من المعروف لدى عقلاء طلاب العلم و نبهائهم أن العلم متشعب متفرِّع. و هذا عام في كل فن من فنون العلم.
و ذاك التشعب و التفريع نعمة كبرى إذا كان من باب التفريع المعوَّل على أصل العلم، و هما متضمنان خلافاً في المسائل التي هي تفريع على الأصل.
و الخلاف قسمان:
الأول: خلاف تضاد.
الثاني: خلاف تنوع.
و الأصل في علماء الإسلام _ عموماً _ أن الخلاف فيهم هو من النوع الثاني.
و أما النوع الأول فقليل القائل به، و لم يقل و لن يقول به إلا من تلبس بهوى، و شهوة نفس، هذا أصل سار عليه علماء السنة _ خاصة _ و سائر علماء الدين. لكن لما ضاق الأفق في بعض الناس _ المنتسبين للعلم _ بذاك النهج، و قد تلبَّسَ _ مسبقاً _ بـ ( الإمبراطورية ) النفسية، ضيق المسائل الخلافية، و جعلها أمراً مجمعاً عليه، ناسفاً بذلك كل قولٍ, و كتاب و مذهب اعتمد القول الذي خالف ما حققه بعض (النكرات).
فكان من ذلك أن أطلق للسان العنان، و شهر صارم قَلَمِه، و مُظهِراً سطرَ كتابه على كل من خالف قوله (المُحقَّق)، و أصبحت القاعدة الأساس عنده هي القاعدة البوشية [ من لم يكن معي فهو ضدي ]، فحجَّر بجهله الواسع ، و ضيَّق الشاسع، و تلك بلية ( الأقزام )، و آفة ( الذبابيين ).
فإذا ما قال ( عالم ) قولاً له فيه ( إمام ) سابقٌ له بالقول بهذا الرأي إلا و انبرى له من ( الأقزام ) من هدَّ كيانه، و نسف بنيانه، و السبب الدافع لذاك ( النسف ) هو مخالفته ما تقرَّر عند ( الطِّوال ) الذين تبنوا كفالة ( غلمان ) الكتاتيب.
و إن كان في الأمر إنصافاً، و سعياً للحق لكان الهجوم على القائل به أولاً لا من قاله مقلِّداً، بغضِّ النظر عن كون نهج أولئك ( الأقزام ) خالفوا الكتاب في: ( الإنصاف ) و ( العدل ) و( إتباع الحسن من القول ) و ( الحكمة في الطرح ).
و ثمة سؤالات تتبادر إلى ذهن طالب الحق و هي:
هل المُعتَبَرُ في العلم ما حققه المعاصرون؟ و هل الخلاف سُدَّ بابه حين تبنى أحدٌ قولاً من الأقوال؟ و هل الخلاف ( التنوعي ) يكون خلافاً ( تضادياً )؟ و هل ( الهجران ) و ( التضليل ) و ( التبديع ) يكون في المسائل الفرعية؟ و هل مخالفة عالم لرأي آخر تُعَدٌّ مسوغةً لـ ( التضليل ) و ( التفسيق )؟
أسئلة أطرحها على كل ( قزم ) ناطح ( طويلاً ).
الكل يرى بين فينات عدَّةٍ, أطروحات ردودية على كبارٍ, من المشتغلين بالعلم في مسائل فرعية الخلاف فيها سائغ، و لِيُلحَظ أن الردَّ على من لم يسلك مسالك( الأقطاب ) المبجلين عند بعض الناس.
الأمر في الخلاف ( التنوعي ) واسع، فلابد من مراعاته مراعاةً تليق به، يُحتَفى فيها بالمُخالف.
و العجبُ أن أصاب بعض العلماء خوفٌ من إبداء أقوالٍ, خلافية بين طلاب العلم بسبب التصرفات ( الصبيانية ) التي يقوم بها بعض ( المتعالمين ).
و لو كان الرد من ( فاقِهٍ, ) و ( نابهٍ, ) لكان الخطب هيِّناً، لكن و الأمر خرج من ( غلمان ) الكتاتيب، و ذوي الفهاهة، و أرباب السفاهةº فما نقول إلا ( الله المستعان ).
بل لو كان الرد و النقض من ( الغلمان ) محفوفاً بـ ( الإنصاف ) و ( العدل ) و ملازماً ( الأدب ) و ( الخلق ) مع ( المخالف ) لكان مقبولاً.
و لكن تخلَّفَت كل تلك المُؤملات فانبرى ( الغلام ) قاتلاً ( السيد )، و استطال ( الوضيع ) ناطحاً مقام ( الشريف ).
فلا الأسد أصبح سيد الغاب، و لا حاكى مشيَ الطاووس الغرابُ.