلِّم، ولم أعلم، ولم أعرف، ولم أقرأ، أن الخليل شُغِلَ عن تعليم العلم بأي شاغل آخر، كان يقول: تَعلَّم العلمَ وأنت تُعلِّمُ العلمَ، واجعل الدرسَ الذي تقولُه مراجعةً دقيقةً لك أنت، لعلَّك تتنبَّه وأنت تُعلِّمه إلى شيء خَفِيَ عنك فتُدركه.
• الخليل مُعلِّم ولكنَّه خرَّج سيبويه، أبو علي الفارسي مُعلِّم ولكنَّه خرَّج ابن جني؛ فهذه قيادات خرَّجتْ قيادات.
• ليس في الدنيا قياداتٌ لا تُخرِّج قيادات، إذا رأيت قياداتٍ لا تُخرِّج للبلاد قياداتٍ فاعلم أنها قياداتٌ زائفة.
• حُبِّي لبلادي يَدفعني إلى أن أُخرِّج لبلادي مَن هو أفضلُ مني؛ إن كنتُ في العِلم أُخرِّج لبلادي من هو أعلمُ مني، وإن كنتُ في الطِّب أُخرِّج لبلادي من هو أعلمُ مني، وإن كنت في الرياضة، أو في العلوم، أو في الطبيعة... إلخ.
• حُبُّك لأرضك يَجعلك تُحبُّ أن تُخرِّج لأرضك مَن هو أفضلُ منك؛ لأن أرضك أفضلُ عند نفسِك مِن نفسك.
• إن كنتُ سياسيًّا فلا بدَّ أن أُخرِّج ساسةً هم أفضلُ مني في السياسة. هذا «ألف باء» حُبِّ الأوطان.
• إذا رأيتَ العالِم يقول: «ها أنا ذا» وانتهى الأمرُ، فاعلم أنه كذَّاب وليس من العِلم في شيء، وإذا رأيت الطبيب يقول: «ها أنا ذا» فاعلم أنه جاهلٌ وليس من الطِّب في شيء، وإذا رأيت السياسي يقول: «ها أنا ذا» فاعلم أنه كَذُوبٌ وليس من السياسة في شيء.
• تَعلَّمْ مِن درسك أنت أكثر ممَّا تُعلِّمه لطلابك، وإذا سألك طالبٌ فاعتقدْ أنه يَستدرك عليك ما يمكن أن يكون قد فاتَك، فارفع الطالب في درجةِ مَن يستدرك على المُعلِّم، ولا تَنهَرْه ولا تُحْبِطْه.
• لا فضلَ لي في درس العلم هذا؛ لأنني جئتُ لأنتفعَ أكثرَ ممَّا أنفعُ، جئت لأتعلَّم أكثرَ ممَّا أُعلِّم، فأنت حين تُعْطِي كأنك تُعْطَى.
• إذا كانت آية: }مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ لمن يُنفق مالًا في سبيل الله فطَبِّق الآية على كل من يُنفِق خيرًا لهذه الأمَّة في سبيل الله.
• عبدالقاهر يُحاوِر محاوراتٍ عقليةً بالغةَ السُّمُوِّ وهو يتكلَّم في قضايا ربما تظنُّ أنها لا تستحق أن يُتكلَّم فيها.
• وقوف عبدالقاهر عند بعض المسائل الظاهرة والبارزة هداه إلى أن يتكلَّم في دقائقَ ما كان له أن يتكلَّم فيها إلا مِن مدخله إلى هذا الشيء الظاهر البارز.
• يا ابن الحلال، أنت في حاجةٍ إلى أن تتعلَّم القراءة. إن كنتَ تريد أن تكون شيئًا فليس لك سبيل إلا القراءة.
• السَّماعُ وإن كان جيدًا جدًّا - وأصلُ عِلم الأمَّة السَّماع - فإنه لا يُتاح لك كثيرًا، إنَّما القراءة هي العمل المُلازِم لك، فلا بدَّ أن نتعلَّم كيف نقرأ.
• لم يَشغلْني شاغلٌ عن العلم في حياتي كلِّها؛ لأن الله صرفني عن كل شيء، ورفضتُ كلَّ الرَّفض أن أكون في عمل إداري؛ لأني لم أجد كلَذَّة القراءة والكتابة.
• لم أستحي أن أقول لكم في هذا المكان الطيِّب الطاهر، وأنا في نهاية العمر، ولم يبق في العمر شيءٌ، لم أستحي أن أقول لكم كلامًا صريحًا جدًّا جدًّا؛ هو أنني أتعلَّم الآن كيف أقرأ.
• لا تزالُ تَتعلَّم كيف تَتعلَّم إلى أن تَدخلَ القبر، وإذا دخلتَ القبرَ وأنت تَتعلَّم كيف تَتعلَّم ستجده إن شاء الله روضة من رياض الجنة، شريطةَ أن يكون هناك شيءٌ في صدرك؛ هو أن هذا العمل لخدمة أمَّة هي خيرُ أمَّة أُخرِجَتْ للناس.
• الآية العظيمة جدًّا جدًّا التي تَجعلُني خادمًا لهذه الأمَّة، وأنا راجٍ أن يُوفِّقَني الله لخدمتها، هي قوله تعالى: }وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ{، ألَّف بين قلب المسلم الذي هو في أقصى الشرق من الأرض وقلب المسلم الذي هو في أقصى الغرب من الأرض.
• زَرْعُ الله في قلب كلِّ مسلمٍ حُبَّ كلِّ مسلمٍ، مِن غير أن يعلمَ عنه شيئًا، عطاءٌ عجيبٌ جدًّا لهذه الأمَّة.
• علَّمَنا القرآن التدبُّر ليكون التدبُّر طريقَنا في قراءة أيِّ بابٍ من أبواب العلم.
• علماء الأمَّة ألزموا أنفسَهم بشيءٍ زائد؛ هو أن يقولوا الصَّواب ثم ينظروا ويتدبُّروا إلى أي مدًى وصل هذا الصَّوابُ إلى قلوب الناس، وإلى أي مدًى غيَّر عقولَهم، وإلى أي مدًى صحَّح طريقَهم؛ لأن المسألةَ عندهم ليست أن يقولوا، المسألةُ عندهم أن يُغيِّروا العقول.
• عبدالقاهر كأنَّه يقول لك إن مهمَّتك لا تنتهي عندما تقول لطالبك: «ارفع الفاعل وانصب المفعول»، إنَّما لا بدَّ أن تَرقُبَ لسانَ مَن قلتَ له هذا حتى يرفعَ الفاعلَ ويَنصِبَ المفعول. مُهمَّتُك تُوجِب عليك أن تُتابع ألسنتَهم حتى ترى ألسنتَهم رفعت الفاعل ونصبت المفعول، وهذا هو حُبُّ العالِم لأبناء قومه.
• عبدالقاهر كأنه يقول لأساتذة كلية اللغة العربية: ما دام طُلابُكم لا يرفعون الفاعل ولا ينصبون المفعول فكأنكم لم تقولوا شيئًا؛ فاذهبوا إلى دُورِكم، وأغلِقُوا عليكم أبوابَكم، وأغلِقُوا أبوابَ الكلية، ولا تَكذِبوا على النَّاس. الكلية إمَّا أن تُغيِّر وإمَّا أن تُغلَق، وهكذا المدرسة، وهكذا الجامعة، وهكذا كلُّ شيءٍ في حياة الأمَّة: إمَّا أن تُغيِّر الإنسانَ وإمَّا أن تَذهبَ إلى الجحيم.
• يؤذيني جدًّا أن يُقال عن الطبيب الفلاني إنه مُطَّلعٌ على أحدث نتائج علم الطب!! اطِّلاعُك على أحدث ما أنتجتْه العقولُ يَجعلُك عالمًا بيننا؟! أين أنت من العقول التي أنتجت.
• أنت على عيني وعلى رأسي ليس لأنك اطَّلعتَ على أحدث ما أنتجتِ العقولُ، أنت على عيني وعلى رأسي إذا كنتَ من العقول التي أنتجت أحدثَ ما وصلتْ إليه العقول.
• أعظمُ شيء عندنا أن يُقال إن فلانًا مُطَّلعٌ على أحدث شيء وصل إليه العلم. يا سيدنا، هذه مَذمَّة، إنما الحَسنةُ أن يكون هو من بين الذين أنتجوا أحدث ما وصل إليه العلم.
• لا بدَّ للأمَّة أن تنتقلَ من التقليد والتَّبعية إلى أن تكون مُقلَّدةً ومتبوعة، لا بدَّ أن يَخرجَ في الأمَّة رجالٌ يُصرُّون على أن ينقلوها من حيِّز التقليد والتبعية إلى أن تكون مُقلَّدةً ومتبوعة.
• لا تَستهِنْ بنفسك، أنت في نفسِك أنَّك تافِه، أنت ظالِمٌ لنفسك؛ لأن الذي خلقك قال إنه سخَّر لك ما في السماوات وما في الأرض، وقال إنك خيرُ أمَّةٍ أُخرجَتْ للناس، وقال: }وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ{.
• قوله تعالى: }وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ{ يبعث الهِمَّةَ في قلب الأمَّة للنُّهوض، «أنتم» ليسوا أشباحًا غائبة، «أنتم» أي أنا وأنت أيها النَّائم.
• كل ما نحن عليه من مناهج التخلُّف لا بدَّ أن نطرحَه طرحًا كاملًا، وأن نبدأ في رؤية طريق التقدُّم.
• لو خرجتَ من بيتك وقلبُك مليءٌ بالإحساس بأن «سعادتك» مُعلِّم وأنك جئت لتُعلِّم فلن تُعلِّم شيئًا، إنما تَعال لتتعلَّم، إذا جئت لتتعلَّم أحسنتَ أن تُعلِّم.
• الخطأ قد يتجذَّر في العقول، ويمتلكها، ويُسيطر عليها، ولا يُبقي لها مَنفذًا ليصل إليها الحقُّ؛ فاحذروا من أن يَستبِدَّ الجهلُ بكم، احذروا من أن يَستبِدَّ الخَللُ بكم، احذروا من أن يَستبِدَّ الخطأ بكم، وقاوموا الخَللَ والخطأَ والجهلَ حيثما رأيتموه؛ لأنه إذا استبدَّ بعقولكم دَمَّركم.
• الخطأ أحيانًا يُغلق كل أبواب المعرفة أمام العقول، وتظلُّ العقولُ أسيرةً ومملوكةً لهذا الخطأ، وهذا مِن أخطر ما يمكن أن تعيشَه الشعوبُ... وإهمال التعليم يؤدِّي إلى مثل هذا.
• اقتلاعُ الجهل يحتاج إلى عناءٍ أكثرَ مِن عناءِ تعليم العلم.
• لن تَمْلِك الأمَّة بقليلٍ من القوَّة إلا إذا جهَّلْتَها أولًا، فإذا جهَّلْتَها امتلكتَها؛ امتلكتَها بالأكاذيب، وامتلكتَها بالضَّلالات، وامتلكتَها بالتوهُّم؛ تَوهُّم أنها متقدِّمة مع أنها متخلِّفة، تَوهُّم أنها تمشي إلى الأمام مع أنها تمشي إلى الوراء.
• بنو إسرائيل لا يَسْتَحُون مِن فِعل أي شيء: يحتفلون بقتلهم الأطفال، يحتفلون بهدمهم المساكن على رؤوس صاحِبِيها، وأُقسم لكم بالله إن عداءهم لكلِّ عربيٍّ مسلمٍ لا يقلُّ عن عدائهم للفلسطينيين، وإنهم لو تمكَّنوا من ذلك في كل دارٍ في كل بلدٍ من المحيط إلى الخليج لفَعلُوه.
• إذا لم يُوقِظْ وجودُ هؤلاء اليهود الأمَّةَ فلا أملَ فيها على الإطلاق.
• منذ زمن اتَّصل بي الشيخ عبد الرحمن الكردي - رحمه الله، وهو رجلٌ من أولياء الله - يبارك لي ترشيحَ رئيس الجامعة، وهو الدكتور السَّعدي فرهود، إيَّاي لأكون عميدًا للكلية، فلم أقلْ للشيخ الكردي إني أرفض هذا المنصب؛ لأنه لم يكن ليَقبلَ ذلك منِّي، فقلتُ له: «بارك الله فيكم، ولْيُعِنَّا الله»، وفي اليوم التالي في الساعة التاسعة صباحًا كنت في مكتب السَّعدي فرهود في الجامعة، فقلت: له بَلغَنِي أنك رشَّحتَنِي لكذا، فإنْ أردتَ أن تُخرِّبَ الكلية فعَيِّنِّي عميدًا لها، فقال - رحمه الله، وكان عاقلًا وجيِّدًا ومن أوائل طلاب الكلية -: فما قُصارى عملك معنا؟ فقلت له: رئيس قسم.
• طُولُ حُبِّك وعِشقُك للقراءة يعطيك حقيقة؛ هي أنك ستزداد جهلًا؛ لأن القراءة تدلُّك على أنَّ ما لم تَعْلَمَه أفضلُ بكثير، وأكثرُ بكثير، وأجلُّ بكثير، وأوسعُ بكثير ممَّا تَعْلَمُه.
• كان أكبر عَملٍ لعبدالقاهر الجرجاني ليس هو تأسيس علم البلاغة، وإن كان هذا من أجلِّ الأعمال، وإنما كان أكبر عَملٍ لعبدالقاهر هو أنه كان يُعلِّمُنا كيف نفهم وكيف نقرأ.
• أخطرُ الخَطرِ أن تُجهِّلَ الشَّعبَ بتدميرِ التعليم.
• العالِمُ الرَّائعُ الرَّبَّانيُّ حين يتكلَّم في الجهل بإفاضة وبعلمٍ غزير يفيدك كأنَّه يتكلَّم في العلم.
• العِلمُ إذا لم تُحْسِنْ فَهْمَه أفضى بك إلى شرِّ الجهل.
• أبو بكر بن الطيِّب الباقلاني لم يكن يُعلِّم العلمَ، بل كان يَظلُّ يُعلِّمُك إلى أن يَضعَ قلمَه في يدك ويَطلبُ منك أن تُتِمَّ أنت كتابة ما أراد؛ لأنه علَّمك الطريقَ وعليك أنت أن تَسيرَ فيه.
• يا سيدنا، لا تَلْعَنِ الخطَّائين. يا سيدنا، صِفْ لنا الطريق الذي أوصلَهم إلى هذه الحالة حتى نتفادى ونتحاشى أن نَمشِيَ فيه، وحتى ننصحَ أبناءنا وأحفادنا بأن يَتجنَّبُوه.
• العنايةُ بالعلم هي عنايةٌ بكل ما ينفع الناس، العنايةُ بالعلم شاملةٌ للعناية بكل ما على تراب الأرض، وتدميرُ العلم هو تدميرُ كلِّ ما على تراب الأرض، وهذه أوَّلياتٌ في التاريخ كلِّه.
• كلُّ علمِ عبدالقاهر في البلاغة مُهمٌّ جدًّا، لكنَّ الأهمَّ من المهمِّ هو حديثُه عن صُورِ المعاني، وأن السَّبْكَ والرَّصْفَ وكلَّ عَملِ الشَّاعر هو عملٌ في صُوَرِ المعاني.
• الباقلاني قال: «لا بدَّ أن تُميِّزَ سَبْك أبي تمام من سَبْك مُسْلم، وأن تُميِّز سَبْك البحتري من سَبْك ابن الرُّومي»؛ فوجدتُه يذكر الشاعر ومَن هو أشبهُ به؛ فأبو تمَّام أشبهُ الناس بمُسْلِم، والبحتري أشبهُ الناس بابن الرومي، ولو قال: «سَبْك أبي تمام مِن سَبْك البحتري» لما أحدثَ في نفسي هذا الأثر.
• أحيانًا سطرٌ واحدٌ يُحدِّدُ لك صُورةً للعالِم عالِية.
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 17 من ذي الحجة 1445هـ = 23 يونيو 2024 م:
• إن عَوْنَ الله لطالب العلم في طلب العلم مِن أكرمِ النِّعَم وأعلاها؛ لأن فَهْمَ العلمِ من أقربِ القُرُبات، والقراءةُ في كُتب العلم أفضلُ من صلاة النَّافلة.
• الموضوعُ الذي أتكلَّم فيه، وسأتكلَّم فيه، موضوعٌ في غاية الدِّقة، وفي غاية الغموض، وأساسُه الذي يجبُ أن يكون عندك حقيقةً كـ«لا إله إلا الله» هو أن الشيخ عبدالقاهر يَقطعُ بأنه لا فضيلةَ في الكلام ترجع إلى شيء إلَّا إلى معناه، لا فضيلةَ في الكلام ترجع إلى لفظه ألبتة، وإنما كلُّ فضلِ الكلام على الكلام راجعٌ إلى المعاني، واحذر أن تُدخِلَ الألفاظ في التَّبايُن والتَّفاضُل بين أنواع الكلام.
• الحديث عن الألفاظ وقيمة الألفاظ مشهورٌ جدًّا، وجارٍ على ألسنة الكبار الذين نأخذ عنهم العلم، فكيف تُقنعني أنت يا شيخ عبدالقاهر بأنه ليس للَّفظِ فضيلةٌ مع أنني أحفظ هذا عمَّن أخذتَ أنتَ عنهم العلم... يقول لك عبد القاهر: أنا مُسلِّمٌ لك بالذي تقول، وبأن الذين أخذتُ أنا عنهم العلمَ نَسبَ الفضيلة للألفاظ، ولكنهم لم يريدوا الألفاظ التي هي الكلمات المسموعة، وإنما أطلقوا الألفاظ على صُوَر المعاني حتى لا تَلتبِسَ بالمعاني التي هي الأغراضُ والمقاصد.
• عبدالقاهر عقلية علمية نادرة أُحِبُّ أن تعرفوا شيئًا عنها؛ لأن معرفتَك لحقائقِ عقليةِ العالِم وأبعادِها وأعماقِها تُعدُّ معرفةً جليلةً جدًّا جدًّا تَفتحُ لك أبوابَ علمه.
• هناك مَعانٍ هي أغراضٌ ومقاصدُ، وهناك مَعانٍ ليست أغراضًا ولا مقاصدَ؛ فأطلقَ العلماءُ عليها «الألفاظ» حتَّى لا تَلتبِسَ بالمعاني التي هي الأغراضُ والمقاصدُ، والذي لا يَفهمُ هذه الدَّقائقَ لا يَفهمُ في العلم.
• طالبُ العلمِ الذي يَتحجَّجُ بظروف الحياة والأولاد والعمل، تأكَّدْ أنه أُغْلِقَ في وجهه بابُ العلم؛ لأن الذي فُتِحَ في وجهه بابُ العلم لا يَعرِفُ شيئًا يَصرِفُه عن العلم، وإنما يَعلَمُ أن العِلمَ يَصرِفُه عن كل شيء.
• لن تَدخُلَ بابَ العلم إلَّا إذا دخلتَ بابَ الغوامض، وهذا يُذكِّرني بقول العلماء: «إن أردتَ أن تتعلَّمَ العلمَ فعليك بمسائل الخلاف»؛ لأن مسائلَ الخلاف مِن غوامض المعرفة، وهي التي ترى فيها العقولَ تتحاور، وتتجادل، وتقول، وتَقبل، وتَرفض.
• صُور المعاني هي التي يرجع إليها عَملُ الشاعر، هي سَبْكُه، هي رَصْفُه، هي شِعْرُه، هي عَمَلُه، وقد سمَّى العلماءُ هذه الصُّورَ «ألفاظًا» حتى لا تَلتبِسَ بالمعاني التي هي الأغراضُ والمقاصد.
• ليس أمامنا إلَّا الحقيقة؛ لأننا عِشْنا في الكذب ما عِشْنا، وشَرِبنا المُرَّ من الكذب، والحقيقةُ هي أنك ما عِشْتَ إنَّما تتعلَّم كيف تتعلَّم، أما أن تتعلَّمَ العلمَ فهذا تَجوُّزٌ وتَساهُلٌ، إنما أنت في الحقيقة تتعلَّم كيف تتعلَّم، ثم تموتُ وأنت تتعلَّم كيف تتعلَّم، وهذا هو معنى قوله تعالى: }وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا{.
• بعد هذا العُمرِ الطَّويل مِن الانقطاعِ للعلم أرى أنني مازلت أتعلَّمُ كيف أتعلَّم.
• أفضلُ حديثٍ في العلم هو الحديثُ حولَ العلم لا الحديث في العلم.
• ما تأخذُه عنِّي وما تأخذُه عن غيري يجب أن يكونَ تحت بؤرة عقلِك لتُفكِّرَ فيه.
• الكشفُ عن الغوامض كشفٌ صعبٌ جدًّا؛ فقد أضطر أحيانًا إلى استعمالاتٍ فيها تسامُحٌ وتساهُل وأنا أُبيِّن الحقائق؛ فلا تأخذْ مني كلامًا وتُسلِّمْ به، ولا من غيري كلامًا وتُسلِّمْ به، ولا مِن رسولِ الله كلامًا وتُسلِّمْ به إلا ما كان مِن وَحْي الله له؛ لأنه عليه السلام معصومٌ نَعَمْ فيما أوحِيَ إليه، ولكنه إذا تكلَّم بغير الوحي، وتكلَّم في المعاني العامَّة التي يتكلَّم فيها الناس، يُقبَلُ من كلامه ويُترَك، والصحابة سألوه يوم بدر: أهذا منزلٌ أنزَلَكَه الله أم هو الرأي؟ فقال: بل هو الرأي، فقالوا: نرى مَنزِلًا آخر، فنزلَ رسولُ الله على رأيهم.
• كلامُ سيِّدنا رسول الله بوَحْيٍ ليس فيه إلَّا سَمِعْنا وأطَعْنا؛ فَهِمْنا أم لم نَفْهَم. ما يأتيني من ربِّي لا أقولُ فيه إلَّا سَمِعْنا وأطَعْنا.
• سيدُنا محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم نبيٌّ كغيره من الأنبياء، ثم هو يتميَّز بأنه خيرُ خَلقِ الله، وهذا الذي هو خَيرُ خَلقِ الله يسأله أصحابُه المَيامِين: أهذا منزلٌ أنزَلَكَه الله أم هو الرأي؟ فيقول: بل هو الرأي، فيقولون: نرى مَنزِلًا آخر، فينزلُ خَيرُ الخَلْق على رأي أصحابه.
• نَزلَ خَيرُ الخَلقِ على رأي أصحابه، أمَّا فكرة «الاستبداد» و «ها أنذا» و«ليس لكم رأيٌ مع رأيي» فلا تُوجَدُ مع الخَيِّرين، إنَّما تُوجَدُ مع غير الخَيِّرين.
• عبدالقاهر يقول لك: إذا أخذتَ عني وأنتَ مُغمَضُ العينين فأنت في باطلٍ وضلال، ولا تظنَّ نفسَك طالبَ علمٍ.
• إذا سَمِعْتَ من أعلمِ العلماء كلامًا ووَعَيْتَه مِن غير أن تَرجِعَ به إلى عقلك ووَعْيِك فأنت لست طالبَ علم، وإنما أنت تربية الاستبداد، أنت نَبتةٌ نشأت في أرضٍ يُضلِّلها الاستبداد، وعليك أن تراجع ما تَسمعُ ولو كان مِن خَيرِ الخَلْق فيما لم يُوحَ إليه... أرأيتم مدى حرية الفكر؟!
• لمَّا كان الاستبدادُ بَغيًا في الأرض، وفسادًا في الأرض، أمر اللهُ كل أنبيائه مِن لدن نُوح بأن يستشيروا أقوامهم، وأن يجعلوا أمرَهم شُورى بينهم، والأنبياءُ على مدى التاريخ هم صفوة الأُمم، ولو كانت تُترَك المشورةُ لأن صاحبَ الرأي هو أفضلُنا لتَركَ النَّاسُ المشورةَ اعتمادًا على أنبيائهم.
• عَجِبْتُ جدًّا مِن تسمية القرآن سورة باسم «الشُّورى»، وأوَّل آية فيها: }كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{؛ فأشارت إلى أنها وَحْيُ الله إلى محمَّد ووَحْيُ الله إلى كلِّ الأنبياء، ولذلك قال أهل الله من العلماء إن كلَّ ما في سورة «الشُّورى» مِن وَحْيِ الله إلى جميع أنبيائه، وليس فيها جملة واحدة خاصَّةٌ بالوَحْي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
• قلتُ لكم مرَّاتٍ كثيرةً: مِن البلاء أن تقرأ ما يُدهِش ولا تُدهَش، وإذا وجدتَ نفسَك تقرأ ما يُدهِش ولا تُدهَش فاعلم أنك في غيبوبة؛ فأيقظْ نفسَك حتى تَعجَبَ ممَّا يُعجِبُ وتَدهَشَ ممَّا يُدهِش.
• خاطبَ شيخُنا حضورَ الدرس قائلاَ: أفهِمْتُم أم لم تفهموا؟! لن يسألني الله عنكم هل فهموا أو لم يفهموا، وإنما سيسألني: هل قلتَ أو لم تَقُلْ؟ فيستوي عندي أن تَفهموا وألَّا تَفهموا؛ لأني لا أقول لكم. نعم، أنتم أهلي ولحمي ودمي، لكنَّ هناك سؤالًا آخر، هناك آخرة.
• الآخرة بفضائها الذي لا نهاية له إنما هي لصلاح الدُّنيا بفضائها الذي له نهاية.
• يُدهشني القولُ إنه لا سياسة في الدَّين، وكنت أقرأ هذا لنَاسٍ أحترمُ عقولهم، ولكنَّه الجهل!! يا سيدنا، هناك سورة في القرآن اسمها سورة «الشُّورى» لكي تكون سياسةٌ في الدِّين لا شكَّ فيها، وهناك سورة في القرآن اسمها سورة «القتال»، والقِتالُ هذا أعلى قرار سياسي!
• الله نزَّل لنا آية يقول فيها: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا{؛ يُعلِّمُنا آدابَ المجلس، فهل الذي يُعلِّمنا هذه الأمورَ البسيطةَ جدًّا جدًّا لن يُعلِّمَنا كيف نَسُوسُ حياتَنا؟!
• قِيلَ للظالم: «كيف تَظْلِمُ؟»، فقال: لأنني وجدتُ مُغفَّلين يَقبلونَ أن يُظلَموا، وكذلك قيل للمُضلِّل والمُلفِّق والكذَّاب: «كيف تُضلِّل وتُلفِّق وتَكذِب؟»، فقال: لأنني وجدتُ مُغفَّلين يَقبلون هذه الأكاذيب.
• يقيني أنَّ إخراجَ الشُّعوب من التخلُّف إلى التقدُّم ليس له إلا طريقٌ واحد؛ هو إيقاظ الشُّعوب، أيقظوا شعوبَكم تَنْفِ شعوبُكم خَبَثَها، لا تحاولْ أن تنفِيَ الخَبثَ عن الشَّعب؛ لأنك لا تستطيع؛ ألفُ سيفٍ على رأسك، وإنَّما أيقظ الشَّعبَ ليَنفِيَ الشَّعبُ خَبَثَه.
• العِلمُ قَبَسٌ من نُورِ الله، فإذا قرأتَه وعقلُك مُغْمَضٌ تكون قد دمَّرتَ العلم.
• اسمعْ يا وَلَد، أنا أجدُ للعلماء دقائقَ في اللُّغة لا أجدُها في كلام الشعراء، ولذلك قلتُ: لماذا عُنِينا بكلام الشُّعراء ولم نَعْتَنِ ببيان العلماء الذي هو دقائقُ لغةٍ تُبين عن الخواطر والأفكار، والذي هو أفضلُ عندي من دقائق اللُّغة التي تُبِين عن الصَّبَوات والمشاعر والعواطف التي يقوم بها الشِّعر؟!
• في شبابي، وقبل أن يَبْيَضَّ شَعْري، كتبتُ في أن دِقَّة البيان في كلام العلماء أخفى وأغمض وأعلى وأسمى وأسنى من دِقَّة البيان في كلام الشعراء، وقد رَضِيَ ذلك الدكتور محمد رجب البيومي، عليه رحمة الله تعالى.
• كان لنا جِيلٌ أكبرُ منَّا يُتابعنا ويقرأ كلامَنا ويُصحِّح أخطاءنا، وكنت وأنا لا أزال في شبابي أعطي نسخة من كتابي للشيخ محمود شاكر، ثم آخذُها منه وأنظرُ فيها فأجده قرأ كلَّ كلمة ووَضَع إشارات على المواضع التي يجب أن تُراجَع، ولم يَعُدْ هذا موجودًا الآن، ونَحمَدُ ربَّنا أنه ليس موجودًا؛ لأنه لو تَسلَّطَ عليك الأكبرُ منك سيتسلَّط عليك بجهلٍ عظيم، هم تَسلَّطُوا علينا بعِلم، إنما الذين سيتسلَّط عليك الآن سيتسلَّط عليك بجهل؛ لأن الحياة في ظلماتها المتخلِّفة لا يمكن أن تبقى إلا مع الجهل المبين.
• عَظَمةُ الكتاب العزيز وجلالُه ليسا في أنه بيانٌ عن عواطفَ ومشاعرَ، وإنَّما بيانٌ عن حقائقِ دِين، فكان بيانُ العلماء أقربَ إلى بيان القرآن مِن بيانِ الشِّعر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد