بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تأملتُ في عامّة العلماء الذين ظُلموا وبُغي عليهم من قِبل أعدائهم أو أقرانهم حسدًا وبغيًا، فرأيت أنّ الله رفعهم وأبقى ذكرهم ورَزَقهم القبول بين الأمة.
وما رأيتُ ظالِمًا باغيًا – ولو كان عالِمًا – رفعه الله وأبقى ذكره ورَزقه القبول بين الأمة.
فهذا الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، والمجدّد محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله – وغيرهم، قد رفعهم الله وأبقى ذكرهم ورَزَقهم القبول بين الأمة.
وأين أعداؤهم؟
أين الذين ظَلموهم وتسلّطوا عليهم من المنتسبين للعلم في أزمانهم؟
ذهبوا ومُحيت من الأرض آثارُهم، كما مُحيت من القلوب محبّتهم.
وصدق الله تعالى: {وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}.
إنه وعدٌ من الله الذي لا يُخالف الميعاد، أن ينصر عبده المظلوم المبغيّ عليه، فكيف إذا كان هذا العبد من أولياء الله الصالحين، وحزْبه المفلحين؟
خاب والله وخسر من عاداه، وقذَف اللهُ في قلوب عباده كراهةَ رؤيةِ محيّاه، وتوعّد بمحاربته ومجازاته يوم يلقاه، قال الله تعالى في الحديث القدسيّ: "من عادى لي وليًّا فقد آذَنْته بالحرب".
والمعنى: من نصبَ العداء لوليٍّ من أوليائي لأجل صلاحه واستقامته، فقد أعْلمُته بأني حربٌ عليه، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة، ثبت في جانب الموالاة، فمن والى أولياء الله أكرمه الله ووالاه.
وإنّ الله تعالى إذا أحبّ وليًّا ابتلاه وسلّط عليهم ظالِمًا؛ لتزداد حسنات الوليّ، وتعظم رفعته في الدنيا والآخرة، وليزداد الظالم في الانحطاط والسُّفول، ويعظم عذابه يوم القيامة.
والمؤمن العارف بالله لا يتسخّط من المصائب التي يُجريها الله على أيدي الناس؛ لأنه يعلم أنها منحةٌ من الله ونعمة.
قال ابن رجب رحمه الله: *إنّ نعم الله عَلَى عبده المؤمن بالبلاء أعظم من نعمه في الرخاء*.
وكلما عظمت عليه المحنة: تمّت عليه النعمة، ونال بسببها القبول والمحبة، واستحق لأجلها الكرامةَ والرفعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: *جعل اللهُ سبحانه وتعالى عبادَه المؤمنين بكل منزلة خيرًا منه، فهم دائمًا في نعمةٍ من ربهم، أصابَهم ما يُحِبُّون أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويُقدرها عليهم متاجرَ يَربحون بها عليه، وطُرُقًا يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عَن إمامهم ومتبوعهم - الذي إذا دُعي يوم القيامة كل أناسٍ بإمامهم دُعُوا به صلواتُ الله وسلامه عليه - أنه قال: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله عجب، ما يقضي الله له من قضاء إلاّ كان خيرًا له، إن أصابته سرَّاءُ شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له".
فهذا الحديث يَعمُ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها وشكرَ لمحبوبها.
اللهم رضِّنا بك وعنك، وزدنا إيمانًا وردّنا إليك، إنك ربنا برٌّ رؤوف رحيم ودُود.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين