الخليفة المعتضد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ولد هذا الخليفة سنة مائتين وثلاثة وأربعين للهجرة, وولي الخلافة بعد عمه المعتمد سنة مائتين وثلاث وسبعين للهجرة. يصفه ابن كثير فيقول: كان أسمر نحيف الجسم معتدل القامة و كان شجاعا فاضلا حازما ذكيا, وكانت له فراسة.

فمن قصص ذكائه وشدته أنه مر في سفرة من أسفاره بقرية فصرخ صارخ منها يستنجد به. فاستدعاه المعتضد وسأله عن حاجته, فقال: لقد مر علي بعض غلمانك وأخذوا لي شيئا من القثاء. فعرض عليه الخليفة غلمانه فعرف منهم ثلاثة, فأمر الخليفة بتقييدهم وحبسهم.

وفي الصباح رأى الناس الثلاثة مصلوبين وقد قطعت رؤوسهم, فاستعظموا ذلك من الخليفة لأنهم لم يفعلوا ما يستوجب القتل وقال الناس: قتل الخليفة ثلاثة بسبب قثاء أخذوه! فجاءه أحد جلسائه وقال له: يا أمير المؤمنين إن الناس يستنكرون عليك تسرعك في سفك الدماء. فقال له المعتضد: وما ذاك؟ قال: قتلت ثلاثة بسبب قثاء أخذوه؟ فقال لا والله ما سفكت دما حراما إلا بحق منذ وليت الخلافة. وأما الثلاثة الذين صلبتهم فلم يكونوا الذين سرقوا القثاء بل هم من اللصوص الذين قتلوا وسرقوا فوجب قتلهم فبعثت من أتاني بهم من السجن وأريتكم أن الذين قتلتهم هم من سرقوا القثاء حتى لا يتساهل الجنود في الإفساد في الأرض وأخذ أموال الناس بغير الحق, ثم أمر بالذين سرقوا القثاء فأطلقهم بعد أن استتابهم.

 

وكان شجاعا مقداما, فهذا جعيف السمرقندي الحاجب يقول: انقطعت أنا و المعتضد في بعض متصيداته عن العسكر فإذا أسد قد خرج علينا فقصد قصدنا. فقال لي الخليفة: أفيك خير اليوم؟ قلت: لا والله, قال: ولا أن تمسك لي فرسي؟ قلت: بلى. قال الحاجب: فنزل المعتضد وأدخل طرف ثوبه في منطقته وسل سيفه واتجه نحو الأسد, فوثب الأسد نحوه فضربه المعتضد بالسيف فقطع يده. فاشتغل الأسد بيده فعاجله المعتضد وضربه على هامته فمات الأسد, فدنا منه المعتضد ومسح سيفه في صوفه ثم رجع إلي وعدنا إلى المعسكر.

 

يقول الحاجب فصحبته سنين فلم يحدث أحدا بهذه القصة, فلم أدر من أي شيء أعجب؟ أمن سكوته عن عدم افتدائي له وعدم معاتبتي على ذلك؟ أم من قوته وشجاعته؟ أم من عدم احتفائه وفخره بقوته؟

 

وكان للمعتضد فراسة فلقد روى الخطيب بسنده أن المعتضد دخل يوما إلى منزل له فإذا بابنه المقتدر جعفر جالس وحوله الوصائف والصبيان وبين يديه طبق من فضه فيه عنقود عنب, وإذا بالصبي يأخذ حبة عنب ثم يوزع على أصحابه من العنب. فتركه المعتضد وجلس في ناحية من البيت مهموما فجاءه خادمه وقال له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: والله لولا العار والنار لقتلت هذا الغلام, فقال الخادم: أعيذك بالله من هذا يا أمير المؤمنين. فقال: ويحك إن هذا الصبي غاية في السخاء وإن طباع الصبيان لترفض هذا, وإن الناس من بعدي لا يولون إلا من هو من ولدي, فسيلي عليهم المكتفي ولا تطول خلافته لعلة فيه ويموت ثم يليهم جعفر - الغلام - فيذهب جميع أموال بيت المال إلى الحظايا لشغفه بهن, فتضيع أمور المسلمين فتعطل الثغور وتكثر الفتن والهرج والخوارج والشرور. قال الخادم: والله لقد شاهدت ما قاله سواء بسواء.

 

بقي أن نقول أنه - رحمه الله - توفي ليلة الاثنين لثمان بقين من ربيع الأول من سنة مائتين وتسع وثمانين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply