النقد


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عرّف النقد بأنّه فنّ الحكم، ويشمل فنّ الحكم على الأقوال والأفعال، وعلى الوقائع الجارية أو التي جرت، وعلى أنواع التفكير البشري وإبداعاته الأدبية، والتشريعية، والسياسية وغير ذلك. ومعنى التفنّن في الحكم، هو الدّقة في إبداء الرأي في الأمور والأشياء بإبراز محاسنها أو مساويها أو كليهما.

والعقلية النقدية هي تلك التي لا ترى الأمور والحوادث كما هي في ظاهرها، ولا تسرع إلى قبولها أو ردّها، بل تغوص في العمق، وتنظر إلى ما وراء الظواهر، وتحيط بما يحيط بها، وتعرضها على ميزان العقل ومحك الفكر لتقوم بعملية التحليل والموازنة والتنقية، فتميّز بين الأمور وتكشف الزائف من الحقيقي، وتَعزل الخطأ عن الصواب، وتَقبل بعدها أو تردّ.

وينقسم التفكير النقدي إلى قسمين: ذاتي وخارجي. فالذاتي، هو التفكير الناقد للذات أي للثقافة والحضارة التي ينتسب إليها الناقد. وأما الخارجي، فهو التفكير الناقد لثقافة الغير وحضارته. والفرق بين القسمين هو غلبة البناء على النقد الذاتي، وغلبة الهدم والنقض على النقد الخارجي.

وأمّا تعلقّ التفكير النقدي فبأمرين أو موضوعين هماº الأصل والفرع. فالتفكير النقدي المتعلّق بالأصل هو التفكير الذي اتّخذ من القاعدة الفكرية أي العقيدة وما تعلّق بها تعلّقا مباشرا موضوع بحثه وعنايته، وأمّا التفكير النقدي الفرعي، فهو الذي اتخّذ مما تفرّع عن العقيدة ومما ارتبط بها ارتباطا غير مباشر موضوع بحثه. وأهمّ النوعين التفكير النقدي المتعّلق بالأصل أي المتعلّق بالعقيدة وبالأفكار المتعلقة بها تعلّقا مباشرا، كالمصادر التشريعية أو التقنينية، والأسس التي بنيت عليها أفعال البشر والمقاييس والقيم.

لذا، حقّ على المفكرين، والمثقفين بشكل عامّ، أن يولوا جلّ عنايتهم واهتمامهم بالنقد المتعلّق بالأصل، فيوجّهوا البشرية كافّة إلى منهج النظر القويم، ويرشدوها إلى طريق البحث المستقيم حتّى تحدّد هويتها الفردية والجمعية، وتؤسس لها ما ينبني عليها فعلها ويقوم به سلوكها.

إنّ الحاجة إلى هذا النقد المؤسّس في هذا العصر العار من الشرف- بتعبير أستاذ التفكيكية جاك دريدا Derrida - الذي تعيش فيه البشرية أزمة ثقافية وحضارية، أو أزمة هوية عميقة تطال كينونة الإنسان وصيرورته، حاجة ملحة بل ضرورة لازمة.

إلا أنّ هذا النقد المؤسّس الذي ندعو إليه يجب أن يتسلّح بصفتين بل بركيزتين أساسيتين حتّى يكون إيجابيا ومنتجا، ألا وهما النزاهة أو الموضوعية والشجاعة.

فالنزاهة لازمة في البحث والاستنتاج، والشجاعة لازمة في الإقرار بنتاج البحث والاستنتاج. فكم من ناقد باحث أفقد بحثه قيمته بعدم نزاهته وموضوعيته، وكم من نزيه ناقد أفقد قيمة بحثه وعظمة استنتاجه بعدم شجاعته في الإقرار بذلك.وكم هي الملايين من البشرية التي فقدت قيمة وجودها من انعدام نزاهة الناقد أو شجاعته.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply