تعظيم المشاعر

110
3 دقائق
25 ذو القعدة 1446 (23-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنْ اتَّقَاهُ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.

إِنَّ مَنْ تعَظَّيمِ اللهِ تَعَالَى تَعْظِيمَ حُرْمَاتِهِ، وَالْاِسْتِسْلَاَمَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالتَّسْلِيمَ لِشَرِيعَتِهِ، والوقَوفَ عِنْدَ حُدودِهِ، وَعَدَمَ مُخَالَفَتِهِ؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، وَالشَّعَائِرُ هِي كُلُّ مَا أَمْرَ اللهُ بِهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ، وَمِنْ أَعْظُمِ هَذِهِ الشَّعَائِرِ مَا خَصَّهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنْ تَعْظِيمِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَمَنَاسِكِ وَشَعَائِرِ الْحَجِّ وَالْعُمَرَةِ؛ مِنْ طَوَافٍ وَسْعِيٍّ وَوُقُوفٍ وَمُبَيِّتٍ وَرُمِّيٍّ، وَهَدْيٍ وَتَلبيةٍ؛ فَالْحَجُ شَعِيرَةٌ شَرَعَهَا اللهُ لإقامَةِ ذِكرِهِ وتوحيدِهِ، وَفيها مِنَ المَنافِعِ والحِكمِ الدِينيةِ والدُنيويةِ، مَا لا يَخفَى عَلى ذِي بَصِيرَةٍ، ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾.

وَلَقَدْ خَصَّ اللهُ- تَعَالَى- مَكَّةَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْبِلَادِ فَحَرَمَهَا يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضَ، وَأَضَافَهَا سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ تَعْظِيمًَا لِشَأَنِهَا، وَإجْلَالًا لِمَكَانَتِهَا، فَقَالَ عِزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين﴾، وَتَوَعَّدَ مَنْ نَوَى الْإِخْلَالَ بِأَمْنِ الحَرَمِ، وَهَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ فِيهِ أَنْ يُذِيقَهُ الْعَذَابَ الْألِيمَ، ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: "أَبُغْضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلَاثَةٌ…وَذَكَرَ مِنْهُمْ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ". أَيَّ: ظَالِمٌ مَائِلٌ عَنِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ؛ بِاِرْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي فِي الْحَرَمِ.

وَإِنَّ مِنْ تَعْظِيمِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ الْعَظِيمَةِ اِسْتِشْعَارُ هَيْبَةِ الْمَشَاعِرِ؛ بِتحقِيقِ تَوْحِيدِ اللهِ وَطَاعَتِهِ، وَالتَّحَلِّي بِآدَابِ الْحَجِّ مِنَ الرِّفْقِ وَاللِّينِ وَالسَّكِينَةِ، وَالْبُعْدَ عَنِ الْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ وَالْخِصَامِ؛ قَالَ تَعَالَى:﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ : "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" مُتَفَقٌ عَليهِ.

تَعْظِيمُ الْمَشَاعِرِ بِاحتِرَامِهَا وَتَطْهِيرِهَا مِنْ الالحَادِ وَالظُلمِ، وَالمُعتقَداتِ الفَاسِدَةِ، فَلَا مَجَالَ فِي الْمَشَاعِرِ الْمُقَدَّسَةِ لِلشِّعَارَاتِ الطَّائِفِيَّةِ أَوِ السِّيَاسِيَّةُ، فَقَدْ جُعِلَتْ هَذِهِ الشَّعَائِرُ لإقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ وَاِسْتِغْفَارِهِ وَدُعَائِهِ، ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾.

وَمِنْ تَعْظِيمِ الْمَشَاعِرِ الْاِلْتِزَامُ بِالْأَنْظِمَةِ وَالتَّعْلِيمَاتِ الَّتِي تَضَعُهَا الدَّوْلَةُ -وَفِقْهَا اللهُ- لِتَنْظِيمِ الْحَجِّ وَتَيْسِيرِهِ، وَفِيهَا حِفْظُ الْحِجَاجِ وَصِحَّتُهِمْ وَتَيْسيرُ تَنَقُّلَاتِهِمْ وَمَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ أَدَاءِ مَنَاسِكِهِمْ بِسِكِّينَةٍ وَسَلَاَمَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِلْزَامُ بِاِسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ، وَهَذِهِ الْأَنْظِمَةُ وَالتَّعْلِيمَاتُ مَا قُرِّرَتْ إِلَّا لِمَصْلَحَةِ الْحَجِّ وَالْحَجيجِ.

وَالتَّحَايُلُ عَلَى أَنْظِمَةِ الْحَجِّ وَالذَّهَابُ بِدُونِ تَصْرِيحٍ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِوَلِيِ الأَمْرِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ أَمَرَ بِطَاعَةِ وُلَاةِ اﻷمْورِ فِي الْمَعْرُوفِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.

فَالْوَصِيَّةُ لِلْحُجَّاجِ وَالزُّوَّارِ الْاِلْتِزَامُ بِاِسْتِخْرَاجِ التَصَارِيحِ اللَّازِمَةِ وَالتَّعَاوُنُ مَعَ الْجِهَاتِ الْمَعْنِيَّةِ؛ فَالْاِلْتِزَامُ بِذَلِكَ يَدْفَعُ- بِحَوْلِ اللهِ- أضْرَارًَا كَبِيرَةً، وَمَخَاطِرَ مُتَعَدِّدَةً مِنْهَا التَّأْثِيرُ عَلَى سَلَاَمَةِ الْحُجَاجِ، وَعَلَى جَوْدَةِ الْخِدْمَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لَهُمْ وَعَلَى خُطَطِ تَنَقُّلَاتِهِمْ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ؛ نَاهِيَكُمْ عَنِ الضَّرَرِ الْمُتَعَدِّي بِإيذَاءِ الْحُجَّاجِ بِالْاِفْتِرَاشِ وَالتَّسَبُّبِ بِالزِّحَامِ وَالتَدَافُعِ، وَفِي الْحَديثِ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَاِتَّقَوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاحْرِصُوا عَلَى تَعْظِيمِ الْمَشَاعِرِ وَالشَّعَائِرِ بِالسَّكِينَةِ وَالطُّمأنِينَةِ، فِي أدَاءِ المَنَاسِكِ وَعدَمِ أذِيَّةِ المُسلِمينَ، ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾.

اللَّهُمُّ وَفِّقْ حُجَّاجَ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَتَقْبَلْ مِنْهُمْ، ورُدَّهُمْ إِلَى أَهْلِيِّهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، يَا ذَا الْجَلَاَلِ وَالْإكْرَامِ.

اِتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسَكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاحْرِصُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- عَلَى الْأَخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ فِي حَجِّكُمْ وَأَدَاءِ مَنَاسِكِكُمْ عَلَى عِلْمٍ وَبَصيرَةٍ، وَتَعَاوِنُوا مَعَ وُلَاةِ أَمْرِكُمْ وَالْقَائِمِينَ عَلَى شُؤُونِ الْحَجِّ حَتَّى يَظْهَرَ مَوْسِمُ الْحَجِّ بِأَبْهَى صُورِهٍ وَأَجْمَلِ رِسَالَةٍ تُبرِزُ مَعَانِيَ الْحَجِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْوَحْدَةِ وَالنِّظَامِ وَالْاِمْتِثَالِ؛ كَمَا أَرَادَ اللهُ ﻷمَةِ اﻹسْلَامِ أَنْ تَكَوُنَ أُمَّةً وَسَطًَا، وَخَيْرَ أُمَّةٍ أُخَرِجَتْ لِلنَّاسِ.

اللَّهُمُّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلَ مُحَمَّدٌ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبرَاهِيمَ وَعَلَى آلَ إبرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدُ مَجِيدُ، اللَّهُمَّ بَارِّكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلَ مُحَمَّدٌ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيمَ وَعَلَى آلَ إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدُ مَجِيدُ. وَاِرْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، أَبِي بِكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُودِكَ يَا أَرَحِمَ الرَّاحِمَيْنِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، وَأعْذْنَا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهِرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنًَا مُطمئنًا وَسائرَ بلادِ المُسلمينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادَمَ الحَرَمَينَ الشَرِيفَينَ، وَوَليَ عَهدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي رِضَاكَ، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمُّ ضَاعِفْ لَهُمِ الْحَسْنَاتِ وَاِرْفَعْ لَهُمِ الدَّرَجَاتِ وَكَفْرْ عَنْهُم السَّيِّئَاتِ يَا حَيَّ يَاقَيُّومُ.

عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوْا اللَّهَ ذِكرًَا كَثِيرًَا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق