ووسط هذه الغيوم الملبدة، و وسط هذا الظلام الحالك، لاحت بشائر الخير و لمعت خيوط فجر من بعيد آتية من جهة يثرب، و ذلك عندما عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه على نفر من الخزرج فاستجابوا لدعوته
وكانت اليهود أحد الجماعات التي تسكن يثرب و هم أهل كتاب- فأشعلوا في يثرب أن نبيا في العرب سيبعث، و حان وقت ظهوره، و أنهم سيتبعونه و ينتصرون به على العرب(الأوس و الخزرج)فلما عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه عليهم و كانوا ستة تذكروا مقالة اليهود لهم، فقالوا: و الله إنه للنبي الذي توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه إلى الإسلام، و واعدوه اللقاء العام القادم، و رجعوا إلى قومهم يدعونهم إلى الإسلام فاتبعهم فريق منهم و سرعان ما انتشر الإسلام في يثرب فلم تبق دار من دور الأنصار إلا و فيها خبر عن الدعوة الإسلامية و رسولها.
و في موسم الحج التالي وفد على مكة اثنا عشر رجلا من مسلمي يثرب عشرة من الخزرج و اثنان من الأوس، تقابلوا مع رسول الله عند العقبة و بايعوه بيعة عرفت في التاريخ الإسلامي ببيعة العقبة الأولى أو الصغرى بايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئا و لا يسرقوا، و لا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيدهم و أرجلهم و لا يعصوه في معروف، فقال لهم الرسول: إن وفيتم فلكم الجنة، و إن نقضتم، فأمركم إلى الله - عز وجل - إن شاء عذب و إن شاء غفر، و عرفت هذه البيعة ببيعة النساء لأنها على نفس الشروط التي بايعت النساء عليها رسول الله بعد فتح مكة.
و أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم مصعب ابن عمير ليقرئهم القرآن و يعلمهم أمور دينهم، فكان أول سفير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و نجح مصعب في نشر الدعوة الإسلامية و دخل أهل يثرب في دين الله أفواجا، و لم يمر عام على مصعب بها، و لم يبق دار من دورها إلا و فيها رجال مسلمون و نساء مسلمات، بل دخلت قبائل بأكملها رجالها و نسائها، صغارها و كبارها في الإسلام دفعة واحدة.