الإنسان لا يملك إسقاط حقـّه في الحياة بإهلاك ذاته أو إنهاء حياته بيده أو إتلاف أي عضو من أعضاء جسمه وهذا ما أقرّه جمهور الفقهاء.
حافظ الشرع الحنيف على النفس الإنسانية ودعا إلى تنشئة حياتنا بعيداً عن كل ما يسيء إليها ويؤذيها ويلحق الضرر بهاº لان الإنسان اصل المجتمعات والحضارات والرقي، لذا حرص الشرع الحنيف على المحافظة عليها سليمة معافاة· فالمطلوب حفظ النفس على عصمة الشخصية الإنسانية في عناصرها المادية والروحية, والهدف إبقاء الفرد سليماً كي ينجز المهمة التي أوكلت إليه وهي عمارة الكون والاستخلاف في الأرض· وبكل أسف نجد الكثير من فتياتنا وفتياننا يهملون حفظ الصحة فيغرقون في لهو موهوم من الشراب والدخان والسهر وهي كلها آفات اجتماعية تلحق الضرر بالنشء والشباب وتضر الأمة جمعاء حيث تنهدم الصحة وتُنهك الأجساد وتُقتل النفس وكل ذلك يقود إلى تخلف المجتمع وانحلاله وتقصيره من لعب دوره الحضاري فيحتل مركزاً متأخراً بين الأمم والشعوب·
لذا كانت عملية إزهاق النفس الواحدة بعد انهاكها كأنما هي إزهاق النفس الإنسانية جمعاء· وان إحياءها بحكم إحياء الناس جميعاً· فالمحافظة على النفس سليمة فاعلة في المجتمع من تعاليم الإسلام الأساسية حيث جاء في الذكر الحكيم: من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً \"المائدة: 32\"·
العناصر المعنوية والمادية:
والناس ملزمون بالحفاظ على النفس سليمة صحيحة· ومقومات الشخصية الإنسانية عنوانان أساسيان، المادية والمعنوية· والعناصر المادية للشخصية الإنسانية تؤلف مجموعة سلامة الجسم وحق الحياة وصيانة الأعضاء من البتر والإتلاف والضرب والجرح· كما أن العناصر المعنوية تؤلف مجموعة الصفات من الكرامة والفكر والاستنباط وتوظيف العقل في مجالات العلم والاختراع والمعتقدات والحريات العامة·
نجاة الإنسان وفق روح الشرع الإسلامي هي المقصد الأساسي الذي ترتد إليه سائر المقاصد الأخرى في التشريع· فكان حق الحياة وتنميتها تحتل أعلى مراتب التكليف سواء بالنسبة للمكلف نفسه ام في مواجهة الناس كافة·
والمعنى الأساسي للوجود انه على الإنسان أن يحيا لأنه مخلوق من اجل غاية معينة فليس الخلق عبثاً حيث جاء في الذكر الحكيم: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون \"المؤمنون: 115\"· فالخالق - سبحانه وتعالى - أوجد الإنسان في هذه الدنيا من اجل رسالة عليه أن ينفذها ويتممها فقال – تعالى - وهو خير القائلين: \"وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما بلاعبين \"الدخان: 38\"·
إذن علينا أن نحافظ على أنفسنا ونكرم النفس الذي أوجدها الخالق - سبحانه وتعالى - فينا، ونمتنع عن الإساءة لأنفسنا وارتكاب الآثام والجرائمº لان الإنسان في النهاية سوف يخضع للحساب مهما طال الزمن والحساب سوف يكون دقيقاً كما سيكون عسيراً \"أيحسب الإنسان أن يترك سدى \"القيامة: 36\"·
حياة الإنسان ليست ملكاً خاصاً:
وجاء في الشرع الإسلامي الحنيف بان عصمة النفس الإنسانية حق وواجب معاً· فحق الإنسان أن يحيا سليماً وواجبه أيضا أن يحافظ على حقه في الحياة,فيحافظ على الحياة نفسها· فحق الحياة أولاً حق خالص لله – تعالى - في حياة كل إنسان كما قضت بذلك أمانة التكليف لعمارة الدنيا وهدف الاستخلاف في الأرض· نستنتج مما تقدم أن حياة الإنسان ليست ملكاً خالصاً له, وإنما هي حق لباريها, وخالقها·
ومظهر الحياة وجود الروح في الجسد· وهذه الروح التي أوجدها الخالق - عز وجل - لتسبب الحياة، تعود إلى باريها عند نهاية الحياة، فمن أوجدها يستردها عند تسلم الروح حيث جاء في الذكر الحكيم: \"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي \"الفجر: 27 - 30\"·
فالإنسان لا يملك إسقاط حقه في الحياة بإهلاك نفسه أو إنهاء حياته بيده أو إتلاف إي عضو من أعضاء جسمه· وهذا المبدأ أقره جمهور الفقهاء فقال الإمام الشاطبي: \"ونفس المكلف داخلة في هذا الحق، حق الله تعالى، إذ ليس له التسليط على نفسه ولا على عضو من أعضائه بالإتلاف، (الموافقات ص 322\"، واستمد جمهور الفقهاء الأجلاء المبدأ السابق من مبدأ الحفاظ على الحياة والنفس إلى الشرع الحنيف حيث جاء في الذكر الحكيم: \"ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً \"النساء: 29\"· فهذا النهي واضح وصريح انه أمر الهي فعلى الإنسان صون حياته ونفسه بالحفاظ عليهما وتجنب ما يضرهما ويقربهما من الهلاك·
تجنب كل ما يضر بالصحة والنفس:
وهذه غاية حديثنا اليوم، إذ ينبغي أن نتجنب كل ما يضر بالصحة والنفس من عربدة وفحش وسهر ودخان وشراب وكل ما يسيء إلى النفس· فغاية الشرع الحنيف الحفاظ على صحة سليمة ونفس سليمة حيث جاء في الذكر الحكيم: \"وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين \"البقرة: 195\"، فقتل النفس حرام سواء إذا قتل المرء نفسه أو قتل غيره بلا سبب شرعي أو مسوغ قانوني:ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون \"الأنعام: 151\" ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذاباً عظيماَ \"النساء: 93\"· فالشرع الحنيف منع قتل النفس قصداً وعمداً أو بقصد الانتحار· فالروح أمانة لدى الإنسان استودعها الخالق في نفسه لفترة زمنية معينة ثم يستردها ولذا فلا حكم لصاحبها عليها·
ومن أبشع أنواع قتل النفس: الانتحار، ومن يفعل ذلك فعقابه جهنم وبئس المصير وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انه حدث فقال: \"من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً· ومن قتل نفسه بسم فسمه يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً· ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو متردٍ, في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً\" (صحيح البخاري)·
وملخص فلسفة التشريع الإسلامي بالنسبة للحق في الحياة وصون تلك لحياة متعلقة بحقائق وجوده:
1 - مركز الإنسان في الكون وما سُخر له من سماوات وارض وما بينهما كي يتمكن من أداء مهمته الكبرى التي اقتضتها أمانة التكليف من عبادة الخالق عز وجل: \"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون \"الذاريات: 56\" وعمارة الدنيا وإقامة العدل فيها بما يحقق مصلحة الإنسانية العليا وما يحقق المصالح الذاتية ضمن حدود الشرع الحنيف·
2 - إعداد المخلوق إعداداً فطرياً وكمال في الخلق وبنية سليمة وجسداً وعقلاً ووجداناً وإرادة حرة ومقدرة تبلغ مستواها في الاستطاعة والتنفيذ·
3 - استخلافه في الأرض مفضلاً على سائر المخلوقات وهداية بعد إبلاغه برسالات الأنبياء والمرسلين وإيمانه المطلق بان الخالق سبحانه وتعالى له الأمر كله: ألا له الخلق والأمر تبارك رب العالمين \"الأعراف: 54\" وان عليه الإطاعة والتنفيذ·
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد