المنهج القرآني في نقد أهل الفضل


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

     مما قد علم في بداهة المعتقد أن العصمة منتفية في التعبد عن غير الأنبياء، وما من صاحب فضل وشرف في الشرع إلا وهو محل نقد وتعقب، ولكن المتأمل للنقد القرآني لأهل السابقة والتضحية والغَنَاء في الإسلام؛ يجده يعلو على غيره بحسب مالهم من الشرف والرفعة .

قف مع سورة البقرة في قصة الصحابة حين قاتلوا في الشهر الحرام، فشنّع عليهم المشركون، وقالوا: "محمد وأصحابه يحلون الشهر الحرام".

فكيف كان النقد القرآني لهذا الغلط؟

-       لقد بين القرآن خطأهم، ولم يهدر الحق ارضاءً لأحد كائناً من كان فقال الله "قل قتال فيه كبير"

-       لكن.. تأمل الاقتران العظيم في ذلك العتاب؛ لقد اتبع ذلك بذم الكافرين والطغاة المتجبرين من قريش، وذم فعالهم: حتى لا يتحيز الذهن على المجاهد حين ينقد، فيتكره له ولا يتزن لديه معيار الخطأ، فقال تعالى: "وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل"

فإذا قرأ أحد هذا النقد اطلع أيضا وعرف من هو أعظم جرماً وخطأً، وإذا رأيت من يسعى ويحفد في نقد أهل الفضل؛ ثم تراه يغضي عن أهل الطغيان والفساد فقد ركب مركب جهالة، وخالف كمال الاتباع لمنهج النقد القرآني .

-       ثم أمر آخر.. تأمل معي كيف عُقّب النقد بذكر المدائح، فحين عتب الله على المؤمنين في صنيعهم ذكر منقبتهم وفضلهم، وهذا من حفظ اتزان التصورات، حتى لا يسبق إلى القلب النقص الذي وقعوا فيه؛ دون استصحاب للمدائح والمآثر فقال: "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله".

-       وتدبر معي ما جاء في قوله تعالى "ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً".

-       ففيها عتاب رباني للمجاهدين الذين تأولوا، فقتلوا رجلاً مسلماً بعدما سلم عليهم، لكن انظر كيف عقب الله ذلك بأعظم الآيات في مدح المجاهدين: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله"..

وهذا ارتباط عظيم، يجلي لك منهجاً غائباً عن بعض الناقدين لأهل الفضل والعلم والدعوة والجهاد .

وهي طريق قرآنية متكررة في عتاب أصحاب الرتب الإيمانية العالية؛ ففي عتاب الله لنوح: "إني أعظك أن تكون من الجاهلين" انظر بمَ عُقب السياق قال تعالى :"يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك".

وكذا في عتاب النبي في سورة الأحزاب وحين قال تعالى عن نبيه : "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه"

لكن السياق لم يخلُ من التنويه بشأنه فقال الله بعد ذلك بآيات: "إن الله وملائكته يصلون على النبي "

ثم انظر في عتاب آخر للنبي في قوله تعالى: "ولا تكن للخائنين خصيماً ".

يأتي بعدها ببضع آيات: "وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً".

إذا تأملت هذا بان لك عظم شطط ذلك الذي تراه صَعِر الخد على العلماء والدعاة والمجاهدين؛ ضارع الجبين للطغاة المتجبرين، إن وجد فجوة على أهل الفضل والسابقة والتضحية نصّ وإن وجد حسنة غصّ .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply