تركمانستان: لماذا قرر الرئيس منع بناء المساجد؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف - الشهر الماضي - بشأن منع بناء مساجد جديدة في البلاد بدءاً من أول مايو الحالي لم يكن مستغرباً بالنسبة للمحللين المتابعين للشأن التركماني، كما أنه لم يكن مستغرباً كذلك من أولئك الذين يعرفون شخصية الرئيس الذي كان رئيساً للحزب الشيوعي في بلاده أيام الاتحاد السوفيتي السابق، وظل ولاؤه للشيوعية بالرغم من انـهيارها أوائل التسعينات.

فهو من أشد المعارضين للقوى الإسلامية خاصة ذات التوجهات السياسية، وهو يعمل في المقابل على الإبقاء على الطرق الصوفية باعتبارها أداة لتحقيق استقرار نظامه في البلاد من ناحية، ولمواجهة نفوذ القوى الإسلامية من ناحية ثانية.

وبالرغم من أن تركمانستان يدين معظم سكانـها بالإسلام، إلا أنه يرغب في سلخها عن هويتها الإسلامية من خلال مجموعة من الإجراءات التي تثبت معارضته للتوجه الإسلامي الأصيل في شعبه من ناحية، وتوضح - في الوقت ذاته - كيف أنه حاكم مستبد يحكم البلاد بقبضة حديدية كتلك التي كانت سائدة في موسكو أيام ستالين وغيره.

قرارات غريبة:

لم يكن قرار نيازوف الملقب بأبي تركمان - باعتباره وصياً على البلاد - بشأن حظر بناء المساجد هو القرار الأغرب في البلادº إذ سبقته قرارات غريبة مماثلة لا يجد المحللون لها تفسيراً سوى أن النظام الحالي هو نظام استبدادي، ومن هذه القرارات ما يلي:

1 - قرار بشأن تكثيف الرقابة على أموال الزكاة للحيلولة دون وصولها إلى القوى الإسلامية المتطرفة - على حد زعمه -.

2 - المطالبة بإجراء امتحانات للمرشحين لتولي إمامة المساجد لمعرفة توجهاتـهم السياسية قبل اعتلائهم المنابر.

3 - تغيير أسماء الشهور الأفرنجية باسمه وباقي أفراد أسرته، فشهر أبريل يعرف باسم قربان سلطان نسبة إلى أم الرئيس، وشهر مايو يعرف باسم أتاهيرات - أبو الرئيس - وهكذا.. كما قام بإصدار مرسوم باعتبار يوم مولده هو وبعض أفراد أسرته يوم عطلة رسمية.

4 - تأليفه كتاب سر حياته الشخصية أطلق عليه اسم رسالة الروح أو الروحنامة، والمشكلة ليست في تأليف الكتاب، وإنما في اعتباره هذا الكتاب هاماً جداً ولا تقل أهميته عن القرآن الكريم!!

والغريب أن البرلمان اعتمد الكتاب في أكتوبر 2001م، مما أعطى الرئيس دفعة قوية بشأن فرض الكتاب على تلاميذ المرحلة الابتدائية ليدرسوه، واعتبر تدريسه إجبارياً، كما أن حفظ الكتاب (وليس فهمه) يعتبرشرطاً أساسياً للحصول على الشهادة الابتدائية!!

ولقد كان لمن حوله دور هام في هذا الشأن، حيث قاموا بإعلاء شأنه بصورة مبالغ فيها، لدرجة أن بعضهم أراد أن يجعله - كما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية عام 2002م - في مرتبة الأنبياء نظراً لتأليفه هذا الكتاب!! بل إن الحاشية التي تحيط به لم تخف هذا الأمر، وكما ذكرت وكالات إخبارية عديدة من بينها صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية أن وزراءه قدموا عليه في يوم مولده 19 فبراير 2003م، وقاموا بإطرائه ومدحه بصورة مبالغ فيها لدرجة أن أحد هؤلاء قال له: "إن الله لا يهب مثل هذه القوة والعظمة والحظ - كما هو الحال لدى الرئيس - إلا لمن اصطفاه وأحبه وجعله رسولاً"!! [موقع أوزبكستان المسلمة 23 فبراير 2003].

لذا لا غرابة في أن يقوم الرئيس بإصدار قرارات طائشة يميناً ويساراً دون رقيب أو حسيب.

وكان من أبرز قراراته الطائشة ذلك المرسوم الرئاسي الذي يقضي بإنشاء بحيرة مائية على مساحة أربعة آلاف متر مربع وسط الصحراء بتكلفة 5 مليون دولار لتكون مصيفاً له ولعائلته بالقرب من العاصمة عشق آباد، ولم يذكر أن بلاده من أفقر دول آسيا، وبلغ معدل الفقر بـها 58 % من إجمالي سكان البلاد والبالغ عددهم 5 مليون نسمة وفقاً لإحصاء 2003م.

كما لا غرابة في أن يكون للرئيس في كل ميدان عام تمثال كبير وضخم مطلي بالذهب والفضة، وأكبر هذه التماثيل في قلب العاصمة، ويبلغ ارتفاعه 17 متراً.

ولما لا، وقد تم تنصيب نيازوف رئيساً للبلاد مدى الحياة عام 1999م من قبل البرلمان، لكنه تواضع وأعلن في فبراير عام 2001م أنه سيترك منصبه عام 2010!! أي بعد عشر سنوات وليس أقل، ومعروف أن نيازوف قد تم انتخابه رئيساً للبلاد إبان الحكم الشيوعي عام 1960م، وحصل على نسبة 98 %، ثم أعيد انتخابه مرة أخرى عام 1992م بعد الاستقلال عن روسيا، وحصل هذه المرة على النسبة المعتادة التي يحصل عليها الحكام المستبدون وهي 99.5 %. 

صمت أمريكي:

وإذا كانت هناك فئة مأجورة في الداخل تقوم بتأليه الرئيس، فإن مما يشجعه على ذلك أيضاً الصمت الأمريكي تجاه هذه الممارسات اللاديمقراطية، إذ في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بادعاء فرض أجندة إصلاح ديمقراطي على الدول العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسطº نجدها تغض الطرف عن الممارسات اللاديمقراطية ليس في تركمانستان فحسب، وإنما في سائر آسيا الوسطى الإسلامية خاصة أوزبكستان وقرغيزيا، ولقد استغلت هذه الدول تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، ورغبة واشنطن في محاربة القوى الإسلامية، خاصة في هذه المناطق القريبة من أفغانستان في قمع المعارضة بشتى أنواعها بما فيها المعارضة الإسلامية، وهو الأمر الذي عبر عنه رئيس مركز دراسات آسيا الوسطى، إذ قال: أن هناك شعوراً متزايداً لدى هذه الدول - يقصد جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية - باعتبار أن الأنظمة الديمقراطية ليست هي الأفضل لهم.

ويبدو أن الرئيس التركماني لم يستفد من التجارب سواء الداخلية أو الإقليمية أو حتى العربية، فلقد أدت ممارساته الاستبدادية هذه إلى تعرضه لمحاولة اغتيال في الخامس والعشرين من نوفمبر عام 2002م، كما أن التفجيرات الأخيرة التي شهدتـها أوزبكستان المجاورة منذ قرابة شهر كانت بسبب ممارسات رئيس أوزبكستان إسلام كريموف القمعية ضد المعارضة بشتى فصائلها، بل إنه لم يستفد من نموذج سقوط الديكتاتوريات في الدول النامية والتي كان آخرها سقوط صدام حسين.

لكن يبدو أن رئيس تركمانستان مطمئن لاحتياج واشنطن للغاز الطبيعي، فضلاً عن البترول الموجود في بحر قزوين - حيث تعد تركمانستان واحدة من الدول المطلة على البحر - غير أنه قد يقع في شراك الخداع الأمريكي، إذ أن سياسات واشنطن متقلبة.. وهو قد رأى بعينه كيف أن واشنطن قد غضت الطرف عن أنظمة سياسية عديدة في المنطقة وربما ساعدتـها، ثم عملت على الإطاحة بـها بعد ذلك.. ويمكن أن يأتي الدور عليه، خاصة وأنه كان يحتفظ بعلاقات وطيدة مع بعض هذه الأنظمة-.

بل إن واشنطن ترى في تركمانستان أنـها تقع خارج السيطرة الأمريكية على اعتبار أن هناك عقوداً للغاز تم توقيعها بين عشق آباد ومنافسي واشنطن التقليديين (إيران - الصين)، فضلاً عن ذلك فإن تركمانستان لم تستضف قواعد أمريكية بـها أثناء حرب واشنطن الأخيرة ضد أفغانستان، في الوقت الذي رحبت فيه دول الجوار بذلك خاصة أوزبكستان وقرغيزيا، حيث كان لهذه القواعد دور هام في تدمير قواعد طالبان في شمال البلاد.

على أية حال فإن ما يحدث في تركمانستان يكشف بوضوح أنه لا زالت هناك نظم مستبدة، ولا يزال قادة يحكمون بلادهم بدون أدنى ضابط أو رابط مستغلين هيمنتهم على مقاليد السلطة في الداخل من ناحية بالقوة والعنف والخوف، وعدم وجود ضغوط خارجية جادة من ناحية ثانية، ولكن أمثال هؤلاء الطغاة ينسون أو يتناسون أن الدهر قلب، وأن عين الله الحكم العدل لا تنام، وهو - سبحانه - من ورائهم محيط، ويبقى من المهم للغاية تنبيه الرأي العام الإسلامي بـهموم هذه الشـعوب المنسـية، حتى لا تشعر بالإحباط وهي ترزح وتئن دون أن يرثي لها أحد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply