الخوارج


بسم الله الرحمن الرحيم

 

لما بويع معاوية بالكوفة كان فروة بن نوفل الأشجعي معتزلاً في 500 من الخوارج فرأوا أن الوقت قد حان لتجريد السيف، فأقبلوا حتى نزلوا النخيلة، فأرسل إليهم معاوية جمعاً من أهل الشام فانهزم أهل الشام أمامهم، فقال معاوية: لأهل الكوفة واللَّه لا أمان لكم عندي حتى تكفونهم، فخرج إليهم أهل الكوفة، فقال لهم الخوارج: أليس معاوية عدونا وعدوكم، دعونا حتى نقاتله، فإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا!! فقالوا: لا بد لنا من قتالكم، فأخذت أشجع صاحبهم فروة قهراً وأدخلوه الكوفة، فولى الخوارج عليهم عبد اللَّه بن أبي الحوساء الطائي فقاتلهم أهل الكوفة فقتلوهم، وكان ابن أبي الحوساء قد خوف بالصلب فقال:


ما إن أبالي إذا أرواحنا قبضت

ماذا فعلتم بأوصال وأبشار

تجري المجرة والنسران عن قدر

والشمس والقمر الساري بمقدار

وقد علمت وخير القول أنفعه

أن السعيد الذي ينجو من النار

فلما قتل ابن الحوساء ولي الخوارج أمرهم حوثرة الأسدي فسار حتى قدم النخيلة في 150 وانضم إليه فل ابن الحوساء وهم قليل، فقال معاوية لأبي حوثرة: اكفني أمر ابنك!! فسار إليه أبوه فدعاه إلى الرجوع فأبى، فأداره.

تولية زياد بن سمية والمغيرة بن شعبة بلاد العراق:

ثم توالت الخوارج حتى أخافوا بلاد العراق فرأى معاوية أنه لا بد من تولية العراق رجالاً ذوي قدرة وحكمة يأخذون على أيدي السفهاء، ويشتدون في طلب المريب، فاختار رجلين كلاهما قد عرف بالسياسة وحسن الرأي وهما زياد بن سمية والمغيرة بن شعبة.

فأما زياد فقد كان من شيعة علي وكان والياً على فارس وقُتل علي وهو بها، فذكر معاوية اعتصامه بفارس وأمهم ذلك، فجعل المغيرة وسيط استقدامه، فأتى المغيرة زياداً وقال له: إن معاوية استخفه الوجل حتى بعثني إليك، ولم يكن أحد يمد يده إلى هذا الأمر غير الحسن، وقد بايع فخذ لنفسك قبل التوطين، فيستغني عنك معاوية! فقال: زياد أشر علي، وأرم الغرض الأقصى، فإن المستشار مؤتمن!! فقال له المغيرة: أرى أن تصل حبلك بحبله، وتشخص إليه.

وكتب إليه معاوية بأمانه، وبعد عودة المغيرة خرج زياد من فارس حتى أتى معاوية، فسأله عن أموال فارس فأخبره بما أنفق منها، وبما حمل إلى علي وبما بقي عنده، فصدقه معاوية وقبض منه ما بقي عنده.

توليته البصرة وخراسان وسجستان:

وفي السنة الخامسة والأربعين ولاه معاوية البصرة وخراسان وسجستان فقدم البصرة آخر شهر ربيع الأول سنة 45 هـ، والفسق ظاهر فاش فيها، فخطبهم خطبته الشهيرة بالبتراء، وإنما قيل لها ذلك لأنه لم يحمد اللَّه فيها، ولما في هذه الخطبة من روائع الكلم وبديع الحكم، وبيان سياسته في حكم البلاد، أحببنا إيرادها أولها قال:

أما بعد فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والغي الموفى بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور والعظام ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى عنها الكبير، كأنكم لم تقرؤوا كتاب اللَّه، ولم تسمعوا ما أعده من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمدي الذي لا يزول، أتكونون كمن طرفت عينيه في الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تظنون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ مالهº ما هذه المواخير المنصوبة الضعيفة المسلوبة في النهار المبصر والعدد غير قليل؟

وكان زياد أول من شدد أمر السلطان، وأكد الملك لمعاوية، وجرد سيفه وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة، وخافه الناس خوفاً شديداً حتى أمن بعضهم بعضاً، وحتى كان الشيء يسقط من يد الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه، ولا يغلق عن أحد بابه، وأدر العطاء وبني مدينة الرزق، وجعل الشرط أربعة آلاف.

معاملة زياد مع الخوارج:

قال أبو العباس المبرد في صفة زياد ومعاملته للخوارج كان يقتل المعلن، ويستصلح المسر، ولا يجرد السيف حتى تزول التهمة، وبلغ زياداً عن رجل يكنى أبا الخير من أهل البأس والنجدة أنه يرى رأي الخوارج فدعاه فولاه جند نيسابور وما يليها ورزقه أربعة آلاف درهم كل شهر، وجعل عمالته في كل سنة مئة ألف، فكان أبو الخير يقول: \" ما رأيت شيئاً خيراً من لزوم الطاعة، والتقلب بين أظهر الجماعة \" لم يزل والياً حتى أنكر منه زياد شيئاً، فتنمر لزياد فحبسه، فلم يخرج من حبسه حتى مات.

حال المغيرة بن شعبة مع الخوارج:

أما المغيرة بن شعبة فكانت سياسته أرفق وألين، أحب العافية، وأحسن في الناس السيرة، ولم يفش أهل الأهواء عن أهوائهم، وكان يؤتي فيقال: إن فلاناً يرى رأي الشيعة، وإن فلاناً يرى رأي الخوارج، فكان يقول: قضى اللَّه أن لا يزالوا مختلفين، وسيحكم اللَّه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، فأمنه الناس، وكانت الخوارج يلقي بعضهم بعضاً ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان، ويرون أن في الإقامة الغبن والوكف، وأن في جهاد أهل القبلة الفضل والأجر.

وقد فزع الخوارج في عهده إلى ثلاثة نفر: منهم المستورد بن علفة التميمي، من تيم الرباب، وحيان بن ظبيان السلمي، ومعاد بن جوين بن حصين الطائي فولوا أمرهم بعد الشورى المستورد بن علفة لأنه كان أسن القوم، واتعدوا أن يتجهزوا ويتيسروا ثم يخرجوا في غرة الهلال هلال شعبان سنة 43 هـ، فكانوا في جهازهم وعدتهم فجاء رئيس شرطة المغيرة إليه، وأخبره أن القوم مجتمعون في منزل حيان بن ظبيان، وأنهم اتعدوا الخروج في هلال شعبان، فأمره المغيرة أن يسير بالشرطة، ويحيط بدار حيان، ويأتيه بهم، فسار رئيس الشرطة وأحاط بدار حيان، وقبض على المجتمعين هناك. فقال لهم المغيرة: ما حملكم على ما أردتم من شق عصا المسلمين؟ فقالوا: ما أردنا من ذلك شيئاً، ومن الغريب أنهم يكذبون، مع أن الخوارج تبرأ من الكاذب! قال المغيرة: بلى قد بلغني ذلك عنكم قد صدق ذلك عندي جماعتكم! قالوا له: أما اجتماعنا في هذا المنزل فإن حيان بن ظبيان أقرؤنا للقرآن فنحن نجتمع عنده في منزله فنقرأ القرآن عليه، فأمر بهم إلى السجن، فلم يزالوا فيه نحواً من سنة، وسمع إخوانهم بأخذهم، فحذروا وخرج المستورد وأصحابه فبلغ الخبر المغيرة أن الخوارج خارجة عليه في أيامه تلك، وأنهم قد اجتمعوا على رجل، فقام في أهل الكوفة خطيباً فقال:

أما بعد فقد علمتم أيها الناس أني لم أزل أحب لجماعتكم العافية، وأكف عنكم الأذى، وإني واللَّه لقد خشيت أن يكون أدب سوء لسفهائكم، فأما الحلماء الأتقياء فلا وأيم اللَّه لقد خشي أن لا أجد بداً من أن يعصب الحليم التقي بذنب السفيه الجاهل، فكفوا أيها الناس سفهاءكم قبل أن يشمل البلاء عوامكم، وقد ذكر لي أن رجالاً منكم يريدون أن يظهروا في المصر بالشقاق والخلاف، وأيم اللَّه لا يخرجون في حي من أحياء العرب في هذا المصر إلا أبدتهم وجعلتهم نكالاً لمن بعدهم، فنظر قوم لأنفسهم قبل الندم، فقد قمت هذا المقام إرادة الحجة والإعذار.

فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: أيها الأمير هل سمى لك أحد من هؤلاء القوم، فإن كانوا سموا لك فأعلمنا من هم، فإن كانوا منا كفيناكهم، وإن كانوا من غيرنا أمرت أهل الطاعة من أهل مصرنا فأتتك كل قبيلة بسفهائها!! فقال: ما سمي لي أحد منهم، ولكن قد قيل لي إن جماعة يريدون أن يخرجوا بالمصر، فقال: معقل أصلحك اللَّه، فإني أسير في قومي، وأكفيك ما هم فيه، فليكفك كل امرىء من الرؤساء قومه، فنزل المغيرة، وأرسل إلى الرؤساء، وقال لهم: لكيفيني كل امرىء من الرؤساء قومه، وإلا فوالذي لا إله غيره لأتحولن عما كنتم تعرفون إلى ما تنكرون، وعما تحبون إلى ما تكرهون، فلا يلم لائم إلا نفسه، وقد أعذر من أنذر، فخرجت الرؤساء إلى عشائرهم فناشدوهم اللَّه والإسلام إلا دلوهم على من يرون أنه يهيج فتنة أو يفارق جماعة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply