بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري حين يحين الأجل هل سنلقى المولى بما يليق بعظيم قدره - سبحانه -، أم بما يليق بضعفنا وقلة حيلتنا؟ ولا أدري وأنا أتابع رحيل ولاة أمرنا وعلمائنا هل كنا نبكي فراقهم أم نبكي ضعفنا وقله حيلتنا.. ؟ ولا أدري إن كنت من زمرة البخلاء، ممن لا يقدموا إلا ليأخذوا، ولا يزرعوا إلا ليحصدوا، وأننا ما ابتسمنا إلا لنشكر، وما صبرنا إلا لنحمد، وأننا قد نكون خالين الوفاض من كل خير ندعيه.. ولكنني بالتأكيد أدرك أننا بحاجة اليوم، كما يوم اللقاء لستر وعفو الله الستار الغفار.
بالأمس القريب رحل الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود عنا تاركاً خلفه صفحات نيرة، وبعد رحيله - رحمه الله - بأيام فارقنا الشيخ الجليل أحمد بن حسين الديدات الذي قضى عمره في خدمة الله ونصرة دينه، تقبّل الله منه ورفع درجاته، وجعله اليوم في حال أفضل من حاله في هذه الدنيا، إنه سميع مجيب الدعوات..
ولأن العالم تابع خبر وفاة الشيخ أحمد الديدات عبر شرائط إلكترونية ما كادت تظهر حتى تختفي، كان لزاماً أن أتوقف معكم عند سيرته، وهو صاحب الفضل على طلبة العلم.. فقد استفاد من علمه الكثيرون، كما استنارت من فكره العقول.
إن علاقتي بهذا الشيخ الجليل بدأت في مراحل دراستي العليا، والتي لولا الله ثم تخصصي الدقيق في مقارنة الأديان، ما توقفت على أرضه، ولا طرقت بابه.
الشيخ أحمد الديدات.. رجل عصامي، بنى ثقافته بفضل الله، فقد كان يافعاً.. كما كان نابغة، عندما ترك مقاعد الدراسة استجابة لنداء الواجب، الذي حتّم عليه التوجه للحياة العملية، لعله يسعف أسرته الفقيرة ببضع لقيمات، وهناك وجد طريقه الذي استمر معه وعليه إلى آخر أيامه.
ففي وطنه (جنوب إفريقية) الذي رفع راية التفرقة العنصرية، واجه وبكل عنفوان عنصرية مضاعفة، فهو من ناحية هندي الأصل يحمل بشرة لا تطيب للصفوة الحاكمة آنذاك، ومن ناحية أخرى مسلم الديانة.. ومن أسرة فقيرة اضطرت لنزع ابنها المتفوق من مقاعد الدراسة.. وفي سن مبكرة فقد كانت بحاجة لحصاد يده..
وهو وإن كان - كما أعلم- لم يتوقف للحديث عن تجربته مع العنصرية من جانبها الجيني، إلا أن العنصرية من جانبها العقدي أثارت فيه الحماس والغيرة، فدأب على دراسة كل ما من شأنه توضيح الحقائق تجاه من سخر من الإسلام، واستطاع -ومن خلال جهد دعوي استمر ثلاثة عقود- تقديم مئات المحاضرات والمناظرات مدعمة بالأدلة. وكتب ونشر عدداً لا يُستهان بها من الكتب أغلبها يتعلق بمناقشة أهل الكتاب.
إن تمكّنه في مجال الدعوة أقلق المعاهد التبشيرية العالمية، فعمدت إلى دراسة إنتاجه الفكري وتدريب المبشرين على الكيفية التي- قد- تقلّل من الخسائر المترتبة على نشر علمه، كما كان له اهتمام واضح بالقضية الفلسطينية فنشر كتاب (العرب وإسرائيل صراع أم وفاق.. ؟)، إضافة إلى أنه كان دائم التطلّع إلى المسلمين.. يثير حماسهم لطباعة معاني القرآن باللغة الإنجليزية وباللغات الحية، ومن ثم نشره على نطاق واسع.
أنشأ - رحمه الله - مؤسسة السلام لتدريب الدعاة، وكان عضواً مؤسساً لـ(المركز العالمي للدعوة الإسلامية) ورئيساً له لسنوات، كما لم يتوقف همه على هداية الناس لطريق الحق، بل عمد إلى إنشاء معاهد مهنية تهدف لتدريب المهتدين إلى الإسلام على حرف مثل النجارة والكهرباء، لعلهم يجدون فيها العون لهم ولأسرهم بإذن الله.
قضى هذا الشيخ الجليل قرابة عشر السنوات الأخيرة من عمره طريح الفراش بسبب شلل أوقف أعضاءه عن الحراك.. ومع هذا كان قادراً برحمة الله على التواصل مع الآخرين عبر لغة تشبه لغة النظام الحاسبº إذ كان يحرك جفنيه وفق جدول أبجدي يختار منه حروفاً تنتهي بكلمات، ثم بجمل كان لها نفس الأثر الفاعل في نفوس زوّاره لكلمات خرجت يوماً ما من حنجرته، وبقي أن أشير هنا إلى أنه في عام 1406هـ 1986م نال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام..
إن ما يلفت النظر في هذا الشيخ - رحمه الله - ليس فقط علمه وتفانيه في خدمة دين الله، بل أيضاً صبر وإيمان ويقين بالله استمر معه في كل ظروفه وفي كل أحواله في العسر كما في اليسر..
اللهم أسألك بجلالك وعظيم سلطانك أن تهب لي وللمسلمين حسن الخاتمة إنك سميع مجيب الدعوات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد