بسم الله الرحمن الرحيم
بدأ اهتمام العوام بأبراج الحظ التي تنشر في الصحف والمجلات وتنقلها بعض الفضائيات، بل تخصص لها برامج ومواقع، فيقول القائل إنه من مواليد شهر كذا برج الأسد أو الدلو أو العقرب، ويقول له المنجم إنك سعيد أو ستأتي لك البشارة أو الولد أو سيحدث لك مكروه، وستكون شقياً فيتعلق السائل بغير الله - تعالى - من النجوم والكواكب والبروج ويخاف سطوتها ويتوكل عليها ويفرح ويحزن ويتفاءل ويتشاءم وفق هذه الردود المفتراة.
لهذا اهتم العلماء المسلمون بشأنها وبينوا بطلانها وردوا على أصحابها وبينوا فساد اعتقادهم وصنعتهم وواجبنا جميعاً أن نعمل لإبطال دعوى المنجمين الكذابين أن هذه الكواكب تنبئ عن علم الغيب، وأنهم يعلمون الغيب بالنظر في أحوالها واجتماعها وتفرقها، وأنهم يعلمون الحوادث الأرضية، فهذا كله مناف لصفة عظيمة اختص الله بها وهي علم الغيب -قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله-.
تعريف التنجيم
- قال ابن سينا: علم تخميني يقاس على ما يكون في أحوال العالم والملك والممالك والبلدان والمواليد والتحاويل والتسايير والاختيارات والمسائل وأدوارها.
- كما عرفه الإمام البغوي بقوله: هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان. ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها وباجتماعها واقترانها، ويدعون لها تأثيراً في السفليات وأنها تتصرف على أحكامها، وتجري على قضايا موجبها.
- بينما عرف شيخ الإسلام ابن تيمية التنجيم بأنه: الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية والتمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الأرضية.
تاريخ التنجيم:
جذور التنجيم ضاربة في أعماق التاريخ الإنساني فمنه ما يعتمد على الرصد والحساب على أساس علمي، وبعضه خياليا تكهنيا من خلال المنجم، والكاهن، والرمال، والعراف، وقارئ الكف، وقارئ الكتف، وقارئ الفنجان.
- ومن الأمم المشهورة بهذا البابليون: فقد أولوا البروج الاثني عشر اهتماماً كبيراً، وذلك لاعتقادهم بوجود العلاقة بينها وبين حياة الناس، ولاسيما عند الولادة، ويزعمون بأن لكل حركة من حركات الكواكب أثراً يتبعه في الأرض، وحدثاً يحدث.
- فلاسفة اليونان: فأرسطو عدّ التنجيم واحداً من فروع العلوم الطبيعية، ونظر إلى الكواكب على أنها عقول، وأن لكل منها نفسا وفلكا تحركه بعامل الحب الذي تستمده من العقل، وأعطى صفات للكواكب تنعكس على الكائنات الحية والوجود بأكمله، إذ نسب المُلك لزحل، والوزارة للقمر، والعدل للمشتري، والزينة والجمال للزهرة، والتقدير لعطارد، والذمة للقمر، والجور للمريخ.
- الصينيون: أسرع الناس قبولاً لأي خرافة تظهر، ومما شغفوا به: التنبؤ بالغيب، فكانوا يدرسون الطرق الموصلة - بزعمهم - إليهº لذا آمنوا بالتنجيم وتعلقوا به، وكان على رأسهم: كونفوشيوس.
- الهنود: نظروا إلى التنجيم على أنه طقوس دينية تمارس وتعلقت قلوبهم به.
- العرب قبل الإسلام: فقد عبدت حمير الشمس، وعبدت كنانة القمر، وعبدت طي سهيلا، وعبدت أسد عطارد، وكانوا يطلبون معرفة الغيب بالنظر فيها، ويعتقدون أنها سبب في سقوط الأمطار وهبوب الرياح وغيرها من الخرافات.
التنجيم بعد ظهور الإسلام:
قال - تعالى -: -وبالنجم هم يهتدون- في الطرقات وفي فصول السنة وغيرهما وحذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من استخدام خط آخر يؤدي إلى الانحراف فقال: -من اقتبس علما من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، مازاد زاد، وما زاد زاد- أخرجه أحمد.
وقال الخطيب البغدادي: الإمساك عن النجوم قصد الكف عما يقول المنجمون فيها، من أنها فاعلة مدبرة، وأنها تسعد وتنحس، وأن ما يكون في العالم من حادث فهو بحركات النجوم، فأمر رسول الله بالإمساك عن هذا القول.. والمشروع أن يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ويعرف بالشمس والقمر عدد السنين والحساب وأن فيها دلالة على قدرة الله وحكمته.
أوائل من عمل بالتنجيم:
أول من عني بأحكام المنجمين في الإسلام: محمد بن إبراهيم الغزاري، وأول من عمل بأحكام المنجمين من الخلفاء: الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور في سنة ست وخمسين ومائة عندما جاء برجل من الهند عمل تقويم -السند هند- في حركات النجوم مع تعاديل معمولة على درجات محسوبة لنصف نصف درجة مع ضروب من أعمال الفلك وهي منسوبة إلى ملك الهند -فيغر-.
أنواع التنجيم المحرم:
التنجيم أنواع عديدة منها: أولاً: ما يفعله عبدة النجوم ويعتقدونه في السبعة السيّارة وغيرها، فقد بنوا بيوتا لأجلها. وصوروا فيها تماثيل سموها بأسماء النجوم، وجعلوا لها مناسك وشرائع يعبدونها بكيفياتها، ويلبسون لباساً خاصاً، وحلية خاصة، وينحرون لها من الأنعام أجناساً خاصة، لكل نجم منها جنس زعموا أنه يناسبه، وكل نجم جعلوا لعبادته أوقاتاً مخصوصة كأوقات الصلاة عند المسلمين.
ثانياً: ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد، حيث يجعلون لكل حرف منها قدرا من العدد معلوماً، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها، ويجمع حروفها جمعا معروفاً عندهم، ثم يطرحونه منه طرحاً خاصاً، ويثبتونه إثباتاً خاصاً، وينسبونه إلى الأبراج الاثنى عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس.
ثالثاً: النظر في حركات الأفلاك ودورانها وطلوعها وغروبها، واقترانها وافتراقها معتقدين أن لكل نجم منها تأثيرات في كل حركاته منفرداً، وله تأثيرات أخرى عند اقترانه بغيره في غلاء الأسعار ورخصها، وهبوب الرياح وسكونها ومن هذا القسم الاستسقاء بالنجوم.
رابعاً: النظر في منازل القمر الثمانية والعشرين مع اعتقاد التأثيرات في اقتران القمر بكل منها ومفارقته، وأن في تلك سعوداً ونحوساً وتأليفاً وتفريقاً..
وقد عدّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاستسقاء بالنجوم من أمور الجاهلية فقال - صلى الله عليه وسلم -: -هذه جزيرة قد برئت من الشرك، ما لم تضلهم النجوم، قال: فقلت: يا رسول الله، وكيف تضلهم النجوم؟ قال: يقولون إذا أصابهم الغيث: مطرنا بنجم كذا وكذا- أخرجه أبويعلى في مسنده قال علي بن أبي طالب في خطبته: -يا أيها الناس، إياكم وتعلم هذه النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر، إنما المنجم كالكافر، والكافر في النار، والمنجم كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار-.
التنجيم وادعاء الغيب
المنجمون يدعون علم الغيب والغيب لا يعلمه إلا الله فعن ابن عمر مرفوعاً: -مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تفيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غدٍ, إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة أحد إلا الله - عز وجل - أخرجه البخاري.
- والغيب له أقسام:
الأول: باعتبار علمه ومعرفته:
أ- غيب مطلق: وهو الذي غاب عن جميع المخلوقين.
ب- غيب مقيد: وهو ما علمه بعض المخلوقات من الملائكة أو الجن أو الإنس وشهدوه.
الثاني: باعتبار الزمان:
أ- غيب ماض: كالأحداث التاريخية الماضية التي لم نشهدها كقضية يوسف.
ب- غيب حاضر: كتسجيل الملائكة للأعمال وما يجري من أحداث.
جـ- غيب مستقبلي: مثل كسب الغد، وعلم الساعة ونزول الغيث.
الثالث: باعتبار وروده:
أ- غيب جاء في القرآن: قال - تعالى -: - \"ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون \"- ومنها قوله - تعالى -: -يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم والغفور-.
ب- غيب جاء في السنة الصحيحة متواترها وآحادها.
جـ- غيب جاء عن طريق الإسرائيليات والأخبار التي لا يعلم صدقها ولا كذبها.
مناشدة:
نناشد جميع المسلمين بتقوى الله والكف عن الاستماع إلى من يقرأ الأبراج فهي ضرب من السحر والكفر والشعوذة وادعاء الغيب وتخدش جوانب العقيدة والذين يقومون عليها من غير المسلمين في أغلب الأحيان وعلينا أن نتوكل على الله وحده في كل المسائل قال - سبحانه -: -أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد-.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد