فوائد من درس دلائل الإعجاز 53

65
6 دقائق
25 صفر 1447 (20-08-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف يوم الأحد: 2 من صفر 1447 ه الموافق لـ 27 من يوليو 2025 م:

• إن كنتُ نجحتُ في بيان الذي مضى فأنت مُستطيعٌ أن تقرأ الباقيَ بدون واسطتي؛ لأن الشرحَ ليس بيانَ معنى المسألة العلمية، وإنما الشرحُ بيانُ معنى كيف تقرأ كلامَ العلماء.

• دائمًا ما أقول وأكرِّر - وأنا تعلَّمتُ هذا وعِشتُ عليه - أن القراءةَ قراءةُ عقل، وتكوينِ عقل، وتكوينِ قدرة عقلية على مناقشة الأفكار.

• نُموُّ المعرفة في النفس الإنسانية لا يعني نُموَّ معلومات فحسب، وإنما يَعني نُموَّ عقلٍ يحاور هذه المعلومات ويناقش هذه المعلومات.

• المعرفة تُنمِّي العقل، وإذا كَثُرت القراءة وكَثُر التدبُّر رأيتَ شعبًا ذا عقلٍ، وإذا رأيتَ شعبًا ذا عقلٍ فلن يَركبَه غَبيٌّ.

• مُهمٌّ أن تكون الشعوبُ ذاتَ عقول تَحمي نفسَها وأرضَها وعِرْضَها وأجيالَها بعقولها وليس بسيوفها؛ لأن السيف في يد الجاهل يَقتل حامِلَه.

• التفوُّق الآن في الأُمم تفوقٌ عقليٌّ، التفوُّق في الصِّناعة تفوقٌ عقليٌّ، التفوُّق في إعداد عُدَّة الحرب تفوقٌ عقليٌّ، التفوُّق العقليُّ هو عِمارة الأرض.

• لمَّا جعل الله آدمَ خليفةً أولُ شيء علَّمه إيَّاه هو العلم، الذي هو التفوُّق العقليُّ.

• ما دُمنا خاسرين ومُعتقدين أن الجنَّة للصَّلاة والزَّكاة والصدقة فحسب، وليست لعمارة الأرض، فقد ضاعت منا جنَّةُ الدنيا وجنَّةُ الآخرة معًا؛ لأن جنَّة الآخرة أُعدَّت لمن يصنع بيديه جنَّةً على أرض آبائه، ومن لم يصنع جنَّةً على أرضه في الدنيا فلا جنَّةَ له في الآخرة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.

• حياتُنا في دُنيانا إنما هي مِن أجْلِ حياتنا في أُخرانا، ومَن فَصَل ما بين الحياتَيْن فقد دمَّر الحياتَيْن معًا.

• أدهشني جدًّا جدًّا قولُ سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لن يُدخِلَ أحدَكم عَملُه الجنَّةَ"، إذًا فلماذا نَعمل؟! فوجدتُ أن الجنَّة غاليةٌ جدًّا جدًّا، وليس هناك عَملٌ يَعدِلُها، وإنما تُعطاها بفضل الله.

• ابذلْ أقصى الغاية في طاعة الله، لا لتدخل الجنَّة؛ لأنك لو بَلغتَ أقصى الغاية، وأقصى الطاقة، وأقصى الطاقة، وأقصى الطاقة = فإن الجنَّة أغلى من كل هذا، وإنما تَفعلُ كلَّ ذلك لتُزحْزَحَ عن النار.

• وجدتُ بعضَ أهل الله حين يَكتبون في الدِّين يَذكرون لنا أهوال الآخرة: أهوال الصِّراط، وأهوال الحساب، وأهوال القبر؛ لأن هذه الأهوالَ هي التي تَكفُّ نفوسَنا وتَرْدَعُها وتَرْدَعُ شهواتِنا حتى نُزحْزَحَ عن النار.

• العلمُ يا سادة لتربية إنسان، العلمُ لإعداد إنسان، العلمُ ليس معلوماتٍ تُحفَظ، وإن كان حِفظُها جيدًا جدًّا.

• أُلاحظ أن العالِم إذا وصل إلى حقيقة عقلية جيدة تُوجَد في لُغتِه نَشوة، وكأن طُرْبةً خامرتْ عقلَه وقلبَه لمَّا وصل إلى هذه الحقيقة.

• الحياة العقلية تَلْفظ الأغبياء، ولن تجد سادةً في الأغبياء إلا في شَعبٍ هو أغبى من الأغبياء.

• تتبَّعتُ الدراسات التاريخية فلم أجد مستبدًّا اهتمَّ بالتعليم؛ لأن عَدوَّه اللَّدود هو العقل الإنساني، والعقلُ الإنسانيُّ حاضِنَتُه ومُربِّيتُه ومُرضِعتُه وفاطِمَتُه هي «المدرسة»، فإذا أنشأت المدرسةُ العقولَ الحيةَ فلن يستطيع الغبيُّ الجاهلُ أن يَركب ظهورَها.

• اقرأوا التاريخ، وانظروا النهضاتِ الفكرية: متى ظهرت؟ ومن كان وراء ظهورها؟ ومن تَحمَّس لها؟.. وهكذا.

• أنت عِشتَ على الأرض لتكون إنسانًا حيًّا، لتكون قادرًا على التغيير، ولأن تبدأ بتغيير نفسِك.

• أنت مُعلِّم، أي: مُغيِّر للعقول. أنت تقف في فصْلِك لا لتبيِّن المبتدأ والخبر، أنت تقف في فصْلِك لتنمِّيَ هذه العقولَ المحيطةَ بك. هذا شأنُك سواء كنت في علم النحو، أو في علم الهندسة، أو في علم الكيمياء، المهم أنك تخاطب عقولًا لتربِّيَ عقولًا.

• إذا لم تُربِّ جيلًا على العلم والفكر، والتفوُّق في الصِّناعة وصناعة أدوات الحرب، فأنت تُسلِّم مفاتيح الأرض لهؤلاء اليهود، فأنت تُسلِّم مفاتيح دار أبيك وأمِّك لأعدى أعدائك.

• نحن لسنا في موقف اختيار: إمَّا أن تَحمِيَ الأجيال بالعلم والتعلُّم والتقدُّم في الصِّناعة وصناعة أدوات الحرب، وإما أن تُسلِّمَهم عبيدًا لعدو الله وعدوِّك، وأقسم بالله إنه ما غاب عني هذا وأنا أعلِّم طلابي الاستعارة والتشبيه والكناية.

• كلَّما نظرتُ في وجه طالبٍ تذكَّرتُ أنني إذا لم أُحْسِن تربيتَه فأنا أُسلِّمه عبدًا لأعداء أُمَّته.

• أسخر مِن نفسي حين ألبس حذائي وهو صيني؛ لأنه كان عندنا في قريتنا منذ سبعين سنة «إسكافي» يصنع الأحذية. أين ذهب الإسكافي؟! وما الذي أدَّى بي إلى أن أشتري حذاءً من الصِّين.

• حين بدأتُ أقرأ للشيخ محمود شاكر - رحمه الله رحمةً واسعة - وهو يقول إن عبد القاهر يَضع بلاغةَ الإنسان وليس بلاغة العرب، قلت: «هذا حكمٌ نابعٌ من حُبِّ الشيخ للعرب»، لكنْ تبيَّن لي أن كل ما ذكره عبد القاهر كلامٌ لا يخاطَبُ به العرب، وإنما يُخاطَب به الإنسان؛ لأن البلاغة واحدةٌ وإن اختلفت اللُّغات؛ لأن الإنسان صانعُ البلاغة واحدٌ، وعبد القاهر يتكلَّم عن الإنسان صانع البلاغة؛ عربيًّا أو طليانيًّا... أو غيرهما.

• عبد القاهر في كتابَيْه يشرح معنى: «خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ».

• كثيرٌ من العلوم داخَلَها الكلامُ الفاسد؛ لأن الذين قالوا هذا الكلامَ فيها ليسوا مِن أهلها، وإنما لهم ذِكرٌ ولهم صِيتٌ في بابِهم، وذِكرُهم وصِيتُهم في بابهم روَّج كلامَهم الفاسدَ في غير بابهم، حتى خُدِع فيه أهلُ العلم في هذه العلوم كما خُدِع الناس.

• في شبابي كنت أقرأ كلام مَن كانوا يُوصفون ب«روَّاد النهضة»؛ فكنا نقرأ كلام «روَّاد النهضة» دون أن نُراجِعَه، إلى أن نبَّهنا رجالُنا الكرامُ؛ فتنبَّهْنا إلى أن كلام روَّاد النهضة «هيودِّينا في ستين داهية» لأنهم كانوا مُجمعين على أن طريق النهضة هو الأخْذُ عن غيرنا.

• رجالُنا الكرامُ كتبوا كُتبًا صغيرةً جدًّا، وجليلةً جدًّا، وسياقُها الذي كُتبت فيه يَجعلها أجلَّ؛ مثل «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا» الذي كتبه محمود شاكر - رحمه الله - وكَوْنُ هذا الكتاب كُتِبَ في الزمن الذي كُتِبَ فيه، والذي أحدِّثك عنه، يَجعل له قيمةً فوق كلِّ قيمة.

• مَجيءُ الجيِّد جيدٌ، ومَجيءُ الجيِّد في الوقت الذي يُحتاج فيه إليه جيدٌ جدًّا.

• الذي يَنهضُ عن طريق الأخْذِ عن غيره لا قيمةَ لنهضته، ونَهضةُ الحِمار أفضلُ منه؛ لأن الحمار سيَنهض بقوائمه إنما هو سيَنهض بقوائم غيره.

• في شبابي طالعت مقالًا في جريدة لشخصٍ سَمَّوْه «المفكِّر الجديد» فتطلَّعتُ ل«المفكِّر الجديد»، وتهيَّأت أنه لو قال لي: «3 × 3 = 5» لتابعتُه، ولو قال لي: «1 × 1 = 4» لقَبِلْتُها؛ لأنهم هيَّأوا عقلي لقبولِه. أرأيتم؟! تضليلُ العقول علمٌ ومنهج.. ثم وجدتُ «المفكِّر الجديد» يتكلَّم في دِين الله كلامًا لا قيمة له.

• تعقيبًا على الفقرة رقم (550) قال شيخُنا: عبد القاهر يقول لك: يَعْنِيك القولُ، راجِع القولَ، ولا تَنخدع بنباهة القائل وصِيته وعُلوِّ منزلته.

• أدهشني أن القرآن الكريم كثيرًا ما يَبني الأفعال للمجهول مع أن القائل معلوم؛ لأنه يُعلِّمك ألا تَشغلَ نفسَك بالقائل، وإنما اشْغَلْ نفسَك بالقول؛ فارجع، وراجِع، وتدبَّر، واحذرْ أن يُغرِيك القائلُ بقَبول القول دون مراجعة.

• يُدهشني ويُثيرني حين أجد أبناء القِرَدة والخنازير يُسمُّوننا: «متوحِّشين»، والذين يُذبِّحون ويَطردون الناس من بيوتهم يُسمَّون: «متحضِّرين»!؛ فإمَّا أن تستيقظوا وإمَّا أن تَصير الأرضُ التي تحت أيديكم وأقدامكم ليستْ لكم.

• إذا أهملتُ الجيلَ ولم أعلِّمْه الصِّناعة؛ صناعةَ عُدَّة الحرب، ولم أعلِّمْه العلم، فأنا أُسلِّمه للعدو. هذا أو الطوفان، وكلُّ من يتخلَّف عن الدعوة إلى هذا فهو الخائن، وهو الإرهابي، وهو الخطر على الأمن القومي.

• أيُّ «أمن قومي» تتحدَّثون عنه ونحن نُسلِّم أبناءنا وهم جَهلةٌ إلى أعدائنا.

• تضليلُ الأمم علمٌ سهل. تخريبُ الإنسان سهلٌ جدًّا؛ لأن بناء الإنسان صعبٌ جدًّا. تخريبُ العمارة سهلٌ جدًّا؛ لأن بناء العمارة صعبٌ جدًّا.

• حُبُّ البلاد عملٌ يا سيدنا، حُبُّ البلاد ليس غِناءً.

• البلادُ لا يَحميها الغِناء، وإنما يَحميها الجِدُّ، وبَذلُ أقصى الجِد، ونَشْرُ ذلك في صِغارِها وكِبارها.

• العملُ مِن أجْل البلاد عملٌ جامعٌ، وعَملُ حُبٍّ لا بَغضاءَ فيه ولا نَفْرَة ولا عداء؛ لأني أَحْمي دار أبيك وأنت تَحْمي دار أبي، أنا أَحْمي أحفادك وأنت تَحْمي أحفادي.

• لو عَلمْتُ أن الغِناءَ يَحْمي البلادَ لغنَّيتُ ورَقَصْت، ولكني أعلم أن ذلك باطل، وأن الأرضَ يَحْميها الجِدُّ.

• ليس المهم عندي أن يُعجِبك كلامي، إنما المهمُّ عندي الأرض التي تمشي عليها ويمشي عليها أحفادك.

• لا تتلقَّ الكلامَ مِن حيث هو قولُ فُلان، وإنما تَلَقَّه مِن حيث هو صواب.

• ليس المهم أن نتكلَّم في العلم، إنما المهمُّ أن يَفتح الله قلوبَنا للعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق