أكد الدعاة على أن فتوى العبيكان التي أفتى بها وأصر عليها في جواز حل السحر بسحر مثله قد دفعت كثيرا من الصالحين والصالحات على ترك الاعتماد على الله - سبحانه وتعالى - والتوكل عليه واللجوء إليه فضلا عن غيرهم من المرضى وأصحاب الحاجة مدللين على ما ذهبوا إليه في هذه المسألة ورود عدد من الرسائل من المشفقين والمشفقات التي تؤكد ذلك وتوضحه.
وأشاروا إلى أن صدور هذه الفتاوى في مثل هذه المسائل الكبيرة والخطيرة من السابقين والمتأخرين ليست مسوغا على صحة جوازها فهي دليل قاطع على خطأ بشريتهم وقد أحدثت بلبلة في أوساط المجتمع قديما وحديثا.
وحذروا الناس من الاتيان إلى هؤلاء لأن ذلك باب عظيم قد يفتح ويصعب غلقه ويساعد على رواج سوق أولئك السحرة والمشعوذين والدجالين.
وعددوا الآثار السلبية المتوقعة من جراء صدور هذه الفتوى، مطالبين في الوقت نفسه المرضى بتفويض أمرهم إلى الله وحده والاعتماد عليه دون غيره مع الصبر والاحتساب.
مسألة كبيرة خطيرة
حيث تحدث في البداية رئيس المحكمة العامة بمكة المكرمة المساعد فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز الطوالة فقال: إن الكلام عن مسألة حل السحر بالسحر ليست مسألة جديدة بل تكلم عليها العلماء وأبانوا حكمها الشرعي والمتكلم في هذه المسألة وغيرها من المسائل الكبيرة والخطيرة ينبغي أن يستحضر أمرين عظيمين أحدهما: أن كلا يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاء الأمر عن الله - تعالى -وعن رسوله وجب التسليم والانقياد.
وثانيهما: أن الشريعة جاءت بسد الذرائع فإن الله - تعالى -إذا حرم شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه كما أوضح ذلك علماء الملة وحماتها، إذا تقرر هذا وعلم فإن حل السحر بالسحر قد حسمه النبي لما سئل عن النشرة.
وأكد فضيلته أن عمل السحر وتعاطيه كفر وكبيرة موبقة فإذا أفتينا المريض بجواز الذهاب للساحر أو المشعوذ لحل السحر فإن ذلك سيعلق قلب المريض بهذا الساحر والمشعوذ لا سيما أن المريض يبحث عن الشفاء بأي وسيلة ويتعلق حتى ولو بالأوهام والخرافات إلا من عصمه الله - تعالى -بقوة اليقين والإيمان، كما أن فتح هذا الباب فيه تشجيع للسحرة والمشعوذين إذا رأوا كثيرا من المرضى يقصدونهم ويدفعون لهم الغالي والرخيص مقابل هذه الأعمال المنكرة، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من إتيان المشعوذين والعرافين والكهنة والسحرة في إتيانهم وسؤالهم فقط ولو لم يصدقهم وأما إذا صدقهم فذلك أعظم وأجل فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وأشار الطواله إلى أن هذا الأمر خطير جدا وعلى المرء ألا يكون مساعدا لهؤلاء السحرة والمشعوذين فيقع فيما حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان النبي نهى عن التداوي بالخمر وإن كانت مصلحة التداوي راجحة على مفسدة ملابستها سدا لذريعة قربانها واقتنائها ومحبة النفوس لها كما قال ذلك الإمام ابن القيم - رحمه الله - فكذلك التداوي بالسحر وحله بسحر مثله بل هذا أشد وأبلغ في سد الذريعة ذلك أن ذنب السحر أعظم من ذنب شرب الخمر.
الصالحين تركوا الاعتماد على الله
بينما أكد فضيلة الشيخ عصام العويد الداعية المعروف أن هناك عددا ممن عرفوا بالصلاح والتقوى من الرجال والنساء قد تركوا إثر هذه الفتوى الاعتماد على الله - سبحانه وتعالى - والتوكل عليه مع تردي الحال والذهاب إلى السحرة والمشعوذين.
وقد أحدثت هذه الفتوى بلبلة بين العوائل وقد جاءتني رسائل كثيرة من المشفقين والمشفقات على ترك كثير من الصالحين والصالحات التوكل على الله.
وأردف يقول: وأما ما قاله السابقون والمتأخرون حول هذه المسألة فهو من اجتهادهم ولا يخفى على الجميع ما تجره هذه الفتاوى من الشرك الأكبر بالذهاب إلى السحرة والاستعانة بهم وترك الاستعانة بالحي القيوم، وكم سمعنا ممن عملوا بهذه الفتاوى أنهم أمروا بالذبح لغير الله والوقوع في الشرك الأكبر الذي هو أعظم ذنب عصى به الله في الأرض، كما أن في هذه الفتاوى تقليل الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه والتوكل المطلوب من المؤمنين.
وقال في معرض حديثه حول هذا الموضوع: العلماء وطلاب العلم أهل فضل وأهل إحسان وليسوا ملائكة ولا أنبياء وأنهم بشر فنأخذ صوابهم ونترك خطأ بشريتهم وفي هذه المسألة لم نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعان بساحر ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم - أجمعين وقد سمعت من ابن باز غير ما مرة وهو يقول لا يجوز الذهاب إلى السحرة والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة ولم نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قسم السحر إلى سحر مأذون به وسحر ممنوع وورد في الأثر: \"حد الساحر ضربة بالسيف\"، وقد قتل عدة سحرة في عهد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأشار العويد إلى أن السحر لا يفك إلا بسؤال الله برؤيا صالحة أو بقراءة سورة البقرة التي لا يستطيعها البطلة أو قراءتها في ماء أو زيت زيتون وشرب ذلك فالأسحار بالعشرات في شخص واحد وقد جرب ذلك كما جربه أهل التجربة والخبرة هذه الرقية، ومن ذلك أيضا الدعاء بل من أعظمه وأقواه فالذي أذن بالسحر يفكه\"وما هم بضار به من أحد إلا بإذن الله\".
آثار سلبية
واعترف الشيخ الدكتور سعد بن علي الشهراني عضو هيئة التدريس في قسم العقيدة بجامعة أم القرى بأن هذه الفتوى وبلا شك تساعد وتدعم وتشرع للناس إتيان هؤلاء السحرة فإن المريض وصاحب الحاجة يتعلق بالقشة.
وأوضح الشهراني أن السحر ابتلاء من الله - سبحانه وتعالى - ولا يرفع هذا الضر إلا الله فإن أصيب المسلم بهذا الداء فعليه أن يصبر ويحتسب ويأخذ بالأسباب المشروعة في التداوي ويبتعد عن الأسباب المحرمة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"تداووا ولا تتداووا بحرام\"، ومن أعظم المحرمات التداوي بالشرك ومن ذلك حل السحر بسحر مثله لأن في ذلك معاونة للساحر وإقرارا له على عمله فهذا كله من النشرة التي هي من عمل الشيطان ولأن الاستعانة بالسحرة للاهتداء لمكان السحر لا تحصل إلا بالاستعانة بالشياطين في حل ذلك السحر وربما طلبوا من المسحور عمل بعض الأمور الشركية كما هو ديدنهم، ومع هذا لا يجوز الذهاب إلى السحرة حتى ولو بسؤالهم بدون تصديقهم لورود النهي عن سؤالهم والساحر أشد من العراف.
ولا بد أن نفهم أن النشرة في الشريعة على نوعين: نشرة جائزة وهي ما كانت بالرقى والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة وهذه التي وردت عن العلماء بجوازها، ونشرة ممنوعة وهي ما كانت بغير ذلك والتي لا تخلو من التقرب إلى الشياطين أو من يتعامل معهم كالسحرة والكهان وأضرابهم وهذا الذي من عمل الشيطان ولا يجوز فعله.
وعدد بعض الآثار السلبية لإتيان السحرة وسؤالهم ومن ذلك: الاعتراف بصنيعهم ومدعاة التعلق بهم مما قد يجر إلى الاعتقاد الباطل بهم في معرفة الغيب، وضعف التعلق بالله واللجوء إليه والاستعانة به في كشف الضر، وأن هؤلاء السحرة يطلبون مبالغ كبيرة ويأكلون أموال الناس بالباطل مستغلين حاجتهم وضعفهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد