الإمام القدوة محمد بن المنكدر


  

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمه ونسبه: هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن عبد العزى، ينتهي نسبه إلى تيم بن مرة بن كعب بن لؤي أبو عبد الله القرشي التيمي المدني.

مولده: ولد سنة بضع وثلاثين.

شيوخه: روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عمر وجابر وابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وأبي أمامة وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - ومن التابعين سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبى صالح ذكوان السمان.

تلامذته والرواة عنه: عمرو بن دينار والزهري وهشام بن عروة وأبو حازم الأعرج وموسى بن عقبة ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج ومعمر ومالك وشعبة والسفيانان والأوزاعي وابن أبي ذئب وأبو حنيفة وأمم سواهم.

 

ثناء العلماء عليه:

قال سفيان: كان من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون ولم يُدرَك أحدٌ أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - منه.

قال الحميدي: هو حافظ، وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة.

قال أبو حاتم البستي: كان من سادات القراء لا يتملك البكاء إذا قرأت حديث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء، قال مالك: كان ابن المنكدر سيد القراء. وقال أبو معشر: كان سيدًا يطعم الطعام ويجتمع عنده القراء. قال يعقوب الفسوي: هو غاية في الإتقان والحفظ والزهد حجة.

قال ابن الماجشون: إن رؤية محمد بن المنكدر لتنفعني في ديني.

قال الذهبي: الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام.

قال ابن حجر: ثقة فاضل.

من أحواله وأقواله: قال أبو القاسم اللالكائي: كان المنكدر خال عائشة فشكا إليها الحاجة، فقالت: إن لي شيئًا يأتيني أبعث به إليك، فجاءتها عشرة آلاف، فبعثت بها إليه، فاشترى جارية فولدت له محمدًا وأبا بكر وعمر.

قلت: فهو ابن خال عائشة، ولذلك سأل الترمذي البخاري عن سماعه من عائشة، فقال: نعم يقول في حديثه: سمعت عائشة.

قال الذهبي: إن ثبت الإسناد إلى ابن المنكدر بهذا فجيد. وذلك ممكن لأنه قرابتها وخصيص بها ولحقها وهو ابن نيف وعشرين سنة.

قال عكرمة بن إبراهيم عن ابن المنكدر أنه جزع عند الموت، فقيل له: لم تجزع؟ قال: أخشى آية من كتاب الله: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب.

قال ابن عيينة: كان لمحمد بن المنكدر جار مبتلى فكان يرفع صوته بالبلاء، وكان محمدٌ يرفع صوته بالحمد.

قال مالك كان محمد بن المنكدر لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا كان يبكي.

روى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر أنه كان يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه قومي ضعي قدمك على خدي.

روى أبو نعيم بسنده إلى ابن المنكدر قال: إني َللَيلة مواجه هذا المنبر في جوف الليل أدعو إذا إنسان عند أسطوانة مُقَنِّع رأسه فأسمعه يقول: أي رب إن القحط قد اشتد على عبادك وإني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم، قال: فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت ثم أرسلها الله وكان عزيزًا على ابن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير، فقال: هذا بالمدينة ولا أعرفه، فلما سلم الإمام تقنع وانصرف واتبعه ولم يجلس حتى أتى دار أنس فدخل موضعًا ففتح ودخل قال: ورجعت فلما سبحت أتيته فقلت: أدخل؟ قال: أدخل، فإذا هو ينجر أقداحًا، فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله، قال: فاستشهرها وأعظمها مني، فلما رأيت ذلك قلت: إني سمعت إقسامك البارحة على الله يا أخي هل لك في نفقة تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من الآخرة؟ قال: لا، ولكن غير ذلك لا تذكرني لأحد ولا تذكر هذا لأحد حتى أموت ولا تأتي يا ابن المنكدر فإنك إن تأتي شهرتني للناس فقلت: إني أحب أن ألقاك قال: ألقني في المسجد قال: وكان فارسيًا فما ذكر ذلك ابن المنكدر لأحد حتى مات. قال ابن وهب: بلغني أنه انتقل من تلك الدار فلم يُر ولم يدر أين ذهب، فقال أهل تلك الدار الله بيننا وبين ابن المنكدر، أخرج عنا الرجل الصالح.

قال سفيان: كان ابن المنكدر يقول: كم من عين ساهرة في رزقي في ظلمات البر والبحر، وكان إذا بكى مسح وجهه ولحيته من دموعه ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعًا مسته الدموع.

قال ابن المنكدر: بات أخي عمر يصلي وبت أغمز قدمي أمي وما أحب أن ليلتي بليلته.

قال ابن عيينة: تبع ابن المنكدر جنازة سفيه فعوتب فقال: والله إني لأستحي من الله أن أرى رحمته عجزت عن أحد.

قلت: الأصل ألا تتبع جنائز هؤلاء السفهاء والفسقة والمبتدعة، ولذلك أنكروا عليه وعاتبوه على صنيعه، لكن يجوز ذلك عند ظن المصلحة. والله أعلم.

قال ابن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استضاقت.

وقال أيضًا: إن الله يحفظ العبد المؤمن في ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته ودويرات حوله فما يزالون في حفظ أو في عافية ما كان بين ظهرانيهم.

وقال أيضًا: نعم العون على تقوى الله الغنى.

قال أبو معشر السندي: بعث ابن المنكدر إلى صفوان بن سليم بأربعين دينارًا، ثم قال لبنيه: يا بني ما ظنكم بمن فرغ صفوان بن سليم لعبادة ربه؟ قلت: صفوان بن سليم المدني أبو عبد الله الزهري عابد من العباد ثقة مفتي.

قيل لابن المنكدر: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان.

عن عمر بن محمد بن المنكدر قال: كنت أمسك على أبي المصحف، قال: فمرت مولاة له فكلمها فضحك إليها ثم أقبل يقول: إنا لله إنا لله، حتى ظننت أنه قد حدث شيء، فقلت: مالك؟ فقال: أما كان لي في القرآن شغل حتى مرت هذه فكلمتها.

قال عمر بن محمد بن المنكدر: بينا أنا جالس مع أبي في المسجد مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذ مر بنا رجل يحدث الناس ويفتيهم ويقضي، قال: فدعاه أبي، فقال له: يا أبا فلان إن المتكلم يخاف مقت الله - عز وجل - وإن المستمع يرجو رحمة الله - عز وجل -.

قال ابن المنكدر: ليأتين على الناس زمان لا يخلص فيه إلا من دعا كدعاء الغريق.

وقال: الفقيه يدخل بين الله وبين عباده فلينظر كيف يدخل.

قال بشر بن المغفل: جلست إلى محمد بن المنكدر فلما أراد أن يقوم قال: أتأذن، قلت: هذا هو أدب المجالسة ينتهي بالاستئذان.

أتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال: يا أبا عبد الله كأني أراك قد شق عليك الموت، قال: فما زال يهون عليه الأمر حتى إن وجهه لكأنه المصابيح ثم قال له محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك ثم قضى - رحمه الله -.

وفاته: توفي - رحمه الله - سنة ثلاثين ومائة أو بعدها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply