حامد العلي .. سلفية بالنكهة الإخوانية


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشيخ حامد العلي

في محاولة لإعادة فهم المصطلح وتجديده، وفي مفاجآت لم يتوقعها جمهور القراء والسائلين، جاءت إجابات فضيلة الشيخ حامد بن عبد الله العلي - الأمين العام الأسبق للحركة السلفية في الكويت - في حوار مباشر مع جمهور شبكة \"إسلام أون لاين.نت\"، والذي نظمه وأداره النطاق الدعوي بالشبكة، بعنوان: \"السلفية المعاصرة.. قضايا شائكة \".

 

حمل هذا الحوار كثيرا من المفارقات التي تطرح تساؤلات عديدة في واقع الدعوة السلفية المعاصرة، لعل من أهمها:

هل هناك تمايز في الواقع السلفي بين سلفية وأخرى؟

وبمعنى آخر: هل السلفية مدارس مختلفة في الواقع المعاصر؟

وهل المدرسة التي ينتمي إليها الشيخ حامد العلي تقترب كثيرا من مدرسة الإخوان المسلمين، لا سيما في الأخذ بفقه الأولويات، واعتبار تعليل الأحكام ومقاصد الشريعة؟

 

كما احتوت ردود الشيخ العلي على كثير مما يستوقف النظر بين ما يجب أن تكون عليه السلفية باعتبارها منهجا، وما يمارس باسمها في الواقع، من تجريح للأشخاص والهيئات، وانشغال بالخلافيات والجزئيات على حساب الأصول والكليات، وهو ما يعد صورة صارخة لجناية الواقع على المصطلحات.

 

السلفية منهج وليست مذهبا فقهيا

من أهم ما بينه الشيخ حامد العلي في الحوار أن السلفية لا تُعرَف بأشخاص حتى لو كان من رموزها، ولا تُعبِّر عنها فتاوى شخصية، كما أنها ليست مذهبا فقهيا، وإنما هي منهج لتلقي الدين وفهمه. ويعبر العلماء عنها بأنها فهم الإسلام حسب الأصول التي أجمع عليها السلف، وبهذا تدخل المذاهب الأربعة التي يتبعها علماء أهل السنة والجماعة في كل عصر في هذا التعريف.

 

ومن ملامح المنهجية السلفية اهتمامها بمصادر الشريعة، مثل اهتمام من يعتنقها بعلوم القرآن والسنة وطباعة كتب التراث، وتنقيتها من الشوائب، وحرصها على أن يكون القرآن والسنة هما المرجعية العامة للأمة حتى لا تنزلق الأمة في منزلق تقديس الأشخاص على حساب الحق والمنهج.

 

ويستشهد العلي بنماذج مثَّلت هذا المنهج بأمانة، منها الشيخ محمد رشيد رضا، وكيف كان في كتاباته جامعا بين الأصالة والمعاصرة وبين الدعوة إلى تنقية الإسلام من الشرك والخرافة، مع اقتراح الحلول العصرية لقضايا أمته، وكيف كان أيضا متزنا في علاقته مع المخالفين له. وكذلك كان محب الدين الخطيب، والشيخ أحمد شاكر، وغيرهما الكثير.

 

وعن سمات منهج السلفية في الإصلاح أكد العلي أن السلفية تنتهج منهجا يجمع بين التمسك بالثوابت والأصول، مع ترك مساحة للمتغيرات بحيث تستوعب واقعنا المعاصر، وتقدم الحركة السلفية الإسلام خاليا نقيا من الشوائب والخرافة، وفي صورة مرنة وقابلة للتطبيق في حياتنا، مع الأخذ بعين الاعتبار متغيرات العصر وحاجاته، ولعل هذا العنوان العام تجتمع فيه أكثر الحركات الإسلامية، ولكن يقع الخلاف في الممارسة العملية ويتدخل التنافس ليعطي الخلاف مدى أوسع من كونه خلافا فكريا.

 

احترام العلماء والمخالفين

ومن المفارقات العجيبة التي تخالف ما عليه الواقع تماما، بيَّن العلي أن السلفية الحقة هي التي تُنزِل العلماء منازلهم، فالواجب علينا - ونحن أمة العدل والإنصاف - أن نأخذ الحق والحكمة ممن قالها، بغض النظر عن اختلافنا معه في جوانب أخرىº فكل إنسان يخطئ، ويؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

وأكد العلي أنه لا يجوز لنا أن ننسى فضل رجال أمتنا وإحسانهم إذا وقعوا في أخطاء، فنحن وسط بين الغلاة الذين يتعصبون للرجال، فلا يريدون أن يُتهم أحد بخطأ ويدَّعون له العصمة، وبين الذين إذا وقع العلماء والمفكرون والدعاة في خطأ أسقطوا حسناتهم وجهادهم وشنعوا عليهم، فنأخذ الصواب ونرد الخطأ وننصف الناس.

 

وشدد العلي في هذا الصدد على أن المنهج السلفي هو الذي أكد وأصَّل للتفريق بين ما يُحكَم به على الناس بالردة أو الفسوق وبين الخطأ الذي لا يبلغ الفسوقº لأن الواقع فيه متأول، والخطأ اجتهادي، ولا يوجد في كتب العلماء مثل كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية \"رفع الملام عن الأئمة الأعلام\" حيث وضع قواعد يعرف بها عذر المخطئين، وقرر فيه أنه يجب أن نلتمس لمن أخطأ من العلماء والأئمة الأعذار، ونحمل نواياهم على أنهم قصدوا الحق.

 

وضرب العلي أمثلة لرموز سلفيين تميزوا بأدب الخلاف واحترام المخالف، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حيث كان نموذجا لإمام من أئمة السلفيةº وتساءل العلي: \"هل لدى الشيخ ابن باز مؤلف واحد أو موقف واحد تجنَّى فيه على المخالفين، أو هاجمهم بغير حق؟ أم كان منصفا معتدلا سالكا سبيل الأدب وإنصاف العلماء حتى لو كانوا مخالفين؟ \".

 

وفي هذا السياق أكد الشيخ العلي على أن تصرفات الأشخاص والشذوذ في المواقف لا يؤخذ منها حكما على المناهج.

 

نظرة فلسفية للتجريح

وفي نظرة علوية سامقة لمصير هذه المناهج، وتلك الطرائق التي تجرِّح الأشخاص وتشنع على الهيئات، قرر العلي أن الحل سيأتي تلقائيا بسنن الله الكونية، ذلك أنه لا يصح إلا الصحيح، ومثل هذه المناهج المبعثرة التي لا تملك مشروعا تضمحل مع الأيام، وتهدم نفسها بنفسها، قائلاً: \"كل الذي علينا أن نوضح الحق ونبينه، ونتبرأ من هذا المنهج التجريحي ونعريه ثم ندعه، فهو كفيل بإنهاء قضيته بنفسه، وننشغل بما هو مفيد وعملي ومهم ونافع لأمتنا\".

 

الموازنة بين الكليات والجزئيات

وكما أن السلفية تنهج في الإصلاح منهجا يجمع بين التمسك بالثوابت والأصول، مع ترك مساحة للمتغيرات بحيث تستوعب واقعنا المعاصر، فإن السلفيين - كما يقرر الشيخ العلي - يوازنون بين الكليات والجزئيات في أمور التدين والالتزامº حيث معروف عنهم اهتمامهم بالأصول والعقيدة، حتى أنهم اتٌّهِموا بسبب هذه العناية البالغة، ولم يزل السلفيون يصنفون العلوم على النهج الذي جرى عليه علماؤنا من تقسيمها إلى كليات وجزئيات، وإعطاء كل ذي حق حقه، والحكم على الناس بمقتضى ذلك.

 

وقال العلي: \"يجب أن ننزل كل مسألة في الدين منزلها، فلا نقدم ما من حقه التأخير، ولا نؤخر ما من حقه التقديم، بل نضع كل شيء في مكانه بالقسطاس المستقيم\".

 

ولعل البعض - أو الكثيرين - يستنكر أن يُنسب الاهتمام بفقه المقاصد أو فقه النِّسب ومراتب الأعمال أو فقه الأولويات للدعوة السلفية، التي تميزت بالظاهرية والحرفية، والوقوف عند ما يعطيه ظاهر النصوص دون الولوج إلى الحكمة فيها والغاية منها، لكن الشيخ العلي - بطريقته في الحديث عن السلفية كمنهج متجاوزا الرموز السلفية المعاصرة - أكد أنه لو كان السلفيون ظاهريين لما قرأنا مثل فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الطلاق بالثلاث -على سبيل المثال - فإنه بنى فتواه أن الطلاق الثلاث طلقة واحدة على فهم النصوص وفقهها، وربط ذلك بمقاصد الشريعة في الحفاظ على الأسرة، وابتعد ابتعادا كليا عن الجمود على الظاهر.

 

ولكن أيضا المنهج السلفي يرى أن الوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو هداية الأمة، ولا يجوز أن يُترك لعبث كل عابث، بل يجب أن يفهم وفق الضوابط والأصول التي وضعها العلماء لتعصم من الانحراف في فهم الوحي والخطأ في تطبيقه.

 

السلفيون وقضايا الأمة

وعن اهتمام السلفيين بجزئيات الدين وأحكامه الفرعية في وقت يهملون فيه أو يعطون اهتماما أقل لقضايا الأمة الكبرى، أوضح الشيخ حامد العلي أن السلفيين صوتهم واضح في كل قضايا الأمة، ووجودهم أيضا حاضر، إلا إذا فسرت السلفية كحزب، لكن إذا فسرتها كمنهج فهي حاضرة وموجودة.

 

وقال العلي: \"ينبغي ألا نساوي بين مسألة مثل اللحية وما شابهها بقضية أمة مثل قضية فلسطين، فيجب أن نضع هذه المسائل الجزئية في موضعها المناسب، ويكون اهتمامنا واتحادنا حول قضايا الأمة الكبرى\".

 

وحينما سئل الشيخ عن أن بعض رموز السلفية يتسترون على ظلم الحكام واستبدادهم قال الأمين العام الأسبق للحركة السلفية الكويتية مفاجئا الجمهور: \"إنه يصيبني الغضب الشديد من فعل هؤلاء، وأعتبر جنايتهم على الدين عظيمةº لأنهم يضفون الشرعية على ما هو من أعظم أسباب فساد الأمة وتسلط الأعداء عليها وضياع مقدراتها، وهو الاستبداد، ولا ننسى قول الإمام ابن المبارك: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها، ولكن هذا ليس يجري فقط على من ينتسب للسلفية، بل كل من ضعف دينه وغلبته الشهوات اصطادته السلطة، واتخذته بوقا من جميع المدارس الفكرية\".

 

الأنظمة تدعم العنف!

وفي إجابة عن سؤال اتهم الشيخ العلي بالدفاع عن فكر تنظيم القاعدة، جاء رده متوازنا ومعتدلا وهادئا حين قال: \"نحن بحمد الله لا ندافع عن أحد إلا إذا وافق الحقº فإذا خالفه بينا خطأه، سواء القاعدة أو غيرها، وإنما أفتينا بأن جهاد الغزاة لبلاد الإسلام فرض اتفق عليه العلماء، ومن يقوم به فهو قائم بجهاد شرعي، كما بينا أن الحل مع الأنظمة المستبدة في بلادنا العربية ليس مثل الحل لمشكلة الاحتلال، فبينهما فروق كبيرةº ولهذا يجب أن ينهض المجتمع بأسره لإخراج الشعوب العربية من حالة التخلف التي فرضها النظام العربي وليس باستعمال وسائل العنف التي تكرس وجود الأمراض نفسها، والتي هي موجودة في نظامنا العربي بشكل عام، ولا يستبعد أن هذه الأنظمة توجه بشكل مباشر أو غير مباشر هذه الوسائل العنيفة وغير المدروسة لكي تكرس وجودها وتسلطها على شعوبنا وخدمتها لمصالح الأجنبي\".

 

وفي لفتة تشير إلى إدراك خاص للواقع العراقي، قال الشيخ العلي: \"إن العراق يتعرض لاحتلالين: أمريكي، وإيراني صفوي، وكلاهما خطر، فخطر أمريكا معروف، أما الشيعة فهم من الفرق التي تخالف أهل السنة في الأصول والثوابت، ونحن نقول: إن حل هذا الخلاف يكون بالحوار المباشر الذي يوضح الحقائق كما كانت أمتنا في جميع عصورها السالفة، حيث كان يقوم أهل السنة والجماعة بمناقشة الفرق المخالفة بالردود وإيضاح الحق وحماية الشريعة، ولن يستقيم شأننا ولن ترفع رايتنا إلا بالالتفاف حول مشروع الجهاد لإخراج المحتل وإقامة نظام مستقل حر يخدم مصالح الأمة، وينطلق من هويتها وثقافتها، وهو الإسلام\".

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply