بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا، وعلى أتباعهم الذين ورثوا العلم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثا وموروثا أما بعد،فهذه كلمات سطرها القلم، والقلب ملئه الحزن والأسى، علَّها تجلب دعوة من صالحٍ, لشيخي الأسير أبى عبد الرحمن مدين بن إبراهيم - فرج الله عنه الذي مر عليه أكثر من شهر ونصف في محبس مظلم بغير جريرة أو ذنب إلا دعوة الناس إلى التوحيد والسنة، فإلى الله المشتكى، مما يعانيه أهل الحق في زمان الغربة الثانية، فاللهم رحماك، ووفاءً بحق شيخي الذي لا يعرفه كثير من إخواننا أهل مصر وهم أحق الناس بمعرفته، فهذه ترجمة موجزة جمعت مادتها عبر سنوات أربع من القرب من الشيخ فك الله أسره -، وربما لم تكن وافية بكل جوانب حياته، وعذري في ذلك أن الرجل - حفظه الله - قليل الحديث عن نفسه، فأقول والله المستعان:
هو شيخي القدوة معلم الخير بقية السلف أبو عبد الرحمن مدين بن إبراهيم بن محمد ولد بقرية بساط على مقربة من مدينة المنصورة بمصر، ونشأ في بيت أسرته طفلا فصبيا فشابا محبوبا ممن حوله لدينه وخلقه، وما عرف عنه من حسن الخلق وصفاء السريرة، كان شيخنا فرج الله عنه محبا لدينه شغوفا بتعلمه وتعليمه باحثا عن الخير أنَّى وُجد، وبعد دراسته للإعدادية تاقت نفسه للفقه في الدين ففكر أن يحول أوراقه إلى الأزهر لإتمام الثانوية ثم الجامعة به علَّه يستفيد منه في جوانب العلم الشرعي لكن الله - تعالى - لم ييسر له ذلك لظروف عدة، فاضطر لإكمال الثانوية العامة وفى خلالها يكن قد عرف أحدا من دعاة السنة بعد فجرب مسالك عدة لكنه ما استراح لها كدعوة الإخوان وغيرها، ثم في آخر أعوامه بالثانوية العامة كان أحد زملائه قد عرف عنه بالتفقه في دين الله - تعالى - وتوقانه إلى أن يكون من الدعاة إلى الله على بصيرة وكان أخو هذا الزميل طالبا بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فدل هذا الزميل شيخنا على الالتحاق بالجامعة، وعرض عليه المساعدة عن طريق أخيه الذي يدرس بها، فسر شيخنا - حفظه الله - وسعى في ذلك، وكان لا بد من تزكية من أحد المشايخ المصريين، فسافر الشيخ إلى القاهرة وقابل الشيخ سيد سابق - رحمه الله - للمرة الأولى وطلب منه التزكية فزكَّاه، ويسر الله لشيخنا - حفظه الله - السفر والالتحاق بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية وكان من شيوخه يومئذٍ, بالجامعة الشيخ عمر فلاته والشيخ حماد الأنصاري والشيخ عبد المحسن العبَّاد وغيرهم كثير، رحم الله موتاهم وحفظ الأحياء، كما استفاد شيخنا من حلقات العلم بالمسجد النبوي، وفى العطلة الصيفية كان شيخنا يقضى جزءا يسيرا منها في مصر ثم يعود إلى المملكة حيث يقضى ما تبقى منها في مدينة عُنَيزة لدى شيخه العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - وظل هذا ديدنه طوال سنيِّ الدراسة بالجامعة، ويذكر شيخنا أنه أول من أشار على الشيخ العباد - حفظه الله - بإقامة درس في المسجد النبوي كان يقرأ فيه في فتح الباري للحافظ بن حجر - رحمه الله - وقد استفاد شيخنا من عدد من الشيوخ في المدينة كالشيخ الغنيمان والشيخ محمد أمان الجامى والشيخ العبود كما استفاد من شيوخ عنيزة سوى الشيخ ابن عثيمين نذكر منهم الشيخ عبد الله الفالح - حفظه الله - والشيخ صالح البليهى - رحمه الله -.
وممن زاملهم الشيخ خلال فترة إقامته في المملكة الشيخ عبد الله السعد والشيخ حامد العلى والشيخ عاصم القريوتى والشيخ وليد الزبيري والشيخ عصام المرى وغيرهم كثير.
ورحل شيخنا إلى كثير من البلدان كالأردن حيث عمل إماما لأحد المساجد، وسوريا لفترة وجيزة زار فيها الشيخ عبد القادر الأرنؤوط - رحمه الله - في بيته، وقطر والإمارات ثم عاد إلى مصر ليقوم بما رآه واجبا عليه من نشر التوحيد والسنة والتحذير من الشرك والبدع، سائرا على منهاج النبوة، جاعلا ولاءه لله ورسوله والذين آمنوا، داعيا إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة وظل كذلك سنينا، إلا أن بعض الناس لم يرقهم ذلك فظلوا يمكرون به حتى كان ما كان من أسر الرجل من دون أي تهمة فإلى الله المشتكى.
والحديث عن الشيخ ذو شجون والقلم يعجز عن تسطير محاسنه، وحكاية فضائله، فالرجل سمتا وخلقا وتواضعا وبعدا عن الشهرة وهضما لنفسه نسيج وحده حقا، وبقية السلف الكرام صدقا، ولا أجد مثلا له في نهاية كلامي المقتضب الموجز عنه إلا قول بن منقذ - رحمه الله -:
حبسوك والطير النواطق إنـما........ حبست لميزتـها عن الأنـداد
وتهيبوك وأنت مودع سجنهـم....... وكذا السيوف تهاب في الأغماد
ما السجن دار مهانة لذوى العلا....... لكنـه كالغيـل لـلآسـاد
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
عمر الشيخ
-طارق
21:00:46 2022-09-28