سلسلة يوميات مسلم ( 5 ) نغمة الجوال في المسجد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله العظيم الجليل الأحد الواحد، ما من حي على هذه البسيطة إلا إليه عائد، أحمده - سبحانه - وأشكره عظَّم من شأن المساجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مساعد، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فأوصيكم أحبتي في الله ونفسي بتقوى الله فهي سبب الأمان النفسي والمعيشي وعد بذلكم ربكم جل في علاه بقوله: {..وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجاً وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيءٍ, قَدراً} [الطلاق: 2، 3].

أيها الأحبة في الله وصلنا في الخطبة الماضية من هذه السلسلة إلى أعتاب المسجد و اليوم في الخطبة الخامسة منها أود أن أنبهك أخي الحبيب أن تجعل من عادتك قبل دخول المسجد التأكد من إغلاق هاتفك الجوال خشية أن يتسبب في أذية المؤمنين في بيت من بيوت الله وفي لحظة هي من أجمل اللحظات لحظة الصلة بالله، تغلقه خوفاً وفرقاً من الدخول ضمن من قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وَإِثماً مٌّبِيناً} [الأحزاب: 58].هذا إن كانت رنة جرس عادية فكيف بالله بموسيقى أغنية راقصة تعزف فيها ألوان الألآت الموسيقية الشيطانية ومعها صفيق وصفير وكأن المرء في ملهى ليلي قذر!. وهناك من يضع أنغاماً لموسيقى غربية ما كان يحلم من وضعها أن يدخل مكة يوماً في حياته وإذا بتلك القطعة الموسيقية التي وضعها تعزف في بيت الله العتيق وبجوار الكعبة المشرفة أو في أي بيت من بيوت الله وجميعها معظمة موقرة مقدسة رفعت لغايات عظيمة قال الله جل جلاله في شأن بيته الحرام: {وَإِذ بَوَّأنَا لِإِبرَاهِيمَ مَكَانَ البَيتِ أَن لَّا تُشرِك بِي شَيئاً وَطَهِّر بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرٌّكَّعِ السٌّجُودِ}[الحج: 26]. وقال في عامة بيوته في الأرض: {فِي بُيُوتٍ, أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ.. }[النور: 36]. فأسألكم بالله هل تتفق تلك النغمات الموسيقية مع تلك العظمة لبيوت الله؟. أخرج الإمام مسلم عَن أَبِي عَبدِ اللَّهِ مَولَى شَدَّادِ بنِ الهَادِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سَمِعَ رَجُلًا يَنشُدُ ضَالَّةً فِي المَسجِدِ فَليَقُل لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيكَ فَإِنَّ المَسَاجِدَ لَم تُبنَ لِهَذَا))(مسلم، كتاب المساجد..، ح(880)). هذا صاحب حاجة ضاعت ماشيتُهُ أو أوراقٌ رسميةٌ مهمة منع من أن يعلن عن فقدها وأن يسأل الناس عنها مع أنه أمر مباح ولكن ليكن خارج المسجد وليس داخلهº فكيف بالله بمن يترك العنان لجواله ينشر المنكر في بيت الله ولاشك أنه بلا حاجة؟. منع صلوات ربي وسلامه عليه من البيع والشراء الذي أباحه الله في كتابه بقوله: {... وَأَحَلَّ اللّهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.. }[البقرة: 275]. منع منه في المسجدº أخرج الإمام الترمذي عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا رَأَيتُم مَن يَبِيعُ أَو يَبتَاعُ فِي المَسجِدِ فَقُولُوا لَا أَربَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيتُم مَن يَنشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيكَ))(الترمذي، البيوع، ح(1242)). قَالَ الإمام الترمذي: \"حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِندَ بَعضِ أَهلِ العِلمِ كَرِهُوا البَيعَ وَالشِّرَاءَ فِي المَسجِدِ وَهُوَ قَولُ أَحمَدَ وَإِسحَقَ وَقَد رَخَّصَ فِيهِ بَعضُ أَهلِ العِلمِ فِي البَيعِ وَالشِّرَاءِ فِي المَسجِدِ\". وقد يقول قائل لا يوجد مسلم يتعمد أن تعزف الموسيقى في بيت من بيوت الله وإنما هو سهو عن إغلاق الجوال والإنسان معرض للسهو حتى في الصلاة فلما نجعل الأمر أكبر من حجمه؟. فأقول له: نعم قد تسهو عن إغلاق الجوال وكلنا بشر معرض لذلك ولكن هل وضعك لتلك الأنغام الموسيقية الراقصة في جوالك كان عمداً أم سهواً؟. لاشك أنه عمدٌ وباختيارك ففي كل جهاز عدد كبير من الخيارات بينها رنة التنبيه العادية فلما اخترت أنت تلك الأنغام بدلاً من العادية؟. ألا تعلم حكم الموسيقى و الغناء وحرمتها وخطورتها على أهم عضو في جسدك على قلبك؟. اسمع للصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يصف لك تأثير الغناء في القلب بقوله: (الغناء ينبت النفاق في القلب). أترضى أن يكون قلبك أرضاً خصبة لشجرة النفاق الخبيثة؟. ثم دعني أخي الحبيب أن أهمس في أذنك فأقول لك قل لي بربك ولتكن صادقاً في إجابتك لو قال لك طبيب حاذق في أمراض القلب أن النغمات الموسيقية في الجوال تؤثر على ضربات قلبك ويمكن أن تصيبك بعلة مزمنة في القلب هل كنت تقبل بوضعها في هاتفك أم أنك بمجرد أن تسمعها يرتجف فؤادك ويقف شعر رأسك فرقاً منها ومما يترتب عليها؟. وإني أقول لك والله ثم والله ثم والله لعلة النفاق في القلب أشد وأعظم من أي علة بدنية تصيب قلبك. ثم ألا ترى كيف أن مرضى القلب يزهدون في الملح المباح الذي لا يطيب الطعام بدونه خشية الأمراض والعلل فهل تسمح لي أن أدعوك بكل رأفة وحب وإشفاق أن تزهد في محرم يضر قلبك المؤمن التقي النقي، أخي الحبيب لو كنت على موعد لملاقاة ملك أو أمير أو زير وتعرف أنه لا يحب أن يرن الجوال بحضرته هل تدخل عليه وأنت متساهل في ذلك الأمر أم أنك تتأكد عشرات المرات من إغلاقك للجوال قبل دخولك عليه، وقد يصل بك الحرص أن تضعه في بيتك ولا تصحبه معكºفكيف بالله تسمح أن يرن جوالك بنغمة محرمة وأنت واقف بين يدي ملك الملوك بين يدي من بيده رزقك وأجلك وسعادتك وهو القائل في محكم التنزيل: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ}[الحج: 32]. وبعض الإخوة قد يكون جواله على نغمة عادية ويسهو عن إغلاقه قبل دخول المسجد فيرن الجوال، فيتحرج من أن يغلقه ظناً منه أن ذلك من الحركات الكثيرة المفسدة للصلاة فيدعه يصدح في المسجد ويشوش على المصلين خشوعهمº فأقول له: إن كنت كثير السهو في هذه المسألة فاحرص على أن لا تصحب الجوال معك للمسجد، أما وإن اصطحبته مرة وسهوت فلا بأس بأن تخرجه وتغلقه وتعيده إلى مكانه ولا يفسد ذلك صلاتك فهو من باب ارتكاب أخف الضررين فإن في تركه يشوش على المصلين صلاتهم ضرر أكبر من إطفائه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {استَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلجَأٍ, يَومَئِذٍ, وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ,(47)فَإِن أَعرَضُوا فَمَا أَرسَلنَاكَ عَلَيهِم حَفِيظاً إِن عَلَيكَ إِلَّا البَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَت أَيدِيهِم فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ}[الشورى: 48].

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه ما نزلت بعبد مصيبة إلا بذنبه أرسى هذه القاعدة ربنا في آيات تتلى إلى يوم القيامة بقوله: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مٌّصِيبَةٍ, فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ,}[الشورى: 30]. وأشد المنكرات هي المنكرات المتتابعة المتصلة، ومنها نغمة الموسيقى في الجوال التي قد ينظر البعض إليها أنها صغيرة من الصغائر، فأقول له: لا صغيرة مع الاستمرار ولا كبيرة مع الاستغفار، ثم أقول له: هل تأملت أُخيَّ البحر العظيم مما يتكون أليس من قطرات ماء صغيرة؟. أرأيت إلى الجبل مما يتكون أليس من أحجار صغيرة؟. فمالك تستهين بالصغائر حتى تكاد تغرقكºألم تعلم أخيِّ أنه في كل مرة يرن فيها الهاتف بنغمة موسيقية تكسب إثمك وإثم من سمعهاºفعلى فرض أن جوالك يرن في اليوم عشر مرات وفي كل مرة يسمعه عشر أفراد تكون حصيلتك من الذنوب في اليوم مئة سيئة، وفي الشهر ثلاثة آلاف سيئة، وفي العام ست وثلاثين ألف سيئة، فهل أنت حمل لذلك؟ وما مقابل تحملك لتلك الذنوب والآثام كلها وما يترتب عليها من مصائب وبلايا؟. أخي الحبيب أما علمت أنك يوم القيامة تحاسب على النقير والقطمير، وأن ذرة قد تكون سبباً لهلاكك وقد تكون سبباً لنجاتك. نداء.. نداء.. نداء أوجهه من قلب محب لك أن تبادر من هذا المكان وفي هذا اليوم المبارك إلى التوبة وإلى تعديل نغمة جوالك، وأن تكفر عما مضى بأن تسعى جاداً في نصح كل من غفل عن ذلك.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply