حكم الاحتفال بأعياد أهل الضلال


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك والله أكبر كبيرًا، والصلاة والسلام على من بعثه الله - تعالى -هاديًا ومبشرًا ونذيرًا. وبعد:

إن الله - سبحانه - قد أغنى المسلمين، وأنعم عليهم بشريعة كاملة شاملة لكل مصالح الدين والدنيا. وعلق السعادة في الدنيا والآخرة على العمل بها والتمسك بهديها. قال - تعالى -: (من اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) [طه: 123]، وقال - تعالى -: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [البقرة: 38]. وهذه الشريعة هي الصراط المستقيم الذي هو طريق المنعَم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وما خالفها فهو طريق المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى والمشركين.

وأنت أيها المسلم في كل ركعة من صلاتك تدعو ربك أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين حينما تقرأ سورة الفاتحة - التي قراءتها ركن من أركان الصلاة - في كل ركعة، فتأمل هذا الدعاء ومقاصده وثماره. إنه يعني أول ما يعني الإقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والتمسك بشريعته في العبادات وفي المعاملات وفي الآداب والأخلاق العامة والخاصة، كما يعني مخالفة الكفار والتشبه بهمº لأن التشبه بهم في الظاهر يورث محبتهم في الباطن. ولهذا تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على الأمر بمخالفتهم، والنهي عن التشبه بهم إبعادًا للمسلم عما فيه مضرتهº لأن أعمال الكفار باطلة، ومساعيهم ضالة، ونهايتهم إلى الهلاك. فجميع أعمال الكافر وأموره لابد فيها من خلل يمنعها أن تتم له بها منفعة قال - تعالى -: (والذين كفروا أعمـالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) [النور: 39]. وقال - تعالى -: (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) [إبراهيم: 18]. ومما أمر الله - تعالى -به في مخالفة غير المسلمين مخالفتهم في أعيادهم وفي الاحتفال بها بل وتهنئتهم عليها.



أدلة تحريم الاحتفال بأعياد الكفار:

جاءت الأدلة الشرعية تحذر من التشبه بالكافرين عموماً، كما حذرت من المشاركة في أعيادهم خصوصاً قال - تعالى -: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) [الجاثية: 18].

فهذا نهي صريح عن اتباع غير المسلمين فيما يفعلون بأهوائهم.

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ». [رواه البخاري ح 3269، ومسلم ح2669]

-قال - صلى الله عليه وسلم -: «من تشبه بقوم فهو منهم». [رواه أبو داود ح4031، وأحمد ح5093]

- قال - تعالى - في وصف عباد الرحمن : (والذين لا يشهدون الزور) [الفرقان: 72]. قال ابن سيرين: هو الشعانين (عيد من أعياد النصارى). وقال مجاهد: أعياد المشركين ونحوه مروي عن الضحاك.

- وعن عبد الله بن عمرو قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة». [رواه البيهقي في السنن الكبرى 9/234]

- قال عطاء بن يسار (من كبار التابعين) قال عمر: إياكم وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.

الأعياد من خصائص الأديان: وهذا يعني أن لكل أمة منسكها وأعيادها:

- جاء في حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا».

[رواه مسلم 892، والبخاري 952],- وفي حديث عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» [أبو داود 2418].

- وعن أنس - صلى الله عليه وسلم - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولهم يومان يلعبون

فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله: إن الله قد أبدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى وعيد الفطر» [رواه أبو داود ح 1134، والنسائي 1556، وأحمد ح 1241]



علة النهي عن التشبه بالكافرين:

إن المشابهة ولو في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، قال ابن تيمية: \"لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم\" فإذا كانت المشابهة في أمور دينية فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة لهم تنافي الإيمان.

نصوص الشريعة تأمر بمخالفة الكافرين واجتناب أفعالهم الدينية والدنيوية:

لقد قطع الإسلام مادة المشابهة للكفار من أصلها، ففي الصحيحين: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى»، وروى أبو داود عن شداد بن أوس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم»، وروى مسلم في صحيحه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»، وروى أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطرº لأن اليهود والنصارى يؤخرون»، ويقول أنس بن مالك - رضي الله عنه - كانت اليهود إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل الله: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض [البقرة: 222]، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه.

[رواه مسلم في صحيحه]

لقد جاءت أوامر الشريعة ناهيةً عن كل ما فيه مشابهة حتى في أخص عبادات المسلمين ومعاملاتهم، أفيرضى عاقل بعد ذلك أن يوافق اليهود أو النصارى في أعيادهم وأكاذيبهم؟! لما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه جالسًا وصلى خلفه الصحابة قيامًا أشار إليهم فقعدوا، فلما سلموا قال: «إن كدتم آنفًا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتمّوا بأئمتكم» [رواه الإمام مسل]. ولما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فأمر الناس بصيامه، ثم قال: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهودº صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده».

ومع أن الله - سبحانه - قد حذرنا سلوكَ سبيل المغضوب عليهم والضالين إلا أن قضاءه نافذ بما أخبر به رسوله فيما جاء في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه»، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟! »، وفي رواية في البخاري:

«لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرًا بشبرٍ, وذراعًا بذراعٍ,»، قيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ قال: «ومن الناس إلا أولئك؟! »، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: (أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتًا وهديًا، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا)إن اليهود والنصارى لا يقرّ لهم قرار حتى يفسدوا على الناس دينهم، ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم [البقرة: 109]، ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [البقرة: 120].

وإن المسلمين هم أهدى الناس طريقًا وأقومهم سبيلاً وأرشدهم سلوكًا في هذه الحياة، وقد أقامهم الله - تعالى -مقام الشهادة على الأمم كلها، وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة: 143]، فكيف يتناسب مع ذلك أن يكون المسلمون أتباعًا لغيرهم من كل ناعق، يقلدونهم في عاداتهم، ويحاكونهم في أعيادهم وتقاليدهم؟! ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى المسلمين جميعًا أن يتلقوا عن أهل الكتاب، فعن. جابر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابٍ, أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه، فغضب رسول الله ثم قال: «أوَفي شكٍّ, يا ابن الخطاب؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحقٍ, فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به.والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني».[رواه أحمد وابن أبي شيبة]

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply