فوائد من درس دلائل الإعجاز 55

53
7 دقائق
22 ربيع الأول 1447 (15-09-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، يوم الأحد: 16 من صفر 1447ه، الموافق لـ 10 من أغسطس 2025 م:

• كنَّا نتحدَّث في «الاحتذاء»، وبيانِ فسادِ وضَعْفِ قولِ مَن يقول إن مَن يُنشد شِعرَ امرئ القيس إنشادًا جيدًا صحيحًا كأنه يَحتذي امرأَ القيس، وهذا - لو كنتُ مكان عبد القاهر - ما تعرَّضتُ للردِّ عليه؛ لأن الصِّبْيةَ الصِّغار يَعلمون أن مَن يُنشد شِعرَ فلانٍ ليس مُحتذيًا، وليس له أيُّ صفةٍ في الشعر، ولكنْ - كما قلتُ لكم كثيرًا - كان علماؤنا وهم يَردُّون الأقوالَ المتهافتة يَذكُرون أشياءَ جليلةً جدًّا، حتى إنك تَشعُر أن هذا المُتهافِت الذي استخرَجَ مِن الشيخ هذا العلمَ الجليلَ لم يكن مُتهافتًا، وإنما كان أيضًا جليلًا.

• العلماءُ الكِرامُ إذا ناقَشُوا ما لا قيمةَ له قالوا ما له قيمة.

• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «وهذا الذي كتبتُ مِن جَلِيِّ الأخْذِ في الحَذْو، وممَّا هو في حَدِّ الخَفِيِّ»، قال شيخُنا: هذا مَوقعٌ من مواقع تكوين عقلك العلمي؛ لأن الذي ذَكَره كان من الجَلِيّ، والذي سيَذكُره مِن الخَفِيّ، وإن كنتَ تريد أن تَصنع من نفسك إنسانًا كريمًا فلا بُدَّ أن تَقِفَ عند الذي قال فيه إنه من الخَفِيّ، وأن تُوازِنَه بالذي قال فيه إنه من الجَلِيّ، وأن تَبحث عن الشيء الذي جعل هذا خفيًّا، وأنا حين أصنعُ هذا مع نفسي أجد صعوبةً شديدةً جدًّا؛ لأني أجد الذي ذَكَر أنه خَفِيٌّ هو أيضًا مِن الجَلِيّ، وإنما كان الخفاءُ في شيءٍ ربما لا ألتفتُ إليه، ولولا أنه قال إنه مِن الخَفِيِّ لَمَا وصلتُ إليه.

• هناك دراسةٌ لم نَلتفِتْ إليها؛ هي «أنواع الأساليب»، نحن ليس عندنا بابٌ اسمُه «أنواع الأساليب»، يعني أن طرائقَ البيان منها طُرقٌ متميِّزة، يَفتَرِعُها شاعرٌ، ويَبتدِئها شاعرٌ، ويَتْبَعُه مَن بعدَه.

• أبو تمَّامٍ مات وهو شابٌّ، لكنْ كان فيه عبقريةٌ عجيبةٌ جدًّا.

• الفرزدق كانت عُنْجُهِيَّتُه أحيانًا تَصرفني عن شِعْره، ولكنْ مع طُول المُلازمة له وجدت قُدرتَه على الشِّعر أرْضَتْني عن هذه العُنْجُهيَّة؛ ولذلك أرى أن الفرزدق هذا ممَّن يُذكرون مع الطبقة الأولى من الشعراء.

• حين تكون فيك عُنْجُهيَّةٌ وأنت تافهٌ تكون عُنْجُهيَّةً تافهةً مُستقبَحةً؛ لأنك تافِهٌ، ومِن المبالغة في التفاهة أن يكون فيك عُنْجُهيَّة.

• تعليقًا على حديث الإمام عبد القاهر عن خَفِيِّ الأخْذِ في الحَذْو، قال شيخُنا: هذا اختبارٌ لكلِّ ما بذلتُه من مجهود في فَهْم أسرار الكلام؛ كان يُمكن حين رأيتُه يقول: «هذا مِن الخَفِيِّ» أن أحفظَ أن هذا مِن الخَفِيِّ، وأكتبَ في كتابي أن هذا مِن الخَفِيِّ، وأُبَعْبِعَ لطلابي أن هذا مِن الخَفِيِّ، لكنْ هذه خيانةٌ للعلم، ولا بُدَّ أن أكون قد وَعَيْتُ لماذا كان هذا مِن الخَفِيِّ، وما الطريقة التي سَلكْتُها حتى أُدْرِك أن هذا مِن الخَفِيِّ، وأُنبِّهك إلى هذا. إذا حَفِظْتُ وحفَّظتُك هذا أمرٌ جيِّد، لكنَّ العِلمَ سيكون «محلَّك سِرْ».

• سيدُنا رسولُ الله قال لنا: "مَثَلِي ومَثَلُ الأنبياء من قبلي كمَثلِ رجلٍ بنى بيتًا فأحسَنَه وأجْملَه إلا مَوضعَ لَبِنةٍ مِن زاوية، فجعل الناسُ يَطوفون به ويَعجبون له، ويقولون: هلَّا وُضعت هذه اللِّبِنَة؟، قال: فأنا اللَّبِنة وأنا خاتَمُ النَّبيين"، وكأنه يقول لك: يا دارس الفقه، قل: وأنا اللَّبِنة. يا دارس البيان، قل: وأنا اللَّبِنة. يا دارس الطبِّ، قل: وأنا اللَّبِنة. يجب أن يكون كلُّ واحدٍ منكم ليس لَبِنةً؛ لأني لو قلتُ هذا أكون قد تجاوزتُ، وإنما يجب أن يَبذل كلُّ منَّا أقصى مجهوده ليكون لَبِنةً، فإن كان لَبِنةً فذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء، وإن لم يكن لَبِنةً فقد بلغ الإنسانُ عُذرَه ببذله أقصى مجهوده.

• «وأنا اللَّبِنة» كلمةُ سيِّدنا، وليست كلمةَ محمد أبو موسى. قل: «وأنا اللَّبِنة»؛ أنا في الفقه لَبِنة، وأنا في النحو لَبِنة، وأنا في الأحياء لَبِنة، وأنا في الرياضيات لَبِنة. في تخصُّصاتكم يَبذل كلٌّ منكم أقصى ما عنده حتى يكون تَخصُّصُه بعد موته ليس كتخصُّصِه قبل موته.

• المهمُّ - إن لم تكنْ لَبِنةً - أن تكون قد اجتهدتَ لتكون لَبِنة، وأن تكون قد أحدثتَ في العِلمِ ليس اللَّبِنة، وإنما ما هو دون اللَّبِنة. إمَّا أن تكونوا كذلك وإمَّا أن يكون الموتُ أفضلَ لنا من الحياة.

• لا يجوز أن نعيش على عقول الناس وقد قال لنا ربُّنا: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.

• نحن اثنان: واحدٌ يَحفَظُ ما في حواشينا، وواحدٌ يَحفَظُ ما في حواشي الآخرين، وكلاهما كالآخر، والعِلمُ معهما «مَحلَّك سِرْ».

• لن تَسمعوا مني أفضلَ مِن هذا: كونوا كما يُحبُّ الله لكم أن تكونوا، وكونوا كما قال سيِّدكم: «وأنا اللَّبِنة».

• تعليقًا على قول ذي الرُّمَّة:

وشِعْرٍ قَدْ أَرِقْتُ لَهُ غَرِيبٍ *** أُجَنِّبُهُ المُسَانَدَ والمُحَالَا

قال شيخُنا: أعجبْتَني يا ذا الرُّمَّة؛ لأنك قلتَ: «أَرِقْتُ له»، أي: «عِشْتُه، وتحمَّلتُ مسئوليتَه، وشَقَقْتُ على نفسي لأصنعَ شِعرًا جيِّدًا»، وأنْعِمْ بكل إنسانٍ يبذل أقصى مجهوده ليَصنعَ فعلًا جيِّدًا، أنْعِمْ بالصَّانع الذي يقول: «أَرِقْتُ له حتى أصنعَ صَنعةً جيدة»، وأنْعِمْ بالعالِم الذي يعيش وهو يقول: «أَرِقْتُ له».

• تعليقًا على قول ذي الرُّمَّة:

وشِعْرٍ قَدْ أَرِقْتُ لَهُ غَرِيبٍ *** أُجَنِّبُهُ المُسَانَدَ والمُحَالَا

قال شيخُنا: ذو الرُّمَّة رائعٌ؛ لأنه يُجنِّبُ عملَه مظاهر الضَّعف، ذو الرُّمَّة يقول لي وأنا مُدرِّس: «عليك أن تَجتهِدَ في أن تُجنِّب دَرْسَك مظاهر الضَّعف»، يقول لي وأنا طبيب: «عليك أن تَجتهِدَ في أن تُجنِّب طِبَّك مظاهر الضَّعف». وهكذا.

• «خادِمُك» الذي يُحْسِنُ العملَ أفضلُ مِن «فخامَتِك» الذي لا يُحْسِنُ العملَ.

• تدبُّرًا لقول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، قال شيخُنا: خُلِقْتُم لتُحْسِنُوا، خُلِقْتُم لا للعمل وإنما لإحسان العمل، وقد أمرَنا اللهُ بإحسان العمل وقال لنا إنه فَعلَ ذلك؛ لأنه قال بعد هذه الآية: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}.

• خُلِقْتَ لتُحْسِن ولم تُخْلَقْ لتُبَعْبِع، خُلِقْتَ لتُحْسِن ولم تُخْلَقْ لتُقلِّد، خُلِقْتَ لتُتَّبَع ولم تُخْلَقْ لتَتَّبِع. يجب أن تفهموا هذا، وأن تُربُّوا الأجيال على هذا، وأن يتغيَّر ما نحن فيه.

• لا تُغلِق الشِّعرَ على المعاني التي قصَدها الشاعر، وإنما العِبرة بدلالة اللغة وليس بمقاصد الشعراء، ولذلك يجوز لي أن أفهمَ مِن الشِّعر ما أراده الشاعر وما لم يُرِدْه الشاعر.

• استنطِقوا الكلام يَنطقْ، وإذا كنتَ أنت محدودَ الذاكرة فالكلامُ أمامَك محدودُ الذاكرة، وإن كنتَ أنت غبيًّا فاعلمْ أن الشِّعر الذي تقرؤه أيضًا غبي، وإنما يتَّسِعُ الشِّعرُ بمقدار أفقِك أنت؛ فيَتَّسِعُ الكلامُ باتِّساع حسِّك بالكلام.

• المصيبةُ هي الرُّكونُ إلى التخلُّف، واحتضانُ التخلُّف، والدِّفاعُ عن المتخلِّفين، والدِّفاعُ عمَّن يَجِدُّون لتثبيت التخلُّف.

• لاحِظْ أنك حين تَمدحُ المتخلِّفَ لا تَمدحُ المتخلِّف، وإنما تَمدحُ التخلُّفَ نفسَه، وتُثبِّتُ التخلُّفَ نفسَه، فما دُمتم تمدحون الأغبياء فلا شكَّ أنكم تُحامُون عن التخلُّف، والتخلُّفُ مَعرَّةٌ.

• أُحِبُّ كلمةَ «قُدوة البيان» و«قُدوة الشعراء»؛ لأن الذي وصفَ بها امرأَ القيس سيدُنا عليُّ بن أبي طالب؛ رآه قُدوةً مع أن فيه مِن المَساخِر ما فيه، مع أن فيه مِن الفضائح ما فيه، لكنهم لا يَسألون عن الشاعر: ماذا قال؟، وإنما يَسألون عن الشاعر: كيف قال؟

• مِن كرم الله – تعالى - لي أن الله شَغلني بالقراءة مِن أوَّل حياتي، ولم يَشغلني عن القراءة شاغلٌ، وإنما شغلتني القراءةُ عن كلِّ شاغل، ولا تسألني: ماذا أنجزتَ؟، وإنما اسألني: فيم ضيَّعتَ عُمرك؟، سأقول لك: ضيَّعتُه في القراءة وإن لم تكن هناك نتائج؛ لأن النتائج بيد الله، ولم يُرد الله لي أن أضعَ لَبِنةً، إنما أراد لي أن أعيش طولَ حياتي أهيِّئ نفسي لوَضْع اللَّبِنة.

• نُبوغ قوم سيِّدنا موسى في السِّحر ونُبوغ قوم سيِّدنا عيسى في الطبِّ كان نُبوغًا في علوم تَعلَّمها الناس، إنما النُّبوغ في زمن سيِّدنا رسول الله كان نبوغَ العقلية العربية في الحكمة وفَصْل الخطاب، وهذا نُبوغٌ آخر، ولذلك كان لآبائنا الأوائل فَضلٌ في مجيء معجزتِه معجزةُ البلاغة راجعةٌ إلى أن القوم نَبغُوا في هذا الباب ولم يَنبُغوا في باب السِّحر ولا باب الطبِّ. إلخ؛ فهنا شهادةٌ خفيةٌ للجيل الذي نزل فيه القرآن.

• الجِيلُ الذي نزل فيه القرآن كان فيه أبو جهل وعُتبة بن ربيعة والوليد بن عُتبة. إلخ، لكنَّ كلَّ ذلك لا يُشكِّكني لحظةً في أنهم هم وحدَهم الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، ولم يَذكُر القرآنُ أن نبيًّا من أنبياء الله - منذ زمن نوح إلى زمن سيِّدنا رسول الله - دخل قومُه في دين الله أفواجًا.

• الجِيلُ الذي نزل فيه القرآن مع ما كان منه في «أُحُد»، ومع ما كان منه في «حُنين»، ومع ما كان منه في إيذاء المهاجرين والأنصار، لكنهم حين فتح الله أقفالَ قلوبهم دخلوا في دين الله أفواجًا، وكانوا خير أجيال الأرض.

• عَجيبٌ جدًّا: ما مِن مُشركٍ مُتصلِّبٍ في قريش، وهَلَكَ وهو كافر، إلا كان له وَلدٌ مِن خِيار العلماء، ومِن خِيار الفقهاء، ومِن خِيار المجاهدين.

• الواحدُ من الجِيل الذي نزل فيه القرآنُ إمَّا أن يكون قد أَذِنَ الله له بأن يَحْيا ويَفتحَ قُفْلَ قلبه ويكونَ هو من المجاهدين، ويكونَ هو من العلماء، ويكونَ هو من حُفَّاظ الحديث، ويكونَ هو من المُبلِّغين عن رسول الله، وإن لم يُتَحْ له هذا فقد جعل الله مِن صُلْبِه مَن هم كذلك.

• أحيانًا أقول: يا ربّ، الجاهليةُ لم تَكنْ جاهليةً في العقل، كانت جاهليةً محدودةً في أشياءَ معيَّنة، إنما الحكمةُ كانت فيهم، ولا نزال نُكرِّر حكمةَ العرب القدامى قبل الإسلام.

• كان مِن كفَّارِ قريش كلُّ سُوءٍ، لكنهم دخلوا في دين الله أفواجًا، ولم يَحْكِ القرآنُ عن نبيٍّ دخل قومُه في دين الله أفواجًا إلا هؤلاء.

• إعجازُ القرآن شيءٌ مُذهل؛ لأنه قبل أن يَنزل القرآن المُعجِز أُعِدَّ جِيلٌ لإدراك هذا الإعجاز، وأُعِدَّ نَبيٌّ يَنزل عليه هذا الإعجاز؛ فكان الجيلُ خيرَ أجيال الأرض في تمييز البيان، وكان سيِّدُنا خيرَ الخَلْق في النطق بالبيان.

• اخلعوا ملابس الخَيْبة، وادعوا قومَكم لخَلْع ملابس الخَيْبة.

• نحن لا نربِّي جيلًا يَردُّ على الحداثيين، وإنما نربِّي جيلًا له فكرٌ في دين الله، فيَعْرِضُ دِينَ الله على الناس، فيُقبِلُ الناسُ على دين الله، ويُعطون ظهورَهم لهؤلاء الحداثيين.

• اجتهدْ في أن يكون لك فَهمٌ صحيحٌ لدين الله، وحدِّث الناسَ حديثًا صحيحًا عن دِين الله يُقبلوا عليك إقبالًا شديدًا جدًّا جدًّا، ويَدخلوا في دين الله أفواجًا.

• لا قيمةَ لما يقوله حداثيٌّ أو غيرُ حداثيٍّ، صَحِّح الدِّين، وصَحِّح العقل الذي يتلقَّى الدِّين، واترك الحداثيين وغيرَ الحداثيين.

• نحن لا نُعِدُّ أجيالًا للدفاع عن دِين الله، ولا للردِّ على من يهاجمون دِينَ الله، وإنما نُعِدُّ أجيالًا لبيان دين الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق