فوائد من درس دلائل الإعجاز 15


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: غُرَّة المحرم 1446هـ = 7 يوليو 2024م:

• أنبِّه إلى شيء له أهميةٌ كبيرةٌ في قراءتك ودراستك وتَعلُّمك؛ هذا الشيءُ هو أن الكتابَ الذي تقرؤه وتتعلَّم ما فيه من عِلم = إذا عَزلْتَه عن سياقه التاريخي، وأنا أعني بـ «عَزْلِه عن سياقه التاريخي» ألا تقرأ الكتبَ التي قبلَه في بابه، وألا تقرأ الكتبَ التي بعدَه في بابه، وإنما فقط تُسلِّط النظرَ على فَهْم الكتاب وحدَه، فلو فَهِمْتَ كلَّ ما فيه من دقائق المعرفة فلن تنتفعَ بها، إنما تنتفعُ إذا وَعَيْتَ أن هذا العلمَ الذي تقرؤه كان يعيش في مرحلة زمنية، وأن هذا البابَ الذي يَكتبُ فيه العالِمُ كيف كان حالُه، وماذا كان يُقال فيه، وماذا قال هو فيه، وهل كرَّر ما كان يقوله الناس، أو خالف ما كان يقوله الناس، وإذا كان خالف فإلى أي حدٍّ خالف.. هذه الأشياء هي التي تُريك الكتاب، وتُعينك على الوعي، وتُعينك على معرفة القلم الذي تقرؤه، ومعرفة عقل العالِم الذي تتعامل معه.

• العالِم يَكتبُ لي في هذا الباب، وقال في هذا الباب كذا وكذا؛ فماذا كان يُقال في هذا الباب في زمانه: هل قال ما قاله أهلُ زمانه؟ هل قارَبَ ما كان يقوله أهلُ زمانه؟ هل باعدَ ما كان يقوله أهلُ زمانه؟ هل ناقضَ ما كان يقوله أهلُ زمانه؟ لا بد أن تكون عندك إجابةٌ عن كل هذه الأسئلة.. هذا إذا أردتَ أن تتعلَّم، أما إذا كنت تقرأ لتُضيِّع وقتًا أو تتسلَّى فتلك قضيةٌ أخرى.

• أنا أخاطبُ النَّفْسَ التي ترغب في أن تتعلَّم.

• لن يتغيَّر الحالُ بتغيُّر أشخاص، الحالُ لن يتغيَّر إلا بتغيُّر شيءٍ واحد، وهو العقول، *إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.*

• لاحظتُ شيئًا عجيبًا جدًّا؛ لاحظتُ أن الكُتبَ التي كُتبتْ في نَفَسِ مجيءِ عبد القاهر كانت شيئًا، والذي يقوله عبد القاهر شيء آخر، وسأختصر لك الموضوع: عبد القاهر توفي سنة ٤٧١هـ وكتاب «دلائل الإعجاز» كان مِن آخر الكُتب التي كتبها، يعني يُتوقَّع أن يكون كتبَه سنة ٤٦٠هـ أو ٤٦٥هـ، والكتابُ الذي سبق عبدَ القاهر كان كتاب الصِّناعتين لأبي هلال العسكري، وأبو هلال كتب في كتابه أنه فَرغَ منه سنة ٣٩٢هـ، وتوفي أبو هلال سنة ٣٩٥هـ؛ فكأن بين كتاب الصِّناعتين وكتاب دلائل الإعجاز ٥٥ أو ٦٠ سنة، ولم أعرف أحدًا له رأيٌ في علم البلاغة بين عبد القاهر وأبي هلال، وكلُّ كلامِ أبي هلال في كتاب الصِّناعتين يؤكد أن مزية الكلام راجعةٌ إلى ألفاظه، وجاء عبد القاهر ليؤكد أنه لا مزية للألفاظ، وأن كلَّ مزايا الكلام راجعةٌ إلى معانيه، وأبو هلال بذل مجهودًا كبيرًا ليؤكدَ أن المزايا راجعةٌ إلى الألفاظ، وأن العنايةَ بالمعاني لا تُكلِّف مشقَّة، وإنَّما المشقَّة في العناية بالألفاظ.

• أبو هلال قد يُحدِّثك بشيءٍ ترفضه، ثم تُفاجأ بأشياء هي من الفَضْل المُبِين؛ فإذا سمعتَني أقول إن أبا هلال كان يؤكد أن المزية للألفاظ، وأن هذا ما نَقضَه عبد القاهر، فلا تُسئ الظنَّ بأبي هلال؛ لأن أبا هلال له مزايا عجيبةٌ جدًّا، من أهمها أنه كان يَختار من الشعر ما لا يُختار فوقَه، وكان إذا ذكر ما يستجيده من الشعر سَحَرَك وأراك الجودةَ في أسمى صُورِها.. وهذا يكفي.

• عبد القاهر أقام علمَه كلَّه على حقيقةٍ واحدةٍ وقطبٍ واحد؛ هو أن مزايا الكلام راجعةٌ إلى معانيه.

• الذي لاحظتُه مِن معرفة موقع الكتاب في سياقه في تاريخ العلم أن عبد القاهر لم يكن يَهدِم ما يُقال، وإنما كان يُفسِّره على الوجه الصحيح؛ لأن الذي قال الذي قِيل هو من أهل العلم، وكانت هناك وصيةٌ عقيدةٌ عند علمائنا؛ هي أنك لا تُخطِّئ أهلَ العلم إلا إذا لم تجد سبيلًا لحَمْل كلامِهم على الصواب.

• لا تقل: «أخطأ فلان» ما دام ممَّن يؤخذ عنهم العلم إلا إذا لم تجد وجهًا لحمل كلامه عليه، وهذه الحقيقةُ أكَّدها في نفسي وأنا مبتدئٌ أبو الفتح ابن جني، وأبو الفتح كان مولعًا بعلماء المِصْرَيْن؛ البصرة والكوفة؛ كان يقول: إذا رأيتَ في نفسك ما يخالف كلامَ أهل المِصْرَيْن فراجِعْ، ثم راجِعْ، فإذا تأكَّد في نفسِك أنهم أخطأوا فقل: أخطأوا.

• الذي يأخذ علمًا عن غيره لا يأخذُه بظاهره، وإنما يتأمَّل فيه، ويُحلِّله، ويعرف مدخلَه ومخرجَه، ثم يقتنع به ويصير علمًا عنده، ولو أن عبد القاهر مِثلِي ومِثلُك كان سيأخذ كلام أبي هلال كما نأخذ نحن كلام كبارنا، ونحن لم نأخذ كلام كبارنا فقط، نحن قلنا: كلامُ الكبار كبيرُ الكلام!!! وهذه تفاهة.

• أبو هلال كان قيمةً في زمانه، وعاش مع الخطَّابي والرُّمَّاني والباقِلَّاني، وكان أكثرَهم ذِكْرًا.

• اللهُ أسكنَ فيَّ عقلًا وأمرني بالتدبُّر حتى في كتابه، وما دمتُ أُمِرْتُ بالتدبُّر في كلام خالق السماوات والأرض فمِن بابِ أولى أن أتدبَّر في كلام مخلوقاته.

• ما مِن كتابٍ من كتب علمائنا إلا وكلَّ صفحاتٍ يقول لك: )تدبَّرْ.(

• ليس هناك حقيقةٌ علميةٌ أفتح لها قلبي وعقلي؛ لتَسْكُنَ في قلبي وعقلي، إلا بعد أن يَقبلَها العقل ويتدبَّرَها ويقتنعَ بها.

• تعليقًا على قول عبد القاهر: «إذا حَقَّقْنا» قال شيخُنا: هذه الكلمة تُعلِّمني كيف أقرأ، كأنه يقول لي: ما دام الكتابُ في يدك فتَحقَّقْ، وإذا لم تكن لديك القدرةُ على التحقُّق فاترك الكتابَ إلى مجال آخر.

• الاستعارةُ تُغيِّر حقائق الأشياء، تُعطي واقعًا غير الواقع؛ لأنها تجعل الشجاع أسدًا، والجوادَ بحرًا، والحسناءَ بدرًا؛ فالاستعارةُ هي وسيلةُ الخيال الإنساني في خَلْق عالَمٍ مُوازٍ لهذا الواقع؛ فكأن الإنسانَ لمَّا عَجزَ عن أن يخلق شيئًا في هذا الواقع ألهمه الله - سبحانه وتعالى - الخيالَ واللُّغةَ فوضعَ عالَمًا آخر.

• علماؤنا كانوا يتفادَوْن استعمالَ كلمة «خَلْق»، ولا يُسندونها إلا إلى الله، مع أن بعضهم أجازها اعتمادًا على قول ابراهيم عليه السلام: )وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا.(

• ظواهرُ المعرفة ليس فيها لذَّة، أمَّا إذا دخلتَ في باطن المعرفة فستجدُ فيها جَنَى النَّحلِ في ألبانِ عُوذٍ مَطافِل.. وهذه لذَّةٌ فوق كل اللذَّات.

• السَّكاكِيُّ هو الذَّكِيُّ النَّابِهُ الذي لم نَعرفْ قيمتَه.

• بعضُ النَّاس أنكرَ مخاطبةَ الأطلال، نعم، مخاطبةُ الأطلال لا تكون إلا من المجانين، إنَّما الشاعر لم يُخاطِبْها إلَّا لأنه افترض فيها الحياة والحيوية والوعي واليقظة، ولم يُسائلْها عن ساكنيها الذين ارتحلوا عنها إلَّا لأنه كان يَعْلَمُ أو يَظنُّ أو يَدَّعِي أو يَتوهَّم عالَمَهم.

• الطَّللُ الذي يراه الشاعر غيرُ الطَّللِ الذي نراه أنا وأنت، دارُ مَيَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّنَدِ التي أراها وتراها غيرُ دَارِ مَيَّةَ التي رآها النَّابغة؛ لأن النَّابغة خاطَب دارَ مَيَّةَ وما كان له أن يُخاطِبَ حَجَرًا إلَّا بعد أن جَعلَ هذا الحَجرَ يَشْعُر ويَعْقِل ويَفْهَم ويُسألُ ويَرُدُّ ويُخاطَب.

• جملةٌ واحدةٌ قد تُعطيك علمًا؛ أعجبني ابنُ جنِّي حين قال إن الكلمة حين تُنقَلُ لا تُغسَلُ الغسيلَ الكاملَ مِن معناها الأول، وإنَّما لا بد أن تَذهَبَ إلى المعنى الثَّاني وفيها بقيةٌ من معناها الأول، وهذه البقيةُ من معناها الأول هي التي تجعل لها طعمًا جديدًا في المعنى الثاني.

• رَاقَنِي قولُ الله تعالى: }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ{، لم يُقل: «خافَ عذابَ ربِّه»؛ لأن معصيتَك لذي المقام وهو معك أعظم.

• أهلُ الله يَستعظِمُون المعصيةَ ليس فقط لأنها معصيةٌ، وإنَّما يَستعظِمُونها لأن الذي يَفعلُها يَفعلُها واللهُ معه، ولا يَفعلُها إلا بنِعمةٍ أنعمَها الله عليه.

• لا سَمْعَ ولا طاعة إلا لله، وأيُّ شخصٍ يُريد سمعًا وطاعةً فقد تَألَّه. نحن مع الله: سَمِعْنا وأَطَعْنا، ومع الناس: سَمِعْنا وسننظر، ونَقبلُ ونَرفُض.

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 8 من المحرم 1446هـ = 14 من يوليو 2024م:

• قلتُ وأكرِّر - وهذه حقيقةٌ مهمةٌ جدًّا - أن كُتبَ العلمِ العلمُ فيها من أجلِّ النِّعَم، وطريقة تفكير كاتب الكتاب نعمة لا تقلُّ عن نعمة العلم.

• أنا أتعلَّم العلم، ثم أتعلَّم كيف عَرضَ العالِمُ الأفكارَ، وكيف تتابعتْ، وكيف دعا بعضُها بعضًا؛ لأنك أحيانًا تجد الفكرة الأولى كأنها هي التي نطقت بالفكرة الثانية.

• خَتمَ شيخُنا كلامًا له مع أحد موظِّفي الجامع الأزهر بقوله: الذين جعلَ اللهُ رزقَهم في هذا المسجد؛ من موظفين وعُمَّال، وكبارٍ وصِغار، أنعمَ اللهُ عليهم أفضلَ النِّعَم، وهم مُكرَّمون وأرجو الله أن يَلْفِتَهم إلى ذلك؛ لأنك لا تعرف تاريخ هذا المكان الذي أنت فيه، وكيف كان حافظًا وحارسًا لإرث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم أعرفْ مكانًا في الأرض حافظَ على ميراث النبوَّة كهذا المكان.

• لو شُغِلتَ بالتدبُّر الذي بُنيَتْ عليه الحقيقةُ العلميةُ ستجد هذا التدبُّر الذي يهديك إلى ما بُنيَتْ عليه المعرفة ليس أقلَّ في القيمة، وفي تكوين عقلك ويقظته، وتربية فكرك، مِن المعرفة ذاتها.

• أنت لا تقرأ العلمَ حُبًّا في العلم، وإنما تقرأ العلمَ مِن أجلِ ذاتك أنتَ، }إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ .{

• مُهمٌّ جدًّا جدًّا أنَّ هذا الرأس الذي تُحرِّكه، أو يُحرِّكك هو، لا بُدَّ أن تُنمِّيَه أحسنَ ما تكون التنمية، وأن تُربِّيَه أحسنَ ما تكون التربية؛ لأنك لو نَمَّيْتَه أحسنَ ما تكون التنمية وربَّيْتَه أحسنَ ما تكون التربية فسوف يكون من الرؤوس التي تَنفِي خَبَثَها.

• لن تستطيع أن تَنفِيَ خَبثَ الشُّعوب؛ لأن الخَبثَ في الشُّعوب بلاءٌ ما وراءه بلاء، وإنما أيقظوا شعوبَكم لتَنفِيَ شعوبُكم خَبَثَها.

• الذي يَقبلُ أن يَظلِمَ هو النَّذْل، هو التَّافه، هو الذي لا قيمةَ له، هو الذي لا بالَ له، هو الذي لا شأن له، ولا بُدَّ أن يتغيَّر هذا؛ حتى لا يجدَ ظالمٌ مَن يَظلِمُه ولا يجدَ مُستبدٌّ مَن يستبدُّ به.

• في تحليل الشِّعر ليس أطعمَ ولا أحلى في الذائقة مِن أنك تجدُ البيتَ يُنادِي بالبيت الذي يليه، ويُمْسِك به، ولذلك كان أهلُ العلم يقولون: «هذا كلامٌ مُمْسِكٌ بعضُه ببعض»، وكنت أريد أن أفهم مقولتَهم، ولكنِّي أيضًا أريد أن أرى كيف كان الكلامُ مُمسكًا بعضُه ببعض، والكرام كانوا يقولون كذلك: «هذا كلامٌ أُفْرِغَ إفراغًا واحدًا»، وظنِّي أن هذه عبارة الجاحظ.

• الجاحظ قال كلامًا ردَّدَتْه الألسنةُ مِن بعده ولم تُغيِّرْه.

• كان عندنا ناسٌ قالوا كلامًا غَلَبُوا عليه، وردَّده الناسُ مِن بعدهم ولم يُغيِّروه؛ كـ«سيبويه» حين قال: «كأنَّهم يُقدِّمون الذي بيانُه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعْنَى، وإنْ كانا جميعًا يُهِمَّانِهم ويَعْنيانِهم»؛ فمِن يومِ أنْ قالها «سيبويه» والألسنةُ تقولها؛ لأنهم لم يجدوا كلمةً أفضلَ منها.

• أحيانًا تجد الفكرةَ المتوهِّجةَ يمرُّ عليها قرنٌ وقرنان وثلاثةٌ حتى تُصادِف عقلًا متوهِّجًا فيَصْنَعُ منها مَصنعًا.

• لذَّة المعلومات التي حول العلم ليست أقلَّ من لذَّة العلم نفسه، وبذلك تُحبُّ العلمَ، وتكون عاشقًا، ولن ترضى بغير طلب العلم، وتقول:

فَيَا حُبَّهَا زِدْنِي جَوًى كُلَّ لَيْلَةٍ        ***     وَيَا سَلْوَةَ الأَيَّامِ مَوْعِدُكِ الْحَشْرُ

وليس المقصودُ «ليلى»، وإنَّما المقصودُ أنَّ الله فتحَ قلبَك لحُبِّ العلم، وهكذا تكونُ قد وقعتَ على الرَّحيق المختوم.

• الرَّحيقُ المختوم يا خَلْقَ الله ليس في الجنَّة فحسب، الرَّحيقُ المختوم ذُوقُوه في الدُّنيا في طلبِ العلم، وإذا ذُقْتُم الرَّحيقَ المختومَ وأنتم على الأرض ستجدون الرَّحيقَ المختومَ وأنتم في جوف الأرض، ومَن لم يَذُقِ الرَّحيقَ المختومَ وهو على ظهرها فلن يراه وهو في باطنها.

• الشاعر قال: «وَيَا سَلْوَةَ الأَيَّامِ مَوْعِدُكِ الْحَشْرُ»، ولم يَقُلْ: «مَوْعِدُكِ القَبْرُ» لأنه أرادَ أن يَظلَّ يُحِبُّها وهو في قبره حتى يوم الحشر .

• الرَّحيقُ المختومُ ليس هو العلمَ وحدَه؛ فذِكْرُ الله رحيقٌ مختوم، الدُّعاءُ رحيقٌ مختوم، قراءةُ القرآن رحيقٌ مختوم، العملُ الصَّالحُ رحيقٌ مختوم.

• شرحا لقوله تعالى: }وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا{ قال شيخُنا: معنى «نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا»: نَجعَلُ قلبَه يُحبُّ اقترافَ الحَسَنات، فإذا اقترفَ حسنةً أعطينا قلبَه حُبًّا لاقتراف الحَسَنة، وما دام قد مُنِحَ القلبُ حُبًّا لاقتراف الحَسَنة فلن يتوقَّفَ القلبُ عن اقتراف الحسنات.. هذه الجملةُ تُغيِّر القلب.

• الله لا يَزيدُك حُبًّا وحُسنًا لاقتراف الحسنات إلَّا إذا قطعتَ مسافةً كبيرةً في الطريق؛ فالذي عند الله غالِي الثَّمن، والذي يُريد ما عندَ الله عليه أن يتحمَّل التكاليف.

• قولُ الله تعالى: }وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا{ فيه شيءٌ آخر غير ما استدلَّ به عبد القاهر، وهو أن أهلَ الضَّلالة يَكذبون على أنفسهم، وهم يَعلَمُون أنهم يَكذبون.. جعلتم الملائكةَ إناثًا بِناءً على ماذا؟ ولذا تَجِدُ لذَّةً شديدةً في قوله تعالى: }قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ{.. جعلتَ الملائكةَ إناثًا فهَاتِ بُرهانَك، أم أنك تَخْبِطُ خَبطًا لا بُرهانَ له ولا دليلَ عليه، وأنت تَعلمُ أيُّها الضالُّ المُضِلُّ أنك تَخْبِطُ خَبطًا لا مُستندَ له ولا دليلَ عليه، فأنتَ لست في حاجة إلى موعظة؛ لأن الحقَّ بَيِّن، وإنَّما أنت في حاجة إلى أن تُراجِعَ نفسَك.

• المُحتاجُ إلى موعظةٍ هو الذي جَهِلَ الحقيقة؛ فالموعظةُ تُعطِيه الحقيقةَ فيَمضِي عليها.

• هل الظالمُ يَجْهَلُ أن الظُّلمَ ضدُّ الفطرة الإنسانية؟ هل القاتلُ يَجْهَلُ أن القتلَ ضدُّ الخُلُق الإنساني؟ هل المستبدُ يَجْهَلُ أن الاستبدادَ ضدُّ الفطرة الإنسانية؟ لا، كلُّهم يَعلَم، ولذلك الموعظةُ لا قيمة لها في أمثال هذه الأشياء، إنما الموعظةُ لمن يخاف الله واليوم الآخر، }إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا .{

• لا أشكُّ أن فيكم كفاءاتٍ يمكن أن تكون أفضلَ منِّي، ولكنْ تَجرِبتي المُرَّة تُخبرني أنها ستَخِيب مثلما خاب مَنْ قبلها، إلا إذا رَزَقَها اللهُ: «فَيَا حُبَّهَا زِدْنِي جَوًى كُلَّ لَيْلَةٍ».. سيكونون أفضل منِّي إذا رُزِقُوا ذلك.

• حياتي كلُّها قضيتُها في التدريس؛ فحياتي مثلُ حياة «الخليل»؛ «الخليل» لم يَشتغِلْ طولَ حياتِه إلا بالتدريس، لكنَّ «الخليل» خرَّج «سيبويه»، وأبو عليٍّ الفارسيُّ لم يَشتغِلْ إلا بالتدريس وخرَّج لنا «ابن جني».. أنا لم أعمل إلا بالتدريس ولكني لم أُخرِّجْ أحدًا.

• أنت مُدرِّس؛ فأداءُ الدَّرْس على الوجه المُستطاع واجبٌ عليك، ورعايةُ الكفاءات التي أمامك واجبةٌ عليك، احذرْ أن تَجِدَ كفاءةً بين طُلَّاب العلم وتَتغافَلَها؛ لأنك إذا أهملتَ العنايةَ بها تكون قد أَيْأَسْتَها؛ لأن الكفاءة كأنها تريد أن تَشعُرَ منك بالعناية بها لِتزدادَ.

• رعيتُ الكفاءات من طُلَّابي، ولكنَّ الذين كنت أُربِّيهم ليكونوا أفضلَ مني شُغِلُوا بغير العلم.

• كنتُ أكلِّمُ بعضَ تلامذتي الذين تَولَّوا مناصبَ وأسألهم لماذا تركوا العلم إلى مثل هذا، فكان الواحدُ منهم يقول: «أنا أُصْلِحُ في مكاني، ولولا أنني فيه لخَرِبَ».. يا سيدنا، اتركه يَخْرُب؛ فحاجةُ البلاد إلى «مَلْزَمة» تُكتَب بدقَّة وإلى فكرةٍ تُنير الطريق أشدُّ مِن حاجتها إلى أي شيءٍ آخر.

• العلمُ يُذاق، والعجيبُ أن الله - سبحانه وتعالى - جعلَ للعلم حلاوة، والأعجبُ منه أنه جعل للبيان المُبِين عنه حلاوة.

• التخلُّفُ هلاك، والذين تخلَّفوا وقَبِلُوا التخلُّف هم الذين هَلَكُوا وأهلكوا أنفسَهم، ولا يَخلَعُ الناسَ بجذورها من التخلُّف إلى التقدُّم إلا العلم، وأيُّ عاقلٍ لا يقول خلافَ هذا.

)بلقيس( الرائعة قالت لقومها منذ زمن سليمان: }مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ{، لله دَرُّكِ ودَرُّ أبيك ودَرُّ أمِّك!! أرأيتَ الملكةَ بنتَ الملك ابنِ الملك؟! تقول لقومها اليمنيين: }مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ{، ليس هناك استبداد، الشُّورى أمرٌ ضروري.

• كان في زمن عبد القاهر ناسٌ لا تزال لهم بقيَّةٌ في زماننا، كانوا بعيدين عن بعض العلوم ويستهينون بها، جَهِلُوها وشُغِلُوا بغيرها، لك أن تَجْهَلَ ولك أن تُشْغَلْ ولكنْ ليس لك أن تَستهِينَ بما جَهِلْت، كان هؤلاء في زمن عبد القاهر يَزْدَرُون البلاغة ويهاجمونها، ولا تزال هذه النغمة موجودة.

• أمراضُ الحياة الفكرية وأوصابُها في القرن الخامس الهجري لا تزال لها بقايا في القرن الخامسَ عشرَ الهجري.

• أدهشني أنَّ بعضَ الدُّعاة يُكوِّن لنفسه جماعةً يَكون هو المُرشد لها، مع أن الأمَّة فيها دُعاةٌ منذ زمن الحسن البصري، وكلُّ داعيةٍ أدَّى حقَّ الله عليه، وأدَّى حقَّ الأمَّة عليه، وتركَها وَحدةً واحدةً.. اُعْدُدِ الدُّعاةَ من أيَّام الحسن البصري وستتأكد أن الأمَّة فيها دُعاةٌ صالحون مصلحون، ولم أعرف واحدًا منهم جعل له أتباعًا وكوَّن لنفسه جماعة.

• في حياتي لم أنضمَّ لأي جماعة؛ لأن الأمَّة جماعةٌ واحدةٌ، والأمَّة كلُّها إخوة، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ بقوله: "المسلمُ أخو المسلم"، وإنما قال إنهم كالجسد الواحد، وهذه مرحلةٌ أعلى من الأخوَّة؛ فلا أستطيع أن أقطعَ هذا الجسدَ الواحدَ وأجعل منه جماعة، وأقول لهم: أنتم من سيُعيد للدِّين مجدَه.

• لا أقول إن الذي أقولُه صوابٌ قاطِع، وإنما دائمًا أذكر كلمة الشافعي: *رأيي صوابٌ يَحتمِل الخطأ، ورأي غيري خطأ يَحتمِل الصَّواب*.

• الاستبدادُ في الفِكر كان ظِلًا مَشؤومًا للاستبداد في السياسة؛ لأن الحياة الفكرية ليس فيها استبداد: «مَالِكٌ» يقول: «كلٌّ يؤخَذُ منه ويُردُّ»، و«الشافعي» تلميذُه الأول يقول: «رأيي صوابٌ يَحتمِل الخطأ، ورأي غيري خطأ يَحتمِل الصَّواب».

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply