بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 12 جمادى الأولى 1445هـ - 26 نوفمبر 2023م.
• مَجالسُ العلم إذا خَلَصَتْ فيها النِّياتُ لله، وابتُغِي في طلب العلم وَجهُ الله، تكونُ من مجالس الذِّكر، ومجالسُ الذِّكر تَحفُّها الملائكة، ومجالسُ الذِّكر هم القوم الذين غفر الله لهم، وهم القوم الذين لا يَشقى جليسُهم.
• العِلمُ مِن نَفَحَاتِه أنه يتلخَّص في أمورٍ محدودة جدًّا ثم يتوزَّع ويتوسَّع حتى يكونَ في سَعَتِه لا حدودَ له.
• من خصائص المعرفة أنها تَبتدئ بشكل محدود جدًّا، ثم تتَّسعُ حتى تكون في توسُّعِها لا حدودَ لها.
• القضيةُ كلُّها في «إنَّما» و «ما وإلا» أنَّ «إنَّما» تُستعمل فيما لا يَجهلُه المخاطَبُ ولا يُنكره، و «ما وإلا» أصلُ استعمالها في المعنى الذي يَجهلُه المخاطَبُ أو يُنكره، ثم أنَّ «إنَّما» قد يُنزَّل فيها المُنكِرُ منزلةَ غير المُنكِر، و «ما وإلا» يُنزَّل فيها غيرُ المُنكِر منزلةَ المُنكِر.. هذه هي الأصول الأساسية في 3 أسطر، ثم بعد ذلك يتَّسع الاستعمال، وتظهرُ دواعٍ وأسرارٌ وأسبابٌ؛ فأنت تنطلق من هذه الأوَّليات البسيطة إلى هذه الصُّور الكثيرة العامرة والزَّاخرة بالخفايا وبالأسرار وبدقائق البيان، فتبحثُ عنها وتُتابعها وأنت ترجو من الله – سبحانه وتعالى – أن يُذيقَك حلاوةَ المعرفة.
• حلاوةُ المعرفة كحلاوة الذِّكر، كحلاوة الإيمان، كحلاوة الطاعة.. أنت تُطيع محبةً في الطاعة، أنت تَذكُر محبةً في الذِّكر، أنت تقرأ محبةً في القراءة، أنت تتعلَّم محبةً في التعلُّم.. إذا رُزِقْتَ المحبةَ فقد رُزِقْتَ خيرًا كثيرًا.
• حين تقرأ الكتبَ المُتَّسعةَ تَجِدُ أن المعانِيَ المحيطةَ بالعبارة أدقُّ وأجلُّ وأعلى من العبارة نفسِها أو مِن أصلِ ما وُضِعَتْ له العبارة.
• لا بُدَّ لي كي أفهمَ التعبيرَ مِن معرفة ثقافة المتكلِّم، وعقيدته، وتوجُّهاته؛ لا بد أن تَعقِلَها حتى تتكلَّم في النَّصِّ بوعيٍ وبعلم.
• العِلمُ ليس «لعب صغار»، العلمُ يحتاج إلى وعي، ويحتاج إلى يقظة، ويحتاج إلى إدراك، فإذا كنتَ ستتلقَّاه بإهمالٍ وللتَّسلِيَة فأَرِحْ نفسَك.
• العِلمُ صَعْبٌ وطَويلٌ سُلَّمُه لأنَّه مَرْقَى الأنبياء، لأنه مَعارِجُ الأنبياء.
• العِلمُ ينطفئ في النَّفْس الغافلة، ويتوقَّد ويُضيء ويُشرق في النَّفْس اليَقِظَة.
• لا يجوز لك أن تَجهلَ كلمةً واحدةً قالها العلماءُ في علم البلاغة، ولكنَّ الرأسَ والعقلَ والفكرَ والوعيَ في التحليل وليس في ما قاله العلماء.
• التحليلُ هو فِقهُ كلام العرب والفَهمُ الدَّقيقُ لِمَا جاء به اللسان العربي مُؤسَّسًا على الفنون البلاغية.
• حين تبدأ التعاملَ مع اللُّغة التي نَطقتْ بها الألسنةُ العاليةُ ستجد نفسَك في عالَمٍ آخر، وستستصغر ما قاله البلاغيون، وستجد أن ما قالوه هو «أبجد هوز» و«ألف باء»، وأن ما نطق به لسانُ العرب هو الكلام.
• قال شيخنا مخاطبًا حضورَ الدرس: هل تفهمون ما أقول؟! حتى لو لم تفهموا سأبذل أقصى طاقتي؛ لأني لا أقول لكم، وإنما أقول للذي كلَّفني أن أقولَ لكم، حتى إنني لا أستحقُّ منكم الشُّكر ولا أي شيء مطلقًا، ولا أغضب مِن ذَمِّكم، ولا أرضى بشكركم؛ لأن الله أمرنا بأن نتعلَّم العلم ونُعلِّمَ العلم؛ فأنا أفعلُ ما أمر به وأرجو أن يَقبلَه، وإذا لم يَقْبَلْه فلا حولَ لي ولا قوة؛ لأنه لا يُسأل عما يفعل.
• قِصَّةُ حياة المسلم أن يَفعلَ ما أمره الله به، وألا يَنتظرَ مِن الناس شكرًا ولا ذمًّا؛ لأن الذي سيُحاسِبُه هو الذي يَعلَمُ سِرَّ نفسِه.
• الكلامُ الذي قاله عبد القاهر في «النفي والاستثناء» 4 أسطر، إنَّما الشواهد عجيبة؛ لأنَّ كلَّ شاهدٍ مِن عالَمٍ آخر، ولن تَعقِلَ الشاهدَ إلا إذا عَقَلْتَ هذا العالَمَ الآخر، ولذلك التحليلُ يَتَّسِعُ ويَضِيقُ باتِّساعِ ثقافتِك وضِيقِها.
• كُلَّما اتَّسَعَتْ معرفتُك اتَّسعَتْ معاني البيان الذي بين يديك، وكُلَّما ضَاقتْ معرفتُك ضَاقتْ معاني البيان الذي بين يديك.
• أنا من الناس الذين ألقى الله في قلوبهم أنَّ كلَّ كتابٍ فيه شيءٌ وله قيمةٌ، وأنك أنت الذي تستطيع أن تجعل للذي لا قيمةَ له قيمةً، وأنك تستطيع أن تُحْييَ الميت.
• إحياء الموتى بيد الله لا بيد غيره، أمَّا إحياء الفكرة الميِّتة فقد تركها الله لعباده.
• أنا من المؤمنين بأن قِيمتَك في أن تجعلَ للشيء الذي بين يديك قيمة، وحين تقول لي: «هذا الكتاب لا قيمةَ له» فأنا أعلمُ يقينًا أنَّ الذي لا قيمةَ له هو «فضيلتك!!!. ».
• وأنا في سِنِّكم أعجبتني كلمةٌ قالها توفيق الحكيم؛ قال: العقل الذي يُحيي فكرةً قديمةً أَجَلُّ من العقل الذي يأتي بفكرة جديدة.
• إحياءُ القديمِ أقوى من إبداعِ الجديد.
• لا يُحيي الموتى إلا الله، وإذا رزقك الله شيئًا مِن قُدرته فنَفَخْتَ مِن رُوحك في رُوحِ كلامٍ ميِّت فأحييتَه فأنت تُحييه برُوح الله.
• أنت لست هَيِّنًا، أنت هَيِّنٌ على نفسك فقط، ويوم أن تكونَ لستَ هَيِّنًا يوم أن تتقدَّمَ البلادُ، وإنَّما تتأخَّرُ البلادُ وتبقى في نُقطة التخلُّف ما دمنا نعتقد أننا لسنا شيئًا، ويوم نعتقد أننا شيء سيتغيَّر كلُّ شيء.
• قيمةُ التعليم ليست في أن يَصنعَ إنسانًا يعيش، قيمةُ التعليم في أن يَبنِيَ إنسانًا.
• لن نَخرجَ من سرداب الظلام إلا إذا سلكنا طريق الضياء، ولن يُعرِّفَ الأمَّةَ طريقَ الضياء إلا علماؤها، والمُعلِّمون فيها، والمُربُّون فيها.
• إذا كانت مهمتي فقط أن أُعلِّمَك أنَّ «كان» ترفع المبتدأ وتنصب الخبر فلا كُنتَ، ولا كانتْ «كان»، ولا كان المبتدأ، ولا كان الخبر.. المُهمُّ فوقَ كلِّ هذا أنْ أُوقِظَ مَلَكاتِك، فإذا أيقظتُ المَلَكَاتِ رَفَعَتِ المَلَكَاتُ الظُّلُمات.
• إذا أيقظتَ الشَّعبَ فلن تَجِدَ فيه مظلومًا، إذا أيقظتَ الشَّعبَ فلن تَجِدَ فيه مقهورًا، إذا أيقظتَ الشَّعبَ فلن تَجِدَ فيه مُستبِدًّا.. الذي يَمنعُ الظُّلمَ، ويَمنعُ القَهْر، ويَمنعُ الاستبداد، هو يَقظةُ الشُّعوب، وليس للشُّعوب عَامِلُ يَقظةٍ إلا العلم.
• ثقافةُ التخلُّف التي أَلِفْتَها وأَلِفَتْك، وأَحْبَبْتَها وأَحَبَّتْكَ، جعلتْك تَفهَمُ أن الإحسانَ في قوله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ هو أن تَضعَ يدَك في جَيبك وتتصدَّقَ بالدرهم، لا، المُحسِنُ هو المُتقِنُ لعمله.
• صَمِيمُ دَرسِ البلاغةِ هو اليَقَظَة، وكلُّ كلمةٍ في العِلمِ مَعقودٌ على ناصِيَتِها اليَقَظة، فإذا لم تكن كلُّ كلمةٍ في العلم سببًا من أسباب اليَقَظة نكون قد أضَعْنَا العلم.
• يَقظتُك – لو وُجِدَت اليَقَظة – تُغْنِيك عن شَرْحِي، وشَرْحِي لا يُغْنِيك عن اليَقَظة.
• يُدهشني جدًّا أن أرى الأمَّةَ التي قال لها خالقُها، ومالكُ الكون، والذي يَعلَمُ ما في البَرِّ والبحر: }كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ{ - ووَصْفُه لها بأنها خيرُ أمَّةٍ لا يستطيع أن يَدْفَعَه أحدٌ – أراها أمةً مُتخلِّفة، ومتدهورة، ومتدنِّية، وتأكل من طعام غيرها، وتلبس من ثياب غيرها، وتعيش في طِبِّها ودوائها وعلومها على عقول غيرها!!!
• يا رب، أنت قلتَ إننا خيرُ أمةٍ أُخرجت للناس، وقولُك الحقُّ لا كلامَ فيه، فكيف تكون خيرَ أمةٍ وهي تعيش هذه الحياة التافهة العجيبة؟!!، هل خَلقْتَ عقولَنا تَقِفُ عند حَدٍّ مُعيَّن بحيث لا تستطيع الأمةُ أن تَكْسِبَ قُوتَها ولا أن تَصنعَ ثيابَها ولا أن تَصنعَ طِبَّها ولا أن تَصنعَ دواءها؟!! فوقع في نفسي أنَّ المرادَ بالخيرية هو أن الله لم يُعْبَدْ في الأرض على الوجه الذي يرضاه إلا من هذه الأمة؛ فـ«لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله» هي التي جعلتها خيرَ أمة.
• أنا دائمًا مندهش مِن تَمسُّك الإنسان – منذ عهد نوح – بما كان عليه الآباء؛ قالوا لـ«نوح» هذا، وقالوا لـ«هود» هذا، وقالوا لـ«صالح» هذا، وقالوا لـ«إبراهيم» هذا.. شيءٌ عجيبٌ جدًّا!! متى حدث هذا الانحراف؟!! آدمُ عليه السَّلام كان يَعبدُ الله؛ فمتى عَبَدَ أبناءُ آدمَ غيرَ الله ثم مَضَتْ سُنَّةُ }ما كان يَعبدُ آباؤنا{؟!! كلُّ جِيلٍ متمسكٌ بما كان عليه الآباء!! هذا شيءٌ عجيبٌ جدًّا جدًّا!!!
• تعقيبًا على استصحاب عبد القاهر وهو يُحلِّلُ آيةَ }إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ{ قولَه: «والله أعلم»، قال شيخنا: عبد القاهر يُنبِّهك إلى أنك لا تَدخُلُ على الجملة القرآنية إلا بحِسابٍ ودِقَّةٍ وحَذَرٍ وتقولُ: «واللهُ أعلم»، ويُنبِّه كذلك المُغفَّلين الذين يَدخُلون في القرآن وكأنهم يَشْرحون كلامَ زُهير بن أبي سُلْمى.
• قرأتُ في كتاب الصِّناعتين أبياتًا لمحمود الوراق وراقتني فأحببتُ أن أُمْلِيَها عليكم؛ لأنها جيدةٌ في معرفة نِعَم الله؛ قال:
إذا كان شُكْري نِعْمَةَ اللهِ نِعمَةً عليَّ له في مِثْلِها يَجِبُ الشُّكرُ
فكيف بُلوغُ الشُّكرِ إلَّا بِفَضْلِه وإنْ طَالَتِ الأيَّامُ واتَّصَلَ العُمْرُ
إذا مَسَّ بالسَّرَّاءِ عَمَّ سُرُورُها وإنْ مَسَّ بالضَّرَّاءِ أعْقَبَها الأَجْرُ
وما مِنْهُما إلَّا له فيه نِعْمَةٌ تَضِيقُ بها الأوهامُ والبَرُّ والبَحْرُ
• مراجعةُ كلامِ العرب تَهدِيك إمَّا إلى تثبيت الحقائق التي نَعْلَمُها وإمَّا تَهدِيك إلى حقائقَ جديدة.
• في مرحلة من مراحل عمري كنت أقرأ البلاغةَ في «المُفضَّليات»، و «المُفضَّليات» ليس فيها كلمةُ بلاغةٍ واحدةٌ، إنَّما الأصلُ الذي أخذ منه العلماءُ البلاغةَ هو في هذه «المُفضَّليات»؛ فكنت أبحث عن التنكير ومعانيه في «المُفضَّليات»، «إنْ وإذا» في «المُفضَّليات»، التقديم والتأخير في «المُفضَّليات»... إلخ هذه الأشياء.
• لا بد أن تتحرَّك، وتَتَّسعَ الآفاقُ أمامَك، وتتنوعَ طرائقُ التربية والتعليم: تَسْقِيها مرةً مِن كلام العلماء، وتَسْقِيها مرةً مِن كلام الشعراء، وتَسْقِيها مرةً مِن كلام الفصحاء والبلغاء.
• أَحَبُّ تحليلٍ لديَّ هو تحليلُ الصُّورِ التي جاءت على خلاف الأصل، وقرأت وأنا في سِنِّكم في كلام العلماء أنهم قالوا إن ما يجيء على الأصل لا يُسأل عن عِلَّتِه، فلم أسترح لهذه الكلمة؛ لأنها ستغلق في وجهي مثلًا باب تقديم المسند إليه، وتقديمُه جاء على الأصل؛ فقلتُ في نفسي: «هذا ينبغي أن يُسألَ عن عِلَّته»؛ لأنه كان يمكن أن يأتِيَ على غير الأصل.
• الأساليبُ التي جاءت على خلاف الأصلِ لو وُفِّقْتَ في تحليلِها ستجد لها مذاقًا وخفايا ودقائقَ وأسرارًا.
• تعقيبًا على دلالة مجيء القصر في قوله تعالى: }إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ{ من طريق النفي والاستثناء، قال شيخُنا: لاحِظْ حِسَّ سيدِنا رسولِ الله ورغبتَه في أن يَهدِيَ الناس، ولا يمكن أبدًا أن أَنْفِيَ أنَّ سيدَنا رسولَ الله كان حزينًا مِن أجل عَمِّه أبي لهب، وهو الذي قال: «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيه»؛ فكان صلى الله عليه وسلم شديدَ الحرص على هداية قومه، وعلى هدايتي وهدايتِك وهدايةِ الأجيال من بعدي ومن بعدك؛ ولهذا ومِثْلِه كان هو خيرَ الخلق، فكأن الخيرية هي أن تَحرِصَ على نَفْعِ قومك؛ فكُنْ أنت شديدَ الحِرصِ على إيقاظ قومك، كُنْ شديدَ الحِرصِ على نَفْعِ قومِك، كُنْ شديدَ الحِرصِ على نَفْعِ أحفادك وأجيالك.
• أُمَّتُنا التخلُّفُ ليس منها وليست منه؛ أُمِرْنا بالإحسان والإتقان، أُمِرْنا بالجِدِّ والعمل، جَعلَ اللهُ ابتغاءَ الرزقِ في الأرض عِدْلَ القتال في سبيل الله؛ فمِن أين أتانا التخلُّف؟! مِن أين أتانا التخلُّف؟! فُرِض علينا؟!!، ولكن كيف تَقبَلُ أن يَفْرِضَ عليك عَدوُّك التخلُّفَ؟!
• لو لَقِيتَ الله وفي قلبك حُبٌّ لأحدٍ - بمن فيهم نفسُك وولدُك - يَزيدُ على حُبِّك لله ولرسوله فلن يَقبلَ منك الإيمان.
• الكلامُ له ظاهرٌ وله باطن، وباطنُه أرقى من ظاهره.
• تعقيبًا على عبارة عبد القاهر: «ومِثلُ هذا في أنَّ الذي تَقدَّمَ مِن الكلامِ اقتضى أن يكونَ اللفظُ كالذي تَراه...»، قال شيخُنا: مِمَّا يَسرُّني ويَسُوؤني أنني أعلمُ يقينًا أن عبد القاهر كتبَ هذا الكلام وهو أصغرُ مِنِّي سنًّا، ومع ذلك ليس بمقدوري أن أقولَ كلامًا في طبقته.
مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 19 جمادى الأولى 1445هـ = 3 ديسمبر 2023م:
• لن تَفهمَ اللغةَ إلا إذا وَعَيْتَ أسرارَ التراكيب، ولن تَفهمَ القرآن إلا بهذا، ولا الشِّعرَ إلا بهذا، ولن تُحسِنَ الإبانةَ عن نفسِك إلا بهذا.
• الوَعيُ بأسرارِ التراكيب ليس مِن نوافل المعرفة، وإنَّما هو من ضرورات المعرفة.
• أسرارُ التراكيب لن تَفهمَ كلامَ الله إلا بها، ولن تَفهمَ كلامَ الناس إلا بها، ولن تُحسِنَ البيانَ عن نفسِك إلا بها.
• الوَعيُ بأسرار التراكيب ليس عملَ المُتخصِّصين فقط، وإنَّما هو عملُ الإنسان مهما كان تَخصُّصُه؛ لأنَّ كلَّ إنسانٍ مُطالَبٌ بفَهْمِ كلام الله، ولن تَفهمَ كلامَ الله إلا إذا فَهِمْتَ كلامَ العرب، ثم كلُّ إنسانٍ مُطالَبٌ بأن يُحسِنَ البيانَ عن الذي في نفسه، ولن تُحسِنَ البيانَ عن الذي في نفسِك إلا إذا رَاعَيْتَ هذا.
• العلماءُ بعدَ عبد القاهر أخذوا من كلامه أنَّ القَصْرَ ثلاثة أقسام: (قصر قلب، وقصر إفراد، وقصر تعيين)، واتفقوا على أن كلَّ طرقِ القصرِ صالحةٌ لأنْ تُفِيدَ هذه الأقسامَ الثلاثة.
• عبد القاهر قال – بصريح العبارة – إنَّ (لا) العاطفة لا تأتي لقصر الإفراد، وإنَّه لا يؤتَى بها إلا في قصر القلب، وهذا ما لم يَقبَلْه أحدٌ من العلماء بعده.
• عبد القاهر قال إنَّ (إنَّما) و(لا) العاطفة سواءٌ في إفادة القصر، وإنَّ (إنَّما) لها فَضلٌ عليها؛ هو أن القصر بها يُفيد معنى جملتين دَفعةً واحدة.
• مصطلحاتُ البلاغة واضحةٌ وقريبةٌ وجيدة، ولكنْ حين تتلقَّاها على أنها صعبة – كما يوحي بذلك كلامُ المتخصصين - ستُفسِدُ عليك الأمرَ كلَّه.
• حين تَقعُ على غَفَلات الكرام تكونُ قد وقعتَ على شيء جليل جدًّا.
• الغَفلةُ التي وَقعَ فيها الشيخُ عبد القاهر في باب القصر هي أنَّه قال إنَّ (إنَّما) تأتي في كلامٍ لا يُنكِره المخاطَبُ ولا يَشكُّ فيه، ثم قال بعدها إنَّها لا تأتي إلا في كلامٍ يَعتقدُ المخاطَبُ عكسَه – والذي يعتقد العكسَ مُنكِرٌ - وهذا هو التناقضُ الذي أخذه عليه البلاغيون.
• أنا لا أعترضُ على عبد القاهر، ولا غيري اعترضَ على عبد القاهر، وإنَّما الذي اعترض على عبد القاهر هو نفسُه عبدُ القاهر؛ لأنه هو الذي علَّمنا أنَّ (إنَّما) يؤتَى بها في المعنى الذي لا يَجهلُه جَاهلٌ ولا يُنكِرُه مُنكِر، ثم بعد صفحات قليلة أخبرنا أنه لا يؤتَى بها إلا لبيان عكسِ ما يعتقده المخاطب، وبيانُ عكسِ ما يعتقده المخاطَبُ يُفيد قطعًا أنَّ المخاطَبَ مُنكِرٌ.
• لم أعترضْ على عبد القاهر بعِلمٍ من عندي، ولا بعلمٍ من عند غيري، وإنَّما اعترضتُ عليه بعلمِه هو، وحَسْبُه هذه كرامةً: أنَّ مَن خالفوه إنَّما خالفوه بما تعلَّموه من علمه.
• الله - سبحانه وتعالى - رَزقَ أهلَ العلم هذه الغَفلاتِ ليتيقَّظَ طلابُ العلم أعلى درجات التيقُّظ، ولئلا يأخذوا علمًا وعيونُهم مُغْمَضةٌ مهما كان قَدْرُ العالِم.
• تَعْجَبُ – يا سيدنا – حين يكون خطأُ أهلِ العلمِ مُعلِّمًا للعلم.
• ما قلتُ - ولن أقول - لكم أفضلَ مِن أنَّ غَفَلاتِ أهلِ العلم نِعمةٌ من الله لطلاب العلم؛ لأنَّها تقولُ لهم: اقرأوا كلَّ شيءٍ بدقَّة، واحذروا أن تنخدعوا في أنَّ فلانًا إمام، وأنَّ فلانًا علَّامة، وأنَّ فلانًا كذا وكذا.
• خُذوا كلَّ شيءٍ بتفكيرٍ شديد، واعرضوه على عقولكم، واقبلوا ما تقبلُه عقولُكم، ولا تقبلوا ما قَبِلَتْه عقولُ الآخرين مهما كانت مكانتُهم، وهذا هو استقلالُ العقل، وهذه هي قيمة العقل الإنساني.
• كان يروقني قولُ سيدنا نوح لقومه: }أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ{، يا سلام!! هذا وَحْيُ الله لنوح!!، يقول: يا أيها الناس، مهما كانت البيِّنةُ واضحةً ولكنَّها عُمِّيتْ عليكم فلا يجوز لواحدٍ من أهل الأرض أن يُلزمَكم بها!! يا سلام على قيمة العقل الإنساني وحرية العقل الإنساني!!
• لا يجوز لكائنٍ مَن كان أن يُلزِمَ عقلَك ولو بالحقِّ ما دام عُمِّيَ عليك.
• حَفِظْنَا قديمًا:
تَلَوْا بَاطِلًا، وجَلَوْا صَارِمًا وقَالُوا: صَدَقْنَا. فقُلْتُمْ: نَعَمْ!
يا ليتكم ما قلتم: «نعم!! ».
• في كلِّ زمانٍ تَجِدُ مَن يَتلُو باطلًا ويَجلُو صارمًا ويقول: صَدَقْنَا، فيقول الناسُ: نعم.
• (لا) العاطفة رائعة؛ لأنَّ (لا) لا يقولُها إلا أحرارُ الرِّجال.
• خالقُ الكلِّ يُوحِي إلى أوَّلِ نَبيٍّ مِن أنبيائه: }أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ{ ونحن تاريخُنا البشريُّ فيه:
تَلَوْا بَاطِلًا، وجَلَوْا صَارِمًا.. وقَالُوا: صَدَقْنَا. فقُلْتُمْ: نَعَمْ!
• دِينُ الله يُخرج الناس من الجهالة إلى العلم، ومن الظلمات إلى النور، ومن التخلُّف إلى التقدُّم.
• الكرامُ الكِبارُ الذين هم أولياءُ الله، أهلُ البلاغ عن رسول الله، لهم غَفَلاتٌ.
• كان لي صديقٌ عزيزٌ رَحِمَه الله، ولو بَقِيَ ما ذُكِرَ أحدٌ في البلاغة معه؛ اسمه سيد عبد الفتاح حجاب - رحمه الله رحمة واسعة - كنا نُذاكر معًا، ولم يكن إلا أنا وهو في الدراسات العليا؛ فكان كثيرًا ما يُحدِّثُني عن مَساقِط الفُحُول، ويقول: «يا ليتنا نَجمَعُ مَساقِطَ الفُحُول في كتاب»، وهذا مهم جدًّا، وأنا أقول لكم الآن إنَّ مَساقِطَ الفُحُول مِن نِعَمِ الله.
• حين تبحثُ في استخراج علمائنا لدلالات الحروف تجد اجتهادًا شديدًا جدًّا جدًّا؛ لأنك ستنتقل من كلامِهم إلى كلامِ الله ورسوله، وستُفسِّر (إنَّما) في كلام الله بما فَسَّروه، وستُفسِّر (قد) في كلام الله بما فَسَّروه، وستُفسِّر (لا) العاطفةَ في كلام الله بما فَسَّروه.
• اجتهادُ علمائنا وتحريرُهم وتدقيقُهم في استخراج القواعد بالغُ الدِّقَّة؛ لأن المسألةَ مسألةُ أمرٍ ونَهيٍ من الله، ولا بد أن نَفهمَ اللغةَ فهمًا دقيقًا حتى نتبيَّنَ مرادَ الله في كلامه لخلقه.
• ليس هناك أجلُّ مِن أنْ تَقرأَ هواجسَ العلماء وأنت تقرأ كلامهم.
• أجلَّ مِن أنْ تَفهمَ قواعدَ عِلمِ العلماء أنْ تَفهمَ خَطَراتِ عقولهم وقلوبهم.
• خَطأُ العلماءِ أَنفعُ لطلاب العلم مِنْ صوابهم.
• عبدُ القاهر نفسُه كان يُحذِّرنا من شيء؛ هو أنَّ العَالِمَ قد يكون له قدمٌ راسخةٌ في بابٍ من أبواب العلم، ثم يَتكلَّمُ في بابٍ آخر فيُخْطِئ، وأنت تَقبلُ خطأه في الباب الآخر بسبب قَدَمِه الرَّاسخة في الباب الأول.. وهذا خطأ.
• كان يهمني أن أطالعَ رَدَّ الكِرام على الكِرام، وهذا وجدتُه عند سعد الدِّين التفتازانيِّ الرَّائع؛ فكان يحترم عبد القاهر احترامًا شديدًا جدًّا جدًّا، فذكر المسألةَ التي غَفلَ فيها عبد القاهر على وجهِها الصَّحيحِ المُخالِفِ لكلامه، ثم قال: «قال الإمام رحمه الله:...» وأتى بنَصِّ الإمام المخالفِ لِما قاله في الوجه الصحيح، ثم أنهى الكلامَ وانتقلَ إلى مسألة أخرى؛ حتى لا يُعقِّبَ بأنَّ في هذا غفلة.
• أبو تمامٍ له شِعرٌ جيدٌ أعلى من شِعرِ كلِّ أهلِ زمانه، ولكنْ هناك بعض الشواهد الفاسدة في شعره؛ فنحن نتكلَّم في أبي تمامٍ عن الشواهد الفاسدة في شعره.
• قَرِّب الناسَ مِن أهل الخير وأهل العلم وأهل الحق بما قالوه من خيرٍ وعلمٍ وحق.
• منهجُ الأمم التي قيَّدتْ نفسَها بيدِها بقُيودِ التخلُّف أنْ يَذكروا الأخطاء ويُطيلوا في ذكرها، ويَذكروا المساوئ ويُطيلوا في ذكرها، والأفضلُ أنْ يَذكروا المحاسِنَ ويُطيلوا في ذكرها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد