\ راضي صدوق \ .. دروس في الصبر والأدب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث عن \"راضي صدوق\" وعن أدبه، هو الحديث عن البحر بلا حرج، فهو الناقد البصير، والكاتب القدير، والصحافي اللماح، القاص وكاتب السير، وقارئ التاريخ ومستوعبه.وهو رجل ذو ملكات، قلما اجتمعت في فرد.

 

عمل في الصحافة والإعلام في العديد من البلدان العربية منذ أكثر من أربعين عاماً إضافة إلى كونه شاعراً ودارساً وناقداً وكاتباً للقصة والمقال، إضافة إلى مؤلفاته التي تتسم بالتنوع، ففيها الشعر والدراسة الأدبية والدراسات التاريخية إلى جانب القصة والرواية، وهو الآن يقيم في إحدى ضواحي مدينة \"لوس انجلوس\" بولاية كاليفورنيا بأمريكا منذ العام 2003.

 

من هو:

ولد راضي صدوق في مدينة طولكرم بفلسطين عام 1938م، وعمل في التدريس مدة عامين، ثم دخل الصحافة عن طريق الأدب وشغل خلال رحلته الصحفية مواقع عديدة، منها:

رئيس تحرير مجلة \"رسالة الأردن\" الأسبوعية الصادرة عن وزارة الإعلام الأردنية، ورئيس تحرير مجلة \"حماة الوطن\" الشهرية الناطقة بلسان الجيش والقوات الكويتية المسلحة، ومدير عام ورئيس تحرير جريدة \"الأيام\"، وهي أول جريدة يومية صدرت باللغة العربية في روما.

رئيس تحرير مجلة \"الرائد العربي\" الأسبوعية، كما أنشأ جريدة \"الهدف\" الأسبوعية الكويتية عام 1961 وجريدة \"الوطن\" وجريدة \"السياسة\" الكويتيتين وعمل مديراً لتحريرهما. كما أنشأ مجلة \"البيان\" الشهرية الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتيين.

 

عمل في الإعلام مستشاراً ثقافياً للإذاعة الأردنية، وانتدب مع زميل آخر لتأسيس الإذاعة القطرية، كما عمل في الإذاعة السعودية مشرفاً على إدارة الأحاديث والثقافة، ومنها نقل للمساهمة في تأسيس منظمة إذاعات الدول الإسلامية وشغل منصب المدير البرامجي للمنظمة.. إضافة للعديد من المناصب والعضويات النقابية في اتحادات الكتاب والصحفيين.

 

يكتب الشعر والقصة والرواية والدراسات الأدبية والتاريخية، ومن إنتاجه المطبوع:

ديوان \"كان لي قلب\"، صدر عن دار الكاتب العربي، بيروت 1962، و\"ثائر بلا هوية\"، دار الكاتب العربي، بيروت 1966، و\"النار والطين\"، دار الآداب، بيروت 1966، ديوان \"بقايا قصة الإنسان\" دار العودة، بيروت 1973، ديوان \"أمطار الحزن والدم\" بيروت 1978، ديوان \"الحزن أخضر دائماً\" دار كرامة للنشر، روما 1991، ديوان \"رياح السنين\" دار كرامة للنشر، روما 1994، كما قد للمكتبة العربية عمله الضخم \"ديوان الشعر العربي في القرن العشرين\" (توثيق أنطولوجي للشعراء العرب المعاصرين يقع في 5 آلاف صفحة، صدر المجلد الأول عام 1994 عن دار كرمة للنشر في روما)، كذلك قدم كتابه \"شعراء فلسطين في القرن العشرين/ توثيق أنطولوجي\" المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2001، وكتابه هوامش في الفكر والأدب والحياة، وزارة الثقافة، عمان (الأردن) 1989، و\"نظرات في الأدب السعودي الحديث\"، دار طويق للنشر، الرياض 1991.

 

شيوخه:

كان العالم الكبير الشيخ \"علي الطنطاوي\" - رحمه الله - من أبرز من تأثر بهم راضي صدوق في مسيرته الأدبية، وقد داعبه الشيخ ذات مرة في برنامجه التلفزيوني التلفزيون الشهير قائلاً إن اسم \"راضي صدوق\" خطأ في اللغة والصحيح أن يكون \"راضٍ, صدوق\".

كما تتلمذ الأستاذ صدوق على نصوص وعلى نماذج من الشعر العربي والنثر العربي القديم، فهو كما يقول عن نفسه وعن تكوينه الأدبي:

\"أنا ابن قراءاتي الدائبة المكثفة العميقة المبرمجة، أما أساتذتي في المدرسة في المرحلة الابتدائية فكان لبعضهم دور تحبيبي في اللغة العربية وإرشادي إلى بعض المناهل التي يمكن لمثلي أن يردها، لكنني كنت أفتقد المناخ الأدبي في بلدي، كانت بلدة صغيرة تخلو من المحاضرات والندوات والعلماء والأدباء.

 

وخاصة أنني نشأت في مرحلة حرجة، مرحلة نكبة عام 1948م، كان الناس في تلك المرحلة يلهثون وراء رغيف الخبز، وكان الكتاب المدرسي عزيز المنال فكيف بكتاب المطالعة، لهذا لم أجد المناخ الذي يمكن أن أقول إنني تتلمذت عليه، والمناخ الأساتذة والعلماء بعض من عناصره، لكن في جريدة الدفاع عملت في وقت مبكر، هذه الجريدة كانت عبارة عن حاضنة لنخبة من كبار المفكرين، وكان مدير تحريرها الأستاذ علي منصور، رجلاً من مصر، كان شاعراً لكنه مغمور بكل أسف، وتوفي بفلسطين، كان شاعراً عملاقاً وكان يعمل مديراً لتحرير هذه الجريدة اليومية.

 

كذلك الأستاذ يوسف حنا (رجل من مصر) كان صديق الصبا للأستاذ مصطفى صادق الرافعي، وقد هاجر من مصر وجاء مع اللورد النبي كسكرتير خاص له عام 1914 م واستوطن فلسطين ولكنه توفي وعمره فوق التسعين وهو يتكلم المصرية، لم يغادرها إطلاقاً، يوسف حنا كان أطرش، وفي مراسلات بينه وبين الرافعي، لعل بعض الإخوان قرأ رسائل الرافعي إلى الشيخ أبي ريا، حين راسل الرافعي الشيخ أبي ريا، في هذا الكتاب رسالة صغيرة عن يوسف حنا يقول: (إنه شخصية سبخة لزجة موحلة لا تنتج).

 

 لكنه كان عملاقاً في الكتابة السياسية وكان يقرأ الأدب القديم ويتابع آخر ما يصدر باللغة الإنجليزية، أيضاً الأستاذ حسين فخري الخالدي من كبار المفكرين بفلسطين أصبح رئيس وزراء الأردن.

 

أيضاً الأستاذ الدكتور \"محمد أديب العامري\"، أصبح وزير الإعلام، الأستاذ الإيراني، الأستاذ إبراهيم الشنطي، الأستاذ خير الدين الزركلي، كان سكرتيراً لتحرير جريدة الدفاع... في هذا المناخ بدأت حياتي الصحفية وتتلمذت على هؤلاء، كان معنا الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي محرراً صغيراً وكان يتعلم في هذه الجريدة، وكذلك هناك صحفيون عمالقة ورجال سياسة أصبحوا رؤساء وزارات في الأردن تخرجوا من هذه الجريدة، هذه الجريدة بمناخها الفكري والسياسي والأدبي، وأنا في سن مبكرة جداً تتلمذت عليها، ومن حسن حظي، بعيداً عن التواضع، أنني أصبحت سكرتيراً لتحريرها وأنا دون العشرين، وكنت أتعامل مع هذه النخبة من الناس الطيبين\".

 

الصبر والدأب:

وحينما سئل راضي صدوق عن الطريقة المثلى لتنشئة جيل جديد من أدباء العرب والمسلمين في عصرنا هذا الذي طغت فيه الماديات واندرس فيه كثير من المعاني الأدبية فأصبح الأدب العربي الإسلامي قليل الثراء فكرياً ومعنوياً كماً وكيفاً.. أشار إلى تجربته الشخصية وما صاحبها من صبر ودأب على طريق التحصيل العلمي قائلا: \"أنا أعترف بتواضع، وأصحبه بالتوجيه أو بالنصح، ولكن تجربتي الخاصة، أنني منذ البداية لمست في نفسي حب القراءة فأقبلت على القراءة من منابعها الأصلية ليس قراءة المجلات ولا الصحف، في المرحلة الإبتدائية قرأت كتب الجاحظ، قرأت كتب أبي حيان التوحيدي، كليلة ودمنة، بدأت من المنابع العربية الأصيلة، وقرأت الشعر العربي الأصيل، وتابعت نفسي، كنت أحب اللغة العربية، وهذا الحب ربطني بتراثها وأوابد الكتب القديمة، فأنا أعتقد أن أيما شاب يأنس في نفسه موهبة للكتابة عليه أن يبدأ بإتقان السلاح أو الآلة الأساسية في الكتابة، اللغة، بكل أسف نحن نلاحظ الآتي:

أن كثيراً من الأدباء وكثيراً من أساتذة الأدب في كليات الآداب في كثير من الجامعات العربية يخطئون في القواعد ويخطئون في الإملاء، بكل أسف، ويجب أن نعترف بهذا..

اللغة العربية وإتقانها إتقاناً كاملاً أساس في بناء الأديب، اللغة قواعداً ولغة وبلاغة وبياناً، بعد ذلك لا بد من القراءة والارتباط بنبع التراث العريق، الارتباط بالتراث يبني الشخصية ويشكل ضوابط في داخل الإنسان الشاب الموهوب، ويمنعه من السقوط في تيارات محدثة وافدة، فأعتقد أن هذه هي الطريقة، لا بد من اللغة والقراءة العميقة في تراثنا والانفتاح على التيارات المعاصرة أيضاًº لكن انفتاح الإنسان الحذر حتى لا يسقط بعيداً في مهاو تنأى به عن خصائص الشخصية العربية\".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply