فوائد من درس دلائل الإعجاز 52

50
7 دقائق
25 صفر 1447 (20-08-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

يوم الأحد: 25 من المحرم 1447 ه الموافق لـ 20 من يوليو 2025 م:

• ما زلنا في تدقيق وفَهْم القول بأن الفصاحة والبلاغة في المعاني لا في الألفاظ، وما زلنا في الردِّ على مَن ذهبوا إلى أن الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة في الألفاظ، وهاتان الجهتان متقابلتان ومتباعدتان، والحقُّ الذي يقولُه الشيخ عبد القاهر هو أن قيمة البيان في معانيه؛ لأن الألفاظ مشتركةٌ بين الناس جميعًا، والفضلُ ليس راجعًا إليها، وإنما الفضلُ راجعٌ إلى ما يصل إليه الإنسانُ بقلبه وعقله مِن معنًى ومِن فكرة؛ لأن القضية هي قضيةُ إنشاء مَعانٍ، هي قضيةُ صناعة مَعانٍ، هي قضيةُ اجتلاب مَعانٍ، وليست أبدًا جعجعةً، وليست أبدًا ألفاظًا.

• لا يَشغلُ قلبَ الإنسان شيءٌ كما يَشغلُه البيان؛ كلنا نُزاول البيان؛ في يومنا وفي ليلنا، وفي عملنا وفي فراغنا؛ فالبيانُ هو الشيء الملازمُ للإنسان، فإذا كان معناه مختلطًا على العقل الإنساني كان ذلك مَفسدةً كبيرة، وإذا كان معناه بَيِّنًا في الفطرة الإنسانية كان ذلك حُسْنًا وشيئًا جليلًا جدًّا.

• تعقيبًا على قول الإمام عبد القاهر: «ومِن أبْيَنِ ما يَدلُّ على قلَّة نظرهم»، قال شيخُنا: هناك كلماتٌ تَمرُّ علينا وفيها سَخاء، ولكننا لا نلتفت إليها؛ فكلمةُ: «قلَّة نظرهم» هذه تُعلِّمني أنا أن القراءةَ دقَّةُ نظر، وأن الجَهْلَ جَالِبُه ووالدُه وأمُّه وأبوه قلَّةُ النظر.

• دقَّةُ النظر هي أمُّ وأبو العلم والتقدُّم والرِّفعة والسُّمو وصناعة الإنسان الأفضل، الذي ما أنزل الله كتابَه ولا كُتبَه السابقة إلا ليُخرجَ الناس من الظلمات إلى النور، ولن يُخرِجَ الإنسانَ شيءٌ من الظلمات إلى النور إلا العمل والجِد.

• الإنسان الرائع جدًّا والإنسان غير الرائع جدًّا الفرقُ الذي بينهما هو أن هذا يُدقِّق النظر فيما يقرأ وهذا لا يُدقِّق النظر فيما يقرأ.

• هناك كلماتٌ دائرةٌ على ألسنتنا وفيها معنًى يُغيِّرنا ويَنقلنا من التخلُّف إلى التقدُّم، ومع ذلك لا نلتفت إليها.

• أَشِعْ في الشعب وفي الناس ضرورةَ دقَّة التفكير وإعمال العقل. ازرعْ في الطفل، وفي الشابِّ، وفي الصغير، وفي الكبير = معنى دقَّة التفكير وستتغيَّر الحياةُ مِن حولنا.

• هناك أشياءُ قريبةٌ جدًّا، ورائعةٌ جدًّا، وممكنةٌ جدًّا، ولكننا لا نَعْمَلُها؛ فنَنتقل من «السيئ» إلى «الأسوأ»، ومن «الأسوأ» إلى «الأسوأ بشَرْطة»، ومن «الأسوأ بشَرْطة» إلى «الأسوأ بشَرْطتين».

• لن نتغيَّر إلا إذا كَرِهْنا ما نحن فيه، ولا بُدَّ من الوَعْي، ولا بُدَّ من وَعْي كلام أهل الوَعْي؛ حتى تتغيَّر الأمور.

• لن نتغيَّر إلا إذا أردنا نحن أن نتغيَّر.

• لغةُ أهل العلم فيها الخيرُ كلُّ الخير.

• اللغةُ المُبِينةُ عن العلم أحيانًا تعطي أكثرَ من العلم.

• ما دمتَ مُغفلًا فستجد ألفَ مُغفَّل يُغفِّلون المُغفَّل.

• الجامعةُ ليست هي العلم، العلمُ هو إيقاظ العقل، العلمُ هو تشغيل الذِّهن.

• إنما قَبِلَ أهلُ الباطل الباطلَ لأنهم لم يُعمِلوا عقولَهم؛ فقُلْ لكل طالب: «أعْمِلْ عقلَك»، وإذا سألك سؤالًا ورأيتَ أنه لو أعمل عقلَه لأدرك جوابَه فمِن الخير ومن المهمِّ جدًّا ألَّا تُجيبَه.

• لا أريدك أن تُعلِّم طالبَك العلم، وإنما أريدك أن تُعلِّمه كيف يُعمِل عقلَه؛ ولذلك علماؤنا الكرام كانوا يَذكرون بعضَ الكتب ويقولون إنها تُعلِّم العقل.

• نحن في حاجةٍ إلى تعليم العقل، وحاجتُنا إلى تعليم العقل ليست بأقلَّ من حاجتنا إلى تعليم العلم.

• يا خَلْقَ الله، الأممُ لا تتقدَّم ولا تحمي أرضَها وأموالَها وأعراضَها إلا بإعمال العقل.

• إذا كانت الغفلةُ وعدمُ إعمال العقل في مصلحةِ مُستبدٍّ، أو في مصلحةِ مَن يريد أن يَحكُم قطيعًا ولا يريد أن يَحكُم أحياءً يقولون: «نعم» ويقولون: «لا» = فهما ضِدُّ مصلحةِ الأرض التي نَمشي عليها.

• ضَعْفُ عقولنا يكاد يكون خُطوةً فسيحةً لاحتلال عدوُّنا أرضَنا.

• عدمُ إعمال عقولنا هو البوابةُ التي يَدخلُ منها اللِّصُّ لسرقة الأرض.

• القضيةُ ليست قضيةَ اللفظ والمعنى يا ناس، حتى كلامُ عبد القاهر عنها نَجِدُ حديثَه عن إعمال العقل أكثرَ وأغزرَ من حديثه عن القضية نفسِها.

• رحم الله أبا العلاء حين قال:

خَفِّفِ الوَطْءَ مَا أظُنُّ أدِيمَ الْ *** أَرْضِ إلَّا مِن هَذِه الأجْسَادِ

فهذا الترابُ هو جَسد جَدِّي وجَدِّك، فإذا ضيَّعناه ووطئه العدوُّ الألَدُّ فكأن العدوَّ الألَدَّ يطأ بقَدَمِه جَدِّي وجَدَّك؛ فاصنعوا رجالًا تَحمي كلَّ شيء، ولا يَضِيقُ بهذا إلا عدوٌّ لهذا التراب.

• حين يَمرُّ اللِّسانُ على الكلمات العالية التي تَنطق بها الألسنةُ العاليةُ دون أن يَشعر بها ويُراجِعَها فهناك صدأٌ في هذا اللِّسان، وإزالةُ الصدأ تكون بكثرة القراءة، وكثرة النظر، وكثرة التدبُّر.

• أنت لا تحتاج إلى جامعة، ولا إلى مَدْرسة، ولا إلى شَيخٍ فيلسوف.. أنت نَفْسُك تَصنعُ لنفسِك ما لا يَصنعُه لك أحدٌ غيرُك.

• رحم الله الإمامَ عبدَ القاهر رحمةً واسعة؛ لأنه هو الذي علَّمني وأنا في سِنِّكم أن لُغةَ العلم يجب أن تُتَعلَّمَ كما نَتعلَّم العلم.

• كلُّ علمٍ له لسان، كلُّ علمٍ له لُغة؛ لو قرأتَ كتابًا في النَّحْو لعالِم جليل ستجد لُغةَ النَّحْو تَختلف عن لُغة الفقه، تَختلف عن لُغة البلاغة؛ فلا بُدَّ مِن الوَعْي بهذا.

• لا بُدَّ أن تَقرأ الكلامَ لتَعقِلَ عِلمَه ولِتَعلمَ لُغتَه.

• لا بُدَّ مِن اليقظة التي تَنفي الخبث، هذا هو، وإلَّا فلْنَلْزَمْ بُيوتَنا، وإلا فلْنَترك البلاد ونُغادِرْها إلى بلاد أخرى، لكننا لن نستطيع أن نعيش فيها؛ لأن أحبَّ أرضِ الله إليَّ هي الأرضُ التي مَسَّ جسمي تُرابُها، لأن أحبَّ بلاد الله إليَّ هي الأرضُ التي وُلِدتُ فيها.

• عبد القاهر له طرائقُ عجيبةٌ جدًّا جدًّا، ونحن حَفِظْنا علمَ عبد القاهر لكننا ما زلنا نَجهلُ طريقةَ تفكير عبد القاهر.

• إذا حَفِظْتَ علمَ «الشافعي» فهذا حَسَن، وإذا حَفِظْتَ طريقةَ تفكير «الشافعي» فهذا أحسن. إذا حَفِظْتَ علمَ «مالك» فهذا حَسَن، وإذا حَفِظْتَ طريقةَ تفكير «مالك» فهذا أحسن.

• إذا بَيَّنْتُ لك البَيِّنَ فاعترضْ عليَّ وقُلْ لي: إنك لا تُبيِّنُ البَيِّنَ إلا لمن اعتقدتَ أنه عاجزٌ عن فَهْم البَيِّن؛ فأنت رأيُك فيَّ رأيٌ سيئٌ جدًّا، وأنا أرفضُه.

• من الإساءة لطلابي أن أوضِّح لهم الموضَّح؛ لأن هذا يعني سُوءَ ظنٍّ بطلابي.

• الأنبياءُ أوحى الله لهم بدِينه، والعلماءُ فتح الله لهم بعطائه.

• أوَّلُ مَن أنشأ استعارةً لم يقرأ بلاغة، أوَّلُ مَن أنشأ تشبيهًا لم يقرأ بلاغة، وإنما الفطرةُ الإنسانيةُ هي التي أنشأتْ وتَخيَّلتْ؛ لذا عُدْ إلى نفسِك تَجِد العلمَ كلَّ العلم هناك، ولذلك كان هذا العالِم المُلهَم (عبد القاهر) كثيرًا ما يقول: «ارجِعْ إلى نفسك».

• الذين صنعوا البيان لم يقرأوا كلمةً واحدةً في البلاغة، الذين صنعوا النَّحْو لم يقرأوا كلمةً واحدةً في النَّحو، إنما الفطرةُ هي التي أنطقتْهم بالبيان العالي.

• مشكلتي أنا أنني كنت أنتظر مَن يُعلِّمني، ومشكلتُك أنت أنك تَنتظر مَن يُعلِّمك، إنما الحقيقةُ هي أنني يمكن أن أخطُوَ عشرَ خُطواتٍ في العلم بدون مُعلِّم، وأحتاج إلى مُعلِّم في خُطوة واحدة.

• لن يُعلِّمك أحدٌ، أنا لا أَقْدِرُ أن أُعلِّم نفسي، وأنت تَنتظر مني أن أُعلِّمك، وأُقسِمُ لكم بالله أنني أقرأ في هذا الكتاب كلامًا لا أفهمُه، وأُعيد القراءة، وليس فيكم واحدٌ يقرأ الدرسَ كما قرأتُه أو يَتعبُ في الفَهْم كما أتعَبُ في الفَهْم.

• تعليقًا على قول «لبيد»:

وَغَدَاةِ رِيحٍ قَدْ كَشَفْتُ وقِرَّةٍ *** إذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا

قال شيخُنا: لا شكَّ أنني وأنا أقرأ هذا البيتَ لا يكون ذهني مُنصرفًا إلى أنه جعل للشَّمَال يدًا، إنما ذهني مُنصرفٌ للمعنى الجليل الذي حرَّك خيالَ «لبيد» حتى جعل للشَّمال يدًا، وهو شيءٌ افتقدتُه على أرضي، وهو أن «لبيد» كان إذا وجد الزمانَ شقَّ على الناس اجتهد في أن يَكشف عن الناس هذه المشقَّة، يا «لبيد» أنت جاهلي، وقبلَ أن يَنزل القرآنُ، وقبل أن يُبعث سيدُنا رسولُ الله، لكنَّ فطرتَك الإنسانيةَ جعلَتْك إذا وجدتَ قومَك قد شقَّ عليهم الزمانُ تَجتهد في كَشْف المشقَّة عنهم.

• أحطُّ خَلْقِ الله صاروا يَجولون في أرضنا ولا يَخافون بأسًا، مع أن ربَّنا قال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} قال: {تُرْهِبُون} ولم يقل: «تَقْتُلُون»؛ لأنك إذا أعددتَ القوَّة لن يُحاربك، فكأن إعداد القوَّة في منطق الإسلام لِمَنْع الحرب لا لإثارة الحرب.

• تعليقًا على بيت «لبيد».

وَغَدَاةِ رِيحٍ قَدْ كَشَفْتُ وقِرَّةٍ *** إذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا

قال شيخُنا: مِن نعمة الله العُظمى على الإنسان - أيُّها الناس - أن الكلمةَ العاليةَ تَظلُّ عاليةً ولو ردَّدْتَها ألفَ مرَّة ولو كَتَبْتَها بيدك ألفَ مرَّة؛ لأن هذا البيتَ قرأتُه في الكُتب وكَتبتُه في كُتبي وحَفِظْتُه، لكن كلَّما سَمِعْتُه كنتُ كأنني أسمعُه لأوَّل مرَّة.

• لو أن الله أكرمني بسَمَاع «لبيد» وهو يقول:

وَغَدَاةِ رِيحٍ قَدْ كَشَفْتُ وقِرَّةٍ *** إذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا

ولكنْ ممكن جدًّا أن أسمعَ صَوْت «لبيد» مِن صوت هذا المُغفَّل [يريد: قارئ درسه]؛ لأن الفكرةَ ليستْ ما تَسمعُه الأُذن ولكنَّ الفكرةَ ما تَعقِلُه القلوب.

• كان الشيخ محمود شاكر - رحمه الله رحمة واسعة - يُحدِّث عن الشاعر الجاهلي وهو يقرأ قصيدتَه وكأنه يَسمع إنشادَ الشاعر لشعره؛ فانظروا إلى القلوب حين تُفتَح للعلم؛ تُرزَقُ أرزاقًا عالية.

• لاحِظُوا أنني أتحرَّك سريعًا في الكتاب؛ لأن الكتابَ في آخرِه رَحيقُه؛ فأخاف أن أَعْجِزَ ولا أستطيعَ أن أقرأ معكم هذا الرَّحيق؛ لأن عبد القاهر بعد أن أنهى الكتاب وحَمِد الله وأثنى عليه، راجَعَه الفِكرُ؛ فذَكَر رحيقَ علم البلاغة الذي يُعلِّمنا جميعًا كيف نَفهم الشِّعر وكيف نَفهم الكلام العالي، وهذا مهمٌّ جدًّا جدًّا.

• حُسْنُ البيان مِن الحُسْن الذي أكرمنا الله به حين تَضيقُ بنا الدُّنيا وتَقْشَعِرُّ ولا نرى فيها حُسنًا، إنما نرى فيها قُبحًا ونُرْغَمُ على أن نُسمِّي القُبحَ حُسنًا، ونرى فيها غباءً ونُرْغَمُ على أن نُسمِّي الغباءَ ذكاءً، ونرى فيها خَرابًا ونُرْغَمُ على أن نُسمِّي الخرابَ عُمرانًا.

• اعلم أنني حين أحرِصُ على هذا التراب إنما أحرِصُ على أحفادك وآبائك وأجدادك، وإن كنتَ تراني خَصْمًا لك، وأنا لستُ خَصْمًا، وإنما أنا خَصْمٌ لكلِّ مَن لم يُدافع عن هذا التراب.

• الدِّفاعُ عن التُّراب ليس بالأغاني يا سادة، إنما بالعمل وببَذْل أقصى المجهود.

• نريد أن نعيش على التُّراب ونبذلَ أقصى الطاقة فيما يَحْمِيه، والذي يَحْمِيه هو الصِّناعة، والذي يَحْمِيه هو العلم.. إلخ.

• الذي يَحمي التُّرابَ أن يَصنع أبناؤه سلاحَهم وطعامَهم ودواءهم وسياراتِهم.

• كنت أتمنَّى قبل أن أَدخُلَ قبري أن أعيشَ على أرضي وليس فيها إلا ما صنعتْه أيدينا.

• أنا عِشْتُ زمنَ إنشاء الهيئة العربية للتصنيع، كان كلُّ مصريٍّ مسرورًا وكأن الهيئة العربية للتصنيع ملكُ أبيه.

• الناسُ مُشتاقةٌ لأن تكون سياراتُها بأيديها، وسلاحُها بأيديها، وعِلمُها بأيديها.

• تحليلُ الشِّعر الذي في «دلائل الإعجاز» أهمُّ من البلاغة التي في «دلائل الإعجاز».

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق