فوائد من درس دلائل الإعجاز 16


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 15 من المحرم 1446هـ = 21 من يوليو 2024م:

• ذكرتُ وكرَّرتُ وأكرِّر أن أهمَّ ما في قراءة هذه الكتب العريقة أنها تُوقِظُ العقل، وتُثير الفِكْر، وتُنبِّه المَلَكات والطاقات الإنسانية، وأن القيمة الأساسية للمعرفة هي صناعة العقل الإنساني الحي؛ لأن أهمَّ ما في هذا الإنسان، والذي كرَّم الله به هذا الإنسان، هو عقلُه وحيويةُ هذا العقل ويقظةُ هذا العقل وتَنبُّهُ هذا العقل.

• الشيخُ عبد القاهر - رحمه الله - يُلحُّ دائمًا على ضرورة التفكير والتدبُّر والتأمُّل وحُسْن التفكير في القاعدة التي استخلصها، والتي ليس له فيها إلَّا أنه تنبَّه لنفسه وهو يَصْنَع بيانًا، وأنَّه، وأنا وأنت، وهو وهي، ونحن نَصنعُ البيانَ ليس لنا عملٌ إلَّا أننا نفكر في المعنى الذي نريد أن نُبِينَ عنه، وأن نُعِدَّ له اللغةَ التي تُبِينُ عنه، وأنَّ إعداد هذه اللغة التي تُبِينُ عنه هو توخِّي معاني النحو على وفق الأغراض والمقاصد.

• يَحضُر مجلسَنا اليوم الدكتور فهر ابنُ شيخنا وشيخ مشايخنا الشيخ محمود شاكر، والذي عندنا من العلم هو بقيةٌ ممَّا تعلَّمناه في بيت والده، ونسخة «دلائل الإعجاز» التي بين أيديكم، المُدقَّقة تدقيقًا نادرًا، هي بقَلَمِ والده رحمه الله رحمة واسعة، وجعلها في موازينه.

• «توخِّي معاني النحو» كلمةٌ لم يُسبق إليها عبد القاهر، وهي كلمة جليلة جدًّا؛ لأنها وَصفٌ دقيقٌ لناطقية الإنسان.

• «توخِّي معاني النحو» ليس شيئًا من ذات نَفْس عبد القاهر، وإنما هو شيءٌ لَحَظَه وهو يَصْنعُ البيان، وأنت يمكنك أن تتابع نفسَك وأنت تصنع البيان، فلن تجد لك شيئًا إلَّا أنك تُحْدِثُ علاقاتٍ وروابطَ بين الكلمات؛ بحيث تُبِين هذه الكلماتُ بعلاقاتها وروابطها عن المعنى الذي أردتَه، وهذا هو النَّظم الذي ذكره عبد القاهر، وذكر أن الكلامَ لا يكون إلَّا به، وأن فَضْلَ كلامٍ على كلام لا يكون إلَّا به، وأن فَضْلَ كلامِ الله على كلِّ كلامٍ لا يكون إلَّا به.

• أهمُّ ما أجدُه في كتب هؤلاء الكرام هو أنهم يُلحُّون على حقائق في نفوسنا، ولكننا لا نفكر فيها ولا نستخرج منها؛ كثيرًا ما يقول عبد القاهر: «ارجعْ إلى نفسك» و«عُدْ إلى نفسك»؛ فلو رجعتَ إلى نفسك فلن تجد كلامًا إلَّا بتوخِّي معاني النحو على وفق الأغراض.

• الفكرة العلمية الأساسية، التي هي توخِّي معاني النحو، يُصرُّ هؤلاء الكرامُ على أن يزرعوها في قلوبكم وعقولكم.

• استبقَ شيخُنا قولَ الإمام عبد القاهر: «اعلمْ» بقوله: اعلمْ أنت قبل أن تَعْلمَ ما يقول لك الشيخ فيه: «اعلمْ» = أنني لا أُعلِّمك، وإنما أُنبِّهك إلى كلام العلماء لتَعْلَم كلامَ العلماء؛ لأنني أتعلَّم وأنا أُعلِّم، كما نصح الخليلُ بن أحمد الذي لم يكن له عملٌ في حياته إلَّا التعليم، وهو الذي خرَّج لنا سيبويه.

• العلمُ شُغلُك أنت وعَملُك أنت، وقُصارى غيرك أن يَدلُّوك على الطريق.

• لا يُعلِّمُك إلَّا أنت، وأحسنُ الناس وأوْلَى الناس بالبِرِّ هو من يُعلِّمك كيف تتعلَّم.

• لا تسأل: «مِن أين أتى عبد القاهر بتوخِّي معاني النحو؟»؛ لأنها موجودةٌ في فَمِك وفي عقلِك وأنت تَصنعُ بيانًا: أنا الآن أتكلَّم؛ فكيف أتكلَّم؟ أفكار تجري في خاطري ولُغة أربط بعضَها ببعض حتى تُبِينَ عن الأفكار التي تجري في خاطري، وأنت كذلك، وكلُّ الناس كذلك.

• لمَّا سَمعتُ مِن مولانا الشيخ محمود شاكر - رحمه الله تعالى - أن عبد القاهر يُعلِّم بلاغةَ الإنسان وليس بلاغةَ العرب لم أكنْ أفهمُ مُرادَه، فقلتُ إن حُبَّ الشيخ شاكر لهذا العالِم الجليل جعله يُبالغ قليلًا، ثم بَانَ لي أن توخِّيَ معاني النحو فيما بين الكَلِم هو المُنتِج للكلام العربي، والمُنتِج للكلام اليوناني، والمُنتِج للكلام الفارسي، والمُنتج للكلام الطلياني.. كلُّ ذي لسانٍ يَنطِقُ به لا يَعمل شيئًا أكثرَ مِن توخِّي معاني النحو.

• جليلٌ جدًّا جدًّا أنك تجد علماءنا يهتمُّون بالعنصر الإنساني المشترك، ويضعون الأصول العلمية التي تجمع أفكار الناس وأعمال الناس، وأن هذا البيانَ عن البيان الإنساني يعني أن الإنسانَ أخو الإنسان.

• حين يقول الله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ» فإنما يَرجِعُ بهم إلى الجَذْر الأول الذي هم جميعًا منه، والذي هم جميعًا يَرجعون إليه، والذي لا يجوز أن يُنسَى، ولذلك كانت المعاني الإنسانية في قلب كلِّ إنسان، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، عربيًّا أو غير عربي.

• فَضْلُ تعبيرٍ على تعبير، وفَضْلُ كلامٍ على كلام، وفَضْلُ شِعرٍ على شِعر، وفَضْلُ ديوان على ديوان، وفَضْلُ كلامِ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم على كلِّ كلام، وفَضْلُ كلامِ الله تعالى على كلِّ كلام = كلُّ هذا راجعٌ إلى معاني الكلام التي منها وبها يكون الكلام.

• تعقيبًا على قول الإمام عبد القاهر: «فإن النَّفسَ تُنازع إلى تتبُّع كل ضَرْبٍ من الشُّبهة يُرى أنه يَعْرِضُ للمُسلِّم نفسَه عند اعتراض الشَّك»، قال شيخُنا: عبد القاهر كأنه يقول لك: الله أسكنَ في قلبك القدرةَ على دَحْضِ الباطل وإقامة الحجَّة؛ فعُدْ أنت إلى هذه القدرة، واحذر أن تُسلِّم نفسَك للشبهات.

• شاع في الناس منذ الجاهلية أن الكلامَ يُشبَّه بالرِّداء، وأن نَسْجَ الكلام يُشبَّه بنَسْجِ الثَّوب، وقالوا: «.. لو انَّ الشِّعْرَ يُلْبَسُ لارْتُدِينَا»؛ فارتباطُ الشِّعر بالرِّداء وبالثَّوب وبالنَّسْج قديمٌ جدًّا جدًّا، وهي علاقةٌ صادرةٌ من كبار الشعراء وصادرةٌ من كبار أهل العلم بالشِّعر، ووَجْهُ الشَّبَه بين نَسْجِ الكلام ونَسْج الرِّداء أن نَسْجَ الثَّوب تُحرِّك فيه الخيوطَ في جهات منظَّمة وعلى وَفْق أحوالٍ خاصة حتى تُنتج لك نسيجًا خاصًّا، والكلامَ تُحرِّك فيه اللغةَ والكلماتِ حركاتٍ خاصةً حتى تُنتج لك كلامًا خاصًّا، وعبدُ القاهر يقول لنا إن مَن يؤمِن بهذه الحقيقة التي هي في كلام الكرام الكبار سيرى أن موضِعَ خيط النَّسيج في الثَّوب كموضِع الكلمة في بناء البيان، وأن الخيطَ الذي قُدِّم لا يجوز تأخيرُه وأن الكلمةَ التي قُدِّمت لا يجوز تأخيرُها، وأن هذا قد يَقعُ في الأذهان لشدَّة المشابهة بين نسيج الكلام ونسيج الثوب، فيؤكِّد لك عبدُ القاهر أن الكلمةَ أحيانًا تكون عند المتكلِّم في موقع التقديم وهي عنده في موضع التأخير، وأن ناسِجَ الثَّوب لا يمكن أن يفعل ذلك؛ لأنه ما دام قد وضعَ الخيطَ في موضعٍ لا يَجوز له أن يُغيِّر هذا الموضعَ.

• قيمةُ العلم في أنه يُوقِظُ العقلَ، والعلمُ إذا انتشر في قومٍ فلن تجد نصَّابًا يَنصب عليهم ولا كذَّابًا يُغريهم بكذبه؛ لأن العقلَ هو القوَّة الحامية للإنسان.

• إذا خرج الطالبُ مِن درسِك على الحالة التي دخله بها فالزمْ بيتَك.

• ليس المُهمُّ أن تَحفظَ العلم وتقولَه، المُهمُّ أن تُدركَ العلمَ ثم تقولَه، إذا كنتَ ستَحفظُ وتقولُ فإنك تُربِّي جيلًا من الحُفَّاظ النائمين، أمَّا إذا أدركتَ وقلتَ فإنك ستُربِّي جيلًا يدرك أولًا ثم يقول، وهذا هو المطلوبُ، وهذا هو الجِيلُ الذي يَغْسِلُ خَبَثَه.

• أستحي من الله أن أقولَ لك كلامًا حَفِظْتُه، وإنما أستعين بالله لأقول لك كلامًا أدركتُه.

• مُهمَّةُ المدرِّس مُهمَّةٌ جليلةٌ جدًّا جدًّا؛ لأنه صانعُ رجال وليس مُحفِّظَ مناهج؛ لأن تحفيظَ المناهج إن لم تكن وراءه عقولٌ تُدرك أسرارَ هذه المناهج فلا قيمةَ له.

• إذا ربَّيْتَ جيلًا يَحفظ المناهج فإنك تُربِّي جيلًا نائمًا، وتُسلِّمُه للظالم ليَظْلِمَه، وللمستبدِّ ليَقْهرَه، وللنصَّاب ليَنْصبَ عليه، وللأفَّاكين الذين يُسمُّون الفشلَ نجاحًا والخرابَ عُمرانًا والبلاءَ إنجازًا.. كلُّ هذا يَرُوجُ ما دام العقلُ نائمًا.

• مُهمَّتي ليست هي أن أنقلَ العلمَ من الكتاب وأضعَه في عقلك، وإنما مُهمِّتي أن أوقِظَ عقلَك حتى يستخرجَ هو العلمَ من الكتاب.

• وأنا أقرأ الشِّعرَ الجاهليَّ كان يُعجبني الهُذَلِيُّ الذي يتسلَّق الجبلُ ورِجْلُه تنزف دمًا لكي يصل إلى الشَّهْدَة، وجِبالُ هُذيلٍ معروفةٌ منذ الزَّمن القديم بأن في أعاليها جَنَى النَّحل، وكان الرجلُ تَدْمَى قدماه ويقول: «إمَّا أن أصلَ إلى الشَّهْدَة وإمَّا أن أموت»، وهذا هو الإنسان: إمَّا أن يُحقِّقَ مرادَه وإمَّا أن يذهبَ في داهية.

• الأرض التي يمشي عليها التافهون يكاد ترابُها يقول لهم: ادخلوا في باطني أكرمُ لي ولكم، إمَّا أن تكونوا رجالًا أو تَسكُنوا باطني.

• القضية ليست درسًا، القضية صناعةُ عقول.

• إذا لم يكن وجودُ اليــهــود على حدودنا سيُوقِظُنا فلن نستيقظ بعد ذلك، لأن شرَّ الشرِّ صار على حدودنا، والذي يقول لي هذا ليس التاريخ، وإنما يقولُه الذي خلق الإنسان: }لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُـــودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا{.

• عَـــدوُّنا الذي على حدودنا لا يريد إبــــادة الفلسطـــينيين فقط، وإنما قلبُه إبـــادةُ المصريين جميعًا، وإبـــادةُ السوريين جميعًا، وإبــــادة الماليزيين جميعًا، وإبــــادة المسلمين جميعًا، لا شكَّ في هذا، فإذا كان وجود هذا الشــيطان في بلادنا لن يَنفِيَ عنا الغفلة، ولن يجعلنا نهتمُّ بالعلم وبالتربية وبإعداد الأجيال، فعلى الدنيا السَّلام.. لا تَفهموا فقط كلامي هذا، وإنما بَلِّغُوه للأجيال، بَلِّغُوه للأحياء، وإن استطعتم أن تُبلِّغوه للأموات فبَلِّغُوه للأموات؛ لأنه خطرٌ داهم.

• كان من الرائع جدًّا في تاريخ هذا العِلم الجليل أن الذي أنشاه نَحْويٌّ من رأسه إلى قدمه، وهو عبد القاهر، وأن أوَّلَ مَن أدخلَه في كتاب الله نَحْويٌّ من رأسه إلى قدمه، وهو الزمخشري.

• الذي يَعزِلُ البلاغةَ عن النَّحو لا يَعرفُ البلاغةَ ولا النحو.

• إذا لم تُفكِّر في كلِّ شيء فلستَ على شيء.

• لابد أن تَعرفَ أسرارَ الشِّعر لتَرتَقِيَ إلى معرفة دلائل الإعجاز.

• حين تقرأ قولَ الله تعالى: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ{ وتنامُ عن طلب العلم تكونُ قد رفضتَ درجة الرِّفعة التي يمنحها لك الله، وما دمتَ رفضتَ درجة الرِّفعة التي يمنحها لك الله فلن تكون لك قيمةٌ ولو وضعك الناسُ على أكتافهم وقالوا: «بالرُّوح والدَّم نفديك يا زعيم».

• إذا قرأتَ قولَ الله تعالى: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ{ ولم تَطلب العلمَ ولم تَطلب هذه الرِّفعة فأنت رائعٌ جدًّا؛ لأنك أدركتَ أنك أخسُّ وأدنى من أن تكون من الذين يَرفعهم اللهُ درجات.

• الشعوبُ النائمة المُغفَّلة التي تُساق كما تُساق السَّائمة نعمةٌ من نِعَمِ الله للمستبدِّين والظالمين والجَهَلة، ولذلك لن تجد مستبدًّا ولا ظالمًا يهتمُّ بالتعليم؛ لأنه يَعلَمُ أن العلمَ ضدُّ الاستبداد وضدُّ الظلم.

• أُحِبُّ كلَّ من يُحبُّ قومَه، وأُحِبُّ كلَّ من يدعو قومَه إلى اليقظة، ولذلك أرجو أن نكون جميعًا دُعاةً إلى اليقظة؛ حتى نُخرِجَ بلادَنا من السِّرداب الذي دخلتْ فيه، وصارت في عُسْرٍ بعد يُسْر، وصارت في شِدَّةٍ بعد رخاء، وصارت في خوفٍ بعد أمْن.

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 22 من المحرم 1446هـ = 28 من يوليو 2024م:

• قيمة القراءة والسَّماع ليست فيما نقرأ وليست فيما نسمع، وإنما فيما نتدبَّر ونَعْقِل؛ فإعمال العقل فيما نقرأ هو الذي يجعل ما نقرأ له قيمةٌ، وإعمال العقل فيما نسمع هو الذي يجعل ما نسمع له قيمةٌ، وبقَدْر إعمال العقل تتمايز العقولُ وتختلف.

• المسائل التي أمامَنا مع الغفلة لا قيمة لها، ومع اليقظة تجد فيها عَجَبَ العَجَب.

• من أجلِّ نِعَمِ الله علينا أن نقرأ عقولَ كِرامِنا وكبارِنا الذين بَعُدَتْ بينهم وبيننا الأزمنة والأمكنة؛ يُتاح لنا الآن أن نقرأ عقلَ «الشافعي» في «الرِّسالة»، وأن نقرأ عقلَ «عبد القاهر» في الدَّرس الذي نحن فيه.

• أعرف ناسًا قرأوا «الرِّسالة» لا ليتعلَّموا منها الفقه، وإنما ليتعلَّموا منها صناعة الفقه، ليتعلَّموا منها كيف كان يستخرج «الشافعيُّ» مسائل الفقه، وحين تتعلَّم كيف كان يستخرج «الشافعيُّ» مسائل الفقه لا تكون قد تعلَّمتَ الفقه وإنما تكون قد تعلَّمتَ صناعة الفقه.

• إذا وعيتَ طريقة تفكير عبد القاهر تكون قد تعلَّمتَ الفكرَ المُنتِج للعلم، وإذا كان هناك شيءٌ فوق العلم فهو أن تتعلَّم كيف تُنتج العلم.

• التدبُّر إحياءٌ لكل شيء، وعدم التدبُّر قَتْلٌ لكل شيء.

• ليست الغاية من الدَّرس ولا من الكتاب إلا أن نُعْمِلَ عقولَنا فيما بين أيدينا من كلام.

• مِن خصائص العقول الحيَّة أن يبدأ العقلُ مِن نقطةٍ هي معلومةٌ ومشهورةٌ ومُتداوَلة، ثم يَنْسَلُّ من هذا المعلوم المشهور المتداوَل إلى غوامض المعرفة التي زلَّتْ فيها أقدامُ الكرام.

• عبد القاهر يُحمِّلك ضرورةَ الوَعْي بأن تَعْقِلَ البيانَ على المعنى الذي أراده واضعُ البيان، وأن تكون المباني برهانًا وطريقًا ونَجمًا يَهدِي إلى المعاني.

• يا سيدنا، القارئُ عليه المسئوليةُ التي على الكاتب؛ لأن القارئ قد يُفْسِدُ كلامَ الكاتب، وقد يُحْسِنُ كلامَ الكاتب، وقد يُوسِّعُ كلامَ الكاتب، وقد يَستخرج من كلام الكاتب ما لم يُرِدْه وهو على صواب.

• أبو العلاء المعري كَنزٌ من كنوز المعرفة العُليا التي لم يقرأها أحد.

• امرؤ القيس خيرُ مَن يَفهَمُ الشِّعر؛ هو قُدوة الشعراء في الشِّعر، وقُدوة أهل البيان في فَهْمِ الشِّعر.

• بعد بيان وجه الشَّاهد في قول أبي تمَّام:

لُعَابُ الأفاعِي القَاتِلاتِ لُعَابُه    ***    وأَرْيُ الجَنَى اشْتَارَتْهُ أيدٍ عَواسِلُ

قال شيخُنا: لاحِظْ أننا شُغلنا بقضيَّتِنا عن حلاوة كلام أبي تمَّام، وعن ذكائه في تصوير قَلَم ابن الزيَّات، وأن حِبْرَ قَلمِ ابن الزيَّات الذي يَكتب الكلماتِ سمَّاه أبو تمَّام «لُعابًا»، ورأينا للقلم لُعابًا، وهذا اللُّعابُ الذي لقَلَمِ ابن الزيَّات أحيانًا يكون سُمًّا قاتلًا كلُعاب الأفاعي، وأحيانًا يكون حُلوًا جليلًا جميلًا كأَرْيِ الجَنَى.. إبداعُ أبي تمَّامٍ لهذا المعنى شيءٌ جليلٌ جدًّا، وهذا من الأشياء التي تَفُوتُنا: نتكلَّم عن الشَّاهد وعن وَجْه الدِّلالة فيه، ثم نترك إبداعَ المعنى في هذا الشَّاهد.

• حين تقرأ كلامَ أهل العلم، ويرزقك الله حُسنَ تذوُّقِه، ستجد مُتعة شديدة جدًّا؛ مُتعة البيان ليست في الشِّعر فحسب، وإنما مُتعة البيان حيث كان البيانُ حَسَنًا ولو كان يتكلَّم في مسائل العلم، ولذلك أحيانًا تجد لُغةَ العلماء أعلى مقامًا من لُغةِ الشعراء.

• رحم الله «الجاحظ»؛ كان دائمًا يقول: إذا رُزِقْتَ الصِّدقَ ألقى الله القبولَ على قولك.

• يقيني أن أهمَّ ما في العلم هو تكوينُ العقل الإنساني، وأن الله رَفَعَ الذين أوتوا العلم درجات لأن العلمَ رَفَعَ عقولَهم، وغيَّر نُفوسَهم، وخَلَق منهم إنسانًا أفضل.

• ليس أسوأَ من أي نظام سياسي يضطهد الكفاءات المتميِّزة، وأعظمُ نظامٍ سياسيٍّ وأَكْرَمُه هو الذي يتبنَّى الكفاءات ويُنمِّيها ويُربِّيها وكأنه يُربِّي كنوز الخير لهذه الأمَّة، أما اضطهاد الكفاءات وتجنيب الكفاءات فهذا لا يكون إلا من أعداء الأمَّة.

• المُدرِّس إذا وجدَ بين طلابه كفاءاتٍ ولم يَلتفت إليها يكون خائنًا لقومه؛ لأن أهمَّ بِرٍّ بقومِك هو أن تتكفَّل وأن تهتمَّ بكفاءاتهم وبنَشْئِهم المتميِّز، وهذه هي الرِّسالة الأولى للمُدرِّس.. أوَّلُ ما يجب على المُدرِّس أن يُلاحظَ الكفاءات ويُعطيها مزيدًا من العناية ليصنع كفاءاتٍ متميِّزة.

• الشُّعوبُ لن تتقدَّم، ولن تَرتَقِي، ولن تَشْبَعَ مِن جوع، ولن تأمنَ مِن خوف، إلَّا بالكفاءات المتميِّزة، لا بالزَّمَّارة والطبَّالة.

• لا آتِي مِن بيتي إلَّا لأقولَ ما عندي لأمَّة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم؛ تَحبُّبًا إليه وتَقرُّبَا إليه، يا سيدي تأكَّدْ أن درسي هذا ليس من أجْلِ عيونك، تأكَّدْ أنه محبَّةٌ في مَن تشهد أنت أنه عبدُ الله ورسولُه، ولذلك لا أرضى منك شكرًا ولا جزاءً، ولا أنتظر.

• تَحبَّبْ إلى الله وإلى رسوله بخدمةِ خيرِ أمَّةٍ أُخرجتْ للناس، تَحبَّبْ إلى الله وإلى رسوله بكلمة صالحة تقولُها في خير أمَّةٍ أُخرجتْ للناس، ولو رَمَاك مَن تقولُها لهم بالحجارة؛ لأنك لا تقولُها لهم.

• لن تَفهمَ شيئًا لا من الشِّعر ولا من القرآن ما لم تقرأ شِعرًا كثيرًا جدًّا، الذي يجعلني أُميِّزُ الجملةَ القرآنيةَ عن كلام البشر هو طولُ مراجعاتي لكلام الذين أَنزل الله فيهم القرآن، لا توجد كلمةٌ قالها امرؤ القيس إلا وتدبَّرتُها، ولا كلمةٌ قالها زُهيرٌ إلا وتدبَّرتُها، ثم وجدتُ الذي بين الدَّفتَيْن شيئًا آخر.

• لو كنتُ أعيش في زمن امرئ القيس وفي زمن زُهير وفي زمن النُّبوة ونزلَ القرآن كان القرآن سيُدهشني؛ لأن كلَّ كلامِهم عندي، وحديثَهم عندي، ومَعانِيَهم عندي، وأفكارَهم وخواطرَهم عندي، ولا أجدُ فيها جميعًا }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{، أَخرِجْ لي من الشِّعر الجاهليِّ كلِّه }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{، أَخرِجْ لي من كلام العرب كلِّه }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{، أَخرِجْ لي من كلام العرب كلِّه }مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{، }ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{، لا يوجد يا سادة جملةٌ واحدةٌ من هذه الجُمَل نطق بها العربُ في جاهليَّتهم، ولن تَقبَلَ منِّي هذا ما لم تقرأ.

• وأنت تقرأُ لاحِظِ المعنى، ولا تُحمِّل الكلامَ الذي أمامَك ما لا يَحتَمِل، ولا تُؤوِّلْه بما يُفْسِدُه، وكلُّ هذا يُعلِّمني القراءة؛ لأنك إذا أحسنتَ تعلُّمَ القراءة أحسنتَ تعلُّمَ العلم، وإن أحسنتَ تعلُّمَ العلم أحسنتَ تغيير العقل وتغيير النَّفْس.

• أزعم أن الله يرفع الذين أوتوا العلمَ درجاتٍ لأن العلمَ غيَّرهم، وغيَّر عقولَهم، وغيَّر أفهامَهم، وصاروا شيئًا صالحًا في عمل الصالحات في الأرض.

• مِن العبث أن يُظنَّ أن بعضَ العلومِ أقربُ إلى الله مِن بعض، الأقربُ إلى الله هو نِيَّتُك؛ فقد يكون عالِم الفيزياء صادقَ النِّية في خدمة هذه الأمَّة، وعالِم الفقه ليس عنده صدقُ هذه النِّية فيكون عالِمُ الفيزياء أقربَ إلى الله مِن عالِم الفقه.

• أوصانا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأن نَقبلَ عُذرَ من يعتذر وإنْ كنَّا نعتقدُ أنه يَعتذِرُ بأعذارٍ كاذبة.

• يرفع الله الذين أوتوا العلم بمقدار ما رَفَعَ العلمُ من عقولِهم، وغيَّر مِن نفوسهم، وهيَّأهم لأن يكونوا أفضل.

• أقرأ العلمَ، ولكني لا أَفهمُه إلا إذا فكَّرتُ فيه، وهذه قيمةُ العلم؛ لأن المهمَّ في العلم إعمالُ عقلك فيه.

• لن تُربِّيَ رجالًا إلَّا إذا كان عندك وَعيٌ بما تَقول، وبمقدار وَعْيِك بما تقولُ يكون وَعْيُ طلابِ العلم لِمَا تقول.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply