على الرغم من ادعاءات عدد من المسئولين الأفغان والغربيين بشأن قصور قدرة مقاتلي طالبان عن شن هجمات منظمة كبيرةº فإن المراقبين يرون أن الوضع الاستراتيجي الذي أمّنته طالبان لنفسها مؤخراً يمكنها من توجيه تهديد مباشر لمدينة قندهار كبرى مدن جنوب أفغانستان.
وتحت عنوان "القتال مع طالبان يندلع في غرب وشرق أفغانستان" نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية في عددها الصادر يوم الجمعة 2 نوفمبر مقالاً للصحافي "دان مورفي" تناول فيه آراء الصحف الدولية بشأن قفزة طالبان، والتطورات الأخيرة في أفغانستان جاء فيه:
تصف التقارير الصحافية القتال المكثف الذي شهدته اثنتان من المناطق الأفغانية خلال الأيام القليلة الماضية بأنه الأخطر في تلك المناطق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001م، كما يثير المخاوف بشأن تصاعد نشاط حركة طالبان من جديد.
وقدمت وكالة "فرانس برس" تقريراً إخبارياً عن المعارك القتالية الدائرة في مقاطعة جوليستان الغربية خلال الأيام الثلاثة الماضية بينما كانت تسعى قوات الناتو والقوات الحكومية الأفغانية "لاستعادة" المنطقة من أيدي مقاتلي طالبان، وقالت "فرانس برس":
صرح "محمد جول سارجانج" المتحدث باسم الشرطة المحلية أن العملية العسكرية التي تشنها القوات المحلية وجنود الناتو لاستعادة إحدى مقاطعات محافظة فرح ذات الاضطراب المتصاعد من المسلحين المتشددين قد دخلت يومها الثالث.
وأعلنت الشرطة الأفغانية يوم الأربعاء أن 40 من عناصر طالبان قد لقوا مصرعهم، كما أصيب 20 آخرين، وكان مقاتلو طالبان قد تمكنوا من الاستيلاء على عدة مقاطعات في أفغانستان لفترات قصيرة، إلا أنهم لم تستمر سيطرتهم سوى على مقاطعة واحدة وهي "قلعة موسى" - بمحافظة هلمند الجنوبية - التي نجحوا في أسرها منذ عام تقريباً.
وتقع محافظة هلمند التي تعد أكبر المناطق الأفغانية في زراعة الأفيون على الحدود مع محافظة فرح، كما يعبر من خلالها مئات المقاتلين إلى مقاطعة جوليستان أثناء موجة القتال الدائرة.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسئولين كنديين وأفغان أنه للمرة الأولى منذ عام 2001م يتحرك مقاتلو طالبان بأعداد كبيرة إلى الشمال تقريباً من مدينة قندهار التي كانت في وقت ما معقلاً لطالبان، مضرمين مواجهات عنيفة مع القوات التي تقودها كندا في المنطقة، وقد أشارت الصحيفة كذلك إلى أن وفاة أمير حرب ذي نفوذ وموالٍ, للحكومة بالمنطقة قد مكّن لهجوم طالبان، كما أبرز هشاشة التدابير الأمنية هناك.
وجاء في تقرير الصحيفة: إن السيطرة على المنطقة التي تعرف بمقاطعة أرغانداب من شأنها أن تتيح لطالبان تهديد قندهار أكبر مدن جنوب أفغانستان بشكل مباشر.
وقالت "سارة تشايس" وهي صحافية أمريكية، وعاملة إغاثة تعيش في قندهار منذ 2001م: إن زعيماً ذا نفوذ، وموالي للحكومة في المقاطعةº الملا "نقيب الله" توفى منذ أسبوعين إثر تعرضه لنوبة قلبية، وأضافت: أن الملا "نقيب الله" كان قد نجا خلال السنوات العديدة الماضية من عدة محاولات لاغتياله على أيدي طالبان، كما كان بمنزلة "الحصن" الذي منع جماعة طالبان الإسلامية المتشددة من دخول قندهار من جهة الشمال.
غير أنه في دلالة على ضعف حكومة الرئيس "حامد كرزاي" بالمنطقة تمكن مقاتلو طالبان المبتهجين من السيطرة على القرية مسقط رأس الملا "نقيب الله" في أرغانداب في غضون أسبوعين من وفاته.
أما وكالة "أسوشيتيد برس" فقد ذكرت أن طفلين أفغانيين لقيا مصرعهما خلال مواجهات وقعت الليلة الماضية بمحافظة نانجارهار عندما داهمت القوات الأمريكية والأفغانية ما يُعتقد في أنه مأوى لمجموعة من العناصر الميليشية، وقالت "أسوشيتيد برس": إن الخسائر المدنية الأخيرة وقعت بينما كانت القوات الأفغانية والأمريكية تقوم بعملية دهم لمجمع يشتبه في إيوائه لعناصر ميليشية تنتمي لشبكة عمليات تفجيرات فدائية.
وقال الناطق باسم قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الرائد "كريس بيلشر": "إنه من المؤسف أن يضع المقاتلون أرواح المدنيين في خطر، وتعازينا الصادقة لجميع عائلات القتلى والجرحى"، مشيراً كذلك إلى أن الجيش بدأ تحقيقاً حول الشأن.
ويعد العنف في أفغانستان هذا العام هو الأكثر فتكاً منذ الغزو الأمريكي عام 2001م، والذي كان قد أسقط حركة طالبان عن سدة الحكم في البلاد، ووفقاً لإحصاء تابع لـ"أسوشيتيد برس" يستند على أرقام من مسئولين أفغان وغربيين فإن أكثر من 5.600 شخصٍ, قد لقوا مصرعهم هذا العام كنتيجة لأعمال عنف تابعة للمقاتلين.
من جانبها أفادت هيئة الإذاعة البريطانية بوقوع خسائر ثقيلة خلال مواجهات قندهار، وذكرت أنه:
بحسب الشرطة الأفغانية فإن 50 من عناصر طالبان قد قتلوا فيما جرح 40 آخرون، على الرغم من أن مثل تلك الإحصائيات من غير الممكن تأكيدها بصورة منفردة، وقد صرحت الشرطة كذلك أن جندياً أفغانياً وثلاثة من ضباط الشرطة قد لقوا مصرعهم.
ويقول المراسلون: إن القتال في أفغانستان هو الأعنف منذ سقوط نظام طالبان منذ ست سنوات، كما تتزايد أعداد الضحايا المدنيين بين المصابين، ونفى حلف شمال الأطلسي "الناتو" يوم الاثنين ادعاءات مسئول بمحافظة ورداك بأن 13 مدنياً أفغانياً قد لقوا مصرعهم خلال ضربة جوية للناتو بالقرب من كابول.
وفي مقال للرأي نشرته صحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" كتب الصحافي "روجر كوهين" متحدثاً عن رحلته الأخيرة إلى أفغانستان التي أقنعته أن الولايات المتحدة ستكون في حاجة إلى التقيٌّد بالتزام عسكري طويل المدى حيال البلاد إذا كان يجب تحقيق الاستقرار، قائلاً: لقد سمعت العديد من التقييمات حول المدى الزمني الذي ستستمر فيه أفغانستان في الاعتماد على المساعدة العسكرية من الغرب، لكن المدعي العام الأفغاني "عبد الجبار ثابت" كان واضحاً عندما قال: "إن الجيش الأفغاني لن يتمكن من الدفاع عن البلاد قبل عشرة أعوام، لذا فإن القوة الدولية يجب أن تظل هنا لعقد من الزمان على الأقل".
إن الرئيس الأمريكي المقبل سوف يواجه تحدياً مُلحّاً ذا أبعاد ضخمة في أفغانستان، كما سيكون في حاجة للتحدث بصدق مع الشعب الأمريكي - بشكل لم يفعله قط الرئيس "جورج دبليو بوش" من قبل - حول الأعباء الحقيقية المتعلقة بمحاولة بناء دولتين من الأساس وفي نفس الوقت.
ومن بين الأسباب التي تجعل من أفغانستان تحدياً كبيراً هو أنه على الرغم من كونها دولة فقيرة إلى درجة بعيدةº فإن تجارة الأفيون والهيروين المزدهرة في البلاد توفر تمويلاً جاهزاً للمقاتلين، وقالت الأمم المتحدة - مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة - يوم الأربعاء: إن معظم الأرباح العائدة من تجارة المخدرات تذهب إلى "الإرهابيين" والمجرمين، واصفة الصادرات الأفغانية من الأفيون بموجات المد العاتية "تسونامي".
وحققت أفغانستان في عام 2007م إنتاجاً قياسياً من الأفيون بلغ 8.200 طن بنسبة زيادة 34% عن إنتاج عام 2006م، ويقدر إجمالي صادرات الأفيون في أفغانستان بنحو 4 مليارات دولار، ما يعادل زيادة 29% مقارنة بعام 2006م، إن اقتصاد الأفيون يعادل الآن أكثر من نصف - (53%) - إجمالي الإنتاج المحلي المشروع في البلاد.
إن هذه الصادرات الفتاكة ترتفع قيمتها مع عبورها للحدود وذلك نظراً للمخاطر التي ترتبط بعمليات التهريب، وبحلول الوقت الذي يصل الهيروين فيه إلى شوارع موسكو، أو لندن، أو باريسº فإن الصادرات الأفغانية من الأفيون قد تبلغ قيمتها 100 ضعف، ويقول "أنطونيو ماريا كوستا" المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: بينما يجلب الهيروين بعض الدخل لأفغانستانº فإن أكثر من 90% من عائداته تجنيها عصابات إجرامية دولية، وشبكات "إرهابية"".
وذكرت صحيفة "الجارديان" يوم الخميس 1 نوفمبر أن اليابان أعلنت في غضون ذلك أن أسطولها البحري سيُعلق مهمة دعم قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، وجاء في "الجارديان":
أصدرت اليابان أمراً لسفنها البحرية بإنهاء مهمتها المعنية بدعم قوات "التحالف" الدولية في أفغانستانº وذلك بعد أن أخفقت في كسب تأييد المعارضة لتجديد الانتشار قبل منتصف ليل اليوم كموعد نهائي، وقالت أحزاب المعارضة - التي حققت السيطرة على المجلس الأعلى في البرلمان الياباني في يوليو -: إن المهمة لا تتمتع بتفويض من الأمم المتحدة، كما أنها ربما كانت تنتهك الدستور السلمي الذي يحد بصرامة من تعاون الجيش خارج البلاد.
وتعهد اليوم رئيس الوزراء الياباني "ياسو فوكودا" بتمرير تشريع جديد من شأنه أن يسمح لليابان بلعب دور مهم أصغر، ولكنه ذو أهمية رمزية في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد "الإرهاب"".
وبينما تنتهي جولة "دان مورفي" في الصحافة الدولية إلى هناº فإنه لا يفوتنا أن نلحظ أن أكثر من مصدر إعلامي قد أكد أن المواجهات مع عناصر طالبان تعد الأعنف منذ عام 2001م، كما أن الأنباء الواردة من أفغانستان قد أفادت أن مقاتلي طالبان قد نجحوا في السيطرة على مقاطعة ثالثة غربي أفغانستان يوم الأحد 4 نوفمبرº حيث سقطت "خاكي سفيد" لتعزز بذلك قبضة طالبان غربي البلاد بعد أن كانت قد سيطرت منذ نحو أسبوع على جوليستان، ثم على باكوا يوم الأربعاء، وأخيراً على "خاكي سفيد".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد