الفوائد والمضامين التربوية لحوار نوح مع ابنه


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

اهتم القرآن الكريم بتربية الأبناء قولًا وسلوكًا، ومن مظاهر هذا الاهتمام حوارات الآباء مع أبنائهم، وهي تحمل في طياتها دروسًا تربوية ينبغي أن يعيها الآباء والمربون في تربية النشء، واستغلال تلك الحوارات بربطها بحياة الشباب؛ لتكون زادًا لهم وغذاءً لأرواحهم وعقولهم.

 ويعرض هذا المقال لحوار نوح (عليه السلام) مع ابنه،و الفوائد والمضامين التربوية المستفادة منه:

   قال تعالى: (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ٤١ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ٤٢ قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ٤٣ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٤٤ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ٤٥ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٤٦  قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ٤٧)(هود /أية 41-47)

     فبتأمل الآيات (42-43) التي تحكي قصة نوح (عليه السلام) مع ابنه يتضح مدى العمق التربوي الذي برز في عنصر الحوار الرائع الفريد بين النبي المشفق ،والابن المتمرد الذي أبي أن يؤمن برسالته، واستمر على كفره مع من كذبوا نوحًا (عليه السلام)، فنوح عليه السلام لم يستغل كونه النبي المرسل، ولا سلطته الأبوية في إجبار ابنه على الإيمان، وفرضه عليه ،ولم يدفعه تصرف ابنه العاق إلى الغضب، والخروج عن منهجية الحوار البناء في تعامله معه، بل حرص نوح عليه السلام على الأخذ بأسباب صلاح ابنه بالحوار والتفاهم والدعوة بالموعظة الحسنة، ولم يفقد الأمل حتى في آخر لحظة (وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ).

فلقد استمرار محاورة نوح (عليه السلام) بدعوة ابنه إلى الإيمان بعد بدء جريان السفينة به، ومن معه في موج كالجبال، إشارة إلى ضرورة حرص المربي على مواصلة دوره في التربية بالحوار حتى في آخر اللحظات إذا أمكنه ذلك.

   ومن هنا فإن على الآباء أن يدركوا أهمية التوازن والوسطية في تربية الأبناء؛ لأنهم لن يستطيعوا صنع مستقبلهم أو تحديد مصيرهم، إنما عليهم بذل ما في وسعهم من توفير أسباب النجاح في حياتهم ،والتوكل على الله والتسليم له عند حصول النتيجة.

    ومن أبرز الفوائد والمضامين  التربوية المستفادة أيضًا:

     أنه لقد حملت شفقة الأبوة وتعطف الرحم والقرابة  نوحًا على طلب نجاة ابنه؛ لشدة تعلقه به ،واهتمامه بأمره ،وقد راعى في ذلك أدب الحضرة ،وحسن السؤال (وَنَادَىٰ نُوح رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ)

  واستخدام النداء الدال على شفقة الأب، كما في حوار نوح عليه السلام  مع ابنه -وشفقة الأب بابنه من أشد أنواع الشفقة ،فكيف إذا اجتمع معها الخوف من موت الابن على الكفر- ويدل النداء على الرغبة في الإرشاد برفق، حيث ناداه: بـ(يا بني) مستعطفًا ومذكرًا له بحق الأبوة ،في حين صد الكفر الابن عن الاستجابة لأبيه فرد على حنانه بفظاظة ،وبعد عن اللين المطلوب في البر، فلم يقبل في المقابل :يا أبت، بل قال "سَ‍َٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَل يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ"

 استخدام التصغير لكلمة (ابن) مصاحبًا للنداء ،فكلمة بني تصغير لكلمة (ابن)، كما حدث في نداء نوح (عليه السلام) لابنه، بالتصغير، ونداؤه بالتصغير خطاب تحنن ورأفة، وهو كذلك خطاب تحزن؛ حيث التصغير يجيء لمعاني عدة منها التحزن  استعمله نوح عليه السلام ليستجيش به مشاعر قلبه الذي علاه ران الكفر للإيمان والنجاة.

   وبصفة عامة هناك أيضًا  العديد من الفوائد والمضامين التربوية العامة المستفادة من حوار نوح (عليه السلام) مع ابنه من أبرزها:

- الحرص على اتخاذ أسلوب الحوار منهجًا يتبعه الأب في تعامله مع الابن ومع غيره ؛لأنه يمثل القدوة الحسنة ،فالموقف الحواري الذي يستخدم فيه الأب أسس الحوار وآدابه ومهاراته قد يكون أشد تأثيرًا على الابن من التلقين المباشر ،وهذا يتطلب من الأب العناية والانتباه إلى تطبيق كل ما يعين على تحقيق الحوار الفعال والإيجابي في أي موقف.

- اعتماد أسلوب الحوار القرآني :مثل استخدام بعض المصطلحات بعينها وتكرارها؛ كلفظ: يا بني، والمعاملة المصحوبة بالحب والشفقة، والاستلطاف وإظهار الحرص، واستخدام أسلوب التعليل، وبيان السبب للابن وغيرها.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply