بسم الله الرحمن الرحيم
تتلخص هذه الفتاوى في الآتي:
العبادات توقيفية، ولهذا فإن الله جلت حكمته لا يقبل عبادة إلا ما شرعه لنا على لسان نبيه، وتعبده بها هو وأصحابه الكرام، والسلف العظام، فما كان عليه هو وأصحابه هو الدين الذي لا يقبل الله غيره، ولهذا قال مالك: ما لم يكن في ذاك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً.
فما من عبادة إلا ولها شرطان، هما:
1. الصدق، وهو ميزانها الداخلي: \"وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ\" .
2. والمتابعة، وهو ميزانها الخارجي: \"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد\"، كما صح بذلك الخبر.
من عجيب أمر البعض إضافتهم كل رزية، ونطيحة، وموقوذة إلى مذهب مالك - رحمه الله -، ذلكم الإمام المبجل والفقيه المعظم، فإذا أنكرتَ عليهم ما أحدثوه من بدع، نحو الاستغاثة بالأحياء والأموات، والتبليغ من غير حاجة، والدعاء الجماعي دبر الصلوات المكتوبات، والتنبيه قبل أذان الفجر، والتسحير في رمضان، ونحو ذلك، اعترض عليك بأنا نحن مالكية!!
وما علم هؤلاء المساكين أن مالكاً - رحمه الله - كان من أشد الأئمة بغضاً للبدع، وكان حرباً شعواء على أهل الأهواء، ولهذا كان كثيراً ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة * * * وشر الأمور المحدثات البدائع
وأثر عنه قوله كذلك: \" لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها \"، وضبط مذهبه بضابط متين وهو قاعدة \"سد الذرائع\".
لهذا وغيره أحببت أن أذكر إخواني المسلمين في السودان وخارجه بحكم وفتاوى مالك وتلاميذه وأئمة مذهبه في السماع الصوفي، والرقص، والتواجد، ونحو ذلك من ممارسات الصوفية، ليعلم الجميع أن النهي والتحذير عن ذلك، وتبديع وتضليل فاعله ليس قاصراً على فئة معينة من العلماء، ابن تيمية، وتلاميذه، والوهابية، وإنما هذا مما أجمعت عليه الأمة قاطبة، وأطبقت عليه الفقهاء سلفاً وخلفاً، إلا ما شذ وزل.
لقد طمت البلوى وعمت بهذه البدع المنكرات، وجبن الكثير من العلماء وطلاب العلم عن بيان مخالفتها لشرع الحبيب المصطفى، والرسول المجتبى، حتى أضحت ديناً يوالى ويعادى عليها، بل نافقهم البعض بشهود ذلك وحضوره، ووصف من يعترض عليها بأنه قالٍ, وجافٍ, لإمام الهدى: \"كَبُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِن أَفوَاهِهِم إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا\".
وإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالعلي الأعلى، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحابته والتابعين ?
نماذج من فتاوى مالك، وتلاميذه، وأئمة مذهبه في السماع الصوفي، والرقص، والتواجد.
1. قال مالك - رحمه الله -: (فما لم يكن يومئذ ديناً لم يكن اليوم ديناً، وإنما يعبد الله بما شرع).
2. قال الونشريسي: (حكى عياض عن التنيسي أنه قال: كنا عند مالك وأصحابه حوله، فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله، عندنا قوم يقال لهم الصوفية، يأكلون كثيراً، ثم يأخذون في القصائد، ثم يقومون فيرقصون.
فقال مالك: أصبيان هم؟
قال: لا.
قال مالك: أمجانين هم؟
قال: لا، قوم مشايخ، وغير ذلك عقلاء.
فقال مالك: ما سمعت أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا إلا أن يكون مجنوناً أوصبياً.
قال الونشريسي: فهذا بين أنه ليس من شأن الإسلام، ثم يقال: فلو فعلوه على جهة اللعب كما يفعله الصبيان لكان أخف عليهم، مع ما فيه من إسقاط الحشمة، وإذهاب المروءة، وترك هدى أهل الإسلام، وأرباب العقول، لكنهم يفعلونه على جهة التقرب إلى الله والتعبد به، وأن فاعله أفضل من تاركه، هذا أدهى وأمر، حيث يعتقدون أن اللهو واللعب عبادة، وذلك من أعظم البدع المحرمات، الموقعة في الضلالة، الموجبة للنار، والعياذ بالله).
3. وقال مالك: (من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله خان الرسالة).
4. وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -، وهو من تلاميذ الإمام مالك: (أسِّس التصوف على الكسل).
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: (خلفت ببغداد شيئاً أحدثه الزنادقة، ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله، وسنة رسول الله، يسمونه \"التغبير\").
نقل الونشريسي عدداً من أقوال أهل العلم المالكية وغيرهم في حكم الرقص والسماع الصوفي، منها:
5. سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن ذلك، فأجاب: (الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء).
6. وسئل الشيخ صالح أبو فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني تلميذ أبي الحسن الصغير عن قوم تسموا بالفقراء، يجتمعون على الرقص والغناء، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاماً أعدوه للمبيت عليه، ثم يصلون ذلك بقراءة عُشر من القرآن والذكر، ثم يغنون ويرقصون ويبكون، ويزعمون في ذلك كله أنهم على قربة وطاعة، ويدعون الناس إلى ذلك، ويطعنون على من لم يأخذ بذلك من أهل العلم، ونساء اقتفين ذلك أثرهم، وعملن في ذلك على نحو عملهم، وقوم استحسنوا ذلك وصوبوا فيه رأيهم، فما الحكم فيهم، وفيمن رأى رأيهم، هل تجوز إمامتهم وتقبل شهادتهم أم لا؟ بينوا لنا ذلك.
فأجاب بعد حمد الله والصلاة على رسوله: (الجواب فيه ما قاله بعض أئمة الدين من علماء المسلمين الناصحين، حين سئلوا عن ذلك، من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر: \"أن بني إسرائيل افترقت على اثنين وسبعين فرقة، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة\"، وقد ظهر ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - من افتراق أمته على هذه الفرق، وتبين صدقه - صلى الله عليه وسلم - وتحقق، ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمية الجاهلة الغبية، الذين ولعوا بجمع أقوام جهال، فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة، وعقولهم قاصرة، فدخلوا عليهم من طريق الدين، وأنهم لهم من الناصحين، وأن هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبين، فصاروا يحضونهم على التوبة، والإيثار، والمحبة، وصدق الأخوة، وإماتة الحظوظ والشهوة، وتفريغ القلب إلى الله بالكلية، وصرفه إليه بالقصد والنية، وهذه الخصال محمودة في الدنيا فاضلة، إلا أن الذي في ضمنه على مذهب القوم سموم قاتلة، وطامات هائلة، وهذه الطائفة أشد ضرراً على المسلمين من مردة الشياطين، وهي أصعب الطوائف للعلاج، وأبعدها عن فهم طرق الاحتجاج، لأنهم أول أصل أصلوه في مذهبهم، بغض العلماء والتنفير منهم، ويزعمون أنهم عندهم قطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق، فمن كان هذه حاله سقطت مكالمته، وبعدت معالجته، فليس للكلام معه فائدة، والمتكلم معه يضرب في حديد بارد، وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم، ولم يسقط في مهواتهم، لعله يسلم من عاديتهم، وينجو من غاويتهم.
واعلموا أن هذه البدعة في فساد عقائد العوام أسرع من سريان السم في الأجسام، وأنها أضر في الدين من الزنا، والسرقة، وسائر المعاصي والآثام.
إلى أن قال:
ثم ضرر المعاصي إنما في أعمال الجوارح الظاهرة، وضرر هذه البدع إنما هي في الأصول والعقائد الباطنة، فإذا فسد الأصل ذهب الفرع، وإذا فسد الفرع بقي الأصل، يرجى أن ينجبر الفرع، وإن لم ينجبر الفرع لم تذهب منفعة.
ثم إن الذي يغوي الناس ويدعوهم إلى بدعته يكون عليه وزره ووزر من استن بسنته.
إلى أن قال:
فلا يغتر أحدكم بما يظهر من الأوهام والخيالات، من أهل البدع والضلالات، ويعتقد بأنها كرامات، بل هي شرك وحبالات، نصبها الشيطان ليقتنص بها معتقد البدع ومرتكب الشهوات، وإنما تكون من الله الكرامة لمن ظهرت منه الاستقامة، وإنما تكون الاستقامة بإتباع الكتاب والسنة، والعمل بما كان عليه سلف هذه الأمة، فمن لم يسلك طريقهم، ولم يتبع سبيلهم، فهو ممن قال الله فيهم: \"وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى\".
فمن حرف كتاب الله، أوترك العمل به، أوعطله، فقد افترى على الله كذباً، واتخذ آيات الله هزواً ولعباً، فإذا رأيتم من يعظم القرآن فعظمه، وإذا رأيتم من يكرم العلماء وأهل الدين فأكرموه، قال الله العظيم: \"وَمَن يُعَظِّم حُرُمَاتِ اللهِ\" الآية، ومن رأيتموه خالف القرآن فارفضوه واهجروه في الله وأبغضوه، ومن رأيتموه يجانب العلماء فجانبوه، فإنه لا يجانبهم إلا ضال مبتدع، غير مقتدٍ, بالشرع ولا متبع، فإن الشرائع لا تؤخذ إلا من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء.
إلى أن قال:
وأما ما ذكرتموه من أفعالهم، واشتغالهم بالرقص والغناء والنوح فممنوع غير جائز، قال الله - تعالى -: \"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ\" الآية، قال ابن مسعود: هو الغناء، والذي لا إله إلا هوº يرددها ثلاث مرات، وهو قول مجاهد وعطاء: من كانت له جارية مغنية فمات لم يصَلَّ عليه، لقول الله - عز وجل -: \"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ\" الآية).
قال مالك في المدونة: (وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلكº قال عياض: معناه نوح المتصوفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء، فمن اعتقد في ذلك أنه قربة لله - تعالى - فهو ضال مضل، ولا يعلم المسكين أن الجنة حفت بالمكاره، وأن النار حفت بالشهوات، والله - تعالى - لم يبعث أحداً من الأنبياء باللهو والراحة والغناء، وإنما بعثوا بالبر والتقوى).
7. وأجاب الواغليسي عن ذلك قائلاً: (قد نص أهل العلم فيما ذكرت من أحوال بعض الناس من الرقص والتصفيق على ذلك بدعة وضلال، وقد أنكره مالك، وتعجب ممن يفعل ذلك).
8. وقال القرطبي في رده على هذا الجواب: (إن ذلك مما لا يختلف على تحريمه، وقد انتهى التواقح بأقوام إلى أن قالوا: إن تلك الأمور من أبواب القرب، وصالح الأعمال، وإن بذلك يتم صفاء الأوقات، وسنيات الأحوال، فنعوذ بالله من البدع والضلال).
9. وقال أبو إسحاق الشاطبي - رحمه الله -، وقد سئل عن حال طائفة ينتمون إلى التصوف والفقر، يجتمعون في كثير من الليالي عند واحد من الناس، فيفتتحون المجلس بشيء من الذكر على صوت واحد، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى الغناء والضرب بالأكف والشطح، هكذا إلى آخر الليل، ويأكلون في أثناء ذلك طعاماً يعده لهم صاحب المنزل، ويحضر معهم بعض الفقهاء، فإذا تكلم معهم في أفعالهم تلك يقولون: لو كانت هذه الأفعال مذمومة ومحرمة شرعاً لما حضرها الفقهاء.
قال بعد حمد الله والثناء عليه: (والجواب والله الموفق للصواب، أن اجتماعهم للذكر على صوت واحد، إحدى البدع المحدثات التي لم تكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا في زمن الصحابة ولا من بعدهم، ولا عرف ذلك قط في شريعة محمد - عليه السلام -، بل هو من البدع التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضلالة، وهي مردودة، ففي الصحيح أنه - عليه السلام - قال: \"من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد\"، يعني فهو مردود وغير مقبول، فكذلك الذكر الذي يذكرونه غير مقبول.
وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في خطبته: \"أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة\"، وفي رواية: \"وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في النار\"، وهذا الحديث يدل على أن صاحب البدعة في النار.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وعن الحسن البصري أنه سئل وقيل له: ما ترى في مجلسنا هذا؟ قوم من أهل السنة والجماعة، لا يطعنون على أحد، نجتمع في بيت هذا يوماً فنقرأ كتاب الله وندعو الله ربنا، ونصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وندعو لأنفسنا ولعامة المسلمينº فنهى الحسن عن ذلك أشد النهي، لأنه لم يكن من عمل الصحابة ولا التابعين، وكل ما لم يكن عليه عمل السلف الصالح فليس من الدين، فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء، ولو كان فيه خير لفعلوه.
ثم ذكر كلام مالك السابق.
ثم قال:
وأما ما ذكرتموه من شأن الفقيهين الإمامين، فليسا بفقيهين إذا كانا يحضران شيئاً من ذلك، وحضورهما ذلك على الانتصاب إلى المشيخة قادح في عدالتهما، فلا يصلى خلف واحد منهما حتى يتوبا إلى الله من ذلك، ويظهر عليهما أثر التوبة، فإنه لا يجوز الصلاة خلف أهل البدع، نص على ذلك العلماء.
وعلى الجملة فواجب على من كان قادراً على تغيير ذلك المنكر الفاحش القيام بتغييره، وإخماد نار الفتنة، فإن البدع في الدين هلاك، وهي في الدين أعظم من السم في الأبدان، والله الواقي بفضله، والسلام على من يقف على هذا من كاتبه: إبراهيم الشاطبي).
10. وأجاب الفقيه الصالح أبو عبد الله الحفار على السؤال السابق ما نصه: (الحمد لله والصلاة على محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الجواب مستعيناً بالله أن هذه الطائفة المنتمية للتصوف في هذا الزمان، وفي هذه الأقطار، قد عظم الضرر بهم في الدين، وفشت مفسدتهم في بلاد المسلمين، لا سيما في الحصون والقرى البعيدة عن الحضرة هنالك، يظهرون ما انطوى عليه باطنهم من الضلال، من تحليل ما حرم الله، والافتراء على الله وعلى رسوله، وبالجملة فهم قوم استخلفهم الشيطان على حل عرى الإسلام وإبطاله، وهدم قواعده، ولسنا لبيان حال هؤلاء، فهم أعظم ضرراً على الإسلام من الكفار، وإنما يقع الجواب على حال ما ذكر في السؤال على تقدير سلامة عقيدته، وعدم تعرضه لما دخل فيه غيره ممن ننبه عليه، بل نقتصر على ما ذكر من الغنا وسماعه، فحال هذه الطائفة المسئول عنها أخف بالنسبة إلى الطائفة الأولى وأحسن، وما فيهم حسن، لكنهم قوم جهلة، ليس لديهم شيء من المعارف، ولا يحسن واحد منهم أن يستنجي ولا يتوضأ، دع ما سوى ذلك، لا يعرف ما فرض الله عليه، بهيمة من البهائم في دينه، وما أوجب الله عليه في يومه وليلته، ليس عنده من الدين إلا الغنا والشطح، وأكل أموال الناس بالباطل، واعتقاده أنه على شيء، وهذا كله ضلال من وجوه، أعظمها أنهم يوهمون على عوام المسلمين، ومن لا عقل له من النساء، ومن يشبههن في قلة العقل من الرجال، أن هذه الطريقة التي يرتكبونها هي طريقة أولياء الله، وهي من أعظم ما يتقرب به إلى الله، فيَضلون ويُضلون، وفي ذلك افتراء على الله، وعلى شريعته وأوليائه.
إلى أن قال:
وأما حضور الفقهاء معهم، وقولهم لو كنا على غير طريقة مرضية لما حضرها الفقهاء معنا، فيقال: إن حضور الفقهاء معهم ليس بدليل على الجواز، ولا عدمه دليل على المنع، ولا يُعرف الحق بالرجال، بل الرجال يُعرفون بالحق، فالفقيه إذا حضر معهم ووافق واستحسن فعلهم فهو مثلهم، بل هو شر منهم، وهو باسم الفسق أولى منه باسم الفقه، وإن حضر ليرى تلك الطريقة وما تنطوي عليه حتى يحكم بما يشاهد من أحوال أهلها، ثم بعد ذلك يحكم عليها بما يقتضيه الفقه، فحضوره حسن، وإن كان حضوره على جهة تفريج النفس، كما يحضر الإنسان مجالس اللهو واللعب، فإن تكرر ذلك منه على هذا الوجه فذلك مسقط لعدالته، وإن كانت فلتة فلتقل عثرته، ولا يعد للحضور معهم، فيكون مثلهم، على ما أشار إليه قوله - تعالى -: \"فَلاَ تَقعُدُوا مَعَهُم\" الآية، فمن كثر سواد قوم فهو منهم).
11. وقال ابن لب المالكي - رحمه الله -، وقد سئل عن رقص الفقراء بالمساجد، فقال: (أما رقص الفقراء في المساجد، فإن ذلك مما يجب أن تنزه المساجد عنه، لأنها بيوت الله في أرضه، أسست على التقوى ليتقرب إلى الله فيها بالطاعات، ووظائف العبادات، قال - تعالى -: \"فِي بُيُوتٍ, أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ\" الآية، وما جاء في الحديث من لعب الحبشة في المسجد بالحراب، فقد قال العلماء في ذلك إنما أبيح لما فيه من المثاقفة، وتدريب الجوارح على معاني الحروب، وهو من باب الإرماء والأخذ في الاستعداد، مع ما كان في ذلك من استئلافهم، وتأنيسهم، وترك تنفيرهم).
12. قال القرطبي - رحمه الله - في تفسير قوله - تعالى -: \"وَلَقَد قَالَ لَهُم هَارُونُ مِن قَبلُ\" الآيات، في الرد على الصوفية في رقصهم وتواجدهم: (وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتغييره، ومفارقة أهله، وأن المقيم بينهم لا سيما إذا كان راضياً حكمه كحكمهم، وقد مضى هذا المعنى في آل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال.
وسئل الإمام أبوبكر الطرطوشي المالكي - رحمه الله -: ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ واعلم، حرس الله مدته، أنه اجتمع جماعة من رجال، فيكثرون من ذكر الله - تعالى -، وذكر محمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه، ويحضرون شيئاً يأكلونه، هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين، وهذا القول الذي يذكرونه:
يا شيخ كف عن الذنوب * * * قبل التفــرق والزلل
واعمل لنفسك صالحـاً * * * ما دام ينفعك العمــل
أما الشبـاب فقد مضى * * * ومشيب رأسك قد نزل
وفي مثل هذا ونحوه.
الجواب رحمك الله: مذهب الصوفية بطالة، وجهالة، وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار، قاموا يرقصون حواليه، ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة، ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله - تعالى -، وإنما كان يجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه فكأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة المسلمين، وبالله التوفيق). ?
تتلخص هذه الفتاوى في الآتي:
1. أن الصوفية من البدع المحدثة، حيث لم تظهر إلا بعد انقراض القرون الثلاثة الفاضلة، ومن ثم لا يحل الانتساب إلى طريقة من الطرق الصوفية.
2. أن الرقص والتواجد الذي يمارسه بعض الصوفية ورثوه من أصحاب السامري، عندما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار، فقاموا حواليه يرقصون ويتواجدون كما يفعل هؤلاء الآن.
3. أما الضرب على الطبول \"النوبة والطارات\"، وقد حلت محلها الآن الآلات الموسيقية، فأول من أحدثها الزنادقة ليشغلوا بها المسلمين عن كتاب الله - تعالى -، وقد أفلحوا ونجحوا في ذلك، فالذي يتعبد الله بالسماع الصوفي فهو محيي لسنة الزنادقة، ومميت لسنة خاتم الأنبياء والرسل وسيدهم محمد - صلى الله عليه وسلم -.
4. أن هذا العمل من المنكرات التي يجب على ولاة الأمر أن يمنعوها، ولا يمكنوا أحداً من ممارستها، لا في المساجد، ولا في المواليد، والحوليات، وغيرها.
5. أن الجلوس ومشاهدة هذه المنكرات لا يحل أبداً، إلا لمن أراد أن يرد عليهم.
6. على هذا أجمعت الأمة قاطبة، أعني إجماع أهل الحل والعقد وهم العلماء، بما في ذلك الأئمة الأربعة المقتدى بهم، أما العامة والدهماء فلا اعتبار بإجماعهم ولا ردهم.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله صادق الوعد المبين، والويل لمن خالف سنته، وتنكر لطريقته، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ورحم الله مالكاً حيث كان كثيراً ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
ورحم الله من شبه السنة بسفينة نوح - عليه السلام -، فمن ركب فيها نجا، ومن لم يركب هلك.
فمن لم يسعه ما وسع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وصحبه الكرام، والتابعين لهم من السلف والخلف، فلا وسَّع الله عليه دنيا وأخرى، ومن طلب الهدى في غير شرعه - صلى الله عليه وسلم - أضله الله.
اللهم أحينا على سنته، وأمتنا عليها، وارزقنا حبه وحب من يحبه، واجمعنا به في دار كرامتك، واسقنا من حوضه حين يُبعد عنه المبدلون المغيرون لسنته.?
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد