فوائد من درس دلائل الإعجاز 54

79
6 دقائق
25 صفر 1447 (20-08-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، يوم الأحد: 9 من صفر 1447 ه الموافق لـ 3 من أغسطس 2025 م:

• شُيوعُ الخطأ الذي يقول إن الفصاحة والبلاغة والبيان مَرجِعُها إلى اللفظ وليس إلى المعنى = شُيوعُ هذا الرأي مع فساده - والذي سأقوله تخمينٌ وليس حقيقةً - كان سببُه صُدورَه عن عالِم جليل له قَدمٌ راسخةٌ في غير علم البلاغة، وليس له قَدمٌ راسخةٌ في علم البلاغة؛ فتكلَّمَ في البلاغة بغير علم، وأخذ الناسُ رأيَه في البلاغة لشُهرته وسُمْعته في بابه الذي تخصَّص فيه، وعبدُ القاهر يُريد بذلك القاضي عبد الجبَّار.

• لمَّا قرأتُ القاضي عبد الجبَّار في أوَّل حياتي، وقرأتُ عبد القاهر الجرجاني، كنت أكاد أجزم بأن عبد القاهر انتفع كثيرًا بالقاضي عبد الجبَّار؛ لأن كلامَ القاضي عبد الجبَّار وكلامَ عبد القاهر يلتقيان في كل الأساسيات، ولم أعرف شيئًا واحدًا خالف فيه كلامُ عبد القاهر كلامَ القاضي عبد الجبَّار، ثم لمَّا قرأتُ آخر كتاب «دلائل الإعجاز» ووجدتُ حَمْلةً من عبد القاهر على بعض نصوص عبد الجبَّار أيقنتُ أن عبد القاهر لم يقرأ نصوص عبد الجبَّار، وإنما أخذها من أفواه عامَّة تلاميذه من مُعتزِلة جُرجان، وكتبت ذلك في كتاب «المراجعات».

• ما ذكره عبدُ القاهر من كلام القاضي عبد الجبَّار واستخفَّ به هو نفسُه الذي ذكره القاضي عبد الجبَّار واستخفَّ به، أي إن القاضي كان يَردُّ على من يقولون هذا الرأي، وعبدُ القاهر لمَّا سَمِع من عامَّة المعتزلة ولم يقرأ «المُغْني» نَسبَ ذلك إلى القاضي عبد الجبَّار.

• لا تأخذْ رأيَ عالِمٍ في علم لم يتخصَّص فيه، وإنما خُذ الرأي ممن انقطعوا لهذا العلم: لا تَنقُلْ في «الحديث» إلا كلامَ مَن انقطع ل«الحديث»، ولا تَنقُلْ في «التفسير» إلا كلامَ مَن انقطع ل«التفسير»، ولا تَنقُلْ في «البلاغة» إلا كلامَ مَن انقطع ل«البلاغة»، ولا يَخدعنَّك شُهرةُ هذا العالِم في بابٍ فتأخذَ رأيَه في بابٍ آخرَ مِن غير دراسةٍ ومِن غير تمحيص.

• احذرْ مِن الشُّهرة، واحذرْ مِن أن تُغمِض عينيك وتتلقَّى ما يَقوله مَن له شُهرة، وإنما يجب أن تراجع كلَّ شيء بعقلك.

• لا تأخذ القولَ لأن القائلَ مذكورٌ ومشهور، وإنما خُذ القول لأن القولَ مُعتمَدٌ وجيِّد.

• يُدهشني أن يُعترَض على القاضي عبد الجبَّار وأن يُقال كلامٌ لا يَقبله العقلُ ويُنسَبَ له.

• خالِف القاضي عبد الجبَّار وإنما لا تُنكِر عقلَه وتفوُّقه، خالِفْه لأنه معتزليٌّ متشدِّد، والمعتزلة عندي ليسوا فُجَّارًا، وإنما هم علماءُ وكرامٌ، ورأيُ المعتزلة هو رأيٌ صادرٌ عن علماءَ كبارٍ كرامٍ يُبالغون في تنزيه الله؛ ومن ذلك رأيُهم في أن «الله لا يُريد القبيح؛ لأن إرادةَ القبيح قبيحةٌ، والله مُنزَّهٌ عن القبيح»، هذا رأيُهم، لكنِّي غيرُ مؤمن به؛ لأنني مؤمنٌ بالحقيقة العليا، وهي أنه لا يَقعُ في مُلك الله إلا ما يريده، وجلالُه وسلطانُه على أرضِه وخَلْقِه يُوجبان ألا يَقعَ في مُلكِه إلا ما يشاء. أرفضُ رأيَ المعتزلة، ولكنِّي لا أجرِّم أهلَه ولا أهاجِم أهلَه.

• حين كنتُ أعيش مع الناس الذين يهاجمون المعتزلة كان ذلك لا يُرضيني.

• «الزَّمخشريُّ» معتزليٌّ، وهو في الاعتزال في طبقةٍ تلي طبقةَ القاضي عبد الجبَّار، ولكنِّي أكرمني الله وقرأتُ له مَخطوطاتٍ وضراعاتٍ ودعوات أتمنَّى أن يكون لي قلبٌ تَصدُر عنه هذه الضَّراعات والدَّعوات، ومِن هنا لم أقبل الهجومَ الشديدَ على «الزَّمخشريِّ».

• «الزَّمخشريُّ» فَتح بابَ علم بلاغة القرآن، وأحدث تطوُّرًا في علم التفسير، وكان يُعدُّ مرحلةً من مراحل تطوُّر علم التفسير.

• خالِف «الزَّمخشريَّ»، ولكن لا تَنس أنك تُخالِف عالِمًا.

• «هلافيت» السِّياسة لا يَقبلون أن يُخالفهم أحدٌ، وأنت لا تستطيع أن تخالف «هلفوتًا» سياسيًّا إلا إذا قرأت «المُعوِّذتَيْن» أولًا، ثم تأتي وتُخالِف عالِمًا!!!

• بيانُ أهل العِلم عن صغائر العِلم بيانٌ كبير.

• دائمًا ما أُنبِّه إلى ما نبَّهنا إليه العلماءُ، وهو أن البيان عن العِلم ليس أقلَّ خطرًا من العِلم، وأن لُغة العِلم جزءٌ من العِلم.

• كم كنت أتمنَّى أن أتفرَّغ لبيان الفَرْق بين لُغةِ الفقهاء ولُغةِ النُّحاة ولُغةِ البلاغيين؛ لأن كلَّ علمٍ له بيانٌ وله لُغةٌ.

• أُلاحظ أنه حين يُراد ترويج مذهبٍ فاسدٍ يُحدَّث عن قائله بأنه «مفكِّر جديد»، وحين أرى عبارة «مفكِّر جديد» أتوقَّع أنه سيأتي بشَرٍّ منسوبٍ إلى هذا المفكِّر الجديد.

• العقلُ نورٌ يَهدي الله به مَن يشاء مِن عباده.

• عِشتُ الأزمنةَ المختلفةَ وألوانَ التضليل المختلفة؛ فلا بدَّ من الوعي؛ لأن الضَّلالَ عِلم، وتضليل العقول عِلمٌ وفِكْر.

• تعقيبًا على قول الإمام عبد القاهر: «ذلك لأنه ليس مِن عاقلٍ يَفتح عَيْنَ قلبِه... »، قال شيخُنا: تَعلَّمتُ من هذا أنني لا أُمْسِك الكتابَ ولا أقرأ إلا بعد أن أفتح عَيْنَ قلبي؛ لأن عَيني التي في وجهي لا تُغنِي شيئًا، إنما عَينُك التي تَنفعُك هي عَيْنُ قلبك.

• لن تكون شيئًا في بابٍ إلا إذا بَذلتَ فيه أقصى الطاقة، ولن يكون شَعبُك له قيمةٌ في عِلم إلا ببذل أقصى الطاقة: بذل أقصى الطاقة في الصِّناعة، بذل أقصى الطاقة في الزراعة، بذل أقصى الطاقة في القراءة، بذل أقصى الطاقة في كلِّ ما يَنفع الأمَّة، وإذا فعلنا ذلك فبعد سنوات قليلة سيتغيَّر الحال.

• ما دامت عيونُ عقولنا مُغْمضةً فقُلْ لبني إسرائيل: أبشروا.

• «عبد القاهر» و«سيبويه» وغيرُه من النُّحاة يقولون إن الجملة لا تتكوَّن مِن فِعْلين ولا تتكوَّن مِن حرفين، وإنما لا بدَّ أن تتكوَّن مِن فعلٍ واسم، أو من اسمين، ولو كانت الألفاظُ؛ كلُّ الألفاظ، يُضَمُّ بعضُها إلى بعض لَمَا قيل هذا، ولا كان الفعلُ يتعلَّق بالفعل، ولا الحرفُ يتعلَّق بالحرف، لكنَّا لا نرى فعلًا يتعلَّق بفعل ولا حرفًا يتعلَّق بحرف.

• قلت لكم مرة: أحيانًا العالِمُ الجليلُ يتكلَّم في مسائلَ ضعيفة، ولكنَّ كلامَه العاليَ يَجعلُ المسائلَ مسائلَ عاليةً؛ لأن العقل حين يَتناول مسائل ويَعْرِضُها ويُحاوِرُها ترتفع هذه المسائلُ بمقدار رِفْعة هذا العقل.

• العلمُ أصلُه وأساسُه إعمالُ عقل، وترقيةُ عقل، وتربيةُ عقل، وإعدادُ عقل.

• الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكونَ، وكرَّم الإنسانَ فيه بالعقل، وتطوُّرُ الوجود والرُّقيُّ في الشعوب والأُمم ليس له سبيلٌ إلا تطوُّر العقول ورُقِي العقول، والفرقُ بين المتخلِّف والمتقدِّم فَرقٌ بين عقلٍ متخلِّف وعقلٍ متقدِّم؛ فالعقلُ هو الأوَّل، والعقلُ هو الثاني، والعقلُ هو كلُّ شيءٍ في هذه الأرض.

• المُحِبُّ لأمَّته هو الذي يُعِدُّ عقولَ أجيالها، ويَهتمُّ جدًّا بمَدارسها كما يَهتمُّ بطعامها وشرابها، وإذا وَجدتَ عدمَ عنايةٍ بالتعليم فتأكَّدْ أن الأمر في يَدِ غير أهلِه.

• عبدُ القاهر إمامٌ في درجة القاضي عبد الجبَّار، ولكنْ هذا في البلاغة وهذا في الاعتزال.

• أمَّةٌ تُغمِضُ العَين عن إعداد أجيالها أمَّةٌ صائرةٌ إلى الخراب؛ لأن الكلَّ سيَموت: علماؤها سيموتون، قادتُها سيموتون، وزراؤها سيموتون؛ فلا بُدَّ أن يكون هناك خَلَفٌ يَحمي التراب ويَحمي الأرض، وإلا ضاع الترابُ وضاع كلُّ شيء.

• أعتقد أن إعداد الأجيال من أصول الدِّين، وإلا ضاعت البلاد وضاع كلُّ شيء، والذين يُهمِلون هذا أقلَّ إهمالٍ هم يُدمِّرون كلَّ شيء، والأصلُ ألا يكون لهم رأيٌ في حياة الناس؛ لأنه لا يكونُ له رأيٌ في حياة الناس إلا الذي يَعيش حياةَ الناس، ويَعلمُ أن إعداد الأجيال كالصَّلاة والصَّوم؛ فَرضٌ، مِن الأركان.

• الذي يُحْسِنُ فَهْمَ الشِّعر يُحْسِنُ فَهْمَ الإنسان الأعلى، وأنت إذا أحسنتَ فَهْمَ الإنسان الأعلى أوشكتَ أن تكون أنت الإنسانَ الأعلى، أو مُشْبِهًا للإنسان الأعلى.

• رَبِّ الجيلَ على أن يكون هو الأعلى، فإذا لم يكن الأعلى كان مُشْبِهًا لأن يكون الأعلى.

• الفصاحةُ ليست في اللُّغة وإنما في الإنسان صانعِ اللُّغة.

• عِلمُ عبد القاهر مَصدرُه الحقيقيُّ سَعَةُ علمِه بكلام العرب.

• سَعةُ علم عبد القاهر بكلام العرب عرَّفَتْه أن الشَّاعر قد يبدأ طريقًا في أداء المعنى، وأنه لطُول مُزاولته للأساليب قد يَهدِيه معنًى من المعاني إلى طريقةٍ في البيان لم تُعْرَفْ قبلَه.

• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «واعلمْ أن الاحتذاء عند الشُّعراء وأهل العِلم بالشِّعر وتقديره وتمييزه... »، قال شيخُنا: إذا أردتَ أن تَعْلمَ الشِّعرَ فابدأ بعِلم معناه، ثم انظر في علم طبقتِه، ثم انظر في تميُّزه وفضله.

• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «والأسلوبُ: الضَّربُ مِن النَّظْم والطريقةُ»، قال شيخُنا: كثيرًا ما ذَكَرْنا «زُهيرًا»، لكنْ هل دَرَسْنا شِعر «زُهير» واستخرَجْنا منه ضُروبًا من النَّظْم اختلفتْ؟ هل فَعلْنا هذا مع «النابغة»؟ هل فَعلْنا هذا مع «الأعشى»؟ أو أن شِعرَ كلِّ واحدٍ منهم واحدٌ؟ هل دَرَسْنَا ضُروبَ الأساليب.

• اجعلْ كلَّ فكرةٍ تُخاطِبك وتَفرِضُ عليك سؤالًا؛ هو: هل فَعلْنا ذلك؟

• موهبةُ «الفرزدق» لا شكَّ أنها موهبةٌ متميزةٌ جدًّا جدًّا.

• لا تُحرِّموا على الناس الانتفاعَ بمواهِب الناس، وما دمتَ تأخذ الجيِّدَ حيث تراه فاصنعِ الجيِّد، ولا تأخذ الجيِّدَ وأنت عاجزٌ عن صناعة الجيِّد؛ فإذا أخذتَ الجيِّدَ وصَنعتَ الجيِّدَ فنِعْمَ أنت حين أخذتَ ونِعْمَ أنت حين صَنعت.

• اصنعوا وخُذوا مِن عقول الناس، ولا ضَيْرَ ما دُمتم تُعطون العقولَ مثلَ ما أخذتُم؛ نِعْمَ أنتم حين أخذتُم، ونِعْمَ أنتم حين أعطيتم، أمَّا أن تأخذَ مِن الناس ولا تُعطي الناسَ فبئس أنت حين أخذتَ.

• ربُّنا - سبحانه وتعالى - لم يَكتب علينا الغباء؛ لأن الله جعلَ العقلَ في الأُمم كلِّها، وفي الأجيال كلِّها، وفي الناس كلِّها.

• مِن أذْهَلِ شيءٍ في هذه «العربية» أن كبارَ علمائها ليسوا من العرب؛ مثل: «سيبويه» و«أبي علي الفارسي»، وكبارَ شعرائها ليسوا من العرب؛ مثل: «بشَّار» و«ابن الرُّومي».

• خَتَم شيخُنا دَرْسَه بالدُّعاء للحُضور؛ فقال: ربّنا يَنفع بكم، ربّنا يَجعل منكم مَن هو أفضلُ مني، اللَّهم آمين يا ربَّ العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق