في إطار العودة القوية لحركة طالبان على الصعيد العسكري هذا العام قامت العديد من مراكز الدراسات والبحث بإخضاع الوضع الكلّي لأفغانستان بعد خمس سنوات على احتلالها للتقييم من جديد، ورُكّز المجهر على كيفية عودة القوّة إلى حركة طالبان بعد أن كان قد أُعلن مراراً وتكراراً عن إلحاق الهزيمة بها.
من بين هذه التقارير التي صدرت مؤخراً والمعنيّة بالشأن الأفغاني تقرير صادر عن مجلس (سينلس)، وهو مجموعة معنيّة بالسياسات الأمنيّة والتنموية العالمية بعنوان "عودة طالبان".
التقرير يبدأ وكأنه مصاب بذهول كبيرº اذ يقول التقرير: إنّه وبعد خمس سنوات من الادّعاء أنّ طالبان قد قُضِي عليها نهائياًº ها هي الحركة تعود من جديد!!، وقد استعادت الحركة السيطرة على الجزء الجنوبي من أفغانستان، وهاهي تزيد من مناطق نفوذها بشكل يومي، طالبان اليوم تسيطر على نصف البلاد تقريباً، لقد أُنفق أموال هائلة على الحملات العسكرية التي يقوم بها الحلفاء بقيادة الولايات المتّحدة في أفغانستان للقضاء على طالبان، والسيطرة على الدولة (82.5 مليار دولار على العمليات العسكرية في أفغانستان منذ العام 2002 مقابل 7.3 مليار دولار على التنمية)، ولكن وبعد خمس سنوات هاهي البلاد تعود ساحة حرب من جديد.
أفغانستان الآن في حالة من عدم الاستقرار، ويسودها الفقر والدمار، وهي تسقط تدريجياً في أيدي حركة طالبان من جديد، أفغانستان التي تقع في قلب لعبة الأمم الجيو - إستراتيجية لقوى عالمية مثل روسيا والصين، أفغانستان الآن تحت سيطرة طالبان ستعود جبهة ملتهبة، ولاعباً أساسياً في المقاومة الإسلامية المعادية للغرب.
وفقاً للتقرير فإن السبب في عودة طالبان بشكل قوي يعود إلى عنصرين أساسيّين هما:
1- إخفاق مهمّة الحلفاء العسكرية: فالواقع العسكري الذي تفرضه حركة طالبان، والسيطرة النفسية لصالحها في الجنوب الأفغاني بدءآ ينتشران بشكل سريع على نطاق البلد بأكمله، فحركة طالبان تبدو اليوم أكثر تنظيماً، وأفضل تمويلاً، وتستخدم أدوات أقل وزناً، وأكثر تطوراً كهواتف الستالايت، وأنظمة تحديد المواقع (GPS)، وهو ما يعطيها أفضلية تكتيكية على القوات الدولية، الطالبان يسيطرون عملياً على عدد من البلدات والقرى الصغيرة، وعلى أحياء بكاملها في الجنوب الأفغاني، وقريباً سيديرون عملياً كل المدن هناك، حدود المقاومة حالياً تمر في وسط البلاد، وتتّجه بشكل ثابت وحثيث باتّجاه الشمال وكابل ما من شأنه أن يزيد من حالة عدم الاستقرار الموجودة في البلاد، وهو الأمر الذي ستتحمّل الولايات المتّحدة وِِزره، وممّا يزيد الأمر سوءاً عودة فكرة المواجهة بين الإسلام والمسيحيّة والتي تلعب دوراً مهماً أيضاً في دعم طالبان الذين يسعون الآن إلى تأكيد هويّتهم كحركة تحرير إسلامية.
2- انتشار الفقر والجوع: وتُعدّ هذه المشكلة أيضاً من أكبر المشاكل في أفغانستان، وهي عامل أساسي في اشتعال المقاومة، وحصول طالبان على دعم شعبي واسع، ومشكلة الفقر في أفغانستان أنّها أصبحت أزمة منسيّة لم يولها المجتمع الدولي أي أهميّة تُذكر، فهنالك الآن نقص حادّ في الغذاء، وانتشار كبير لزراعة الحشيش والأفيون في ظل الوجود الأجنبي، ولم تعمل قوات التحالف على دعم المزارعين والفقراء، فبلغت المصاريف العسكرية للتحالف 900% من المصاريف التنموية في هذا البلد، فقد ركّز المجتمع الدولي على المسألة العسكرية، ونسي الحاجات الحقيقية للشعب الأفغاني، وأصبحت إعادة إعمار البلاد مجرّد حلم يصعب تحقيقه عند الشعب الأفغاني، عامل الفقر والجوع والدمار لم يترك للأفغان إلاّ خيار دعم طالبان بعدما شعروا أنّ وعود الأمريكيين والغرب ما هي إلاّ سراب، وقد عزّز هذه الرؤية الإهمال الغربي لأهمية هذا العامل.
ويقدّم التقرير عدداً من التوصيات بشأن معالجة الوضع المتدهور في أفغانستان خوفاً من سقوطها بشكل كامل في يد حركة طالبان، وتنحصر هذه التوصيات في ثلاثة محاور أساسية هي:
أولاً: جعل الإعانات الطارئة لمعالجة الفقر في البلاد أولوية رئيسةº فالفقر هو العدو الأول لأفغانستان، ويجب أن تتم معالجته والتعامل معه جنباً إلى جنب مع عملية إعادة الإعمار من أجل هزيمته، المساعدات التي أُقرت وأُنفقت في أفغانستان في سبيل إعادة الإعمار تُعدّ الأقل على الإطلاق مقارنة مع جميع الأمم التي عانت حروباً قبل ذلك، وخضعت لعملية إعادة إعمار، ومع كون أفغانستان فقيرة أصلاً فهذا الإهمال سيزيد من صعوبة الوضع, ولذلك يجب إعطاؤه الأولوية ومعالجته على وجه السرعة.
ثانياً: القضاء على زراعة الحشيش ومواكبة ذلك بالمساعدات الإنسانية والضرورية، والتعويض للمزارعين وإعانتهم على إيجاد البديل الاقتصادي الطويل الأجل.
ثالثاً: حصر العمليات العسكرية فيما يتعلّق بدعم المهام المتعلقة بالاستقرار والإعمارº إذ يجب أن تتم معالجة الأسباب الرئيسة لعدم الاستقرار، ومنها الفقر والحرمان، كما أن من الأفضل إعطاء الأوروبيين دوراً قيادياً أكبر في أفغانستان نظراً لتمرّسهم في مهام كسب العقول والقلوب، ونظراً لتعاونهم مع المسلمين والمجتمعات الإسلامية في محطات تاريخية عديدة، من هذا المنطلق يجب أن تكون العمليات العسكرية مجرّد آلية لتسهيل عمليات المساعدة، والدعم للوصول إلى كل شرائح المجتمع الأفغاني.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد